Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 8-22)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } على ملّة واحدة . { وَلَـٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَٱلظَّالِمُونَ } الكافرون . { مَا لَهُمْ مِّن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ * أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ فَٱللَّهُ هُوَ ٱلْوَلِيُّ } لا سواه . { وَهُوَ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ } مجازه : لأنّه يحيي الموتى . { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } في الدين . { قَدِيرٌ * وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ } في الدين . { فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ * فَاطِرُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } حلائل وإنّما قال { مِّنْ أَنفُسِكُمْ } لأنّه خلق حواء من ضلع آدم { وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ } يخلقكم ويعيشكم { فِيهِ } أي في الرحم ، وقيل : في البطن ، وقيل : في الروح ، وقيل : في هذا الوجه من الخليقة . قال مجاهد : نسلاً بعد نسل ، ومن الأنعام ، وقيل : { فِي } بمعنى الباء ، أي يذرؤكم فيه ، قال ابن كيسان : يكثركم . { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } المثل صلة ومجازه : ليس كهو شيء ، فأدخل المثل توكيداً للكلام ، كقوله : { فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ } [ البقرة : 137 ] وفي حرف ابن مسعود ، { فإن آمنوا بما أمنتم به } وقال أوس بن حجر : @ وقتلى كمثل جذوع النخيل يغشاهم مطر منهمر @@ أي كجذوع ، وقال [ آخر ] سعد بن زيد : @ إذا أبصرت فضلهم كمثلهم في النّاس من أحد @@ وقال آخر : @ ليس كمثل الفتى زهير خلق يوازيه في الفضائل @@ وقيل : ( الكاف ) صلة مجازه : ليس مثله ، كقول الراجز : @ وصاليات ككما [ يُؤَفَيْنْ ] @@ فأدخل على الكاف كافاً تأكيداً للتشبيه ، وقال آخر : @ [ تنفي الغياديق على الطريق قلص عن كبيضة في نيق [ @@ فأدخل الكاف مع عن . { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ * لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً } وهو أول أنبياء الشريعة . { وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ } فاختلفوا في وجه الآية ، فقال قتادة : تحليل الحلال وتحريم الحرام ، وقال الحكم : تحريم الأخوات والأمهات والبنات ، وقال مجاهد : لم يبعث الله تعالى نبياً إلاّ أوصاه بإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة والاقرار لله بالطاعة . فذلك دينه الذي شرع لهم ، وهي رواية الوالي عن ابن عباس ، وقيل : الدين التوحيد ، وقيل : هو قوله : { أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ } بعث الأنبياء كلّهم بإقامة الدّين والأُلفة والجماعة وترك الفرقة والمخالفة . { كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ } من التوحيد ورفض الأوثان . ثمّ قال عزّ من قائل : { ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } فيستخلصه لدينه . { وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ } يعني أهل الأديان المختلفة ، وقال ابن عباس : يعني أهل الكتاب . دليله ونظيره في سورة المُنفكّين { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } [ البينة : 4 ] . { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } من قبل بعث محمد وصفته . { بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ } تأخير العذاب . { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } وهو يوم القيامة . { لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ } بالعذاب . { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ } يعني من بعد الأمم الخالية ، وقال مجاهد : معناه من قبلهم أي من قبل مشركي مكّة وهم اليهود والنصارى . { لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ * فَلِذَلِكَ } أي فإلى ذلك الّذين أوتوا الكتاب . { فَٱدْعُ } كقوله : { بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } [ الزلزلة : 5 ] أي إليها { وَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ } اثبت على الدين الذي به أمرت { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ } أي أن أعدل أو كي أعدل ، كقوله : { وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الأنعام : 71 ] . قال ابن عباس : لأسوي بينكم في الدّين ، وأؤمن بكلّ كتاب وكلّ رسول ، وقال غيره : لأعدل بينكم في جميع الأحوال والأشياء . قال قتادة : أُمر نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يعدل ، فعدل حتّى مات ، والعدل ميزان الله تعالى في الأرض ، وذكر لنا إنّ داود ( عليه السلام ) ، قال : ثلاث من كنّ فيه فهو الفائز : القصد في الغنى والفقر ، والعدل في الرضا والغضب ، والحسنة في السرّ والعلانية ، وثلاث من كنّ فيه أهانته : شح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه ، وأربع من أعطيهنّ ، فقد أعطي خير الدّنيا والآخرة : لسان ذاكر ، وقلب شاكر ، وبدن صابر ، وزوجة مؤمنة . { ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ } لا خصومة . { بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ } نسختها آية القتال . { ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا } لفصل القضاء . { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ * وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ } يخاصمون . { فِي ٱللَّهِ } في دين الله نبيه . { مِن بَعْدِ مَا ٱسَتُجِيبَ لَهُ } أي من بعد ما استجاب له النّاس ، فاسلموا ودخلوا في دينه لظهور معجزته ، وقيام حجته . { حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ } باطلة زائلة . { عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } قال مجاهد : نزلت في اليهود والنصارى . قالوا : كتابنا قبل كتابكم ، ونبينا قبل نبيكم ، ونحن خير منكم وأولى بالحقّ . { ٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمِيزَانَ } أي العدل عن ابن عباس وأكثر المفسرين . مجاهد : هو الّذي يوزن به ، ومعنى إنزال الميزان : إلهامه الخلق للعمل به ، وأمره بالعدل والإنصاف ، كقوله : { قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً } [ الأعراف : 26 ] . وقال علقمة : الميزان محمد صلى الله عليه وسلم يقضي بينهم بالكتاب . { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } ولم يقل قريبة لأن تأنيثها غير حقيقي ، ومجازها الوقت ، وقال الكسائي : إيتائها قريب . { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا } ظنًّا منهم إنها غير جائية . { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا } خائفون منها . { وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَي ٱلسَّاعَةِ لَفِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ * ٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ } قال ابن عباس : حفي بهم . عكرمة : بارّ بهم . السدي : رقيق . مقاتل : لطيف بالبر والفاجر منهم ، حيث لم يقتلهم جوعاً بمعاصيهم . القرظي : لطيف بهم في العرض والمحاسبة . قال الخوافي : غداً عند مولى الخلق ، للخلق موقف يسألهم فيه الجليل ، فيلطف بهم الصادق في الرزق من وجهين : أحدهما : إنّه جعل رزقك من الطيبات ، والثاني : إنّه لم يدفعه إليك بمرة واحدة ، وقيل : الرضا بالتضعيف . الحسين بن الفضل : في القرآن وتيسيره . وسمعت أبا القاسم بن حبيب يقول : سمعت أبا عبد الله محمد بن عاد البغدادي يقول : سُئل جنيد عن اللطيف ، فقال : هو الّذي لطف بأوليائه حتّى عرفوه ، فعبدوه ، ولو لطف بأعدائه لما جحدوه . وقال محمد بن علي الكتاني : اللطيف بمن لجأ إليه من عباده إذا أيس من الخلق ، توكل عليه ورجع إليه فحينئذ يقبله ويقبل عليه ، وفي هذا المعنى أنشدنا أبو إسحاق الثعلبي ، قال : أنشدني أبو القاسم الحبيبي . قال أنشدني أبي ، قال : أنشدني أبو علي محمد بن عبد الوهّاب الثقفي : @ أمر بافناء القبور كأنّني أخو فطنة والثوب فيه نحيف ومن شق فاه الله قدّر رزقه وربّي بمن يلجأ إليه لطيف @@ وقيل : اللطيف الّذي ينشر من عباده المناقب ، ويستر عليه المثالب ، وقيل : هو الّذي يقبل القليل ، ويبذل الجزيل ، وقيل : هو الّذي يجبر الكسير ، وييسر العسير ، وقيل : هو الّذي لا ييأس أحد في الدنيا من رزقه ، ولا ييأس مؤمن في العفو من رحمته . وقيل : هو الّذي لا يخاف إلاّ عدله ، ولا يرجى إلاّ فضله ، وقيل : هو الّذي يبذل لعبده النعمة ، فوق الهمّة ويكلفه الطاعة دون الطاقة ، وقيل : هو الّذي لا يعاجل من عصاه ولا يخيب من رجاه ، وقيل : هو الّذي لا يرد سائله ولا يؤيّس آمله ، وقيل : هو الّذي يعفو عمن يهفو ، وقيل : هو الّذي يرحم من لا يرحم نفسه ، وقيل : هو الّذي يعين على الخدمة ، ثم يكثر المدحة ، وقيل : هو الّذي أوقد في أسرار عارفيه من المشاهدة سراجاً ، وجعل الصراط المستقيم لها منهاجاً ، وأنزل عليهم من سحائب بره ماءاً ثجاجاً . { يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ } كما يشاء من شاء موسعاً ، ومن شاء مقتراً ، ومن شاء قليلاً ومن شاء كثيراً ، ومن شاء حلالاً ، ومن شاء حراماً ، ومن شاء في خفض ودعه ، ومن شاء في كد وعناء ، ومن شاء في بلده ومن شاء في الغربة ، ومن شاء بحساب ومن شاء بغير حساب . { وَهُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ * مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ } يعني يريد بعمله الآخرة . { نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ } بالتضعيف بالواحدة عشرة إلى ما شاء الله من الزيادة . { وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا } يعني يريد بعمله الدّنيا { نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } . قال قتادة : يقول : من عمل لآخرته نزد له في حرثه ، ومن آثر دنياه على آخرته ، لم يجعل الله له نصيباً في الآخرة إلاّ النّار ، ولم يصب من الدّنيا إلاّ رزق قد فرغ منه وقسم له . أنبأني عبد الله بن حامد ، أخبرنا أحمد بن محمد بن شاذان ، حدثنا الحسين بن إدريس ، حدثنا سويد بن نصير ، أخبرنا عبد بن المبارك عن أبي سنان الشيباني ، إنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال : الأعمال على أربعة وجوه : عامل صالح في سببيل هدى يريد به دنيا ، فليس له في الآخرة شيء ، ذلك بأنّ تعالى ، قال : { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا } [ هود : 15 ] الآية ، وعامل الرياء ليس له ثواب في الدّنيا والآخرة إلاّ الويل ، وعامل صالح في سبيل هدى يبتغي به وجه الله والدار الآخرة ، فله الجنّة في الآخرة ، معها [ نعاته ] في الدّنيا ، وعامل خطأ وذنوب ثوابه عقوبة الله ، إلاّ أن يعفوا فإنّه أهل التقوى وأهل المغفرة . { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ } يوم القيامة ، حيث قال : { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ } … { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * تَرَى ٱلظَّالِمِينَ } المشركين يوم القيامة { مُشْفِقِينَ } وجلين . { مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ } أي نازل بهم لا محالة . { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ ٱلْجَنَّاتِ لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ }