Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 22-28)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } نزلت في حصن بن أبي قيس تزوج امرأة أبيه كبيشة بنت معن ، وفي الأسود بن خلف تزوج امرأة أبيه ، وفي صفوان بن أمية بن خلف زوج بامرأة أبيه فاختة بنت الأسود بن المطلب ، وفي منصور بن مازن تزوج امرأة أبيه مليكة بنت خارجة ، وفي [ أبي مكيل ] العدوي تزوج امرأة أبيه . وقال الأشعث بن يسار : " توفى أبو قيس وكان من صالحي الأنصار ، فخطب ابنه قيس امرأة أبيه ، فقالت : إني أعدك ولداً وأنت من صالح قومك ، ولكني آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أستأمره ، فأتته فأخبرته ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ارجعي إلى بيتك " فأنزل الله عزّ وجلّ : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ } " . ( ما ) بمعنى من ، وقيل : ولا تنكحوا النكاح يعني ما نكح ( آباؤكم من النساء ) اسم الجنس ليدخل فيه الحرائر والإماء ، أما الحرائر فتحرم بالعقد ، والإماء بالوطئ . { إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } قال المفضّل : يعني بعد ما سلف فدعوه واجتنبوه . قال الثعلبي : وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول : سمعت أبا زكريا العنبري يقول : معناه كما قد سلف { إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً } يورث بغض الله ، والمقت أشد البغض { وَسَآءَ سَبِيلاً } وبئس ذلك طريقاً . كانت العرب يقولون لولد الرجل من امرأة أبيه مقيت ومقي ، وكان منهم الأشعث بن قيس وأبو معيط بن عمرو بن أمية . السدي عن عدي بن ثابت عن البراء قال : لقيت خالي ومعه الراية فقلت : أين تريد ؟ فقال : أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج بامرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه أو أقتله . { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } هي جمع أم ، والأم في الأصل أمهه على وزن فعلة ، مثل قبرة وحمرة فسقطت الهاء في ( التوحيد وعادت ) في الجمع كقولهم : شاه ومياه . قال الشاعر : @ أمهتي خندف والروس أبي @@ وقيل : أصل الأم أمة ، وأنشدوا : @ تقبلتها عن أمة لك طالما تثوب إليها في النوائب أجمعا @@ فيكون الجمع حينئذ أمهات . ومثاله في الكلام عمّة وعمّات . وقال الراعي : @ كانت نجائب منذر ومحرق أُماتهن وطرقهن فحيلا @@ فحرم الله تعالى في هذه الآية نكاح أربع عشرة امرأة : سبعاً بنسب وسبعاً بسبب ، فأما النسب قوله : { أُمَّهَاتُكُمْ } فهي أمهات النسبة { وَبَنَاتُكُمْ } جمع البنت { وَأَخَوَاتُكُمْ } جمع الأخت { وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ } جمع العمّة والخالة { وَبَنَاتُ ٱلأَخِ وَبَنَاتُ ٱلأُخْتِ } . وأما السبب فقوله : { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ } وهي أمهات الحرمة كقوله تعالى : { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } [ الأحزاب : 6 ] ثم قال : { وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً } [ الأحزاب : 53 ] . وقرأ عبد الله : ( واللاي ) بغير تاء كقوله : { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ } [ الطلاق : 4 ] . قال الشاعر : @ من اللاء لم يحججن يبغين حسبة ولكن ليقتلن البرئ المغفلا @@ عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما حرمته الولادة حرمه الرضاع " . ومالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر عن عميرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " . الأعمش عن سعيد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي كرم الله وجهه قال : " قلت يا رسول الله مالك تنوق في قريش وتدعنا قال : " وعندك أحد ؟ " قلت : نعم بنت حمزة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنها لا تحل لي إنها ابنة أخي من الرضاعة " " . وهب بن كيسان عن عروة عن عائشة : " أن أبا القعيس وهو أفلح إستأذن على عائشة بعد آية الحجاب ، فأبت : أن تأذن له فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : " إئذني له فإنّه عمك " فقالت : إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل ، قال : " إنه عمك فليلج عليك " " . وإنما يحرم الرضاع بشرطين إثنين أحدهما : أن يكون خمس رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات ، وتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ممّا يقرأ من القرآن . وروى عبد الله بن الحرث عن أم الفضل : " أن نبي الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن الرضاع فقال : " لا تحرم الاملاجة ولا الأملاجتان " . قال قتادة : المصة والمصتان . والشرط الثاني : أن يكون من الحولين ، وما كان بعد الحولين فإنه لا يحرم ، وكان أبو حنيفة يرى ذلك بعد الحولين ستة أشهر . ومالك : بعد الحولين شهراً ، والدليل على أن ما بعد الحولين من الرضاع بقوله : { وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ } [ البقرة : 233 ] وليس بعد الكمال والتمام شيء ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا رضاع بعد الحولين ، وإنما الرضاع ما أنبت اللحم وأنشر العظم " . { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ } أم المرأة حرام دخل بها أو لم يدخل ، وهو قول أكثر الفقهاء ، وعليه الحكم والفتيا ، وقد شدد أهل العراق فيها حتى قالوا : لو وطأها أو قبّلها أو لامسها بالشهوة حرمت عليه ابنتها . وعندنا إنما يحرم بالنكاح الصحيح ، والحرام لا يحرم الحلال ، وكان ابن عباس يقرأ ( وأمهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن ) ويحلف بالله ما نزل إلاّ هكذا ويقول : هي بمنزلة الربائب ، فلما كانت الربائب لا يحرمن بالعقد على أمهاتهن دون الوطىء ، كذلك أمهات النساء لا يحرمن بالعقد على بناتهن دون الوطىء ، وهو قول علي وزيد وجابر وابن عمر وابن الزبير قالوا : نكاح أمهات النساء اللواتي لم يدخل بهن حلال ، والقول الأول هو الأصح . قال ابن جريج : قلت لعطاء : الرجل ينكح المرأة ثم يراها ولا يجامعها حتى يطلقها ، أيحل له أُمّها ؟ قال : لا ، هي مرسلة دخل بها أو لم يدخل . فقلت له : كان ابن عباس يقرأ : ( وامهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن ) قال : لا . و روى عمرو بن المسيب عن أبيه عن جدّه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا نكح الرجل المرأة فلا يحل له أن يتزوج أمها دخل بالبنت أو لم يدخل وإذا تزوج الأم ولم يدخل ، بها ثم طلقها فإن شاء تزوج بالبنت " . { وَرَبَائِبُكُمُ } جمع الربيبة وهي ابنت المرأة ، قيل لها : ربيبة ، لتربيته إياها ، فعيلة بمعنى مفعولة { ٱللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ } أي في ضمانكم وتربيتكم ، يقال : فلان في حجر فلان إذا كان يلي تربيته ، ويقال : امرأة طيبة الحجر إذا لم تُربّ ولداً إلاّ طيب الولد . قال الكميت : @ الكرمات ( نسبة ) في قريش ( وسواهم ) والطيبات الحجورا @@ ومنه قيل للحظر حجر ، والأصل فيه الناحية ، يقال : فلان يأكل في حجره ويريض حجره . { مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ } أي جامعتموهن { فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } نكاح بناتهن إذا طلقتموهن أو متن عنكم . روى الزهري عن عروة : " أن زينب بنت أبي سلمة وأمها أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن أم حبيبة بنت أبي سفيان أخبرتها أنها قالت : يا رسول الله انكح أختي قالت : فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " أو تحبين ذلك ؟ " قلت : نعم ليست لك بمخلية وأحب من يشاركني في خير أختي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إنّ ذلك لا يحلّ لي " . فقلت : والله يا رسول الله إنّا لنتحدث أنك تريد أن تنكح درّة بنت أبي سلمة فقال : " بنت أم سلمة ؟ " فقلت : نعم ، قال : " والله إنها لو تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لبنت أخي من الرضاعة أرضعتني وأبا سلمة ثويبة فلا تعرضن عليَّ بناتكن ولا أخواتكن " " . { وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ } يعني أزواج أبنائكم ، والذكر حليل ، وجمعه أحلّه وأحلاّء ، مثل عزيز وأعزة وأعزّاء ، وإنما سمّي بذلك لأن كل واحد منهما حلال لصاحبه ، يقال : حلّ وهو حليل ، مثل صحّ وهو صحيح ، وقيل : سمّي بذلك لأن كل واحد منهما يحلّ حيث يحلّ صاحبه من الحلول وهو النزول ، وقيل : لأن كلّ واحد منهما يحل إزار صاحبه ، من الحل وهو ضد العقد . قال الشاعر : @ يدافع قوماً على مجدهم دفاع الحليلة عنها الحليلا يدافعه يومها تارة ويمكنه رجلها أن يشولا @@ { ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ } دون من تبنيتموهم . قال