Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 60-83)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ } أي لا تطيعوه في معصية الله . { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ ٱعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ } أي أغوى بالدعاء إلى المعصية { جِبِلاًّ كَثِيراً } قرأ علي رضي الله عنه ( جبلاً ) بالباء مخففاً ، وقرأ أهل المدينة وعاصم وأيوب وأبو عبيد وأبو حاتم بكسر الجيم والباء ، وتشديد اللام ، وقرأ يعقوب بضم الجيم والباء ، وتشديد اللام ، وبه قرأ الحسن وعبيد بن عمير وعيسى بن عمر والأشهب ، وقرأ ابن عامر وأبو عمرو بضم الجيم وجزم الباء مخففاً ، وقرأ الباقون : بضم الجيم والباء وتخفيف اللام ، وكلها لغات . معناه : الخلق والأُمة ، وإنما اختار أبو عبيد وأبو حاتم ضم الجيم والباء والتشديد ؛ لقوله تعالى { وَٱلْجِبِلَّةَ ٱلأَوَّلِينَ } [ الشعراء : 184 ] . { أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ * هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } تحذرون ، { ٱصْلَوْهَا } : ادخلوها { ٱلْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ * ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ } فلا يتكلمون . قال قتادة : جرى بينهم خصومات وكلام فكان هذا آخرها . أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين قال : حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال : حدّثنا أبو عامر حامد بن سعدان قال : حدّثنا أحمد بن صالح قال : حدّثنا عبد الله بن وهب قال : حدّثني عمرو بن الحرث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا كان يوم القيامة عرف الكافر بعمله ، فجحد وخاصم ، فيقال له : هؤلاء جيرانك يشهدون . فيقول : كذبوا . فيُقال : أهلك وعشيرتك . فيقول : كذبوا . فيُقال : احلفوا ، فيحلفون . ثم يصمتهم الله عز وجل ويشهد عليهم ألسنتهم ثم يدخلهم النار " . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن شنبه قال : حدّثنا الفربابي قال : حدّثنا هشام بن عمار قال : حدّثنا إسماعيل بن عياش قال : حدّثني ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن عقبة بن عامر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " أول عظم من الإنسان يتكلم يوم يختم على الأفواه فخذه من الرِجْل الشمال " . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا القطيعي قال : حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدّثنا أُبي قال : حدّثنا يزيد قال : أخبرنا الحريري أبو مسعود عن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يجيئون يوم القيامة على أفواههم الفدام وإنّ أول ما يتكلم من الآدميين فخذه وكفه " . { وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ فَٱسْتَبَقُواْ ٱلصِّرَاطَ } : فتبادروا إلى الطريق ، { فَأَنَّىٰ يُبْصِرُونَ } وقد طمسنا أعينهم ؟ قال ابن عباس ومقاتل وعطاء وقتادة : يعني ولو نشاء لتركناهم عمياً يترددون ، فكيف يُبصرون الطريق حينئذ ؟ { وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَىٰ مَكَـانَتِهِمْ } ، أي أقعدناهم في منازلهم قردة وخنازير ، والمسخ تحويل الصورة ، { فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ } إلى ما كانوا عليه ، وقيل : لا يستطيعون الذهاب ولا الرجوع . { وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّـسْهُ } ، قرأ الأعمش وعاصم وحمزة بالتشديد . غيرهم بفتح النون وضم الكاف مخففاً . أي يرده إلى أرذل العمر شبه حال الصبي الذي هو أول الخلق ، وقيل : يصيّره بعد القوة إلى الضعف ، وبعد الزيادة إلى النقصان ، وبعد الحدة والطراوة إلى البلى والخلوقة ، فكأنه نكس حاله . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حبيش المقرئ قال : حدّثنا أبو القاسم بن الفضل قال : حدّثنا محمد بن حميد قال : حدّثنا مهران بن أبي عمر عن سفيان : { وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّـسْهُ فِي ٱلْخَلْقِ } قال : إذا بلغ ثمانين سنة تغيّر جسمه . { أَفَلاَ يَعْقِلُونَ * وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ } لأنه يُورث الشبهة . أخبرني ابن فنجوية قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن إسحاق قال : حدّثنا حامد بن شعيب عن شريح بن يونس قال : حدّثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي عيينة عن أبيه عن الحكم قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بقول العباس بن مرداس : " أتجعل نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة " . قالوا : يا رسول الله إنما قال : بين عيينة والأقرع . فأعادها وقال : " بين الأقرع وعيينة " . فقام إليه أبو بكر رضي الله عنه فقبل رأسه وقال : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ } . وأخبرنا الحسين بن محمد الحديثي قال : حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال : حدّثنا يوسف بن عبد الله بن هامان قال : حدّثنا موسى بن إسماعيل قال : حدّثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن الحسن أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت : " كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهياً " . فقال أبو بكر : يا نبي الله ، إنما قال الشاعر : @ كفى الشيب والإسلام للمرء ناهياً @@ فقال أبو بكر أو عمر : أشهد أنك رسول الله ، يقول الله عز وجل : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ } . أخبرني الحسين قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن إسحاق المسيبي قال : حدّثنا حامد بن شعيب قال : حدّثنا شريح بن يونس قال : حدّثنا أبو سفيان عن معمر عن قتادة : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ } قال : بلغني أنّ عائشة سُئلت هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر ؟ فقالت : كان الشعر أبغض الحديث إليه ، قالت : ولم يتمثل بشيء من الشعر إلاّ ببيت أخي بني قيس طرفة : @ ستبدي لك الأيام ما كنتَ جاهلاً ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد @@ فجعل يقول : « من لم تزود بالأخبار » ، فقال أبو بكر : ليس هكذا يا رسول الله . فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " إني لستُ بشاعر ، وما ينبغي لي " . { إِنْ هُوَ } يعني القرآن { إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ * لِّيُنذِرَ } بالتاء ( وهي قراءة ) أهل المدينة والشام والبصرة إلاّ أبا عمرو ، والباقون بالياء ؛ قال : التاء للنبي صلى الله عليه وسلم والياء للقرآن . { مَن كَانَ حَيّاً } أي عاقلاً مؤمناً في علم الله ؛ لأن الكافر والجاهل ميّت الفؤاد ، { وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ * أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ } يعني عملناه من غير واسطة ولا وكالة ولا شركة ، { أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ } : ضابطون وقاهرون . { وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ } : سخرناها { فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ } قرأ العامة بفتح الراء أي مركوبهم ، كما يُقال : ناقة حلوب ، أي محلوب ، وقرأ الأعمش والحسن : بضم الراء على المصدر . أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حمدان قال : حدّثنا ابن هامان قال : حدّثنا موسى بن إسماعيل قال : حدّثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن عروة قال : في مصحف عائشة : ( ركوبتهم ) ، والركوب والركوبة واحد مثل : الحمول والحمولة . { وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ } لحمانها . { وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ } من أصوافها ولحومها وغير ذلك من المنافع . { وَمَشَارِبُ } يعني ألبانها { أَفَلاَ يَشْكُرُونَ * وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ } أي لتمنعهم من عذاب الله ، ولا يكون ذلك قط . { لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ } في النار ؛ لأنهم مع أوثانهم في النار فلا يدفع بعضهم عن بعض النار . { فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ } يعني تكذيبهم وأذاهم وجفاهم . تم الكلام ها هنا ثم استأنف فقال { إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ * أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ } جدل بالباطل { مُّبِينٌ } . واختلفوا في هذا الإنسان من هو ؟ فقال ابن عباس : هو عبد الله بن أُبيّ ، وقال سعيد بن جبير : هو العاص بن وائل السهمي ، وقال الحسن : هو أُمّية بن خلف ، وقال قتادة : أُبي بن خلف الجمحي ؛ وذلك أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم حائل قد بلي فقال : يا محمد أترى الله يُحيي هذا بعدما قد رمّ ؟ فقال صلّى الله عليه وسلم : " نعم ، ويبعثك ويدخلك النار " فأنزل الله هذه الآية : { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ } بدء أمره ، { قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } بالية ، وإنما لم يقل رميمة ؛ لأنه معدول من فاعله وكل ما كان معدولاً عن وجهه ووزنه كان مصروفاً عن إعرابه كقوله : { وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } [ مريم : 28 ] أسقط الهاء ؛ لأنها مصروفة عن باغية . { قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤنشَأَهَآ } : خلقها { أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخْضَرِ نَاراً } ، وإنما لم يقل الخضر ، والشجر جمع الشجرة لأنه ردّه إلى اللفظ . قال ابن عباس : هما شجرتان يُقال لإحداهما مرخ ، والأُخرى العفار . فمن أراد منهم النار قطع منها غصنين مثل السواكين ، وهما خضراوان يقطر منهما الماء فيسحق المرخ وهو ذكر على العفار أُنثى فتخرج منهما النار بإذن الله عز وجل . يقول العرب : في كل شجر نار ، واستمجد المرخ والعفار ، وقال الحكماء : كل شجر فيه نار إلاّ العناب . { فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ } النار فذلك زادهم . { أَوَلَـيْسَ ٱلَذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاواتِ وَٱلأَرْضَ بِقَادِرٍ } قرأ العامة بالألف ، وقرأ يعقوب ( بقدر ) على الفعل { عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم } ، ثم قال : { بَلَىٰ وَهُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ * إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً } أي وجود شيء ، { أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } .