Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 9-12)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ } بديعاً مثل نصف ونصيف ، من الرسل ، لست بأوّل مرسل ، فَلِمَ تنكرون نبوّتي ؟ هل أنا إلاّ كالأنبياء قبلي ؟ وجمع البدع : أبداع ، قال عدي بن زيد : @ فلا أنا بدعٌ من حوادث تعتري رجالاً عرت من بعد بؤسي وأسعدي @@ { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } اختلف العلماء في معنى هذه الآية وحكمها ، فقال بعضهم : معناها وما أدري ما يفعل بي ولا بكم يوم القيامة . فلمّا نزلت هذه الآية فرح المشركون فرحاً شديداً ، وقالوا : واللات والعُزّى ما أمرنا وأمر محمّد صلى الله عليه وسلم عند الله إلاّ واحد ، وما له علينا من مزية وفضل ، ولولا إنّه ابتدع ما يقوله من ذات نفسه لأخبره الذي بعثه بما يفعل به . فأنزل الله تعالى { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [ الفتح : 2 ] . فبيّن له أمره ونسخت هذه الآية ، فقالت الصحابة : هنيئاً لك يا نبيّ الله ، قد علمنا ما يفعل بك ، فماذا يفعل بنا ؟ فأنزل الله تعالى : { لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [ الفتح : 5 ] الآية . وأنزل { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً } [ الأحزاب : 47 ] فبيّن الله تعالى ما يفعل به وبهم . وهذا قول أنس وقتادة والحسن وعكرمة . أخبرني الحسين بن محمّد بن الحسين الدينوري ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن إسحاق السني ، حدّثنا إسماعيل بن داود ، حدّثنا هارون بن سعيد ، حدّثنا ابن وهب ، أخبرني يونس بن يزيد ، " عن أبي شهاب إنّ خارجة بن زيد بن ثابت أخبره أنّ أُمّ العلاء امرأة من الأنصار قد بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته أنّهم اقتسموا والمهاجرين سكناهم قُرعة . قالت : فطار لنا عثمان بن مظعون فأنزلناه أبياتنا موضعه الّذي توفي فيه ، فلمّا توفي غسّل وكفّن في أثوابه ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لعثمان بن مظعون : رحمة الله عليك أبا السائب ، لقد أكرمك الله ، فقال رسول الله : " وما يدريك إنّ الله تعالى أكرمه " . قالت : فقلت : بأبي أنت وأمي لا أدري . قال : " أما هو فقد جاءه اليقين وما رأينا إلاّ خيراً . فوالله إنّي لأرجو له الجنّة ، فوالله ما أدري وأنا رسول الله ماذا يفعل بي " . قالت : فوالله لا أزكّي بعده أحداً " . قالوا : وإنّما قال هذا حين لم يخبر بغفران ذنبه ، وإنّما غفر الله له ذنبه في غزوة الحديبية قبل موته بسنتين وشيء ، وقال ابن عبّاس : " لمّا اشتدّ البلاء بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رسول الله فيما يرى النائم وهو بمكّة أرضاً ذات سباخ ونخل رُفعت له ، يهاجر إليها . فقال له أصحابه وهم بمكّة : إلى متى نكون في هذا البلاء الّذي نحن فيه ؟ ومتى نهاجر إلى الأرض التي أُريت . فسكت . فأنزل الله تعالى : { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } " أُترك في مكاني أو أخرج إلى الأرض التي رفعت لي ، وقال بعضهم : معناها : ولا أدري ما يفعل بي ولا بكم ، إلى ماذا يصير أمري وأمركم في الدُّنيا ؟ أنبأني عقيل بن محمّد ، أخبرنا المعافى بن زكريا ، أخبرنا محمّد بن جرير ، أخبرنا ابن حميد ، حدّثنا يحيى بن واضح ، حدّثنا أبو بكر الهذل ، عن الحسن . في قوله تعالى : { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } ، فقال : أمّا في الآخرة فمعاذ الله قد علم إنّه في الجنّة حين أخذ ميثاقه في الرسل ، ولكن قال : { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } في الدُّنيا ، أُخرج كما أخرجت الأنبياء من قبلي ولا أدري ما يفعل بكم ، أُمّتي المكذِّبة أم المصدّقة ، أم أُمّتي المرميّة بالحجارة من السّماء قذفاً أم مخسوف بها خسفاً . ثمّ أنزل الله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } [ الفتح : 28 ] . يقول : سيظهر دينكم على الأديان . ثمّ قال في أُمّته : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [ الأنفال : 33 ] فأخبره الله تعالى ما يصنع به وبأُمّته . وهذا قول السدي واليماني ، وقال الضحّاك : { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } أي ما تؤمرون وما تنهون عنه . { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ } . قال قتادة والضحاك وابن زيد : هو عبدالله بن سلام شهد على نبوّة المصطفى صلى الله عليه وسلم { فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ } اليهود ، فلم يؤمنوا . أخبرنا عبد الرّحمن بن إبراهيم بن محمّد بن يحيى ، أخبرنا عبدوس بن الحسين بن منصور ، حدّثنا محمّد بن إدريس يعني الحنظلي ، وأخبرنا عبدالله بن حامد ، حدّثنا أبو جعفر محمّد بن محمّد بن عبدالله البغدادي ، حدّثنا إسماعيل بن محمّد بن إسحاق ، حدّثنا عمر بن محمّد بن عبد الله الأنصاري . حدّثني حميد الطويل ، عن أنس ، قال : " جاء عبد الله بن سلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة ، فقال : إنّي سائلك عن ثلاث لا يعلمهنّ إلاّ نبي ، ما أوّل أشراط السّاعة ؟ وما أوّل طعام يأكله أهل الجنّة ؟ ، والولد ينزع إلى أبيه أو إلى أُمِّه ؟ . قال : " أخبرني جبريل بهنّ آنفاً " قال عبد الله : ذاك عدوّ اليهود من الملائكة . قال : « أمّا أوّل أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب ، وأمّا أوّل طعام يأكله أهل الجنّة مرارة كبد حوت ، فأمّا الولد ، فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولدَ ، وإذا سبق ماء المرأة نزعت الولدَ » . فقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّك رسول الله . ثمّ قال : يا رسول الله إنّ اليهود قوم بهت ، وإن علموا بإسلامي قبل أن تسائلهم عنّي بهتوا عليَّ عندك ، فجاءت اليهود فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم " أي رجل عبد الله فيكم ؟ " قالوا : خيرنا وابن خيرنا ، وسيّدنا وابن سيّدنا ، وأعلمنا وابن أعلمنا . قال : " أرأيتم إن أسلم عبد الله " . قالوا : أعاذه الله من ذلك ، فخرج إليهم عبد الله . فقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أنَّ محمّداً رسول الله . قالوا : شرّنا وابن شرّنا . وانتقصوه ، قال : هذا ما كنت أخاف يا رسول الله وأحذر " . ودليل هذا التأويل أنبأني عقيل بن محمّد أنّ المعافى بن زكريا أخبرهم ، عن محمّد بن جرير ، أخبرنا يونس ، أخبرنا عبد الله بن يوسف السبكي قال : سمعت مالك بن أنس يحدّث ، عن أبي النضر ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، قال : ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض : إنّه من أهل الجنّة ، إلاّ لعبد الله بن سلام . قال : وفيه نزلت { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ } . وقال آخرون : هو موسى بن عمران ( عليه السلام ) . وروى الشعبي ، عن مسروق في هذه الآية ، قال : والله ما نزلت في عبدالله بن سلام لأنّ ل { حم } نزلت بمكّة ، وإنّما أسلم عبدالله بالمدينة ، وإنّما كانت محاجّة من رسول الله لقومه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ومثل القرآن التوراة ، فشهد موسى على التوراة ، ومحمّد على القرآن ، وكلاهما مُصدّق أحدهما الآخر ، وقيل : هو ابن يامين . وقيل : هو نبي من بني إسرائيل { فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ } فلم يؤمنوا . { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } لدينه وحجّته ، وقال أهل المعاني : هذه الآية محذوفة الجواب مجازها { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ } من المحقّ منّا ومنكم ، ومن المبطل ؟ { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } من اليهود . { لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ } دين محمّد { خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ } يعني عبدالله بن سلام وأصحابه ، قاله أكثر المفسِّرين ، وقال قتادة : نزلت هذه الآية في ناس من مشركي قريش ، قالوا : لو كان ما يدعونا إليه محمّد خيراً ما سبقنا إليه فلان ، وفلان { يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ } [ البقرة : 105 ] . وقال الكلبي : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني أسداً وغطفان { لِلَّذِينَ آمَنُواْ } يعني جهينة ومزينة . { لَوْ كَانَ } ما جاء به محمّد { خَيْراً } ما سبقنا إليه رعاء البهم ورذال الناس . قال الله تعالى : { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ } أي بالقرآن كما اهتدى به أهل الإيمان . { فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ } كما قالوا : أساطير الأوّلين . { وَمِن قَبْلِهِ } أي ومن قبل القرآن . { كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً } يؤتم به . { وَرَحْمَةً } لمن آمن وعمل به ، ونصبا على الحال ، عن الكسائي ، وقال أبو عبيدة : فيه إضمار أي أنزلناه أو جعلناه إماماً ورحمةً . الأخفش على القطع لأنّ قوله : { كِتَابُ مُوسَىٰ } معرفة بالإضافة ، والنكرة إذا أعيدت وأضيفت أو أدخلت عليها الألف واللام ، صارت معرفة . { وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً } نصب على الحال ، وقيل : أعني لسَاناً . وقيل : بلسان . { لِّيُنذِرَ } ( بالتاء ) مدني وشامي ويعقوب وأيوب ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم على خطاب النبي ( عليه السلام ) ، وقرأ الباقون ( بالياء ) على الخبر عنه . وقيل : عن الكتاب . { ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أنفسهم بالكفر والمعصية . { وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ } وجهان من الإعراب : الرفع على العطف على الكتاب مجازه { وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ } وبشرى ، والنصب على معنى { لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أو تبشّر . فلمّا جعل مكان وتبشر وبشرى أو وبشارة نصب كما يقال : أتيتك لأزورك وكرامة لك ، وقضاء حقّك يعني لاِزورك وأكرمك وأقضي حقّك ، فنصبت الكرامة والقضاء بفعل مضمر .