Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 13-23)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَتْكَ } أي أخرجك أهلها يدلّ عليه { أَهْلَكْنَاهُمْ } ولم يقل : أهلكناها { فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ } عن ابن عبّاس : " لما خرج رسول الله عليه السلام من مكّة إلى الغار ، التفت إلى مكّة ، وقال : " أنت أحبّ بلاد الله إلى الله ، وأحبّ بلاد الله إليّ ، ولو أنّ المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك " فأنزل الله تعالى هذه الآية . { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ } وهو محمّد صلى الله عليه وسلم والمؤمنون { كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَاءَهُمْ } وهم أبو جهل والمشركون . { مَّثَلُ } شبه وصفة { ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي } وقرأ علي بن أبي طالب أمثال الجنّة التي { وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ } آجن متغيّر منتن ، يقال : آسن الماء يأسن ، وآجن يأجن ، وأسن يأسن ويأُسن ، وأجن يأجن ، ويأُجن ، أُسونا ، وأُجوناً ، إذا تغيّر ، ويقال : أسِنَ الرجل : بكسر السين لا غير ، إذا أصابته ريح منتنة ، فغشى عليه قال زهير : @ يغادر القرنُ مصفراً أنامله يميد في الرمح ميل المائح الأسن @@ وقرأ العامّة آسن بالمد ، وقرأ ابن كثير بالقصر وهما لغتان . { وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ } لم تدنسها الأيدي ، ولم تدنسها الأرجل ، ونظير لذّ ولذيذ ، طب وطبيب . { وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى } قال كعب الأحبار : نهر دجلة نهر ماء الجنّة ، ونهر الفرات نهر لبنهم ، ونهر مصر نهر خمرهم ، ونهر سيحان نهر عسلهم ، وهذه الأنهار الأربعة تخرج من نهر الكوثر . { وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ } يعني المتّقين الّذين هم أهل الجنّة ، كمن هو خالد في النّار ، فاستغنى بدلالة للكلام عليه ، وقال ابن كيسان : مَثَلُ الجنّة التي فيها هذه الأنهار ، والثمار ، كمَثَلُ النّار التي فيها الحميم ، ومَثَلُ أهل الجنّة في النعيم المقيم ، كمثل أهل النّار في العذاب الأليم . { وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ } إذا أُدنِي منهم شوى وجوههم ، ووقعت فروة رؤوسهم ، فإذا شربوه قطّع . { أَمْعَآءَهُمْ * وَمِنْهُمْ } يعني ومن هؤلاء الكفّار { مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } وهم المنافقون يستمعون قولك ، فلا يعونه ، ولا يفهمونه تهاوناً منهم بذلك ، وتغافلاً { حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } من الصحابة { مَاذَا قَالَ آنِفاً } ( الآن ) وأصله الابتداء . قال مقاتل : وذلك أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يخطب ويحث المنافقين ، فسمع المنافقون قوله ، فلمّا خرجوا من المسجد سألوا عبد الله بن مسعود عمّا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاءً وتهاوناً منهم بقوله . قال ابن عبّاس في قوله : { لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } : أنا منهم وقد سئلت فيمن سئل . قال قتادة : هؤلاء المنافقون ، دخل رجلان : رجل عقل عن الله تعالى وانتفع بما سمع ، ورجل لم يعقل عن الله ، فلم ينتفع بما سمع ، وكان يقال : النّاس ثلاثة : سامع عاقل ، وسامع عامل ، وسامع غافل تارك . { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } فلم يؤمنوا . { وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ * وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ } يعني المؤمنين . { زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ } وقرأ ابن مسعود والأعمش وأنطاهم وأعطاهم { تَقُوَاهُمْ } ألهمهم ذلك ، ووفّقهم ، وقال سعيد بن جبير : وآتاهم ثواب تقواهم . { فَهَلْ يَنظُرُونَ } ينتظرون . { إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا } أماراتها وعلاماتها ، وبعث ( النبي ) صلى الله عليه وسلم منها وقيل : أدلّتها وحجج كونها ، واحدها شرط ، وأصل الأشراط الإعلام ، ومنه الشرط ، لأنّهم جعلوا لأنفسهم علامة يعرفون بها ، ومنه الشرط في البيع وغيره . ويقال : أشرط نفسه في عمل كذا ، وأعلمها وجعلا له . قال أوس بن حجر يصف رجلاً وقد تدلّى بحبل من رأس جبل إلى نبعة ليقطعها ويتخذ منها قوساً : @ فأشرط فيها نفسه وهو معصم وألقى بأسباب له وتوكلا @@ { فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ } يعني فمن أين لهم التذكّر والاتعاظ والتوبة إذا جاءتهم السّاعة ، نظيره قوله تعالى : { آمَنَّا بِهِ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } [ سبأ : 52 ] . { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ } قال بعضهم : الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره وأخواتها كثيرة ، وقيل : فاثبت عليه ، وقال الحسين بن الفضل : فازدد علماً على علمك ، وقال عبد العزيز ابن يحيى الكناني : هو أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يضجر ، ويضيق صدره من طعن الكافرين ، والمنافقين فيه ، فأنزل الله هذه الآية ، يعني فاعلم إنّه لا كاشف يكشف ما بك إلاّ الله ، فلا تعلق قلبك على أحد سواه . وقال أبو العالية وابن عيينة : هذا متصل بما قبله ، معناه فاعلم إنّه لا ملجأ ، ولا مفزع عند قيام السّاعة ، إلاّ الله . سمعت أبا القاسم