Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 13-25)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً } قرأ العامّة : " حسناً " بدون ألف ، وقرأ أهل الكوفة : ( إحساناً ) وهي قراءة ابن عبّاس . { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً } بَكُره ومشقّة . { وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ } وفِطامه ، وقرأ الحسن ويعقوب : « وفصله » بغير ألف . { ثَلاَثُونَ شَهْراً } قال المفسِّرون : حَملَهُ ستّة أشهر ورضاعه أربعة وعشرون شهراً . وقال ابن إسحاق : حمله تسعة أشهر وفصاله من اللبن لأحد وعشرين شهراً . { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ } نهاية قوّته وقامته وغاية شبابه واستوائه وهو ما بين ثماني عشرة سنة إلى أربعين سنة ، فذلك قوله تعالى : { وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً } قال السدي والضحاك : نزلت هذه الآية في سعد بن أبي وقّاص . وقد مضت القصة ، وقال الآخرون : نزلت في أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه وأبيه أبي قحافة عثمان بن عمرة ، وأُمّه أُمّ الخير بنت صخر بن عمرو بن عامر ، فلمّا بلغ أبو بكر أربعين سنة آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وقال لربّه : إنّي تبت إليك وإنّي من المسلمين . أخبرنا ابن منجويه ، حدّثنا عبيد الله بن محمّد بن شنبه ، حدّثنا إسحاق بن صدقة ، حدّثنا عبد الله بن هاشم ، عن سيف بن عمر ، عن عطية ، عن أبي أيّوب ، عن علي رضي الله عنه في قوله : { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً } نزلت في أبي بكر ، أسلم أبواه جميعاً ولم يجتمع لأحد من أصحاب رسول الله [ من ] المهاجرين [ أسلم ] أبواه غيره ، أوصاه الله بهما ولزم ذلك مَن بعده . { قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ } ألهمني وأوسعني . { أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ } أن تجعلهم مؤمنين صالحين . قالوا : فأجاب الله تعالى أبا بكر في أولاده فأسلموا ، ولم يكن أحد من الصحابة أسلم هو ووالداه وبنوه وبناته إلاّ أبو بكر رضي الله عنه . { إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ * أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ } يعني أعمالهم الصالحة فيثيبهم عليها . { وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ } فلا يعاقبهم بها . { فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ } أي مع أصحاب الجنّة ، و ( في ) بمعنى مع { وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ } وهو قوله : { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [ التوبة : 72 ] { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ } إذا دعوه إلى الإيمان بالله والإقرار بالبعث والجزاء . { أُفٍّ لَّكُمَآ } وهي كلمة كراهية . { أَتَعِدَانِنِيۤ } قراءة العامة ( بنونين ) حقيقيتين ، وروى أهل الشام ( بنون ) واحدة مشدّدة { أَنْ أُخْرَجَ } من قبري حيّاً بعد فنائي وبلائي . { وَقَدْ خَلَتِ } مضت { ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي } فلم يبعث منهم أحد . وقرأ الحسن والأعمش وأبو معمر أن أَخُرج بفتح وضم ( الراء ) . { وَهُمَا يَسْتَغثِيَانِ ٱللَّهَ } يستصرخان الله ويستغيثانه عليه ويقولان له : { وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـٰذَآ } الذي تعدانني وتدعوانني إليه . { إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } قال ابن عبّاس وأبو العالية والسدي ومجاهد : نزلت هذه الآية في عبد الله . وقيل : في عبد الرّحمن بن أبي بكر الصدِّيق . قال له أبواه : أسلم وألحّا عليه في دعائه إلى الإيمان . فقال : أحيوا لي عبد الله بن جدعان وعامر بن كعب ومشايخ قريش حتّى أسألهم عمّا يقولون . قال محمّد بن زياد : كتب معاوية إلى مروان حتّى يبايع الناس ليزيد ، فقال عبد الرّحمن بن أبي بكر : لقد جئتم بها هرقلية ، أتبايعون لأبنائكم ؟ فقال مروان : هذا الذي يقول الله تعالى فيه : { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيۤ } … الآية . فسمعت عائشة رضي الله عنه بذلك فغضبت ، وقالت : والله ما هي به ، ولو شئت لسمّيته ولكنّ الله لعن أباك وأنت في صلبه فأنت نضض من لعنة الله . { أولـئك الذين حق عليهم القول } وجب عليهم العذاب . قالوا : يعني الّذين أشار عليهم ابن أبي بكر ، وقال أحيوهم إليّ ، هم الّذين حقّ عليهم القول ، وهم الماضون بقوله : { وقد خلت القرون من قبلي } ، فإمّا ابن أبي بكر فقد أجاب الله تعالى فيه دعاء أبيه بقوله : { وأصلح لي في ذريتي } فأسلم وحسن إسلامه . وقال الحسن وقتادة : هذه الآية مرسلة عامة ، وهي نعت عبد كافر فاجر عاق لوالديه . { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } وجب عليهم العذاب . قالوا : يعني الّذين أشار عليهم ابن أبي بكر ، وقال أحيوهم إليّ ، هم الّذين حقّ عليهم القول ، وهم الماضون بقوله : { فِيۤ أُمَمٍ } مع أُمم . { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ * وَلِكُلٍّ } واحد من الفريقين المؤمنين والكافرين . { دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ } منازل ومراتب عند الله يوم القيامة بإعمالهم فيجازيهم عليها ، وقال ابن زيد : في هذه الآية دُرج أهل النار تذهب سفالاً ، ودُرج أهل الجنّة تذهب علوّاً . { وَلِيُوَفِّيَهُمْ } أجورهم ( بالياء ) مكي وبصري وهشام ، والباقون ( بالنون ) . { أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ * وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ } فيقال لهم : { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا } قرأ أبو جعفر وابن كثير ويعقوب ( أذهبتم طيباتكم ) بالاستفهام ، واختلف فيه عن أهل الشام ، وغيرهم بالخبر ، وهما صحيحتان فصيحتان لأنّ العرب تستفهم بالتوبيخ وتترك الاستفهام فيه . فتقول : أذهبت ففعلت كذا وكذا ؟ ، وذهبت ففعلت وفعلت ؟ { فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ } أخبرنا ابن محمّد بن الحسين بن منجويه ، حدّثنا عبد الله بن إبراهيم بن علي بن عبدالله ، حدّثنا محمّد بن أحمد بن إبراهيم الكرابيسي ، حدّثنا حميد بن الربيع ، حدّثنا أبو معمر ، حدّثنا عبد الوارث ، حدّثنا محمّد بن حجارة ، عن حميد الشامي ، عن سليمان ، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كان رسول الله إذا سافر كان آخر عهده بإنسان من أهله وأوّل من يدخل عليه إذا قدم فاطمة عليها السلام . فلمّا قدم من غزوة فأتاها فإذا لمحَ وقيل : لمح على بابها ورأى على الحسن والحسين قلبين من فضّة ، فرجع ولم يدخل عليها ، فلمّا رأت ذلك فاطمة ظنّت إنّه لم يدخل عليها من أجل ما رأى ، فهتكت الستر ونزعت القلبين من الصّبيين ، فقطعتهما ، فبكى الصبيّان ، فقسمته بينهما نصفين ، فانطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما يبكيان ، فأخذه رسول الله منهما ، وقال : " يا ثوبان إذهب بهذا إلى بني فلان أهل بيت بالمدينة واشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج " قال : " فإنّ هؤلاء أهل بيتي ولا أحبّ أن يأكلوا طيّباتهم في الحياة الدُّنيا " " . أنبأني