Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 8-21)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ } نعمة { رَبِّكَ } يعني مفاتيح النبوة ، نظيرها في الزخرف { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ } [ الزخرف : 32 ] أي نبوة ربك { ٱلْعَزِيزِ ٱلْوَهَّابِ * أَمْ لَهُم مُّلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُواْ فِى ٱلأَسْبَابِ } أي فليصعدوا في الجبال إلى السماوات ، فليأتوا منها بالوحي إلى من يختارون ويشاؤن ، وهذا أمر توبيخ وتعجيز . وقال الضحاك ومجاهد وقتادة : أراد بالأسباب : أبواب السماء وطرقها . { جُندٌ } أي هم جُند { مَّا هُنَالِكَ } أي هنالك و ( ما ) صلة { مَهْزُومٌ } مغلوب ، ممنوع عن الصعود إلى السماء { مِّن ٱلأَحَزَابِ } أي من جملة الأجناد . وقال أكثر المفسرين : يعني أن هؤلاء الملأ الذين يقولون هذا القول ، جند مهزوم مقهور وأنت عليهم مظفر منصور . قال قتادة : وعده الله عزّ وجلّ بمكة أنّه سيهزمهم ، فجاء تأويلها يوم بدر من الأحزاب ، أيّ كالقرون الماضية الذين قهروا وأهلكوا ، ثم قال معزّاً لنبيه صلى الله عليه وسلم { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ } قال ابن عبّاس : ذو البناء المحكم . وقال القتيبي : والعرب تقول : هم في عز ثابت الأوتاد ، وملك ثابت الأوتاد . يريدون أنّه دائم شديد ، وأصل هذا أن البيت من بيوتهم بأوتاده . قال الأسود بن يعفر : في ظل ملك ثابت الأوتاد . وقال الضحاك : ذو القوة والبطش . وقال الحلبي ومقاتل : كان يعذب الناس بالأوتاد ، وكان إذا غضب على أحد مَدّهُ مستلقياً بين أربعة أوتاد كل رجل منه إلى سارية وكل يد منه إلى سارية ، فيتركه كذلك في الهواء بين السماء والأرض حتّى يموت . وقال مقاتل بن حيان : كان يمد الرجل مستلقياً على الأرض ثم يشده بالأوتاد . وقال السدي : كان يمد الرجل ويشده بالأوتاد ويرسل عليه العقارب والحيّات . وقال قتادة وعطاء : كانت له أوتاد وأرسال وملاعب يلعب عليها بين يديه . { وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلأَحْزَابُ * إِن كُلٌّ } ما كل منهم { إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ } فوجب عليهم ونزل بهم عذابي { وَمَا يَنظُرُ } ينتظر { هَـٰؤُلآءِ } يعني كفار مكة { إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً } وهي نفخة القيامة . وقد روي هذا التفسير مرفوعاً إلى النبي ( عليه السلام ) . { مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } . قال ابن عبّاس وقتادة : من رجوع . الوالبي : يزداد . مجاهد : نظرة . الضحاك : مستوية . وفيه لغتان : ( فُواق ) بضم الفاء وهي لغة تميم ، وقراءة يحيى والأعمش وحمزة والكسائي وخلف . و ( فَواق ) بالفتح وهي لغة قريش ، وقراءة سائر القرّاء واختيار أبي عبيد . قال الكسائي : هما لغتان بمعنى واحد ، كما يقال حُمام المكوك وحُمامه ، وقصاص الشعر وقصاصه . وفرّق الآخرون بينهما . قال أبو عبيدة والمؤرخ : بالفتح بمعنى الراحة والإفاقة كالجواب من الإجابة ، ذهبا به إلى إفاقة المريض من علته ، و ( الفُواق ) بالضم مابين الحلبتين ، وهو أن يحلب الناقة ثم تترك ساعة حتّى يجتمع اللبن فما بين الحلبتين فواق . فاستعير في موضع الإنتظار