بن حبيب يقول : سمعت أبا بكر بن عدش يقول : معناه فاعلم إنّه لا قاضي في ذلك اليوم إلاّ الله ، نظيره { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } [ الحمد : 4 ] . { وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ } لتستنّ أُمّتك بسنّتك ، وقيل : واستغفر لذنبك من التقصير الواقع لك في معرفة الله . { وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } أخبرني عقيل بن محمّد أنّ أبا الفرج القاضي أخبرهم ، عن محمّد بن جرير ، حدّثنا أبو كريب ، حدّثنا عثمان بن سعيد ، حدّثنا إبراهيم بن سليمان ، عن عاصم الأحول ، عن عبد الله بن سرحس ، قال : " دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : غفر الله لك يا رسول الله ، فقال رجل من القوم : استغفر لك يا رسول الله ؟ قال : " نعم ولك " . ثمّ قرأ { وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } " . أخبرنا ابن منجويه الدينوري ، حدّثنا أحمد بن علي بن عمر بن حبش الرازي ، حدّثنا أبو بكر محمّد بن عيّاش العتبي ، حدّثنا أبو عثمان سعيد بن عنبسة الحراز ، حدّثنا عبد الرّحمن بن محمّد ، عن بكر بن حنيس ، عن محمّد بن يحيى ، عن يحيى بن وردان ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من لم يكن عنده مال يتصدّق به ، فليستغفر للمؤمنين والمؤمنات ، فإنّها صدقة " . { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } قال عكرمة : يعني منقلبكم من أصلاب الآباء إلى أرحام الأُمّهات ، ومثواكم : مقامكم في الأرض . ابن كيسان : متقلبكم من ظهر إلى بطن ، ومثواكم : مقامكم في القبور . ابن عبّاس والضحّاك : منصرفكم ومنتشركم في أعمالكم في الدُّنيا ، ومثواكم : مصيركم إلى الجنّة وإلى النّار . ابن جرير : متقلبكم : منصرفكم لأشغالكم بالنهار ، ومثواكم : مضجعكم للنوم بالليل ، لا يخفى عليه شيء من ذلك . { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } اشتياقاً منهم إلى الوحي وحرصاً على الجهاد . { لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ } تأمرنا بالجهاد . { فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ } بالأمر والنهي ، قال قتادة : كلّ سورة ذكر فيها الجهاد ، فهي محكمة ، وهي أشدّ للقرآن على المنافقين . وفي حرف عبد الله ( سورةٌ محدثة ) { وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } يعني المنافقين { يَنظُرُونَ إِلَيْكَ } شزراً ، بتحديق شديد كراهة منهم للجهاد ، وجبناً منهم على لقاء العدوّ { نَظَرَ } كنظر { ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ } وعيد وتهديد ، قال : { طَاعَةٌ } مجازه ، ويقول هؤلاء المنافقون قبل نزول الآية المحكمة ( طاعةٌ ) رفع على الحكاية أي أمرنا طاعة أو منّا طاعة . { وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ } حسن وقيل : هو متصل بالكلام الأوّل ، ( واللام ) في قوله ( لهم ) بمعنى ( الباء ) مجازه فأولى بهم طاعة لله ورسوله { وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ } بالإجابة والطاعة . { فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ } أي جدّ الأمر وعُزم عليه وأُمروا بالقتال . { فَلَوْ صَدَقُواْ ٱللَّهَ } في إظهار الإيمان والطاعة { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ * فَهَلْ عَسَيْتُمْ } فلعلّكم { إِن تَوَلَّيْتُمْ } أعرضتم عن الإيمان ، وعن القرآن ، وفارقتم أحكامه . { تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ } بالمعصية ، والبغي ، وسفك الدماء ، وتعودوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من الفرقة ، بعدما جمعكم الله تعالى بالإسلام ، وأكرمكم بالألفة . قال قتادة : كيف رأيتم القوم حين تولّوا عن كتاب الله ؟ ألم يسفكوا الدم الحرام ، وقطعوا الأرحام ، وعصوا الرّحمن ؟ ، وقال بعضهم : هو من الآية . قال المسيب بن شريك والفراء : يقول : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ } إن ولّيتم أمر الناس { تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ } بالظلم ، نزلت في بني أمية ، ودليل هذا التأويل ما أخبرنا الحسين بن محمّد بن الحسين ، حدّثنا هارون بن محمّد بن هارون ، حدّثنا محمّد بن عبد العزيز ، حدّثنا القاسم بن يونس الهلالي ، عن سعيد بن الحكم الورّاق ، عن ابن داود ، عن عبدالله بن مغفل ، قال : " سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم يقرأ { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ } ثم قال : " هم هذا الحي من قريش أخذ الله عليهم إن وُلوا الناس ألاّ يفسدوا في الأرض ولا يقطّعوا أرحامهم " " . وقرأ علي بن أبي طالب { إن توليتم } بضمّ ( التاء ) و ( الواو ) وكسر ( اللام ) ، يقول : إن وليتكم ولاة جائرة خرجتم معهم في الفتنة ، وعاونتموهم . ومثله روى رويس عن يعقوب . { وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ } قرأ يعقوب ، وأبو حاتم ، وسلام ( وتقطعوا ) خفيفة من القطع اعتباراً بقوله : { وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } [ البقرة : 27 ] وقرأ الحسن مفتوحة الحروف ، اعتباراً بقوله : { فَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ } [ المؤمنون : 53 ] . وقرأ غيرهم ( وتقعطوا ) بضم ( التاء ) مشدّداً من التقطيع على التكثير لأجل الأرحام . { أَوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ } عن الحقّ .