عقيل بن محمّد ، قال : أخبرنا المعافى بن زكريا ، أخبرنا محمّد بن جرير ، حدّثنا كثير ، حدّثنا يزيد ، حدّثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : حدّثنا صاحب لنا ، عن أبي هريرة ، قال : إنّما كان طعامنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسودان : الماء ، والتمر ، والله ما كنا نرى سمراكم هذه ولا ندري ما هي . وبه عن قتادة ، عن أبي بردة بن عبدالله بن قيس الأشعري ، عن أبيه ، قال : أي بُني لو شهدتنا ونحن مع نبيّنا صلى الله عليه وسلم إذا أصابتنا السماء حسبت إنّ ريحنا ريح الضأن ، إنّما كان لباسنا الصوف . وبه عن قتادة ، قال : ذُكر لنا أنّ عمر بن الخطّاب ح كان يقول : لو شئت كنت أطيبكم طعاماً وألينكم لباساً ، ولكنّي أستبقي طيباتي . وذكر لنا أنّه لما قدم الشام صُنع له طعام لم ير قبله مثله . قال : هذا لنا فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير ؟ قال خالد ابن الوليد : لهم الجنّة . فاغرورقت عينا عمر ، وقال : لئن كان حظّنا في الحطام وذهبوا فيما أرى أنا بالجنّة لقد باينونا بوناً بعيداً . وذُكر لنا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أهل الصفة ، مكاناً يجتمع فيه فقراء المسلمين وهم يرقعون ثيابهم بالأدم ما يجدون لها رقاعاً . قال : أنتم اليوم خير أم يوم يغدو أحدكم في حلة ويروح في أُخرى ، ويغدى عليه بحفئة ويُراح عليه بأُخرى ، ويستر بيته كما يستر الكعبة ؟ قالوا : نحن يومئذ خير . أخبرنا الحسين بن منجويه ، حدّثنا محمّد بن أحمد بن نصرويه ، حدّثنا أبو العبّاس أحمد ابن موسى الجوهري ، حدّثنا علي بن سهل الرملي ، حدّثنا الوليد بن مسلم ، حدّثني رزق أبو الهذيل ، حدّثني عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عبّاس ، " عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّه حدّثه أنّه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هجر نساءه فوافاه على سرير رميل ، يعني مرمُولاً مشدوداً ، قد أثّر الحصيرُ في جنبه ، متوسِّد وسادة من أدم محشوة ليف . فقال عمر : والتفتٌّ في البيت فوالله ما رأيت شيئاً يردّ البصر إلاّ أهب يعني جلداً معطوبة قد سطع ريحها ، فبكيت ، فقلت : يا رسول الله أنت رسول الله وخيرته ، فيما أرى وهذا كسرى وقيصر في الديباج والحرير ؟ فاستوى رسول الله جالساً ، وقال : " أَوَفي شك أنت يابن الخطّاب ؟ " " أولئك قوم عجلت لهم طيّباتهم في حياتهم الدُّنيا " " . أخبرنا ابن منجويه الدينوري ، حدّثنا عبيد الله بن محمّد بن عتبة ، حدّثنا الفرماني ، حدّثنا أبو أمية الواسطي ، حدّثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا مبارك بن فضالة ، حدّثنا حفص بن أبي العاص ، قال : " كنت أتغدى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتغدينا الخبز والزيت والخل ، والخبز واللبن ، والخبز والقديد ، وأقلّ ذلك اللحم العريض ، وكان يقول : " لا تنخلوا الدقيق فإنّه كلّه طعام " فيجىء بخبز منقلع غليظ ، فجعل يأكل ويقول لنا : كلوا . فجعلنا نعتذر ، فقال : ما لكم لا تأكلون ؟ فقلت : لا نأكله والله يا أمير المؤمنين ، نرجع إلى طعام ألين من طعامك . قال : بخ يا بن أبي العاص ، ألا ترى أنّي عالم بأن آمر بدقيق أن ينخل بخرقة فيَخبز في كذا ، وكذا ؟ أما ترى أنّي عالم إنّ آمر إلى عناق سمينة فُيلقى عنها شعرها ، ثمّ تخرج صلاء كأنّه كذا وكذا ؟ أما ترى أنّي عالم أن أعمل إليَّ صاع أو صاعين من زبيب فاجعله في سقاء ثمّ أرش عليه من الماء فيطبخ كإنّه دم غزال ؟ قال : قلت : والله يا أمير المؤمنين إني لأراك عالماً بطيب العيش ، فقال عمر : أجل ، والله الذي لا إله إلاّ هو لولا إنّي أخاف أن ينقص من حسناتي يوم القيامة لشاركتكم في العيش ، ولكنّي سمعت الله يقول لقوم : { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا } . أخبرنا ابن منجويه ، حدّثنا عبد الله بن يوسف ، حدّثنا عبدالله بن محمّد بن عبد العزيز ، حدّثنا محمّد بن بكار الريان ، حدّثنا أبو معشر ، عن محمّد بن قيس ، عن جابر بن عبدالله . قال : اشتهى أهلي لحماً ، فمررت بعمر بن الخطّاب رضي الله عنه ، فقال : ما هذا يا جابر ؟ فقلت : أشتهى أهلي لحماً ، فاشتريت لحماً بدرهم . فقال : أوكلّما اشتهى أحدكم شيئاً جعله في بطنه ؟ أما تخشى أن تكون من أهل هذه الآية { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا } ؟ أخبرنا ابن منجويه ، حدّثنا محمّد بن الحسين ، حدّثنا بشر ، حدّثنا ابن أبي الخصيب ، أخبرني أحمد بن محمّد بن أبي موسى ، حدّثنا أحمد بن أبي الحواري ، حدّثنا أبي ، قال : قال وهب بن الورد : خلق ابن آدم والخبز معه ، فما زاد على الخبز ينمو شهوة . قال : فحدّثت به أبا سليمان . فقال : صدق ، الملح مع الخبز شهوة . { وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ } يعني هود ( عليه السلام ) . { إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ } قال ابن عبّاس : الأحقاف واد بين عمان ومهرة . مقاتل : كانت منازل عاد باليمن في حضرموت بموضع يقال له : مهرة إليها تنسب الجمال ، فيقال : إبل مهرية ومهاري ، وكانوا أهل عمد سيارة في الربيع ، فإذا هاج العود رجعوا إلى منازلهم ، وكانوا من قبيلة إرم . وقال الضحّاك : الأحقاف جبل بالشام . مجاهد : هي أرض جساق من جسمي . قتادة : ذكر لنا أنّ عاداً كانوا حيّاً باليمن أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها : الشحر . ابن زيد : هي ما استطال من الرمل كهيئة الجبل ولم يبلغ أن يكون جبلاً . الكلبي : الأحقاف ما نضب عنه الماء زمان الغرق ، كان ينضب الماء من الأرض ويبقى أثره . الخليل : هي الرمال العظام . الكسائي : هي ما استدار من الرمل ، وواحدها حقف وحقاف ، مثل دبغ ودباغ ، ولبس ولباس . وقيل : الحقاف جمع الحقف ، والأحقاف جمع الجمع . ونظير حقف أحقاف شبر وأشبار . قال الأعشى : @ فبات إلى أرطاة حقف تلفّه حريق شمال يترك الوجه أقتما @@ وقال : بنا بطن حرّى ذي حقاف عقنقل . ويقال : حقفٌ أحقف أي رمل متناه في الاستدار . قال العجاج : بات إلى إرطاة حقف أحقفا ، والفعل منه أحقف . قال الراجز : سماوة الهلال حتّى احقوقفا . أي انحنى واستدار . { وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ } مضت الرسل . { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } أي قبل هود . { وَمِنْ خَلْفِهِ } وهي في قراءة عبد الله و { مِن بَعْدِهِ } . { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا } لتصرفنا . { عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ } من العذاب . { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ } بوقت مجيء العذاب . { عِندَ ٱللَّهِ } لا عندي وإنّما أنا مبلِّغ . { وَأُبَلِّغُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ * فَلَمَّا رَأَوْهُ } يعني العذاب . { عَارِضاً } نُصب على الحال ، وإن شئت بالتكرير أي رأوهُ عارضا وهو السحاب ، سمّي بذلك لأنّه يعرض أي يبدو في عرض السماء . قال مجاهد : استعرض بهم الوادي . قال الأعشى : @ يا من يرى عارضاً قد بتُّ أرمقه كإنّما البرق في حافاته الشعل @@ قال المفسِّرون : ساق الله تعالى السحابة السوداء التي اختار قيل بن عتز رأسه وقد عاد بما فيها من النقمة إلى عاد فخرجت عليهم من واد لهم يقال له : المغيث . وكانوا قد حبس عنهم المطر أيّاماً ، فلمّا رأوها . [ قالوا : هذا عارض ممطرنا حتى عرفت أنها ريح امرأة منهم يقال لها مهدر فصاحت وصعقت ، فلمّا أفاقت قيل لها : ما رأيت ؟ قالت : ريحاً فيها كشهب النار ] . { مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ } استبشروا بها . { قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } يقول الله تعالى : { بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } فجعلت تحمل الفسطاط ، وتحمل الظعينة ، فترفعها حتّى ترى كأنّها جرادة . أخبرنا ابن منجويه ، حدّثنا عبيد الله بن محمّد بن شنبه ، حدّثنا عبيدالله بن أحمد بن منصور الكسائي ، حدّثنا الحارث بن عبد الله ، حدّثنا هشيم ، عن جويبر ، حدّثنا أبو داود الأعمى ، عن ابن عبّاس في قول الله تعالى : { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ } الآية ، قال : لمّا دنا العارض قاموا فمدّوا أيديهم ، فأوّل ما عرفوا أنّها عذاب رأوا ما كان خارجاً من ديارهم ، من رحالهم ، ومواشيهم تطير بهم الريح بين السماء والأرض ، مثل الرشا ، قالوا : فدخلوا بيوتهم ، وأغلقوا أبوابهم ، فجاءت الريح فغلّقت أبوابهم وصرعتهم ، وأمر الله تعالى الريح فأهالت عليهم الرمال فكانوا تحت الرمل سبع ليال ، وثمانية أيّاماً حسوماً لهم أنين ، ثمّ أمر الله الريح فكشفت عنهم الرمال ثمّ أمرها فاحتملتهم ، فرمت بهم في البحر . فهم الذين يقول الله تعالى : { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا } مرّت به من رجال عاد وأموالها بأذن ربّها . أخبرنا ابن منجويه ، حدّثنا عمر بن الخطّاب ، حدّثنا عبدالله بن الفضل ، حدّثنا أبو هشام ، حدّثنا حفص ، عن ابن جريح ، عن عطاء ، عن عائشة رضي الله عنه قالت : " كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا رأى الريح فزع ، وقال : " اللّهم إنّي أسألك خيرها وخير ما فيها ، وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرّها وشر ما فيها ، وشرّ ما أرسلت به " . فإذا رأى مخيلة قام ، وقعد ، وجاء ، وذهب ، وتغيّر لونه ، فنقول : يا رسول الله ، فيقول : " إنّي أخاف أن يكون مثل قوم عاد ، حيث قالوا هذا عارض ممطرنا " " . { فَأَصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ } قرأ الحسن ( لا تُرى ) بتاء مضمومة { إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ } برفع ( النون ) . ومثله روى شعيب بن أيّوب ، عن يحيى بن آدم ، عن أبي بكر بن عيّاش ، عن عاصم . قال أبو حاتم : هذا لا يستقيم في اللغة إلاّ إنْ أُوّل فيه إضمار كما تقول في الكلام : لا تُرى النساء إلاّ زينب ، ولا يجوز لا تُرى إلاّ زينب ، وقال سيبويه : معناه ( لا ترى ) أشخاصهم . { إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ } وأجرى الفرّاء هذه الآية على الاستكراه ، وذكر أنّ المفضل أنشده : @ نارنا لم تر ناراً مثلها قد علمتْ ذاك معدّ كرما @@ فأَنّث فعل مثل لأنّه للنّار ، قال : وأجود الكلام أن يقول : لم تر مثلها نار . وقرأ الأعمش وعاصم وحمزة ويعقوب وخلف ( بياء ) مضمومة { مَسَاكِنُهُمْ } رفعاً واختاره أبو عبيدة رفعاً وأبو حاتم . قال الكسائي : معناه لا يُرى شيء إلاّ مساكنهم . وقال الفرّاء : لا يُرى الناس لأنّهم كانوا تحت الرمل ، فإنّما يرى مساكنهم لأنّها قائمة . وقرأ الباقون ( تَرى ) ( بتاء ) مفتوحة ( مساكنهم ) نصباً على معنى ( لا ترى ) يا محمّد ( إلاّ مساكنهم ) . { كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } .