Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 24-28)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَمْ يَقُولُونَ } يعني كفّار مكّة . { ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ } . قال مجاهد : يعني يربط عليه بالصبر حتّى لا يشق عليك أذاهم ، وقال قتادة : يعني يطبع على قلبك فينسيك للقرآن ، فأخبرهم إنّهُ لو افترى على الله لفعل به ما أخبرهم في الآية . ثمّ ابتدأ ، فقال عزّ من قائل : { وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَاطِلَ } . قال الكسائي : فيه تقديم وتأخير . مجازه : الله يمحو الباطل . فحذفت منه الواو في المصحف ، وهو في وضع رفع كما حذفت من قوله : { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ } [ الإسراء : 11 ] { سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ } [ العلق : 18 ] على اللفظ . { وَيُحِقُّ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ } . [ … ] . { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } قال ابن عباس : لما نزلت { لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً … } وقع في قلوب قوم منها شيء ، وقالوا : ما يريد إلاّ أن يحثنا على أقاربه من بعده . ثمّ خرجوا ، فنزل جبريل ( عليه السلام ) فأخبره إنّهم اتهموه وأنزل هذه الآية ، فقال القوم : يا رسول الله فإنّا نشهد إنّك صادق ، فنزل { وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } وأختلفت عبارات العلماء في حقيقة التوبة وشرائطها . أخبرنا الإمام أبو القاسم الحسن بن محمّد بن حبيب بقراءته عليّ . في شهور سنة ثمان وثمانين وثلثمائة ، حدثنا محمّد بن سليمان بن منصور ، حدثنا محمّد مسكان بن جبلة بسّاوة . أخبرنا عبد الله بن عبد العزيز بن أبي داود عن إبراهيم بن طهمّان عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ، قال : دخل إعرابي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : اللَّهمّ إنّي استغفرك وأتوب إليك ، سريعاً وكبّر ، فلما فرغ من صلاته قال له علي : يا هذا إنّ سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذّابين ، وتوبتك تحتاج إلى توبة ، قال : يا أمير المؤمنين وما التوبة ؟ قال : اسم يقع على ستة معاني : على الماضي من الذنوب الندامة ، ولتضييع الفرائض الإعادة ، وردّ المظالم ، وإذابة النفس في الطاعة كما أذبتها في المعصية ، وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية ، والبكاء بدل كُلّ ضحك ضحكته . وسمعت الحسن بن محمّد بن الحسن ، يقول : سمعت إبراهيم بن يزيد ، يقول : سمعت حسن بن محمّد الترمذي يقول : قيل لأبي بكر محمّد بن مر الوراق : متى يكون الرجل تائباً ؟ فقال : إذا رجع إلى الله فراقبه واستحياهُ وخاف نقمته فيما عصاه ، وألتجاء إلى رحمته فرجاه ، وذكر حلمه في ستره فأبكاه ، وندم على مكروه أتاه ، وشكر ربّه على ما أتاه ، وفهم عن الله وعظه فوعاه ، وحفظ عهده فيما أوصاه . وسمعت الحسن بن محمّد بن حبيب ، يقول : سمعت أبا منصور محمّد بن محمّد بن سمعان المذكر ، يقول : سمعت أبا بكر بن الشاه الصوفي الفارسي ، يقول : سئل الحرب بن أسد المحاسبي : من التائب ؟ فقال : من رأى نفسه من الذنوب معصوماً ، وللخيرات موفقاً ، ورأى الفرح من قلبه غائباً والحزن فيه باقياً ، وأحبّه أهل الخير ، وهابه أهل الشّر ، ورأى القليل من الدّنيا كثيراً ، ورأى الكثير من عمل الآخرة قليلاً ، ورأى قلبه فارغاً من كلّ ما ضمن له ، مشتغلاً بكلّ ما أمر به . وقال السري بن المغلس السقطي : التوبة صدق العزيمة على ترك الذنوب ، والإنابة بالقلب إلى علام الغيوب ، والندامة على ما فرط من العيوب ، والاستقصاء في المحاسبة مع النفس بالاستكانة والخضوع . وقال عمرو بن عثمان : ملاك التوبة إصلاح القوت . وسمعت أبا القاسم بن أبي بكر بن عبد الله البابي ، يقول : سمعت أبا يعلي حمزة بن وهب الطبري ، يقول : سمعت الحسن بن علوية الدامغاني ، يقول : سمعت يحيى بن معاذ ، وسئل : من التائب ؟ فقال : من كسر شبابه على رأسه وكسر الدّنيا على رأس الشيطان ، ولزم الفطام حتّى أتاه الحمام . وقال سهل بن عبد الله : التوبة ، الانتقال من الأحوال المذمومة إلى الأحوال المحمودة ، وسئل ابن الحسن البوشيخي : عن التوبة ؟ فقال : إذا ذكرت الذنب فلا تجد حلاوته في قلبك . وقال الراعي : التوبة ترك المعاصي نيةً وفعلاً ، والإقبال على الطاعة نيةً وفعلاً ، وسمعت أبا القاسم الحبيبي ، يقول : سمعت أبا عبد الله محمد بن عماد البغدادي ، يقول : سئل جنيد : من التائب ؟ فقال : من تاب ما دون الله . وقال شاه الكرماني : إترك الدّنيا وقد تبت وخالف هواك وقد وصلت ، ويعفو عن السيئات إذا تابوا فيمحوها . أخبرنا الحسن بن محمّد بن الحسن بن جعفر ، حدثنا أبي ، حدثنا جعفر بن سواد ، حدثنا عطيه بن لفته ، حدثنا أبي ، حدثنا الزبيري ، عن الزهري عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنّ الله تعالى أفرح بتوبة عبده المؤمن من الضال الواجد ، ومن العقيم الوالد ، ومن الظمآن الوارد . فمن تاب إلى الله تعالى توبة نصوحاً أنسى الله حافظيه وبقاع الأرض خطاياه وذنوبه " أو قال : " ذنوبه وخطاياه " . { وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } . قرأ الأعمش وحمزة والكسائي وخلف بالتاء ، وهي قراءة عبد الله وأصحابه ، ورواية حفص عن عاصم غيرهم بالياء ، وهي اختيار أبي عبيد ، قال : لأنّه لمن خبرني عن قوم . قال قبله : عن عباده ، وقال بعده : ويزيدهم من فضله . { وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي يطيع الّذين آمنوا ربّهم في قول بعضهم . جعل الفعل للّذين آمنوا ، وقال الآخرون : ( وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ) جعلوا الإجابة فعل الله تعالى ، وهو الأصوب والأعجب إليَّ لأنّه وقع بين فعلين لله تعالى : الأول قوله : { يَقْبَلُ } والثاني { وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ } ، ومعنى الآية : ويجيب الله المؤمنين إذا دعوه ، وقيل : معناه نجيب دعاء المؤمنين بعضهم لبعض . أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان ، أخبرنا مكي بن عبدان ، حدثنا عبد الله بن هاشم ، حدثنا أبو معاوية بن الأعمش ، عن شقيق بن سلمة ، عن سلمة بن سبره ، قال : خطبنا معاذ بالشام ، فقال : أنتم المؤمنون وأنتم أهل الجنّة والله إنّي لأرجو أن يدخل الجنّة من تسبون من فارس والرّوم وذلك بأن أحدهم إذا عمل لأحدكم العمل ، قال : أحسنت يرحمك الله أحسنت بارك الله فيك ويقول الله سبحانه وتعالى : { وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } . { وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَٱلْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } . أخبرنا الحسين بن محمّد الثقفي ، حدثنا الفضل بن الفضل الكندي ، حدثني أبو أحمد عبد الله بن أحمد الزعفراني الهمذاني ، حدثنا محمد بن الحسين بن قتيبة بعسقلان ، حدثنا محمد بن أيوب بن سويد ، حدثني أبي ، عن أبي بكر الهذلي ، عن أبي صالح عن ابن عباس في قول الله تعالى : { وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } ، قال : تشفّعهم في إخوانهم . { وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ } . قال : في إخوان إخوانهم . { وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِ } . الآية نزلت في قوم من أهل الصفّة تمنوا سعة الدّنيا والغنى . قال خباب بن لادن : فينا نزلت هذه الآية وذلك إنّا نظرنا إلى بني قريظة والنضير وبني القينقاع ، فتمنيناها فأنزل الله تعالى { وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ } أي وسع الرزق لعباده . { لَبَغَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ } أي لطغوا وعصوا . قال ابن عباس : بغيهم ظلماً ، منزلة بعد منزلة ودابة بعد دابة ومركباً بعد مركب وملبساً بعد ملبس . أخبرنا الحسين بن محمد بن إبراهيم التبستاني الإصبهاني ، حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن العباس العصمي الهروي ، أخبرني محمد بن علي بن الحسين ، حدثنا أحمد بن صالح الكرابيسي ، يقول : سمعت قصير بن يحيى يقول : قال : شقيق بن إبراهيم في قول الله تعالى : { وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ } ، قال : لو رزق الله العباد من غير كسب وتفرغوا عن المعاش والكسب لطغوا في الأرض وبغوا وسعوا في الأرض فساداً ، ولكن شغلهم بالكسب والمعاش رحمة منه وامتناناً . { وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ } أرزاقهم { بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ } لكفايتهم . قال مقاتل : { وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ } فجعل واحداً فقيراً وآخراً غنياً . { إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } . قال قتادة : في هذه الآية كان يقال : خير الرزق ما لا يطغيك ولا يلهيك ، وذكر لنا إنّ نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " أخوف ما أخاف على أمتي ، زهرة الدّنيا وكثرتها " . أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه ، حدثنا عبد الله بن محمد بن شنبه ، حدثنا أبو جعفر محمد بن الغفار الزرقاني ، حدثنا محمد بن يحيى الأزدي ، حدثنا أبو حفص عمر بن سعيد الدمشقي ، حدثنا صدقة بن عبد الله ، حدثنا عبد الكريم الجزري ، عن أنس بن مالك ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل ( عليه السلام ) ، عن ربّه عزّ وجلّ قال : " من أهان لي وليّاً ، فقد بارزني بالمحاربة ، وإنّي لأسرع شيء إلى نصرة أوليائي ، وإنّي لأغضب لهم كما يغضب الليث الحرد ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ، ترددي عن قبض روح عبدي المؤمن ، يكره الموت وأنا أكره إساءته ، ولا بد له منه ، فإذا أحببته كنت له سمعاً وبصراً ولسانا ويداً ومؤيداً ، إن سألني أعطيته وإن دعاني استجبت له وإنَّ من عبادي المؤمنين لمن يسألني الباب من العبادة ، ولو أعطيته إياه دخله العجب فأفسده ، وإنّ من عبادي المؤمنين ، لمن لا يصلحه إلاّ السقم ولو صححته لأفسدهُ ذلك ، وإنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلاّ الصحّة ، ولو أسقمته لأفسده ذلك ، وإنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلاّ الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك ، وإنَّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلاّ الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك . إنّي أدبر عبادي لعلمي بقلوبهم إنّي عليمٌ خبيرٌ " . قال صدقة : وسمعت أبان بن أبي عياش يحدث بهذا الحديث ، عن أنس بن مالك ثمّ يقول : اللّهمّ إنّي من عبادك المؤمنين الّذين لا يصلحهم إلاّ الغنى فلا تفقرني . { وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ } يعني المطر ، سمي بذلك لأنّه يغيث النّاس أي يجيرهم ويصلح حالهم . قال الأصمعي : مررت ببعض قبائل العرب وقد مطروا ، فسألت عجوز منهم ، كم أتاكم المطر ؟ فقالت : غثنا ما شئنا . { مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ } ويبسط مطره نظيره قوله : { وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } [ الأعراف : 57 ] . أخبرنا شعيب بن محمد ، أخبرنا أبو الأزهر ، حدثنا روح ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذُكر لنا أنّ رجلاً أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال : ياأمير المؤمنين قحط المطر وقنط النّاس . قال : مطرتم ، ثمّ قال : { وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ } . { وَهُوَ ٱلْوَلِيُّ ٱلْحَمِيدُ } .