عطاء : نزلت في محمد صلى الله عليه وسلم حين نكح امرأة زيد بن حارثة . { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ } حرّتين كانتا بالعقد أو أمتين بالوطئ { إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } . قال عطاء والسدي : يعني إلاّ ما كان من يعقوب ( عليه السلام ) ، فإنه جمع بين ليا أم يهوذا ورحيل أُم يوسف وكانتا أُختين . { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً * وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ } الآية . قال عمرو بن مرّة : قال رجل لسعيد بن جبير : أما رأيت ابن عباس حين يُسأل عن هذه الآية { وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ } فلم يقل فيها شيئاً ، فقال سعيد : كان لا يعلمها . وقال مجاهد : لو أعلم من يفسّر في هذه الآية لضربتُ إليه أكباد الإبل ، قوله تعالى : { وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ } . قال المفسرون : هذه السابعة من النساء اللواتي حُرّمن بالسبب . قرأه العامة : ( والمحصَنات ) بفتح الصاد ، يعني في زوال الأزواج أحصنهنّ أزواجهن . قال أبو سعيد الخدري : نزلت في نساء كُنَّ يهاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهنّ أزواج فيتزوجهن بعض المسلمين ، ثم يقدم أزواجهن مهاجرين ، فنهى المسلمين عن نكاحهنّ ثم استثنى فقال : { إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ } يعني السبايا اللاتي سبين ولهم أزواج في دار الحرب ، فحلال لمالكهن وطأهن بعد الإستبراء . فقال أبو سعيد الخدري : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين جيشاً إلى أوطاس ، فلقوا العدو فأصابوا سبايا لهن أزواج من المشركين ، فكرهوا وطأهنّ وتأثموا من ذلك ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقرأ علقمة : ( والمحصِنات ) بكسر الصاد ، ودليله قول عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) وعبيدة وأبي العالية والسدي ، قالوا : والمحصنات في هذه الآية والعفائف ومعناها : والعفائف من النساء عليكم حرام إلاّ ما ملكت إيمانكم منهن بنكاح أو ملك يمين وثمن ، وقيل : معناه الحرائر . قال الباقر ويمان : معناه والمحصنات من النساء عليكم حرام ما فوق الأربع ، إلاّ ما ملكت إيمانكم فإنه لا عدد عليكم فيهن . وقال ابن جريج : سألنا عطاء عنها فقال : معنى قوله : { إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ } أن تكون لك أَمة عند عبد لك قد أحصنها بنكاح وتنزعها منه إن شئت . { كِتَابَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } نصب على المصدر ، أي كتب الله عليكم كتاباً ، وقيل : نصب على الإغراء ، أي الزموا واتقوا كتاب الله عليكم . وقرأ ابن السميقع : { كِتَابَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } أي أوجب ، وهذه أربعة عشر امرأة ، محرمات بالكتاب . فأما الستّة : فقد حرّمت امرأتين ، وهو ما روى هشام عن محمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تنكح المرأة على عمّتها ولا على خالتها " . { وَأُحِلَّ لَكُمْ } قرأ أبو جعفر وأهل الكوفة : ( وأُحل لكم ) بضم الألف . الباقون : بالنصب ، وهي قراءة علي وابن عباس واختيار أبي عبيد وأبي حاتم ، فمن رفع فلقوله : { حُرِّمَتْ } ، ومن نصب ، فللقرب من ذكر الله في قوله : { كِتَابَ ٱللَّهِ } . { مَّا وَرَاءَ } ما سوى { ذَلِكُمْ } الذي ذكرت من المحرمات { أَن تَبْتَغُواْ } بدل من ( ما ) فمن رفع أحلّ فـ ( إن ) عنده في محل الرفع ، ومن نصب فـ ( إن ) عنده في محل النصب . قال الكسائي والفراء : موضعه نصب في القراءتين بنزع الخافض ، يعني : لأن تبتغوا وتطلبوا . { بِأَمْوَالِكُمْ } أما بنكاح وصداق أو بملك وثمن { مُّحْصِنِينَ } مُتعففين { غَيْرَ مُسَافِحِينَ } زانين ، وأصله من سفح المذي والمني { فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } اختلف في معنى الآية : فقال مجاهد والحسن : يعني ممّا انتفعتم وتلذذتم للجماع من النساء بالنكاح الصحيح . { فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } أي مهورهن ، فإذا جامعها مرّة واحدة فقد وجب لها المهر كاملا . وقال آخرون : هو نكاح المتعة ، ثم اختُلف في الآية أمحكمة هي أم منسوخة ؟ فقال ابن عباس : هي محكمة ورخّص في المتعة ، وهي أن ينكح الرجل المرأة بولي وشاهدين إلى أجل معلوم ، فإذا انقضى الأجل فليس له عليها سبيل ، وهي منه بريئة ، وعليها أن تستبري ما في رحمها وليس بينهما ميراث . قال حبيب بن أبي ثابت : أعطاني ابن عباس مصحفاً فقال : هذا على قراءة أُبي ، فرأيت في المصحف ( فما استمتعم به منهن إلى أجل مسمى ) . وروى داود عن أبي نضرة قال : سألت ابن عباس عن المتعة فقال : أما تقرأ سورة النساء ؟ قلت : بلى ، قال : فما تقرأ : ( فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى ) ؟ قلت : لا أقرأها هكذا . قال ابن عباس : والله لهكذا أنزلها الله ، ثلاث مرّات . وروى عيسى بن عمر عن طلحة بن مصرف أنه قرأ : ( فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى ) . وروى عمرو بن مرّة عن سعيد بن جبير : أنه قرأها : ( فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى ) . وروى شعبة عن الحكم قال : سألته عن هذه الآية : { فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } أمنسوخة هي ؟ قال : لا . قال الحكم : قال علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه : لولا أن عمر نهى عن المتعة مازنا إلاّ شقي . أبو رجاء العطاردي عن عمران بن الحصين قال : نزلت هذه الآية ( المتعة ) في كتاب الله ، لم تنزل آية بعدها تنسخها ، فأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينهنا عنه ، وقال رجل بعد برأيه ما شاء قال الثعلبي : قلت ولم يرخص في نكاح المتعة إلاّ عمران بن الحصين وعبد الله بن عباس وبعض أصحابه وطائفة من أهل البيت ، وفي قول ابن عباس . يقول الشاعر : @ أقول للرّكب إذ طال الثواء بنا يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس هل لك في رخصة الاطراف ناعمة تكون مثواك حتى مرجع الناس @@ وسائر العلماء والفقهاء والصحابة والتابعين والسلف الصالحين على أن هذه الآية منسوخة ومتعة النساء حرام . وروى الربيع بن بسرة الجهني عن أبيه قال : " كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرته فشكونا إليه العزبة ، فقال : " يا أيها الناس استمتعوا من هذه النساء " ثم صبحت غاديا على رسول الله فإذا هو يقول : " يا أيها الناس إني كنت أمرتكم بالإستمتاع من هذه النساء إلاّ أن الله حرّم ذلك إلى يوم القيامة " " . وقال خصيف : سألت الحسن عن نكاح المتعة ، فقال : إنما كان ثلاثة أيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهى الله عزّ وجلّ عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم وقال الكلبي : كان هذا في بدء الإسلام ، أحلّها رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام ثم حرّمها ، وذلك أنه كان إذا تم الأجل الذي بينهما أعطاها أجرها الذي كان شرط لها ، ثم قال : زيديني في الأيام فأزيدك في الأجر ، فإن شاءت فعلت ذلك ، فإذا تم الأجل الذي بينهما أعطاها الأجر وفارقها ، ثم نسخت بآية الطلاق والعدة والممات . وروى الزهري عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيهما أن علياً قال لابن عباس : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل الحمر الأهلية . وروى الفضل بن دكين عن البراء بن عبد الله القاص عن أبي نضرة عن ابن عباس أن عمر ( رضي الله عنه ) نهى عن المتعة التي تذكر في سورة النساء فقال : إنما أحل الله ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والنساء يومئذ قليل ، ثم حرّم عليهم بعد أن نهى عنها . وعن سالم بن عبد الله بن عمر عن عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) أنه صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال : ما بال رجال ينكحون هذه المتعة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها لا أجد رجلا ينكحها إلاّ رجمته بالحجارة . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هدم المتعة النكاح والطلاق والعدة والميراث " . وقال ابن أبي مليكة : سألت عائشة عن المتعة فقالت : بيني وبينهم كتاب الله { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } [ المؤمنون : 5 - 6 ] . وعن عائشة : والله ما نجد في كتاب الله إلاّ النكاح والاستسراء . وقال ابن عمر : المتعة سفاح . عطاء : المتعة حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير . قال الثعلبي : سمعت أبا القاسم بن جبير يقول : سمعت أبا علي الحسين بن أحمد الخياط يقول : سمعت أبا نعيم بن عبد الملك بن محمد بن عدي يقول : سمعت [ … ] يقول : الشافعي يقول : لا أعلم في الإسلام شيئاً أحل ثم حرّم ثم أحل ثم حُرّم غير المتعة . { فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } أي مهورهن ، سمّيَ المهر أجراً ، لأنه ثمن البضع وأجر الإستمتاع ألا تراهُ يتأكد بالخلوة والدخول . واختلفوا في حدّه ، فأكثره لا غاية له ، وأما أقلّه فقال أبو حنيفة : لا مهر دون عشرة دراهم أو قيمتها من الذهب ، لأن الله عزّ وجلّ قال : { أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُمْ } ولا يطلق اسم المال على أقل من هذا القدر . وعند الشافعي : لا حدّ له ، فأجاز الشيء الطفيف حتى القبضة من الطعام ، وكذلك كل عمل أوجب أجراً قليلا كان أو كثيراً ، والسورة من كتاب الله عزّ وجلّ أو آية لقوله : { فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } . وعن سلمة بن وردان قال : سمعت أنس بن مالك يقول : " سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من أصحابه ، فقال : " يا فلان هل تزوجت ؟ " قال : لا ، وليس عندي ما أتزوج ، قال : " أليس معك { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [ الإخلاص : 1 ] ؟ " قال : بلى ، قال : " ربع القرآن " قال : " أليس معك { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } [ النصر : 1 ] ؟ " قال : بلى ، قال : " ربع القرآن " قال : " أليس معك { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } [ الكافرون : 1 ] ؟ " قال : بلى ، قال : " ربع القرآن " ، قال : " أليس معك { إِذَا زُلْزِلَتِ } [ الزلزال : 1 ] ؟ " قال : بلى ، قال : " ربع القرآن " قال : " أليس معك آية الكرسي ؟ " قال : بلى ، قال : " ربع القرآن " ، قال : " تزوج تزوج تزوج " " . وقد ذكرت حجج الفريقين فيما قيل . { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ } يعني فيما تفتدي به المرأة نفسها ، { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } . { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً } فضلا وسعة . المسيب بن شريك عن عمران بن جرير عن النزال بن سبرة عن ابن عباس قال : من ملك ثلاثمائة درهم فقد وجب عليه الحج وحُرّم عليه نكاح الإماء . { أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَاتِ } الحرائر ، وقرأ الكسائي : ( المحصِنات ) بكسر الصاد ، كل القرآن إلاّ في أول هذه السورة ، الباقون : بالفتح . { ٱلْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم } إلى قوله { بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } سادتهن { وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } مهورهن { بِٱلْمَعْرُوفِ } من غير ضمار { مُحْصَنَاتٍ } عفائف { غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ } زانيات { وَلاَ مُتَّخِذَاتِ } أحباب يزنون بهن في السر . { فَإِذَآ أُحْصِنَّ } قرأ أهل الكوفة : بفتح الألف ، على معنى حفظن فروجهن ، وقرأ الآخرون : بالضم ، على معنى أنهنّ أُحصنّ بأزواجهنّ { فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ } يعني الزنا { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَاتِ } الحراير إذا زنين { مِنَ ٱلْعَذَابِ } يعني الحدّ ، نظيره : { وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا ٱلْعَذَابَ } [ النور : 8 ] وهو خمسون جلدة وتغريب نصف سنة على الصحيح من مذهب الشافعي ، ويحتاج أن يغرّب الزاني إلى موضع يقصر إليه الصلاة ، وللسيد إقامة الحدّ بالزنا على عبده وأمته . سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ولا يغيرها ، فإن عادت فليجلدها ولا يغيرها ، فإن عادت فليجلدها ولا يغيرها ، فإن عادت الرابعة فليبعها ولو بضفير أو حبل " . { ذَلِكَ } يعني نكاح الإماء عند عدم الطول { لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ } يعني الإثم والضرر بغلبة الشهوة { وَأَن تَصْبِرُواْ } عن نكاح الإماء متعففين { خَيْرٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . عن يونس بن مرداس وكان خادماً لأنس قال : كنت بين أنس وأبي هريرة ، فقال أنس : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من أحبّ أن يلقى الله طاهراً مطهراً فليتزوج الحرائر " . فقال أبو هريرة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الحرائر صلاح البيت والإماء فساد البيت " . { يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ } أي أن يبيّن ، ( اللام ) بمعنى أن ، والعرب تعاقب بين لام كي وبين أن فتضع إحداهما مكان الأُخرى كقوله : { وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ } [ الشورى : 15 ] وقوله : { وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الأنعام : 73 ] ، ثم قال في موضع آخر : { وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ غافر : 66 ] ، وقال : { لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ } [ الصف : 8 ] ، ثم قال في موضع آخر : { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ } [ التوبة : 32 ] . وقال الشاعر : @ أريد لأنسى ذكرها فكأنما تمثل لي ليلى بكل سبيل @@ يريد أن أنسى ، ومعنى الآية : يريد الله أن يبيّن شرائع دينكم ومصالح أمركم . الحسن : يعلمكم ما تأتون وما تذرون . عطاء : يبيّن لكم ما يقربكم منه . الكلبي : ليبيّن لكم أن الصبر من نكاح الإماء خير لكم . { وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ } شرايع { ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } في تحريم الأمهات والبنات والأخوات ، كما ذكر في الآيتين . هكذا حرّمها على من كان قبلكم من الأمم { يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } يتجاوز عنكم ما أصبتم قبل أن يبيّن لكم ، قاله الكلبي . وقال محمد بن جرير : يعني يرجع بكم من معصيته التي كنتم عليها قبل هذا إلى طاعته التي أمركم بها في هذه الآية { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بما يصلح عباده من أمر دينهم ودنياهم { حَكِيمٌ } في تدبيره فيهم { وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } إن وقع تقصير منكم في أمره { وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ } عن الحق { مَيْلاً عَظِيماً } بإتيانكم ما حرّم عليكم ، واختلفوا في الموصوفين باتباع الشهوات من هم : فقال السدي : هم اليهود والنصارى . وقال بعضهم : هم اليهود ، وذلك أنهم ينكحون بنات الأخ وبنات الأخت ، فلما حرّمهما الله قالوا : إنكم تحلّون بنات الخالة والعمّة ، والخالة والعمّة عليكم حرام ، فانكحوا بنات الأخ والأخت كما تنكحون بنات الخالة والعمّة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . مجاهد : هم الزناة ، يريدون أن تميلوا عن الحق فتكونوا مثلهم تزنون كما يزنون . ابن زيد : هم جميع أهل الكتاب في دينهم . { يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ } في نكاح الأمة ، إذا لم تجدوا طول الجرة وفي كل أحكام الشرع { وَخُلِقَ ٱلإِنسَانُ ضَعِيفاً } في كل شيء . طاوس والكلبي وأكثر المفسرين : يعني في أمر الجماع لا يصبر على النساء ولا يكون الإنسان في شيء أضعف منه في أمر النساء . قال سعيد بن المسيب : ما آيس الشيطان من بني آدم إلاّ أتاه من قِبل النساء ، وقد أتى عليَّ ثمانون سنة وذهبت إحدى عينيّ وأنا أعشى بالأخرى ، وأن أخوف ما أخاف عليّ فتنة النساء . مالك بن شرحبيل قال : قال عبادة بن الصامت : ألا ترونني لا أقوم إلاّ رفدا ولا آكل إلاّ ما لوق لي وقد مات صاحبي منذ زمان ، وما يسرني أني خلوت بامرأة لا تحل لي وأن لي ما تطلع عليه الشمس مخافة أن يأتيني الشيطان فيحكيه عليّ أنه لا سمع له ولا بصر . قال الحسن : هو أن خلقه من ماء مهين بيانه قول الله : { ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ } [ الروم : 54 ] . ابن كيسان : ( خلق الإنسان ضعيفاً ) يستميله هواه وشهوته ويستطيشه خوفه وحزنه . قال ابن عباس : ثمان آيات في سورة النساء هي خير لهذه الأمة ممّا طلعت عليه الشمس وغربت : { يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ } [ النساء : 26 ] ، { وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } [ النساء : 27 ] ، { يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ } [ النساء : 28 ] { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } [ النساء : 31 ] { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ } [ النساء : 48 ] ، { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } [ النساء : 40 ] { وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ } [ النساء : 110 ] { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ } [ النساء : 147 ] .