Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 29-36)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ } بالحرام يعني الربا والقمار والقطع والغصب والسرقة والخيانة . وقال ابن عباس : هو الرجل يشتري من الرجل الثوب فيقول : إن رضيت أخذته وإلاّ رددته ورددت معه درهماً ، ثم قال : { إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً } يعني لكن إذا كانت تجارة استثناء منقطع ، لأن التجارة ليست بباطل . قرأ أهل الكوفة : ( تجارة ) بالنصب وهو اختيار أبي عبيد . وقرأ الباقون : بالرفع وهو اختيار أبي حاتم ، فمن نصب فعلى خبر كان تقديره : إلاّ أن تكون الأموال تجارة . كقول الشاعر : @ إذا كان طاعناً بينهم وعناقاً @@ ومن رفع فعلى معنى إلاّ أن تقع تجارة وحينئذ لا خبر له . كقول الشاعر : @ فدىً لبني ذهل بن شيبان ناقتي إذا كان يوم ذو كواكب أشهب @@ ثم وصف التجارة فقال : { عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ } يرضى كل واحد منهما بما في يديه . قال أكثر المفسرين : هو أن يخبر كل واحد من المتبايعين صاحبه بعد عقد المبيع حتى يتفرقا من مجلسهما الذي تعاقدا فيه ، كقول النبي صلى الله عليه وسلم : " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " . وقال صلى الله عليه وسلم : " البيع عن تراضي بالخيار بعد الصفقة ولا يحلّ لمسلم أن يغش مسلماً " . وروى حكيم بن حزام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما ، فإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما " . وابتاع عمر بن جرير فرساً ثم خير صاحبه بعد البيع ، ثم قال : سمعت أبا هريرة يقول : هذا البيع عن تراض . { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ } يعني إخوانكم ، أي لا يقتل بعضكم بعضاً . قال الثعلبي : وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول : سمعت أبي عن جدّي عن علي بن الحسين الهلالي قال : سمعت إبراهيم بن الأشعث يقول : سأل الفضل بن عياض عن قوله : { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ } قال : لا تغفلوا عن حظ أنفسكم ، فمن غفل عن حظ نفسه فكأنه قتلها . { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } . عبد الرحمن بن جبير عن عمرو بن العاص أنه قال : " لما بعثه رسول الله عام ذات السلاسل قال : احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك ، فتيمّمت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح ، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له فقال : " يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب ؟ " . قلت : نعم يا رسول الله إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك وذكرت قول الله تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } فتيمّمت ثم صليت ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً " . وعن الحسن : أن الحرث بن عبد الله خلا بالنفر من أصحابه وقال : إن هؤلاء ولغوا في دمائهم فلا يحولنّ بين أحدكم وبين الجنة مل كف من دم مسلم أهراقه ، فأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن رجلا ممّن كان قبلكم خرجت به قرحة بيده فأخذ حزة فحزّها بيده حتى قطعها فما رقأ دمها حتى مات فقال ربّكم تعالى : بادرني ابن آدم بنفسه فقتلها فقد حرمت عليه الجنة " . سماك عن جابر بن سمرة : أن رجلا ذبح نفسه فلم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم . حماد بن زيد عن عاصم الأسدي : ذكر بأن مسروقاً بن الأجدع أتى صفين فوقف بين الصفين ثم قال : يا أيها الناس أنصتوا ، ثم قال : أرأيتم لو أنّ منادياً ناداكم من السماء فسمعتم كلامه ورأيتموه فقال : إن الله ينهاكم عمّا أنتم فيه ، أكنتم مطيعيه ؟ قالوا : نعم . قال : فوالله لنزل بذلك جبرئيل على محمد فما زال يأتي من هذا ثم تلا { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ } الآية ثم انساب في الناس فذهب . { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } الذي ذكرت من المحرمات { عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ } ندخله في الآخرة ناراً { وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } هيّناً { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ } الآية . اختلفوا في الكبائر التي جعل الله اجتنابها تكفيراً للصغائر . فروى عمرو بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود قال : قلت : " يا رسول الله أي الذنب أعظم ؟ قال : " أن تجعل لله ندّاً وهو خلقك " قال : قلت : ثم ماذا ؟ قال : " أن تزني بحليلة جارك " هذا الحديث من قول الله : { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ } [ الفرقان : 68 ] الآية . صالح بن حيان عن أبي بُريدة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكبر الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين ومنع فضول الماء بعد الري " . الشعبي عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الكبائر الإشراك بالله ، واليمين الغموس ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس التي حرّم الله ، وقول الزور أو قال شهادة الزور " . سفيان عن سعد بن إبراهيم عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الله بن عمرو قال : من الكبائر أن يشتم الرجل والديه . قالوا : وكيف يشتم الرجل والديه ؟ قال : يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أُمّه فيسب أُمّه . أبو الطفيل عن ابن مسعود قال : الكبائر أربع : الإشراك بالله ، والأياس من روح الله ، والقنوط من رحمة الله ، والأمن من مكر الله . عكرمة عن عمار قال : حدثنا طيسلة بن علي النهدي قال : سألت ابن عمر عن الكبائر ، فقال : هي تسع قلت ما هن ؟ قال : الإشراك بالله تعالى ، وقتل المؤمن متعمداً ، وعقوق الوالدين المسلمين ، وأكل الربا ، وأكل أموال اليتامى ، وقذف المحصنات ، والفرار من الزحف ، والسحر ، وإستحلال الميتة قبلكم أحياءً وأمواتاً . وقال جعفر الصادق : الكبائر ثلاث : تركك ملتك ، وتبديلك سنّتك ، وقتالك أهل صفقتك . وقال فرقد المسيحي : قرأت في التوراة : أُمهات الخطايا ثلاث وهي : أول ذنب عصى الله به الكبر ، وكان ذلك لإبليس عليه اللعنة ، والحرص ، وكان ذلك لآدم ( عليه السلام ) ، والحسد ، وكان لقابيل حين قتل هابيل . عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الكبائر أولهنّ : الإشراك بالله ، وقتل النفس بغير حقها وأكل الربا وأكل مال اليتيم بداراً أن يكبر والفرار من الزحف ورمي المحصنة والإنقلاب على الأعراب بعد الهجرة فهذه سبع " . سعيد بن جبير عن ابن عباس : أن رجلا سأله عن الكبائر السبع ، قال : هن إلى سبعمائة أقرب منها إلى السبع إلاّ أنه لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار . علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس قال : الكبائر عشرون : الشرك بالله عزّ وجلّ ، وعقوق الوالدين ، وقتل المؤمن ، والقنوط من رحمة الله ، والأمن من مكر الله ، واليأس من روح الله ، والسحر ، والزنا والربا ، والسرقة ، وأكل مال اليتيم ، وترك الصلاة ، ومنع الزكاة ، وشهادة الزور ، وقتل الولد خشية أن يأكل معك ، والحسد ، والكبر ، والبهتان ، والحرص ، والحيف في الوصية ، وتحقير المسلمين . السدي عن ابن مالك قال : ذكروا الكبائر عند عبد الله فقال عبد الله : افتحوا سورة النساء ، وكل شيء نهى الله عنه حتى ثلاث وثلاثون آية فهو كبيرة ، ثم قال : مصداق ذلك { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ } الآية . وقال ابن سيرين : ذكر عند ابن عباس الكبائر فقال : كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة ، حتى الطرفة وهي النظرة . سعيد بن جبير عنه : كل شيء عصى الله فيه فهو كبيرة ، فمن عمل شيئاً منها فليستغفر ، فإن الله لا يخلد في النار من هذه الأمة إلاّ راجعاً عن الإسلام أو جاحد فريضة أو مكذباً بقدر . علي بن أبي طلحة عنه : كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب . سعيد بن جبير : كل ذنب نسبه الله إلى النار وأوعد عليه النار فهي كبيرة . الحسن : الموجبات للحدود . الضحاك : ما وعد الله تعالى عليه حدّاً في الدنيا وعذاباً في الآخرة . الحسين بن الفضل : ما سمّاه الله في كتابه القرآن كبيراً أو عظيماً ، نحو قوله : { إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } [ النساء : 2 ] ، { إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً } [ الإسراء : 31 ] ، { إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] ، { إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } [ يوسف : 28 ] ، { سُبْحَانَكَ هَـٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } [ النور : 16 ] ، { إِنَّ ذٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيماً } [ الأحزاب : 53 ] . مالك بن معول : الكبائر ذنوب أهل البدع والسيئات ذنوب أهل الشيّنة . وكيع : كل ذنب أصرّ عليه العبد فهو كبيرة ، وليس من الكبائر ما تاب منه العبد واستغفر منه . أحمد بن عاصم الأنطاكي : الكبائر ذنوب العمد ، والسيئات الخطأ ، والنسيان ، والإكراه ، وحديث النفس ، المرفوعة من هذه الأمة . سفيان الثوري : الكبائر ما فيه المظالم بينك وبين العباد ، والصغائر ما بينك وبين الله تعالى ، لأن الله كريم يغفره ، واحتجّ بقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ينادي يوم القيامة مناد من بطنان العرش يا أُمّة محمد إن الله عزّ وجلّ يقول : أمّا ما كان لي قبلكم فقد وهبتها لكم وبقي التبعات ، فتواهبوا وادخلوا الجنة برحمتي " . المحاربي : الكبائر ذنوب المذنبين المستحلين مثل ذنب إبليس ، والصغائر ذنوب المستغفرين مثل ذنب آدم . السدي : الكبائر ما نهى الله عنه من الذنوب الكبار والسيئات مقدماتها ، وتبعاتها ما يجتمع فيه الصالح والفاسق ، مثل النظرة واللمسة والقبلة وأشباهها . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " العينان تزنيان واليدان تزنيان ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه " . وقال قوم : الكبيرة ما قبح في العقل والطبع مثل القتل والظلم والزنا والكذب ونحوها ، والصغيرة ما نهى الله عنه شرعاً وسمعاً . وقال : كل ذنب يتجاوز عنه بفضله يوم القيامة فهو صغيرة ، وكل ذنب عذّب عليها بعدله فهو كبيرة . وقيل : الكبائر الذنوب الباطنة والسيئات الذنوب الظاهرة . وقال بعضهم : الصغائر ما يستحقرونه العباد والكبائر ما يستعظمونه فيخافون واقعته . وقال أنس بن مالك : إنكم تعملون أعمالا هي أدق من الشعر في أعينكم كنّا نعّدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكبائر . وقال بعضهم : الكبائر الشرك وما يؤدّي إليه ، وما دون الشرك فهو من السيئات ، قال الله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [ النساء : 48 ] . فصل في تفصيل أقاويل أهل التأويل في عددالكبائر مجموعة من الكتاب والسنة مقرونة بالدليل والحجة أحدها : الإشراك بالله لقوله تعالى : { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ } [ المائدة : 72 ] . الثاني : الأياس من روح الله لقوله : { وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ } [ يوسف : 87 ] الآية . والثالث : القنوط من رحمة الله لقوله : { وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ ٱلضَّآلُّونَ } [ الحجر : 56 ] . والرابع : الأمن من مكر الله لقوله : { فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [ الأعراف : 99 ] . والخامس : عقوق الوالدين لقوله : { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [ الإسراء : 23 ] . والسادس : قتل النفس التي حرّم الله لقوله : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ } [ النساء : 93 ] الآية . والسابع : قذف المحصنة لقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ٱلْغَافِلاَتِ } [ النور : 23 ] الآية . والثامن : الفرار من الزحف لقوله : { يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً } [ الأنفال : 15 ] الآية . التاسع : أكل الربا لقوله : { ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَا } [ البقرة : 275 ] الآية . والعاشر : السحر لقوله : { وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ } [ البقرة : 102 ] . والحادي عشر : الزنا : { وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً } [ الفرقان : 68 ] . والثاني عشر : اليمين الكاذبة لقوله : { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً } [ آل عمران : 77 ] الآيتين . والثالث عشر : منع الزكاة لقوله : { وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ } [ التوبة : 34 ] الآيتين . والرابع عشر : الغلول لقوله : { وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [ آل عمران : 161 ] . والخامس عشر : شهادة الزور لقوله : { وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَادَةَ } [ البقرة : 283 ] الآية . والسادس عشر : الميسر وهو القمار لقوله : { وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ } [ المائدة : 90 ] . والسابع عشر : شرب الخمر لقوله : { إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ } [ المائدة : 90 ] الآية . والثامن عشر : ترك الصلاة متعمداً لقوله : { حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ وٱلصَّلاَةِ } [ البقرة : 238 ] الآية . والتاسع عشر : قطيعة الرحم لقوله { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ } [ النساء : 1 ] وقوله : { وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ * أَوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } [ محمد : 22 ] . والعشرون : الحيف من الوصية لقوله : { فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً } [ البقرة : 182 ] الآية . والحادي والعشرون : أكل مال اليتيم لقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَامَىٰ ظُلْماً } [ النساء : 10 ] الآية . والثاني والعشرون : التغرب بعد الهجرة لقوله : { وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً } [ آل عمران : 144 ] . والثالث والعشرون : استحلال الحرم لقوله : { لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ } [ المائدة : 2 ] ، وقوله : { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ } [ الحج : 25 ] . والرابع والعشرون : الإرتداد لقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ } [ محمد : 25 ] الآية . والخامس والعشرون : نقض العهد لقوله : { وَٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ } [ الرعد : 25 ] . فذلك قوله تعالى : { إِن تَجْتَنِبُوا كبائر } . وقرأ ابن مسعود : كبر ما تنهون عنه ، على الواحد ، وفيه معنى مع { نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } من الصلاة إلى الصلاة ومن الجمعة إلى الجمعة ومن رمضان إلى رمضان ومن الحج إلى الحج ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " الصلوات الخمس كفارات لما بينهن ما اجتنب الكبائر " . { وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً } وهي الجنة . وقرأ عاصم وأهل المدينة : ( مدخلا ) بفتح الميم وهو موضع الدخول . وقرأ الباقون : بالضم على المصدر ، معنى الأدخال . وروي عن أبي هريرة وعن أبي سعيد " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر ثم قال : " والذي نفسي بيده " ثلاث مرات ثم سكت فأقبل كل رجل منّا يبكي حزناً ليمين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : " ما من عبد يأتي بالصلوات الخمس ويصوم رمضان ويجتنب الكبائر إلاّ فتحت له أبواب الجنة يوم القيامة حتى أنها لتصطفق " ثم تلا { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ } الآية . { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } الآية . يقال : جاءت وافدة النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله أليس الله ربّ الرجال والنساء وأنت رسول الله إليهم جميعاً ، فما بالنا يذكر الله الرجال ولا يذكر النساء ؟ نخشى أن لا يكون فينا خير ولا لله فينا حاجة ؟ فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية ، وقوله : { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ } [ الأحزاب : 35 ] الآية ، وقوله : { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } [ النحل : 97 ] . وقيل : لمّا جعل الله للذكر مثل حظ الأُنثيين في الميراث ، قالت النساء : نحن أحوج إلى أن يكون لنا سهمان وللرجال سهم ، لأنا ضعفاء وهم أقوى وأقدر على طلب المعاش منّا ، فنزّل الله هذه الآية . وقال مجاهد : قالت أم سلمة : يا رسول الله يغزوا الرجال ولا نغزوا ، وإنما لنا نصف الميراث ، فليتنا رجال فنغزوا ونبلغ ما يبلغ الرجال ، فنزلت هذه الآية . وقال قتادة والسدي : لما نزل قوله : { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ } ، قال الرجال : إنا لنرجوا أن يفضل علينا النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث ، فيكون أجرنا على الضعف من أجر النساء . وقالت النساء : إنا لنرجوا أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال في الآخرة كما لنا الميراث على النصف من نصيبهم في الدنيا ، فأنزل الله { لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبُواْ } من الثواب والعقاب { وَلِلنِّسَآءِ } كذلك ، قاله قتادة ، وقال أيضاً : هو أن الرجل يجزي بالحسنة عشرة والمرأة تجزي بها عشراً . وقال ابن عباس : للرجال نصيب ممّا اكتسبوا من الميراث ، وللنساء نصيب منه { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ } ، والإكتساب على هذا القول بمعنى الإصابة والأحراز ، فنهى الله تعالى عن التمني على هذا الوجه لما فيه من دواعي الحسد . قال الضحاك : لا يحل لمسلم أن يتمنى مال أحد ، ألم يسمع الذين قالوا : { يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ } [ القصص : 79 ] إلى أن قال { وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِٱلأَمْسِ } [ القصص : 82 ] حين خسف بداره وأمواله يقولون : { لَوْلاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا } [ القصص : 82 ] . وقال الكلبي : لا يتمنى الرجل مال أخيه ولا امرأته ولا خادمه ولا دابته ، ولكن ليقل : اللهم ارزقني مثله ، وهو كذلك في التوراة ، وذلك قوله في القرآن : { وَٱسْأَلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضْلِهِ } [ النساء : 32 ] . قرأ ابن كثير وخلف والكسائي : ( وَسلوا الله ) وسل وفسل بغير همزة فنقل حركة الهمزة إلى السين . الباقون : بالهمزة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سلوا الله من فضله فإنه يحبّ أن يُسأل وأن من أفضل العبادة إنتظار الفرج " . أبو صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من لم يسأل الله عزّ وجلّ من فضله غضب عليه " . هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت : سلوا ربّكم حتى الشبع من لم يُيسّره الله لم يتيسّر . وقال سفيان بن عيينة : لم يأمر بالمسألة إلاّ ليعطي . { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ } أي ولكل واحد من الرجال والنساء موالي ، أي عصبة يرثونه { مِمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ } من ميراثهم له ، والوالدون والأقربون على هذا التأويل هم الموروثون ، وقيل : معناه ولكل جعلنا موالي ، أي قرابة من الذين تركهم ، ثم فسّر الموالي فقال : { ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ } أي هم الوالدان والأقربون خبر مبتدأ محذوف فالمعنى : من تركة الوالدان والأقربون ، وعلى هذا القول هم الوارثون { وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ } في محل الرفع بالإبتداء ، والمعاقدة هي المعاهدة بين اثنين . وقرأ أهل الكوفة : عقدت خفيفة بغير ألف أراد عقدت لهم { أَيْمَانُكُمْ } وقرأت أم سعد بنت سعد بن الربيع : ( عقّدت ) بالتشديد يعني وثقته وأكدته ، والأيمان جمع يمين من اليد والقسم ، وذلك أنهم كانوا يضربون صفقة البيعة بأيمانهم ، فيأخذ بعضهم بيد بعض على الوفاء والتمسك بالعهد ويتحالفون عليه ، فلذلك ذكر الأيمان . قتادة وغيره : أراد بالذين عاقدت إيمانكم الحلفاء ، وذلك أن الرجل في الجاهلية كان يعاقد الرجل فيقول : دمي دمُك وهدمي هدمك وثاري ثارك وحربي وحربك وسلمي وسلمك وترثني وارثك وتطلب لي وأطلب لك وتعقل عني وأعقل عنك ، فيكون للحليف السدس من ميراث الحليف ، وعاقد أبو بكر مولى له فورثه لذلك قوله : { فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } أي وأعطوهم حظهم من الميراث ، ثم نسخ ذلك بقوله : { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } [ الأنفال : 75 ] . وقال إبراهيم ومجاهد : أراد فآتوهم نصيبهم من النصر والعقل والرفد ، ولا ميراث ، وعلى