Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 1-12)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } أي أبطلها فلم يقبلها ، وقال الضحّاك : أبطل كيدهم ومكرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعل الديرة عليهم . { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } حالهم ، وجمعُهُ بالات . قال سفيان الثوري : { وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ } لم يخالفوه في شيء . قال ابن عبّاس : { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ } أهل مكّة . { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } الأنصار . { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَاطِلَ } يعني الشياطين . { وَأَنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ } يعني القرآن . { كَذَلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ } يبيّن الله للنّاس . { أَمْثَالَهُمْ } أشكالهم . { فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } من أهل الحرب . { فَضَرْبَ } نصب على الإغراء { ٱلرِّقَابِ } الأعناق ، واحدتها رقبة . { حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ } أي غلبتموهم ، وقهرتموهم ، وصاروا أسرى في أيديكم . { فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ } كي لا يفلتوا منكم ، فيهربوا . { فَإِمَّا مَنًّا } عليهم { بَعْدُ } الأسر ، بإطلاقكم إيّاهم من غير عوض ، ولا فدية . { وَإِمَّا فِدَآءً } ( و ) نصبا بإضمار الفعل ، مجازه : فإمّا أن تمنّوا عليهم منّاً ، وإمّا أن تفادوهم ، واختلف العلماء في حكم هذه الآية ، فقال قوم : هي منسوخة بقوله : { فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي ٱلْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم } [ الأنفال : 57 ] … الآية . وقوله : { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] ، وإلى هذا القول ذهب قتادة ، والضحاك ، والسدي ، وابن جريج ، وهي رواية العوفي ، عن ابن عبّاس . أخبرنا عقيل بن محمّد أنّ أبا الفرج البغدادي أخبرهم ، عن محمّد بن جرير ، حدّثنا ابن عبد الأعلى ، حدّثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، قال : كُتب إلى أبي بكر رضي الله عنه في أسير أُسر ، فذكر أنّهم التمسوه بفداء كذا ، وكذا ، فقال أبو بكر : اقتلوه ، لَقتل رجل من المشركين أحبّ إليَّ من كذا ، وكذا . وقال آخرون : هي مُحكمة والإمام مخيّر بين القتل ، والمنّ ، والفداء . وإليه ذهب ابن عمر ، والحسن ، وعطاء ، وهو الاختيار ؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين كلّ ذلك فعلوا ، فقتل رسول الله عقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحارث ، يوم بدر صبراً فادى سائر أسارى بدر . وقيل : بني قريظة ، وقد نزلوا على حكم سعد ، وصاروا في يده سلماً ومنّ على أمامة بن أثال الحنفي وهو أسير في يده . أخبرنا عقيل أنّ أبا الفرج القاضي البغدادي أخبرهم ، عن محمّد بن جرير ، حدّثنا ابن عبد الأعلى ، حدّثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن رجل من أهل الشام ممّن كان يحرس عمر بن عبد العزيز ، قال : ما رأيت عمر قتل أسيراً إلاّ واحداً من الترك ، كان جيء بأسارى من الترك ، فأمر بهم أن يسترقوا ، فقال رجل ممّن جاء بهم : يا أمير المؤمنين لو كنت رأيت هذا لأحدهم وهو يقتل المسلمين ، لكثر بكاؤك عليهم فقال عمر : قد فدك ، فاقتله ، فقام إليه فقتله . { حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } [ محمد : 4 ] أثقالها وأحمالها فلا تكون حرب ، وقيل : حتّى تضع الحرب آثامها ، وأجرامها ، فيرتفع ، وينقطع ، لأنّ الحرب لا تخلو من الإثم في أحد الجانبين والفريقين . وقيل : معناه حتّى يضع أهل الحرب آلتها وعدّتها أو آلتهم وأسلحتهم فيمسكوا عن الحرب . والحرب القوم المحاربون كالشرب والركب ، وقيل حتّى يضع الأعداء المتحاربون أوزارها وآثامها بأن يتوبوا من كفرهم ويؤمنوا بالله ورسوله . ويقال للكراع : أوزار ، قال الأعشى : @ وأعددت للحرب أوزارها رماحاً طوالاً وخيلاً ذكورا @@ ومعنى الآية أثخنوا المشركين بالقتل ، والأسر حتّى يظهر الإسلام على الأديان كلّها ، ويدخل فيه أهل كلّ ملّة طوعاً أو كرهاً { وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله } [ الأنفال : 39 ] فلا