Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 7-14)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ } الآية ، وذلك " أن أوس بن ثابت الأنصاري توفى وترك امرأة يقال لها : أم كحة وثلاث بنات له منها ، فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصيّاه واختلف في اسميهما فقال الكلبي وقتادة : عرفطة ، وقال غيره : سويد وعرفجة فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئاً وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكراً ، وإنما كانوا يورثون الرجال الكبار ، فكانوا يقولون : لا نعطي إلاّ من قاتل على ظهر الخيل وجاز القسمة قال : فجاءت أم كحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مسجد الفضيح فقالت : يا رسول الله إن أوس بن ثابت مات وترك عليَّ بنات له ثلاثاً وأنا امرأته وليس عندي ما أنفق عليهن ، وقد ترك أبوهن مالا حسناً وهو عند سويد وعرفجة ، فلم يعطياني ولا بناته من المال شيئاً وهنّ في حجري ، ولا يطعمن ولا يسقين ولا يرفع لهن رأس . فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا : يا رسول الله ولدها لا يركب فرساً ولا يحمل كلأ ولا ينكأ عدواً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انصرفوا حتى أنظر ماذا يحدث الله لي فيهن " فانصرفوا فأنزل الله تعالى هذه الآية . { لِّلرِّجَالِ } يعني الذكور من أولاد الميت وأقربائه نصيب وحظ وسهم ممّا ترك الوالدان والأقربون من الميراث ، والأناث لهن حصّة من الميراث . { مِمَّا قَلَّ مِنْهُ } المال { أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } حظاً معلوماً واجباً ، نظيرها فيما قال : { لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } [ النساء : 118 ] وهو نصب لخروجه مخرج المصدر كقول القائل : لك عليَّ حق حقاً واجباً ، وعندي درهم هبة مقبوضة ، قاله الفراء . وقال أبو عبيدة : هو نصب على الخروج ، الكسائي : على القطع ، الأخفش : جعل ذلك نصيباً فأثبت لهم في الميراث حقاً ، ولم يبيّن كم هو . فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سويد وعرفجة : " لا تفرّقا من مال أوس بن ثابت شيئاً ، فإن الله تعالى جعل لبناته نصيباً ممّا ترك ولم يبين كم هو ، حتى ننظر ما ينزل الله عزّ وجلّ فيهن " ، فأنزل الله عزّ وجلّ { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلاَدِكُمْ } إلى قوله { وَذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } فلما نزلت أرسل رسول الله إلى سويد وعرفجة : " أن ادفعا إلى أم كحة الثمن ممّا ترك وإلى بناته الثلثين ، ولكما باقي المال " " . { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ } يعني قسمة المواريث { أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ } الذين لا يرثون { وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينُ فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ } أي فارضوهم من المال قبل القسمة ، واختلف العلماء في حكم هذه الآية : فقال قوم : هي منسوخة . وقال سعيد بن المسيب والضحاك وأبو مالك : كانت هذه قبل آية المواريث ، فلما نزلت آية الميراث جعلت الميراث لأهلها الوصية ونسخت هذه الآية ، وجعلت لذوي القربى الذين يحزنون ولا يرثون واليتامى والمساكين ، وهذه رواية العوفي عن ابن عباس . وقال آخرون : هي محكمة ، وهو قول الأشعري والنخعي والشعبي والزهري ورواية عكرمة ومقسم عن ابن عباس . وقال مجاهد : واجبة على أهل الميراث ما طابت بها أنفسهم . قتادة عن الحسن : ليست بمنسوخة ولكن الناس شحوا وبخلوا . وروى عبد الرزاق عن معمّر عن هشام بن عروة : أن أباه أعطاه من ميراث مصعب حين قسم ماله ، قاله الحسن . وقال التابعون : كانوا يعطون التابوت والأواني وباقي المتاع والثياب ، والشيء الذي يستحي من قسمته ، فإن كان بعض الورثة طفلا ، فاختلفوا : فقال ابن عباس والسدي وغيرهما : إذا حضر القسمة هؤلاء ، فإن كان الميّت أوصى لهم بشيء أنفدت لهم وصيته ، وإن كانت الورثة كباراً رضخوا لهم ، وإن كانت صغاراً اعتذروا إليهم ، فيقول الولي والوصي : إني لا أملك هذا إنما هو لهؤلاء الضعفاء الصغار الذين لا يعقلون ما عليهم من الحق ، ولو كان لي من الميراث شيء لأعطيتكم ، وإن يكبروا فسيعرفون حقكم ، وإن ماتوا فورثناهم أعطيناكم حقكم ، وهذا هو القول المعروف . وقال سعيد بن جبير : هذه الآية ممّا يتهاون به الناس ، هما وليان : وليّ يرث وهو الذي يعطي ويكسي ، ووليّ لا يرث وهو الذي يقال له قول المعروف . وقال بعضهم : ذلك حق واجب في أموال الصغار والكبار ، فإن كانوا كباراً تولوا إعطاهم ، وإن كانوا صغاراً تولى إعطاء ذلك وليّهم . روى محمد بن سيرين : أن عبيدة السلماني قسّم أموال أيتام فأمر بشاة فذبحت فصنع طعاماً لأهل هذه الآية ، وقال : لولا هذه الآية لكان هذا من مالي . روى قتادة عن يحيى بن يعمر قال : تلك آيات محكمات مدنيات تركهن الناس ، هذه الآية وآية الاستئذان { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } [ النور : 58 ] وقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ } [ الحجرات : 13 ] . وقال بعضهم : هذا على الندب والاستحباب لا على الحَتم والايجاب ، وهو أولى الأقاويل بالصواب . وقال ابن زيد وغيره : هذا في الوصية لا في الميراث ، كان الرجل إذا أوصى قال : فلان ماله أمر أن يوصي بثلث ماله لمن سمّى الله في هذه الآية . وروى ابن أبي مليكة عن أسماء بنت عبد الرحمن وأبي بكر والقاسم بن محمد بن أبي بكر : أخبرا أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قسّم ميراث أبيه عبد الرحمن وعائشة حيّةٌ ، قالا : فلم يترك في الدار مسكيناً ولا ذا قرابة إلاّ أعطاهم من مال أبيه ، وتلا هذه الآية { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ } . قال القاسم : فذكرت ذلك لابن عباس فقال : ما أصاب ، ليس ذلك له إنما ذلك في الوصية . { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ } الآية . قال أكثر المفسرين : هذا في الرجل يحضره الموت فيقول من بحضرته عند وصيته : أُنظر لنفسك فإن أولادك وورثتك لا يغنون عنك شيئاً ، فقدّم لنفسك اعتق وتصدق وأعط فلاناً كذا وفلاناً كذا حتى يأتي على عامّة ماله ويستغرقه ولا يبقي لورثته شيئاً ، فنهاهم الله عزّ وجلّ عن ذلك وأمرهم أن يأمروه أن يُبقي لولده ولا يزيد في وصيته على الثلث ولا يجحف بورثته ، كما لو كان هذا الميت هو الموصي ، لسرّه أن يحثه من يحضره على حفظ ماله لولده ولا يدعهم عالة مع ضعفهم ، ويجرهم إلى التصرّف والحيلة . وقال مقسم الحضرمي : الرجل يحضره الموت فيقول له من بحضرته : اتق الله وأمسك عليك مالك فليس أحد أحق بمالك من أولادك ، وينهاه عن الوصية لأقربائه ولليتامى والفقراء ، ولو كان هذا هو الموصي لسرّه أن يوصي لهم . وقال الكلبي : هذا الخطاب لولاة اليتامى يقول : من كان في حجره يتيم فليحسن إليه ، فليقل وليفعل خيراً وليأت إليه ما يحب أن يفعل بذريته من بعده . وهي رواية عطية عن ابن عباس . وقال الشعري : كنّا بالقسطنطينيّة أيام مسلمة بن عبد الملك وفينا ابن محبرين وابن الديلمي وهاني بن مكتوم ، وجعلنا نتذاكر ما يكون في آخر الزمان ، فضقت ذرعاً لما سمعت فقلت لابن الديلمي : يا أبا بشير عليّ ودّي أنه لا يولد لي ولد أبداً قال : فضرب بيده على منكبي وقال : يابن أخي لا تفعل فإنه ليست من قسمة كتب الله لها أن تخرج من صلب رجل إلاّ وهي خارجة شئنا أو أبينا ، ألا أدلك على أمر إن أنت أدركته نجّاك الله منه ، وإن تركت ولداً من بعدك حفظهم الله فيك ؟ قلت : بلى فتلا هذه الآية ، { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواّ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } والسديد العدل والصواب من القول { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَامَىٰ ظُلْماً } الآية . قال مقاتل بن حيان : نزلت في رجل من غطفان يقال له مرثد بن زيد ، ولّي مال ابن أخيه وهو يتيم صغير فأكله فأنزل الله عزّ وجلّ فيه { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَامَىٰ ظُلْماً } حراماً بغير حق { إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً } أخبر عن ماله وأخبر عن حاله ، والعرب تقول للشيء الذي يؤدى إلى الشيء : هذا كذا لما يؤدى إليه . مثل قولهم : هذا الموت ، أي يؤدي إليه . " وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الشارب من أواني الذهب والفضة " إنما يجرجر في بطنه نار جهنم " " . وقال ( عليه السلام ) : " البحر نار في نار " أي عاقبتها كذلك ، وذكر البطون تأكيداً كما يقال : نظرت بعيني وقلت بلساني وأخذت بيدي ومشيت برجلي { وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } وقوداً . قرأه العامة بفتح الياء ، أي يدخلون ، تصديقها إلاّ من هو صال الجحيم ، وقوله : { لاَ يَصْلاَهَآ إِلاَّ ٱلأَشْقَى } [ الليل : 15 ] . وقرأ أبو رجاء والحسن وابن عامر وعاصم وأبو جعفر : بضم الياء ، أي يدخلون النار ويحرقون نظيره ، قوله : { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ } [ المدثر : 26 ] وقوله : { فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً } [ النساء : 30 ] . وقرأ حميد بن قيس : ( وسيُصلّون ) بضم الياء وتشديد اللام ، من التصلية ، لكثرة الفعل ، أي مرّة بعد مرّة ، دليله قوله : { ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ } [ الحاقة : 31 ] وكل صواب ، يقال : صَلَيت الشيء إذا شويته . وفي الحديث : أتى بشاة مصلية ، فاصليته ألقيته في النار ، وصليته مرّة بعد مرّة ، وصُلِيت بكسر اللام دخلت النار وتصلّيت استدفأت بالنار . قال الشاعر : @ وقد تصليت حرَّ حربهم كما تصلّى المقرور من قرس @@ وقال السدي : يبعث آكل مال اليتيم ظلماً يوم القيامة ، ولهب النار ودخانه يخرج من فيه وأذنيه وأنفه وعينيه ، يعرفه كل من رآه يأكل مال اليتيم . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " رأيت ليلة أُسري بي قوماً لهم مشافر كمشافر الإبل أحديهما عالية على منخريه وأخرى على بطنه ، وخزنة النار يلقمونهم جمر جهنم وصخرها ، ثم يخرج من أسافلهم ، فقلت : يا جبرئيل من هؤلاء ؟ قال : الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً " . { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ } . فصل في بسط الآية اعلم أن الوراثة كانت في الجاهلية بالرجولية والقوة ، وكانوا يورثون الرجال دون النساء والأطفال ، فأبطل الله عزّ وجلّ ذلك بقوله : { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ } وكانت الوراثة أيضاً في الجاهلية ، وبدأ الإسلام بالمحالفة قال الله : { وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ } يعني الحلفاء { فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } وأعطوهم حظهم من الميراث ، ثم صارت بعد الهجرة ، قال الله تعالى : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } [ الأنفال : 72 ] فنسخ هذا كله وصارت الوراثة على وجهين : بالسبب والنسب ، فأما السبب فهو النكاح والولاء ، وهذا علم عريض لذلك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عليكم بالفرائض فإنها نصف العلم وهو أول علم ينزع من أمتي " . ولا يمكن معرفة ذلك إلاّ بمعرفة الورثة والسهام ، وقد أفردت فيه قولا وجيزاً جامعاً كما يليق بشرط الكتاب والله الموفق للصواب . اعلم أن الميت إذا مات يبدأ أولا بالتجهيز ثم بقضاء ديونه ثم بإنفاذ وصاياه ، فما فضل يقسّم بين الورثة ، والورثة على ثلاثة أقسام : منهم من يرث بالفرض ، ومنهم من يرث بالتعصيب ، ومنهم من يرث بهما جميعاً ، فصاحب الفرض : من له سهم معلوم ونصيب مقدّر ، مثل البنات والأخوات والأمهات والجدّات والأزواج والزوجات ، وصاحب التعصيب : من يأخذ جميع المال عند عدم أصحاب الفروض ، أو يأخذ الفاضل منهم ويكون محروماً إذا لم يفضل من أصحاب السهام شيء ، مثل الأخ والعم ونحوهما ، والذي يرث بالوجهين : هو الأب مع البنت وبنت الابن ، يأخذ نصيبه المقدر وهو السدس ، ثم يأخذ ما فضل منهما وجملة الورثة سبعة عشر ، عشرة من الرجال : الابن وابن الابن وإن سفل والأب وأب الأب وإن علا والأخ وابن الأخ والعم وابن العم والزوج ومولى العتاق ، ومن النساء سبع : البنت وبنت الابن والأم والجدّة والأخت والزوجة ومولاة العتاق ، والذين لا يسقطهم من الميراث أحد الستة ، الأبوان والولدان والزوجان . والعلة في ذلك : أنه ليست بينهم وبين الميت واسطة ، والذين لا يرثون بحال ستة : العبد والمدبّر والمكاتب وأم الولد وقاتل العمد وأهل الملتين ، والسهام المحدودة في كتاب الله عزّ وجلّ ستة : النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس . والنصف فرض خمسة : بنت الصلب ، وبنت الابن إذا لم يكن بنت الصلب ، والأخت للأب والأم ، والأخت للأب إذا لم يكن الأخت للأب والأم ، والزوج إذا لم يكن للميت ولد ولا ولد ابن . والربع فرض اثنين : الزوج إذا كان للميت ولد أو ولد ابن ، والزوجة والزوجات إذا لم يكن للميت ولد ولا ولد ابن . والثمن فرض واحد : الزوجة والزوجات إذا كان للميت ولد أو ولد ابن . والثلثان فرض كل اثنين فصاعداً ممّن فرضه النصف . والثلث فرض ثلاثة : الأم إذا لم يكن للميت ولد ولا ولد ابن ولا اثنان من الأخوة والأخوات إلاّ في مسألتين : أحدهما زوج وأبوان ، والأُخرى امرأة وأبوان ، فإن للأم فيهما ثلث ما يبقى بعد نصيب الزوج ، وهو في الحقيقة سدس جميع المال ، والزوجة وهو ربع جميع المال ، وفرض الاثنين من ولد الأم ذكورهم واناثهم سواء ، وفرض الجدّ مع الأخوة والأخوات إذا كانت المقاسمة خيراً له من الثلث . والسدس فرض سبعة : بنت الابن مع بنت الصلب ، والأخت للأب مع الأخت للأب والأم ، والواحد من ولد الأم ، والأم إذا كان للبنت ولداً ، وولد ابن أو اثنان من الأخوة والأخوات ، وفرض الجدة والجدات وفرض الأب مع الولد وولد الابن [ … ] مع الابن وابن الابن ، وأما العصبات فأقربهم البنون ثم بنوهم ثم بنو بنيهم وإن سفلوا [ … ] أخواتهم للذكر مثل حضّ الأُنثيين ، ثم الأب وله ثلاثة أحوال : حال ينفرد بالتعصيب ، وهو مع عدم الولد وولد الابن ، وحال ينفرد بالفرض ، وهو مع الابن أو ابن الابن ، وحال يجمع له الفرض والتعصيب ، وهو مع البنت وابنة الابن ، ثم الجد إن لم يكن له أخوة ، وإن كان له أخوة قاسمهم ، ثم الأخوة والأخوات للأب والأم ، ثم الأخوة والأخوات للأب يقسمون المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ، والواحدة منهن عصبة مع البنات ، وسائر العصبات ينفرد ذكورهم بالتعصيب ، دون الأناث ، ثم بنو الأخوة للأب والأم ، ثم بنو الأخوة للأب ، ثم الأعمام للأب والأم ، ثم الأعمام للاب ، ثم بنو الأعمام للأب والأم ، ثم بنو الأعمام للأب ، ثم بنو الأعمام للأب والأم ، ثم بنو الأعمام للأب ، ثم أعمام الأب كذلك ، ثم أعمام الجد ، على هذا الترتيب لا يرث بنو أب أعلى وبنو أب أقرب منهم موجود ، ثم مولى العتق ، ثم عصبته على هذا الترتيب ، فهذه جملة من هذا العلم . رجعنا إلى تفسير الآية ، اختلف المفسرون في سبب نزولها : فأخبر محمد بن المنكدر أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : " مرضت فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ( رضي الله عنه ) وهما يتمشيان ، فأُغشي عليَّ فدعا بماء فتوضأ ثم صبّه عليَّ فأفقت ، فقلت : يا رسول الله كيف أمضي في مالي ؟ كيف أصنع في مالي ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت فيَّ آية المواريث " . وقال عطاء : " استشهد سعد بن الربيع النقيب يوم أُحد وترك امرأة وابنتين وأخاً ، فأخذ الأخ المال فأتت امرأة سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن هاتين ابنتا سعد ، وإن سعداً قُتل يوم أحد معك شهيداً ، وإن عمّهما أخذ مالهما ولا ينكحان إلاّ ولهما مال ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ارجعي فلعل الله سيقضي في ذلك " فأقامت حيناً ثم عادت وشكت وبكت ، فنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلاَدِكُمْ } إلى آخرها . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمّهما وقال : " أعطِ بنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك " ، فهذا أول ميراث قُسّم في الإسلام . وقال مقاتل والكلبي : نزلت في أم كحة وقد مضت القصة . وقال السدي : نزلت في عبد الرحمن أخي حسان الشاعر ، وذلك أنه مات وترك امرأة وخمس أخوات ، فجاء الورثة فأخذوا ماله ولم يعطوا امرأته شيئاً ، فشكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله آية المواريث . وقال ابن عباس : كانت المواريث للأولاد وكانت الوصية للوالدين والأقربين ، فنسخ الله ذلك ، وأنزل آية المواريث ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لم يرض بملك مقرب ولا نبي مرسل حتى تولى قسم التركات وأعطى كل ذي حق حقه ألا فلا وصية للوارث " وقوله تعالى : { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ } أي يعهد إليكم ويفرض عليكم { فِيۤ أَوْلاَدِكُمْ } أي في أمر أولادكم إذا متم { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَآءً } يعني المتروكات { فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ } فصاعداً يعني البنات { فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } و ( فوق ) صلة ، كقوله عزّ وجلّ : { فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ } [ الأنفال : 12 ] . { وَإِن كَانَتْ } يعني البنت { وَاحِدَةً } . قرأه العامة : نصب على خبر كان ، ورفعهما أهل المدينة على معنى : إن وقعت واحدة ، وحينئذ لا خبر له . { فَلَهَا ٱلنِّصْفُ } ثم قال : { وَلأَبَوَيْهِ } يعني لأبوي الميت ، كناية عن غير المذكور { لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ } أو ولدان ، والأب هاهنا صاحب فرض { فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ ٱلثُّلُثُ } قرأ أهل الكوفة : ( فلأمه ) بكسر الهمزة ، وقرأ الباقون : بالضم على الأصل . { فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ } اثنين كانا أو أكثر ذكراناً أو أناثاً { فَلأُمِّهِ ٱلسُّدُسُ } هذا قول عامة الفقهاء ، وكان ابن عباس لا يحجب الأم عن الثلث إلى السدس بأقل من ثلاثة أخوة ، وكان يقول في أبوين وأخوين : للأم الثلث وما بقي فللأب ، اتبع ظاهر اللفظ . وروى : أن ابن عباس دخل على عثمان فقال : لِمَ صار الأخوان يردان الأم إلى السدس ، وإنما قال الله عزّ وجلّ : { فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ } والأخوان في لسان قومك ليسا بأخوة ؟ فقال عثمان : هل أستطيع نقض أمرٌ قد كان قبلي وتوارثه الناس ومضى في الأمصار . وقول ابن عباس في هذا غير مأخوذ به ، وأما الآية فإن العرب توقع اسم الجمع على التثنية ، لأن الجمع ضمُّ شيء إلى شيء ، فأقل الجموع اثنان وأقصاها لا غاية له ، قال الله تعالى : { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } [ التحريم : 4 ] . وتقول العرب : ضربت من زيد وعمرو رؤوسهما فأوجعت من إخوتك ظهورهما . وأنشد الأخفش : @ لما أتتنا المرأتان بالخبر أن الأمر فينا قد شهر @@ قال الثعلبي : وأنشدني أبو القاسم الحبيبي قال : أنشدني أبو سعيد أحمد بن محمد بن رمح الزيدي : @ ويُحيى بالسلام غني قوم ويبخل بالسلام على الفقير أليس الموت بينهما سواء إذا ماتوا وصاروا في القبور @@ { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ } قرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم : ( يوصَى ) بفتح الصاد ، الباقون : بالكسر وكذلك الآخر . واختلفت الرواية فيهما عن عاصم ، والكسر اختيار أبي عبيد وأبي حاتم لأنّه جرى ذكر الميت قبل هذا ، قال الأخفش : وتصديق الكسر يوصين ويواصون . { آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً } . قال مجاهد : في الدنيا ، وقرأ بعضهم : ( أيهما أقرب لكم نفعاً ) أي رفع بالابتداء ، ولم يعمل فيه ال ( ما ) قبله ، لأنه استفهام و ( أقرب ) خبره و ( نفعاً ) نصب على التمييز ، كأنه يقول : لا يدرون أي الوارثين والموروثين أسرع موتاً فيرثه صاحبه ، فلا تتمنوا موت الموروث ولا تستعجلوه . وقال ابن عباس : أطوعكم لله من الآباء والأبناء أرفعكم درجة يوم القيامة ، لأن الله عزّ وجلّ يشفّع المؤمنين بعضهم في بعض ، فإن كان الوالد أرفع درجة في الجنة من ولده رفع الله إليه ولده في درجته ليقرّ بذلك عينه ، وإن كان الولد أرفع درجة من والديه رفع الله والديه إلى درجته ليقرّ بذلك عينيهما . قال الحسن : لا تدرون بأيّهم أنتم أسعد في الدين والدنيا . { فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَّمْ يَكُنْ لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ } يعني وللزوجات { ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو ٱمْرَأَةٌ } نظم الآية : وإن كان رجل أو امرأة يورث كلالة ، وهو نصب على المصدر ، وقيل : على الحال ، وقيل : على خبر ما لم يسمّ فاعله ، تقديرها : وإن كان رجل يورث ماله كلالة . وقرأ الحسن وعيسى : ( يورِث ) بكسر الراء ( جعلا ) فعلا له . واختلفوا في الكلالة : فقال الضحاك والسدي : هو الموروث . سعيد بن جبير : هم الورثة . النضر بن شميل : هو المال . واختلفوا أيضاً في معناه وحكمه : فروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه " سئل عن الكلالة ، فقرأ آخر سورة النساء ، فردَّ عليه السائل فقال صلى الله عليه وسلم " لست بزائدك حتى أُزاد " " . وروى شعبة عن عاصم الأحول قال : سمعت الشعبي يقول : إن أبا بكر ( رضي الله عنه ) قال في الكلالة : أقضي فيها قضاءاً وأن كان صواباً فمن الله وإن يكن خطأ فمن الشيطان ومني ، والله بريء منه : هو ما دون الوالد والولد ، يقول : كل وارث دونهما كلالة قال : فلما كان عمر ( رضي الله عنه ) بعده قال : إني لأستحي من الله أن أُخالف أبا بكر : هو ما خلا الوالد والولد . وقال طاوس : هو ما دون الولد . والحكم : هو ما دون الأب . عطية : هم الأُخوة للأُم . عبيد بن عمير : هم الأخوة للأب . وقيل : هم الأخوة والأخوات . قال جابر بن عبد الله : قلت يا رسول الله إنما يرثان أُختان لي فكيف بالميراث ؟ فنزلت : { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ } . وقال الأخفش : كل من لم يرثه أب أو أم فهو كلالة . وقال أهل اللغة : هو من نكللهُ النسب إذا أحاط به كالإكليل . قال أمرؤ القيس : @ أصاح ترى برقاً أريك وميضه كلمع اليدين في حبّي مكلل @@ فسمّوا كلالة ، لأنهم أحاطوا بالميت من جوانبه وليسوا منه ولا هو منهم ، وأحاطتهم به أنهم ينسبون معه . قال الفرزدق : @ ورثتم قناة الملك غير كلالة عن ابني مناف عبد شمس وهاشم @@ وقال بعضهم : @ وإن أبا المرؤ أحمى وله ومولى الكلالة لا يغضب @@ { وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ } ولم يقل : ( ولهما ) وقد مضى ذكر الرجل والمرأة على عادت العرب إذا ذكرت اسمين ثم أخبرت عنهما كانا في الحكم سواء ، ربّما أضافت إلى أحدهما وربما أضافت إليهما جميعاً ، يقول : من كان عنده غلام وجارية فليحسن إليه وإليها وإليهما كلها جائز ، قال الله عزّ وجلّ : { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ } [ البقرة : 45 ] ونظائرها ، وأراد بهذا الأخ والأُخت من الأمر ، يدل عليه قراءة سعد بن أبي وقاص : وله أخ أو أخت من الأم { مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ فَإِن كَانُوۤاْ أَكْثَرَ مِن ذٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَآءُ فِي ٱلثُّلُثِ } بينهم بالسوية ذكورهم وإناثهم سواء { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ } . قال علي ( عليه السلام ) : إنكم تقرؤون الوصيّة قبل الدين وبدأ رسول الله بالدين قبل الوصية . وهذا قول عامة الفقهاء ، ومعنى الآية الجمع لا الترتيب { غَيْرَ مُضَآرٍّ } مدخل الضرر على الورثة . قال الحسن : هو أن توصي بدين ليس عليه { وَصِيَّةً مِّنَ ٱللَّهِ } . وقرأ الأعمش : ( غير مضار وصية من الله ) على الإضافة . { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ } . قال قتادة : إن الله عزّ وجلّ كره الضرار في الحياة وعند الموت ونهى عنه وقدر فيه ، ولا يصلح مضارة في حياة ولا موت . وفي الخبر من قطع ميراثه في الجنة { تِلْكَ حُدُودُ } إلى قوله :