هذا القول تكون الآية غير منسوخة لقوله تعالى : { أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } [ المائدة : 1 ] ، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أوفوا للحلفاء بعهودهم التي عقدت أيمانكم " . ولقوله ( عليه السلام ) في خطبته يوم فتح مكة : " ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به فإنه لم يزده الإسلام إلاّ شدة ولا تحدثوا حلفا في الإسلام " . وروى عبد الرحمن بن عوف ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " شهدت حلف المطيبين وأنا غلام مع عمومتي ، فما أحب أن لي حمر النعم وإنّي أنكثه " ، وقال ابن عباس وابن زيد : نزلت هذه الآية في الذين آخى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار حين أتوا إلى المدينة ، وكانوا يتوارثون تلك المؤاخاة ، ثم نسخ الله ذلك بالفرائض . وقال سعيد بن المسيّب : نزلت في الذين كانوا يتبنّون أبناء غيرهم في الجاهلية ، ومنهم زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأُمروا في الإسلام ( أن ) يوصوا إليهم عند الموت بوصية ، وردّ الميراث إلى ذوي الرحم ، وأبى الله أن يجعله يجعل للمدّعى ميراثاً ممّن ادّعاهم وتبنّاهم ، ولكن جعل الله لهم نصيباً في الوصية ، فذلك قوله : { فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } . { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً } وقال أبو روق : نزل قوله : { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ } الآية في أبي بكر الصديق ، وابنه عبد الرحمن ، وكان كافراً ، أن لا ينفعه ولا يورثه شيئاً من ماله ، فلمّا أسلم عبد الرحمن أُمر أن يؤتى نصيبه من المال . { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } الآية قال مقاتل : " نزلت هذه الآية في سعيد بن الربيع بن عمرو وكان من النقباء وفي امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير وهما من الأنصار وذلك أنها نشزت فلطمها ، فانطلق أبوها معها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أفرشته كريمتي ولطمها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لتقتصَّ من زوجها " ، فانصرفت مع أبيها لتقتصّ منه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ليرجعوا ، هذا جبرئيل " ، وأُنزلت هذه الآية ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " أردنا أمراً وأراد الله أمراً ، فالذي أراد الله خير " ، ورُفع القصاص " . وقال الكلبي : نزلت في أسعد بن الربيع وامرأته بنت محمد بن مسلم ، وذكر نحوها أبو روق : نزلت في جميلة بنت عبد الله بن أُبي ، وفي زوجها ثابت بن قيس بن شماس ، وذلك أنّها نشزت عليه فلطمها ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تستعدي ، فأنزل الله تعالى هذه الآية { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } أي مسلّطون على تأديب النساء { بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } فليس بين الرجل وامرأته قصاص فيما دون النفس ، فلو شجّ رجل امرأته ، أو جرحها لم يكن عليه قود ، وكان عليه العقل إلاّ التي يقتلها فيُقتل بها ، قاله الزهري وجماعة من العلماء ، وقال بعضهم : ليس بين الزوج والمرأة قصاص إلاّ في النفس والجرح . والقوّامون : البالغون في القيام عليهن بتعليمهنّ وتأديبهنّ وإصلاح أمرهنّ { بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } قيل : بزيادة العقل ، وقيل : بزيادة الدّين واليقين ، وقيل : بقوة العبادة ، وقيل : بالشهادة ، قال الله : { فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ } [ البقرة : 282 ] ، قال القرظي : بالتصرّف والتجارات ، وقيل : بالجهاد ، قال الله : { ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً } [ التوبة : 41 ] ، وقال للنساء : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } [ الأحزاب : 33 ] ، الربيع : الجمعة والجماعات ، قال الحسن : بالإنفاق عليهنّ ، قال الله تعالى : { وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } . وقال بعضهم : يمكن للرجل أن ينكح أربع نسوة ، ولا يحلّ للمرأة غير زوج واحد ، وقيل : هو إنّ الطلاق إلى الرجال وليس إليهنّ منه شيء ، وقيل : بالدّية ، وقيل : بالنبوّة ، وقيل : الخلافة والإمارة ، إسماعيل بن عياش [ … ] عن بعض أشياخه رفعه قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المرأة مسكينة ما لم يكن لها زوج " . فقيل : يا رسول الله ، وإن كان لها مال ؟ قال : " وإن كان لها مال ، الرجال قوّامون على النساء " " . سعيد ( عن أبي سعيد المقبري ) عن أبي هريرة قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خير النساء امرأة إن نظرت إليها سرّتك ، وإن أمرتها أطاعتك ، وإذا غبت عنها حفظتك في مالها ونفسها ، ثم تلا صلى الله عليه وسلم { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } " " . { فَٱلصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ } مطيعات { حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ } يعني لغيب أزواجهنّ إذا غابوا ، وقيل : سرّهم { بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ } أي بحفظ الله لهنّ ، وقرأ أبو جعفر بفتح الهاء ، ومعناه : بحفظ من الله في الطاعة ، وهذا كقوله عليه السلام : " احفظ الله يحفظك " ، و { مَآ } على القراءتين [ مصدريّة ] ، كقوله : { بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي } [ يس : 27 ] ، أي يغفر لي ربّي . { وَٱللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } عصيانهن ، وأصله من الحركة { فَعِظُوهُنَّ } ، فإنْ نزعن عن ذلك وإلاّ { وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ } ، وقيل : ولّوهنّ ظهوركم في المضاجع ، فإن نزعن وإلاّ { وَٱضْرِبُوهُنَّ } ضرباً غير مبرح ولا شائن . ابن أبي ليلى عن داود بن علي عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { علّق السوط حيث يراه أهل البيت } هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت : كنت رابعة أربع نسوة عند الزبير بن العوام ، فإذا غضب على إحدانا ضربها بعود المشجب حتى يكسره عليها . { فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً } أي لا [ تطلبوا ] عليهنّ بالذنوب ، قال ابن عينه : لا تكلفوهن الحبّ . { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا } أي خلافاً بين الزوجين ، { فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ } يتوسطون ، { إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً } يعني الزوجين وقيل : الحكمين ، { يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ } بالصلاح والإلفة ، { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً } . وعن عبيدة السلماني قال : جاء رجل وامرأة علياً ( عليه السلام ) ، مع كل واحد منهما قيام من النّاس ، فقال عليٌّ : " ما شأن هذين ؟ " . قالوا : وقع بينهما شقاق . قال عليٌّ : { فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ } . قال : فبعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها ، فقال عليٌ للحكمين : " هل تدريان ما عليكما ؟ إنّ عليكما إنْ رأيتما أن يُجمعا جمعتما ، وإن رأيتما أن يُفرّقا فرقتما " ، قالت المرأة : رضيت بكتاب الله بما عليّ فيه ولي ، فقال الرجل : أمّا الفرقة فلا ، قال عليٌ : " كذبت والله ، لا تنقلب منّي حتى تقرّ بما أقرّت به " . { وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } وحّدوا الله وأطيعوه ، قالت الحكماء : العبودية ترك العصيان ، وملازمة الذلّ والانكسار ، وقيل : العبودية أربعة أشياء : الوفاء بالعهود ، والحفظ للحدود ، والرّضا بالموجود ، والصبر على المفقود . { وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } برّاً بهما وعطفاً عليهما . وقرأ ابن جني : ( إحسانٌ ) بالرفع ، أي وجب الإحسان بهما ، { وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ } عن أبي هريرة أن رجلا شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه ، فقال : " إن أردت أن يلين قلبك فاطعم المسكين ، وامسح رأس اليتيم وأطعمه " . { وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ } : قرأ العامة بالخفض عطفاً على الكلام الأول ، وقرأ ابن أبي عبلة : { وَٱلْجَارِ } وما يليه نصباً . و { وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ } ذو القرابة { وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ } البعيد الذي بينك وبينه قرابة ، وقال الضحاك : هو الغريب من قوم آخرين ، وقرأ الأعمش والفضل : ( والجار الجنب ) بفتح الجيم وسكون النون ، وهما لغتان : رجل جَنْب وجُنُب وجانب وأجنب وأجنبيّ ، إذا لم يكن قريباً ، وجمعها أجانب ، وقال الاّعشى : @ أتيت حريثاً زائراً عن جنابة فكان حريث في عطائي جامدا @@ أي عن غربة من غير قربة ، ومنه يقال : اجتنب فلان فلاناً ، إذا بعد منه ، ومنه قيل للمجنب : جنب لاعتزاله الصّلاة ، وبُعده من المسجد حتى يغتسل ، وقال نوف البكالي : الجار الجُنب هو الكافر ، { وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ } يعني الرفيق في السفر ، قال ابن عباس ومجاهد وأبو جعفر وعكرمة وقتادة ، عن سعيد بن معروف بن رافع ، عن أبيه ، عن جدِّه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " التمسوا الجار قبل الدار ، والرفيق قبل الطريق " . وقال بعضهم : الجار الجُنب هو الجار اللاصق داره بدارك ، فهو إلى جنبك ، وقال علي وعبد الله وابن أبي ليلى والنخعي : هو المرأة تكون معه إلى جنبه . ابن زيد وابن جريج : هو الذي يلزمك ويصحبك رجاء برّك ورفدك . وقال ابن عباس : إنّي لاستحي أن يطأ الرجل بساطي ثلاث مرات لا يُرى عليه أثر من برّي . وقال المهلّب : إذا غدا عليكم الرجل وراح ، فكفى به مسألة وتذكرة بنفسه . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنّ خير الأصحاب عند الله عز وجلّ خيرهم لصاحبه ، خير الجيران عند الله خيرهم لجاره " . عثمان بن عطا ، عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس بمؤمن من لا يؤمن جاره بوائقه ، فأيّما رجل أغلق أبوابه دون جاره ، فخافه على أهله وماله فليس ذلك بمؤمن " . قالوا : يا رسول الله ، وما حق الجار ؟ قال : " إن دعاك أجبته ، وإن أصابته فاقة عُدت عليه ، وإن استقرضك أقرضته ، وإن أصابه خير هنأته ، وإن مرض عُدته ، وإن أصابه مصيبة عزّيته ، وإن توفي شهدت جنازته ، ولا تستعلُ عليه بالبنيان لتحجب عنه الريح إلاّ بإذنه ، ولا تؤذه بقتار قِدرك إلاّ أن يُغرف له منها ، وإن ابتعت فاكهة فأهدِ له منها ، وإن لم تفعل فأدخلها سرّاً ، ولا يخرج ولدك منها فيغيظ ولده " . ثم قال صلى الله عليه وسلم " الجيران ثلاثة : فمنهم من له ثلاثة حقوق ، ومنهم من له حقّان ، ومنهم من له حق واحد ؛ فأما صاحب الثلاثة الحقوق : فالمسلم الجار ذو الرحم ، له حق الإسلام وحق الجوار وحق الرحم ، وأمّا صاحب الحقّين : فالمسلم الجار له حق الإسلام وحق الجار ، وأمّا صاحب الحق الواحد ، فالمشرك الجار ، له حق الجوار ، وإن كان مشركاً " . أبو هشام القطان ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من آذى جاره فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن حارب جاره فقد حاربني ، ومن حاربني فقد حارب الله عزّ وجلّ " . { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } يعني المماليك ، عن أبي أُمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع إلى أبي ذّر غلاماً ، فقال : " يا أبا ذّر أطعمه مما تأكل واكسُه مما تلبس " ، قال : لم يكن له سوى ثوب واحد فجعله نصفين ، فراحَ إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ما شأن ثوبك هذا ؟ " ، فقال : إن الفتى الذي دفعته إليّ أمرتني أن أُطعمه مما آكل واكسوه مما ألبس ، وإنه لم يكن معي إلاّ هذا الثوب فناصفته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أُشير عليك بأن تعتقه " ، ثم قال رسول الله : " ما فعل فتاك ؟ " قال : ليس لي فتًى فقد أعتقته ، قال : " آجرك الله يا أبا ذّر " . الأعمش عن عتيق عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الغنم بركة ، والإبل عزّ لأهلها ، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ، والعبد أخوك فإن عجز فأعنه " . وعن عليِّ ( رضي الله عنه ) قال : " كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة واتقوا الله فيما ملكت أيمانكم " . { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } .