Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 16-35)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم } أخلصكم وخصصكم . { بِٱلْبَنِينَ } نظيره قوله تعالى : { أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِٱلْبَنِينَ وَٱتَّخَذَ مِنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ إِنَاثاً } [ الإسراء : 40 ] . { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً } يعني البنات . دليلها في النّحل { ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } من الحزن والغيظ . { أَوَمَن يُنَشَّؤُاْ } قرأها أهل الكوفة بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين على غير تسمية الفاعل . أي يُربي غيرهم { يَنْشَؤا } بفتح الياء وجزم النون وتخفيف الشين ، أي ينبت ويكبر . { فِي ٱلْحِلْيَةِ } في الزينة ، يعني النساء . قال مجاهد : رخّص للنساء في الحرير والذهب ، وقرأ هذه الآية . أخبرنا عبد الله بن حامد ، أخبرنا محمد بن الحسين الزعفراني ، حدثنا يحيى بن جعفر بن أبي طالب ، حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن سعيد بن أبي هند ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الذهب والحرير حرام على ذكور أمتي ، حلّ لأُناثهم " . { وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } للحجة من ضَعفهنَّ وسَفَههُنَّ . قال قتادة في هذه الآية : قلما تتكلم امرأة بحجّتها إلاّ تكلمت الحجة عليها ، وفي مصحف عبد الله ( وهو في الكلام غير مبين ) . وقال بعض المفسرين : عني بهذه الآية أوثانهم الّتي كانوا يعبدونها ويجلّونها ويزينونها وهي لا تتكلم ولا تنبس . قال ابن زيد : هذه تماثيلهم الّتي يضربونها من فضة وذهب ، وينشؤنها في الحلية يتعبدونها . في محلّ من ثلاثة وجوه : الرفع على الإبتداء ، والنصب على الإضمار ، مجازه : أو من ينشاء يجعلونه ربّاً أو بنات الله ، والخفض ردّاً على قوله : { مِمَّا يَخْلُقُ } وقوله : { بِمَا ضَرَبَ } … { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً } قرأ أبو عمرو وأهل الكوفة { عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ } بالألف والياء ، وأختاره أبو عبيد قال : لأن الإسناد فيها أعلى ولأنّ الله تعالى إِنّما كذبهم في قوله : { بَنَاتٍ الله } فأخبر إنّهم عبيده وليسوا بناته ، وهي قراءة ابن عباس . أخبرنا محمد بن نعيم ، أخبرنا الحسين بن أيوب ، أخبرنا علي بن عبد العزيز ، أخبرنا القاسم بن سلام ، حدثنا هيثم عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، إنَّهُ قرأها { عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ } . قال سعيد : فقلت لابن عباس : إنَّ في مصحفي عبد الرّحمن . فقال : إمسحها وإكتبها { عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ } ، وتصديق هذه القراءة ، قوله { بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } [ الأنبياء : 26 ] ، وقرأ الآخرون عند الرّحمن بالنون وإختاره أبو حاتم ، قال : لأن هذا مدح ، وإذا قلت : { عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ } وتصديقها قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ } . { أَشَهِدُواْ } أَحَضِرُوا { خَلْقَهُمْ } حتّى يعرفوا إنّهم أناث ، وقرأ أهل المدينة { أَشَهِدُواْ } على غير تسمية الفاعل أي أَحضروا . { خَلْقَهُمْ } حين خلقوا . { سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ } على الملائكة إنّهم بنات الله { وَيُسْأَلُونَ } عنها . { وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ } يعني الملائكة في قول قتادة ومقاتل والكلبي ، وقال مجاهد : يعني الأوثان ، وإنَّما لم يعجل عقوبتنا على عبادتنا إياها لرضا منا بعبادتها . قال الله تعالى : { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ } فيما يقولون { إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } يكذبون . { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ } أي من قبل هذا القرآن . { فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ * بَلْ قَالُوۤاْ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ } دين . { وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ } وقراءة العامة ( أُمة ) بضم الألف ، وهي الدين والملة ، وقرأ عمر بن عبد العزيز ومجاهد اَمة بكسر الألف وإختلفوا في معناها ، فقيل : هي الطريقة والمقصد من قولهم أممت ، وقيل : هي النعمة . قال عدي بن زيد : ثمّ بعد الفلاح والملك والأمة وأريهم هناك القبور ، وقيل : هما لغتان بمعنى واحد . { وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } مستنون متبعون . { قَٰلَ } قراءة العامة على الأمر ، وقرأ ابن عامر على الخبر ومثله روى حفص بن عاصم . { أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ } بالألف أبو جعفر . الباقون جئتكم على الواحد . { بِأَهْدَىٰ } بدين أَصوب . { مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ } أي بريء ، ولا يثنّى البراء ولا يجمع ولا يؤنث لأنّه مصدر وضع موضع النعت ، وفي قراءة عبد الله ( بريء ) بالياء . { مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي } خلقني ، ومجاز الآية : إنّني براء من كلّ معبود إلاّ الّذي فطرني . { فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ } إلى دينهِ . { وَجَعَلَهَا } يعني هذه الكلمة والمقالة { كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ } قال مجاهد وقتادة : يعني لا إله إلاَّ الله ، وقال القرظي : يعني وجعل وصية إبراهيم الّتي أوصى بها بنيه باقية في نسله وذريته وهي الّتي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة : { وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ } [ البقرة : 132 ] ، وقال ابن زيد : يعني قوله : { أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ البقرة : 131 ] وقرأ { هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ الحج : 78 ] . { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } من كفرهم إلى الطاعة ويتوبون { بَلْ مَتَّعْتُ هَـٰؤُلاَءِ وَآبَآءَهُمْ } في الدّنيا فلم أهلكهم ولم أعاجلهم بالعقوبة على كفرهم . { حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ } القرآن ، وقال الضحاك : الإسلام . { وَرَسُولٌ مُّبِينٌ } يبين لهم الأعلام والأحكام وهو محمد صلى الله عليه وسلم { وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ } القرآن { قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } . يعني من إحدى القريتين ولم يختلفوا في القريتين إنَّهما مكّة والطائف ، وإختلفوا في الرجلين من هما . قال ابن عباس : الوليد بن المغيرة من مكّة وكان يسمى ريحانة قريش ، وحبيب بن عمرو بن عمير الثقفي من الطائف . وقال مجاهد : عتبة بن الربيع من مكّة وابن عبدياليل الثقفي من الطائف . قتادة : هما الوليد بن المغيرة المخزومي ، وأبو مسعود عروة بن مسعود الثقفي ، وقال السدي : الوليد بن المغيرة وكنانة بن عبد عمرو بن عمير . قال الله سبحانه وتعالى : { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ } نبوته وكرامته فيجعلونها لمن شاءوا . { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } فجعلنا هذا غنياً وهذا فقيراً وهذا ملكاً وهذا مملوكاً ، وقرأ ابن عباس وابن يحيى ( معايشهم ) { وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً } أي ليُسخّر الأغنياء بأموالهم الأجراء الفقراء بالعمل ويستخدمونهم ليكون بعضهم لبعض سبب المعاش في الدّنيا ، هذا بماله وهذا باعماله ؛ هذا قول السدي وابن زيد ، وقال قتادة والضحاك : يعني ليملك بعضهم بعضاً فهذا عبد هذا ، وقيل : يسخر بعضهم من بعض ، وقيل : يتسخر بعضهم بعضاً . { وَرَحْمَتُ رَبِّكَ } يعني الجنّة { خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } في الدنيا من الأموال { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً } مجتمعين على الكفر فيصيروا كلّهم كفّاراً . هذا قول أكثر المفسرين ، وقال ابن زيد : يعني : ولولا أن يكون النّاس أُمة واحدة في طلب الدّنيا وإختيارها على العقبى . { لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ } وقرأ أبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو وحميد ويحيى بن وثاب ( سَقُفاً ) بفتح السين على الواحد ومعناه الجمع إعتباراً بقوله : { فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ } [ النحل : 26 ] ، وقرأ الباقون بضم السين والقاف على الجمع . يقال سقف وسُقّف مثل رهن ورُهّن . قال أبو عبيد : ولا ثالث لهما ، وقيل : هو جمع سقيف ، وقيل : هو جمع سقوف وجمع الجمع . { وَمَعَارِجَ } أي مصاعد ومراقي ودرجاً وسلاليم ، وقرأ أبو رجاء العطاردي ( ومعاريج ) وهما لغتان واحدهما معراج مثل مفاتح ومفاتيح . { عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } يعلون ويرتقون ويصعدون بها ، ظهرت على السطح إذا علوته . قال النابغة الجعدي : @ بلّغنا السماء مجدنا وسناؤنا وإِنَّا لنرجو فوق ذلك مظهرا @@ أي مصعداً . { وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً } من فضة { وَسُرُراً } من فضة { عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً } أي ولجعلنا لهم مع ذلك { وَزُخْرُفاً } وهو الذهب نظير بيت مزخرف ، ويجوز أن يكون معناه من فضة وزخرف فلما نزع الخافض نصب . { وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } شدده عاصم وحمزة على معنى { وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ الزخرف : 35 ] ، وخففه الآخرون على معنى . { ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ آل عمران : 14 ] فتكون [ لغة ] الواصلة { وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ } للمؤمنين . أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان ، أخبرنا أحمد بن شاذان ، أخبرنا جيغويه بن محمد ، حدثنا صالح بن محمد ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبان ، عن سليمان بن القيس العامري ، عن كعب . قال : إنّي لأجد في بعض الكتب : لولا أن يحزن عبدي المؤمن لكللت رأس الكافر بأكاليل فلا يصدع ولا ينبض منه عرق يوجع . أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه ، حدثنا عبد الله بن محمد بن شنبه ، حدثنا الفربابي ، حدثنا إبراهيم بن العلاء الزيدي ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن ثعلبة بن مسلم ، عن مسلم بن أبي المجرد ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنّه كان يقول : لو أنّ رجلاً هرب من رزقه لإتبعه حتّى يدركه ، كما إنّ الموت يدرك من هرب منه له أجل هو بالغه ، أو أثر هو واطئة ورزق هو آكله وحرف هو قائله فاتقوا الله وإجملوا في الطلب ، فلا يحملنكم استبطاء شيء من الرزق أن تطلبوه بمعصية الله تعالى ، فإنّ الله لا ينال ما عنده إلاّ بطاعته ، ولن يُدرك ما عنده بمعصيته . فأتقوا الله وإجملوا في الطلب .