مدة يسيرة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من رابط فواق ناقة في سبيل الله حرّم الله جسده على النار " . { وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } . قال سعيد بن جبير عن ابن عبّاس : يعني كتابنا . وعنه أيضاً : القط الصحيفة التي أحصت كل شيء . قال أبو العالية والكلبي : لمّا نزلت في الحاقة { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ } [ الحاقة : 19 ] ، { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ } [ الحاقة : 25 ] . قالوا على جهة الاستهزاء : ( عجّل لنا قطنّا ) يعنون كتابنا عجلّه لنا في الدُّنيا . قيل : يوم الحساب . وقال الحسن وقتادة ومجاهد والسدي : يعني عقوبتنا وماكتب لنا من العذاب . قال عطاء : قاله النظر بن الحرث ، وهو قوله : { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الأنفال : 32 ] وهو الذي قال الله سبحانه { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } [ المعارج : 1 ] قال عطاء : لقد نزلت فيه بضع عشرة آية من كتاب الله عزّ وجلّ . وقال سعيد بن جبير : يعنون حظنا ونصيبنا من الجنّة التي تقول . قال الفراء : القَطّ في كلام العرب الحظ ، ومنه قيل للصك قطّ . وقال أبو عبيدة والكسائي : القطّ الكتاب بالجوائة . قال الأعشى : @ ولا الملك النعمان يوم لقيته بغبطته يعطي القطوط ويأفق @@ يعني كتب الجوائز أيّ بفضل وبعلو ، يقال فرس أفق وناقة أفقه إذا كانا كريمين ، وفضّلا على غيرهما . وقال مجاهد : قطنّا حسابنا ، ويقال لِكتاب الحساب : قطّ ، وأصل الكلمة من الكتابة . فقال الله سبحانه لنبيه ( عليه السلام ) : { ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ } ذا القوة في العبادة { إِنَّهُ أَوَّابٌ } مطيع . عن ابن عبّاس : رجّاع إلى التوبة . عن الضحاك ، سعيد بن جبير : هو المسبّح بلغة الحبش . أخبرني الحسين بن محمّد الدينوري قال : حدثنا الفضل بن الفضل الكندي قال : حدثنا أبو العبّاس عبد الله بن جعفر بن أحمد بن [ فارس ] ببغداد قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن القاسم قال : حدثنا عمرو بن حصين قال : حدثنا الحسين بن عمرو عن أبي بكر الهذلي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الزرقة يمن وكان داود النبي ( عليه السلام ) أزرق " . { إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ } بتسبيحه . قال ابن عبّاس : وكان يفهم تسبيح الحجر والشجر . { بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ } . أخبرني ابن فنجويه قال : حدثنا ابن شنبه قال : حدثنا الحسين بن يحيويه قال : حدثنا أبو أُميّة محمّد بن إبراهيم قال : حدثنا الحجاج بن نصير قال : حدثنا أبو بكر الهذلي عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عبّاس قال : كنت أمُرّ بهذه الآية لا أدري مالعشي والإشراق ، حتّى حدثتني أُم هاني بنت أبي طالب أن رسول الله ( عليه السلام ) دخل عليها فدعا بوضوء فتوضأ ، ثم صلى الضحى وقال : " يا أُم هاني هذه صلاة الإشراق " . روى عطاء الخراساني عن ابن عبّاس قال : لم يزل في نفسي [ من ] صلاة الضحى شيء حتّى طلبتها في القرآن فوجدتها في هذه الآية { يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ } . قال عكرمة : وكان ابن عبّاس لا يصلي صلاة الضحى ثم صلى بعدها . وروي أن كعب الأحبار قال لابن عبّاس رضي الله عنه : إني لأجد في كتاب الله صلاة بعد طلوع الشمس . فقال ابن عبّاس : أنا أوجدك ذلك في كتاب الله في قصة داود { يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ } وليس الإشراق طلوع الشمس ، إنّما هو صفاؤها وضوؤها . { وَٱلطَّيْرَ } أيّ وسخّرنا له الطير { مَحْشُورَةً } مجموعة { كُلٌّ لَّهُ } أيّ لداود { أَوَّابٌ } مطيع { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ } أيّ قوّيناه . وقرأ الحسن : وشدّدنا بتشديد الدال . قال ابن عبّاس : كان أشد ملوك الأرض سلطاناً كان يحرس محرابه كل ليلة ثلاثة وثلاثون ألف رجل ، فذلك قوله { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ } بالحرس . وأخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا محمّد بن خالد بن الحسن قال : حدثنا داود بن سليمان قال : حدثنا عبد بن حميد قال : حدثنا محمّد بن الفضل قال : حدثنا داود بن أبي الفرات عن عليّ بن أحمد عن عكرمة عن ابن عبّاس : أن رجلاً من بني إسرائيل استعدى على رجل من عظمائهم ، فاجتمعا عند داود النبي فقال المستعدي : ان هذا غصبني بقرتي . فسأل داود الرجل عن ذلك فجحده ، وسأل الآخر البيّنة فلم يكن له بيّنة . قال لهما داود : قوما حتى أنظر في أمركما . فقاما من عنده ، فأوحى الله سبحانه إلى داود ( عليه السلام ) في منامه : أن يقتل الرجل الذي استُعدي عليه . فقال : هذه رؤيا ولست أعجل حتّى أتثبت . فأوحى الله سبحانه إليه مرة أُخرى أن يقتله . فلم يفعل ، فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه الثالثة : أن يقتله أو تأتيه العقوبة من الله ، فأرسل داود إلى الرجل فقال له : إن الله قد أوحى إليَّ أن أقتلك . فقال له الرجل : تقتلني بغير بيّنة ولاثبت فقال له داود : نعم ، والله لأُنفذن أمر الله فيك . فلمّا عرف الرجل أنّه قاتله قال : لا تعجل حتّى أُخبرك أني والله ما أخذت بهذا الذنب ولكني كنت اغتلت والد هذا فقتلته ، فلذلك أُخذت . فأمر به داود فقتل ، فاشتدت هيبته في بني إسرائيل عند ذلك لداود ، واشتد به ملكه فهو قوله سبحانه : { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ } . { وَآتَيْنَاهُ ٱلْحِكْمَةَ } يعني النبوة والاصابة في الأمور . وقال أبو العالية : العلم الذي لاتردّه العقول . { وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ } قال ابن عبّاس : بيان الكلام . وقال الحسن والكلبي وابن مسعود ومقاتل وأبو عبد الرحمن السلمي : يعني علم الحكم والبصر بالقضاء ، كأن لا يتتعتع في القضاء بين الناس ، وهي إحدى الروايات عن ابن عبّاس . وقال علي بن أبي طالب : هو البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر . وأخبرنا أبو حفص عمر بن أحمد بن محمّد بن عمر الجوري قال : أخبرنا أبو بكر بالويه بن محمّد بن بالويه المربتاني بها ، قال : حدثنا محمّد بن حفص الحوني قال : حدثنا نصر بن علي الخميصمي قال : أخبرنا أبو أحمد قال : اخبرنا شريك عن الأعمش عن أبي صالح عن كعب في قوله { وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ } قال : الشهود والإيمان . أنبأني عبد الله بن حامد قال : أخبرنا عبد الله بن محمّد قال : حدثنا محمّد بن يحيى قال : حدثنا وهب بن جرير قال : أخبرنا [ شعبة ] عن الحكم عن شريح في قوله { وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ } قال : الشهود والإيمان . وهو قول مجاهد وعطاء بن أبي رباح . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدثنا عبد الله بن عبد الله بن أبي سمرة البغوي قال : حدثنا أحمد بن محمّد أبي شيبة قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم البغوي قال : حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق عن زكريا يعني ابن أبي زائدة عن [ السبيعي ] قال : سمعت زياداً يقول : { وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ } الذي أُعطي داود ، أما بعد وهو أوّل من قالها . { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ ٱلْخَصْمِ } الآية . اختلف العلماء بأخبار الأنبياء في سبب امتحان الله سبحانه نبيّه داود بما امتحنه به من الخطيئة . فقال قوم : كان سبب ذلك أنه تمنى يوماً من الأيام على ربّه عزّ وجلّ منزلة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب ( عليهم السلام ) وسأله أن يمتحنه نحو الذي كان امتحنهم ، ويعطيه من الفضل نحو الذي كان أعطاهم . وروى السدي والكلبي ومقاتل : عن أشياخهم دخل حديث بعضهم في بعض قالوا : كان داود قد قسّم الدهر ثلاثة أيام : يوماً يقضي فيه بين الناس ، ويوماً يخلوا فيه لعبادة ربّه ، ويوماً يخلوا فيه لنسائه وأشغاله . وكان يجد فيما يقرأ من الكتب فضل إبراهيم وإسحاق ويعقوب فقال : يارب أرى الخير كله قد ذهب به آبائي الذين كانوا قبلي . فأوحى الله عزّ وجلّ إليه : أنهم إبتلوا ببلاء مالم تبتلِ بشيء من ذلك فصبروا عليها . إبتلى إبراهيم بنمرود وبذبح ابنه ، وإبتلى إسحاق بالذبح وبذهاب بصره ، وإبتلى يعقوب بالحزن على يوسف . وأنك لم تبتلِ بشيء من ذلك . فقال داود : ربِّ فإبتلني بمثل ما إبتليتهم وأعطني مثل ما أعطيتهم . فأوحى الله سبحانه إليه : أنك مبتلى في شهر كذا في يوم كذا واحترس . فلمّا كان ذلك اليوم الذي وعده الله تعالى ، دخل داود محرابه وأغلق بابه وجعل يصلي ويقرأ الزبور ، فبينا هو كذلك إذ جاءه الشيطان قد تمثل في صورة حمامة من ذهب فيها من كل لون حسن ، فوقعت بين رجليه ، فمدَّ يده ليأخذها ويدفعها إلى ابن صغير له ، فلما أهوى إليها طارت غير بعيد ، من غير أن توئيسه من نفسها فامتد اليها ليأخذها فتنحت ، فتبعها فطارت حتّى وقعت في كوة ، فذهب ليأخذها فطارت من الكوة ، فنظر داود أين تقع ، فبعث إليها من يصيدها ، فأبصر امرأة في بستان على شط بركة لها تغتسل ، هذا قول الكلبي . وقال السدي : رآها تغتسل على سطح لها ، فراى امرأة من أجمل النساء خلقاً ، فتعجب داود من حسنها وحانت منها التفاتة وأبصرت ظله ، فنفضت شعرها فغطى بدنها ، فزاده ذلك إعجاباً بها فسأل عنها . فقيل : هي تشايع بنت شايع امرأة أوريا بن حنانا ، وزوجها في غزاة بالبلقاء مع أيوب بن صوريا ابن أخت داود . فكتب داود إلى ابن أخته أيوب صاحب بعث البلقاء : أن ابعث أوريا إلى موضع كذا وقدّمه قبل التابوت وكان من قدّم على التابوت لا يحل له أن يرجع وراءه حتّى يفتح الله سبحانه على يديه أو يستشهد ، فبعثه وقدّمه فَفُتح له ، فكتب إلى داود بذلك ، فكتب إليه أيضاً : أن ابعثه إلى عدو كذا وكذا . فبعثه فَفُتح له ، فكتب إلى داود بذلك ، فكتب إليه أيضاً : أن ابعثه إلى عدو كذا أشدّ منه بأساً . فبعثه فقتل في المرة الثالثة ، فلمّا انقضت عدّة المرأة تزوجّها داود فهي أم سليمان . وقال آخرون : سبب امتحانه أن نفسه حدثته أنّه يطيق قطع يوم بغير مقارفة . وهو ما أخبرنا شعيب بن محمّد قال : أخبرنا مكي بن عبدان قال : حدثنا أحمد بن الأزهر قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا سعيد عن مطر عن الحسن قال : إن داود جزّأ الدهر أربعة أجزاء : يوماً لنسائه ، ويوماً للعبادة ، ويوماً للقضاء بين بني إسرائيل ، ويوماً لبني إسرائيل يذاكرهم ويذاكرونه ويبكهم ويبكونه . قال : فلما كان يوم بني إسرائيل ذكروا فقالوا : هل يأتي على الإنسان يوم لايصيب فيه ذنباً ؟ فأضمر داود في نفسه أنه سيطبق ذلك ، فلمأا كان يوم عبادته غلق أبوابه وأمر أن لايدخل عليه أحد ، وأكبّ على قراءة التوراة ، فبينما هو يقرأ إذ حمامة من ذهب فيها من كل لون حسن قد وقعت بين يديه ، فأهوى إليها ليأخذها ، فطارت فوقعت غير بعيد من غير أن توئيسه من نفسها ، فما زال يتبعها حتّى أشرف على امرأة تغتسل فأعجبه خلقها وحسنها ، فلمّا رأت ظله في الأرض جللت نفسها بشعرها ، فزاده ذلك بها إعجاباً ، وكان قد بعث زوجها على بعض جيوشه ، فكتب إليه أن أسر إلى مكان كذا وكذا مكاناً ، إذا سار إليه قُتل ولم يرجع ففعل فأصيب ، فخطبها داود فتزوجها . وقال بعضهم : في سبب ذلك ما أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمّد قال : حدثنا مخلد ابن جعفر الباقرجي قال : حدثنا الحسين بن علوية قال : حدثنا إسماعيل قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن قال : قال داود لبني إسرائيل حين ملك : والله لأعدلن بينكم ، فلم يستثن فابتلي به . وقال أبو بكر محمّد بن عمر الوراق : كان سبب ذلك أن داود ( عليه السلام ) كان كثير العبادة فأعجب بعلمه فقال : هل في الأرض أحد يعمل عملي ؟ فأتاه جبرئيل فقال : ان الله عزّ وجلّ يقول : أعجبت بعبادتك والعُجب يأكل العبادة ، فإن أُعجبت ثانياً وكلتك إلى نفسك . قال : يارب كلني إلى نفسي سنة . قال إنها لكثيرة . قال : فساعة . قال : شأنك بها . فوكل الأحراس ولبس الصوف ودخل المحراب ووضع الزبور بين يديه ، فبينا هو في نسكه وعبادته إذ وقع الطائر بين يديه وكان من أمر المرأة ما كان . قالوا : فلمّا دخل داود بامرأة أوريا لم تلبث إلاّ يسيراً حتّى بعث الله سبحانه ملكين في صورة أنسيين فطلبا أن يدخلا عليه ، فوجداه في يوم عبادته فمنعهما الحرس أن يدخلا عليه ، فتسورا المحراب عليه ، فما شعر وهو يصلي إلاّ وهو بهما بين يديه جالسين ، فذلك قوله : { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَِ } وإنّما جعلوا جمع الفعل ، لأن الخصم اسم يصلح للواحد والجميع والإثنين والمذكر والمؤنث . قال لبيد : @ وخصم يعدون الدخول كأنهم قروم غيارى كل أزهر مصعب @@ وقال آخر : @ وخصم عضاب ينفضون لحاهم كنفض البراذين العراب المخاليا @@ وإنّما جمع وهما إثنان ، لأن معنى الجمع ضم شيء إلى شيء فالإثنان فما فوقهما جماعة ، كقوله عزّ وجلّ { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } [ التحريم : 4 ] .