نحتاج إلى قتال وجهاد ، وذلك عند نزول عيسى ( عليه السلام ) . وقال الحسن : معناه حتّى لا يُعبد إلاّ الله . الكلبي : حتّى يسلموا أو يسالموا . { ذَلِكَ } الذي ذكرت وبيّنت من حكم الكفّار { وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ } فأهلكهم وكفاكم أمرهم بغير قتال . { وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ } من حكم الكفّار ونعلم المجاهدين منكم والصابرين { وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } قرأ الحسن بضم ( القاف ) وكسر ( التاء ) مشدّداً من غير ( ألف ) ، وقرأ أبو عمرو ويعقوب وحفص بضمّ ( القاف ) وكسر ( التاء ) مخفّفاً من غير ( ألف ) ، واختاره أبو حاتم يعني الشهداء ، وقرأ عاصم الحجدري ( قُتِلُوا ) بفتح ( القاف ) و ( التاء ) من غير ( ألف ) ، يعني والذين قتلوا المشركين . وقرأ الباقون ( قاتلوا ) ( بالألف ) من المقاتلة ، وهم المجاهدون ، واختاره أبو عبيد . { فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ } قال قتادة : " ذُكر لنا إنّ هذه الآية أُنزلت يوم أحُد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب وقد فشت فيهم الجراحات والقتل ، وقد نادى المشركون : أعلُ هُبل ، فنادى المسلمون : الله أعلى وأجلّ . فنادى المشركون : يوم بيوم والحرب سجال ، لنا عزّى ولا عزّى لكم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم ، إنّ القتال مختلفة ، أمّا قتلانا فأحياء عند ربّهم يرزقون ، وأمّا قتلاكم ففي النّار يُعذّبون " " . { سَيَهْدِيهِمْ } في الدُّنيا إلى الطاعة وفي العقبى إلى الدرجات . { وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ } يرضي خصماءهم ، ويقبل أعمالهم { وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ } أي بيّن لهم منازلهم فيها حتّى يهتدوا إلى مساكنهم ، ودرجاتهم التي قسم الله لهم ، لا يخطئون ، ولا يستدلّون عليها أَحد ، كأنّهم سكّانها منذ خُلقوا ، وإنّ الرجل ليأتي منزله منها إذ دخلها كما كان يأتي منزله في الدُّنيا ، لا يشكل ذلك عليه . وإنّه أهدى إلى درجته وزوجته وخدمه ونعمه منه إلى أهله ومنزله في الدُّنيا . هذا قول أكثر المفسِّرين ، وقال المؤرّخ : يعني طيبها ، والعرف : الريح الطيّبة ، تقول العرب : عرّفت المرقة إذا طيّبتها بالملح والأبازير ، قال الشاعر : @ وتدخل أيد في حناجر أقنعت لعادتها من الحزير المعرّف @@ { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ } أي رسوله ودينه . { يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } على الإسلام ، وفي القتال { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ } قال ابن عبّاس : بُعداً لهم ، وقال أبو العالية : سقوطاً ، وقال الضحّاك : خيبة ، وقال ابن زيد : شقاً ، وقال ابن جرير : حزناً ، وقال الفراء : هو نصب على المصدر على سبيل الدعاء ، وأصل التعس في النّاس الدواب ، وهو أن يقال للعاثر : تعساً ، إذا لم يريدوا قيامه ، ويقال : أتعسه الله ، فتعس وهو متعس ، وضدّه لعاء إذا أرادوا قيامه ، وقد جمعها الأعمش في بيت واحد يصف ناقته : @ بذات لوث غفرناه إذا عثرت فالتعس أدنى لها من أن أقول لعا @@ { وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } لأنّها كانت في طاعة الشيطان خالية عن الإيمان . { ذَلِكَ } الإضلال ، والإبعاد . { بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ * أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } أي أهلكهم ودمّر عليهم منازلهم ، ثمّ توعّد مشركي قريش . { وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } إن لم يؤمنوا { ذَلِكَ } الذي ذكرت ، وفعلت { بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } وليّهم ، وناصرهم ، وحافظهم ، وفي حرف ابن مسعود ذلك بأنّ الله ولي الّذين آمنوا . { وَأَنَّ ٱلْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ * إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } محلّه رفع على الابتداء { يَتَمَتَّعُونَ } في الدُّنيا { وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ ٱلأَنْعَامُ } ليس لهم همّة إلاّ بطونهم ، وفروجهم ، وهم لاهون ساهون عمّا في غدهم ، وقيل : المؤمن في الدُّنيا يتزوّد ، والمنافق يتزيّن ، والكافر يتمتّع . { وَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } .