Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 44, Ayat: 1-16)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ حمۤ * وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ * إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } قال قتادة وابن زيد : هي ليلة القدر ، أنزل الله تعالى القرآن في ليلة القدر من أم الكتاب إلى السّماء الدّنيا ، ثمّ أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم في الليالي والأيام ، وقال الآخرون : هي ليلة النصف من شعبان . أخبرنا الحسين بن محمّد فنجويه ، حدثنا عمر بن أحمد بن القاسم ، حدثنا إبراهيم المستملي الهستجاني ، حدثنا أبو حصين بن يحيى بن سليمان ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا أبو بكر بن أبي سبره ، عن إبراهيم بن محمد ، عن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب " رضي الله عنه " قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا كان ليلة النصف من شعبان ، قوموا ليلتها وصوموا يومها ، فإنّ الله تعالى ينزل لغروب الشمس إلى سمّاء الدنّيا فيقول : ألاّ مستغفر فأغفرله ، ألاّ مسترزق فأرزقه ، ألاّ مبتلى فأعافيه ، ألاّ كذا ، ألاّ كذا ، ألاّ كذا ، حتّى يطلع الفجر ، { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } " . { فِيهَا يُفْرَقُ } يفصل . { كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } محكم . قال الحسن ومجاهد وقتادة : يبرم في ليلة القدر من شهر رمضان كُلّ أجل وعمل وخلق ورزق ، وما يكون في تلك السنة ، وقال أبو عبد الرّحمن السلمي : يدبر أمر السنة في ليلة القدر ، وقال هلال بن نساف : كان يقال : انتظروا القضاء في شهر رمضان . وقال عكرمة : في ليلة النصف من شعبان ، يُبرم فيه أمر السنة ، وينسخ الأحياء من الأموات ، ويكتب الحاج ، فلا يزاد فيهم أحد ، ولا ينقص منهم أحد . يدل عليه ما أخبرنا عقيل بن محمد ، أخبرنا أبو الفرج القاضي ، أخبرنا محمد بن جبير ، حدثني عبيد بن آدم بن أبي إياس ، حدثني أبي ، حدثنا الليث ، عن عقيل بن خالد ، عن ابن شهاب ، عن عثمان بن محمد بن المغيرة الأخنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان . حتّى أنّ الرجل لينكح ويولد له ، وقد خرج أسمه في الموتى " . { أَمْراً } أي أنزلنا أمراً . { مِّنْ عِنْدِنَآ } من لدنا ، وقال الفراء : نصب على معنى نفرق كل أمر فرق وأمراً . { إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } محمد صلى الله عليه وسلم إلى عبادنا . { رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } وقيل : أنزلناه رحمة ، وقيل : أرسلناه رحمة ، وقيل : الرحمة . { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ * رَبِّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ } كسر أهل الكوفة ( بائهُ ) ردًا على قوله من ربِك ، ورفعهُ الآخرون ردًا على قوله { هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } وإن شئت على الابتداء . { إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ } إنّ الله { رَبِّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ } فأيقنوا إنّ محمداً رسوله ، وإنّ القرآن تنزيله . { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ * بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ * فَٱرْتَقِبْ } فانتظر . { يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } . اختلفوا في هذا الدّخان ، ما هو ، ومتى هو ، فروى الأعمش ومسلم بن صبيح ، عن مسروق ، قال : كنا عند عبد الله بن مسعود جلوساً ، وهو مضطجع بيننا ، فأتاه رجل ، فقال : يا أبا عبد الرّحمن ، إنّ قاصاً عند أبواب كنده ، يقص ويقول في قوله تعالى : { يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } إنّه دّخان يأتي يوم القيامة ، فيأخذ بأنفاس الكفّار والمنافقين وأسماعهم وأبصارهم ، ويأخذ المؤمنين منه شبه الزكام ، فقام عبد الله وجلس ، وهو غضبان ، فقال : يا أيّها الناس اتقوا الله ، مَن عَلِمَ شيئاً فليقل ما يعلم ، ومن لا يعلم ، فليقل الله أعلم ، فأن الله تعالى ، قال لنبيه صلى الله عليه وسلم { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَآ أَنَآ مِنَ ٱلْمُتَكَلِّفِينَ } [ ص : 86 ] وسأحدثكم عن ذلك : أنّ قريشاً لما أبطأت عن الإسلام ، واستعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليهم ، فقال : " اللَّهم سبع سنين كسنين يوسف " فأصابهم من الجهد والجوع ما أكلوا الجيف والعظام والميتة والجلود ، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلاّ الدخان من ظلمة أبصارهم من شدة الجوع ، فأتاه أبو سفيان بن حرب ، فقال : يامحمد إنّك حيث تأمر بالطاعة وصلة الرحم ، وإنّ قومك قد هلكوا فادع الله لهم فإنّهم لك مطيعون . فقال الله تعالى : فقالوا : { رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ } فدعا فكشف عنهم ، فقال الله تعالى : { إِنَّا كَاشِفُو ٱلْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ } إلى كفركم . { يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنتَقِمُونَ } فعادوا فانتقم الله منهم يوم بدر ، فهذه خمس قد مضين : الدخان ، واللزام ، والبطشة ، والقمر ، والروّم . وقال الآخرون : بل هو دخان يجيء قبل قيام السّاعة ، فيدخل في أسماع الكفّار والمنافقين ، حتّى تكون كالرأس الحنيذ ، ويعتري المؤمن منهم كهيئة الزكام ، وتكون الأرض كلّها كبيت أوقد فيه وليس فيه خصاص . قالوا : ولم يأتِ بعد ، وهو آت وهذا قول ابن عباس وابن عمير والحسن وزيد بن علي ، يدل عليه ما أنبأني عقيل بن محمد ، أخبرنا المعافا بن زكريا ، أخبرنا محمد بن جرير ، حدثنا عصام بن داود الجراح ، حدثنا أبي ، حدثنا سفيان بن سعيد ، حدثنا منصور بن المعتمر عن ربعي ابن حراش ، قال : سمعت حذيفة بن اليمان يقول ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنّ أول الآيات الدخان ونزول عيسى ابن مريم ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق النّاس إلى المحشر تقيل معهم إذا قالوا " . قال حذيفة : يا رسول الله ما الدخان ؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : { يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ * يَغْشَى ٱلنَّاسَ هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوماً وليلة . أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكام ، وأما الكافر كمنزلة السكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره . وبه عن ابن جرير ، حدثنا يعقوب ، حدثنا ابن عليه ، عن ابن جريح ، عن عبد الله بن أبي مليكة ، قال : غدوت على ابن عباس ذات يوم ، فقال : ما نمت الليلة حتّى أصبحت . قلت : لِمَ ؟ قال : قالوا : طلع الكوكب ذو الذنب فخشيت أن يكون الدُّخان قد طرق فما نمت حتّى أصبحت . { رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ * أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكْرَىٰ } من أين لهم للتذكير والإتعاظ بعد نزول البلاء وحلول العذاب . { وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ } محمّد صلى الله عليه وسلم { ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ } يعلمه بشر . { مَّجْنُونٌ * إِنَّا كَاشِفُو ٱلْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ } إلى كفركم ، وقال قتادة : عائدون في عذاب الله . { يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ } وهو يوم بدر . { إِنَّا مُنتَقِمُونَ } هذا قول أكثر العلماء ، وقال الحسن : هو يوم القيامة . وروي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال ابن مسعود : { ٱلْكُبْرَىٰ } يوم بدر و { إِنَّا } أقول هي يوم القيامة .