Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 24-38)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ } تفهم مواعظ القرآن ، وأحكامه ، أخبرنا عقيل ابن محمّد ، أخبرنا المعافى بن زكريا ، أخبرنا محمّد بن جرير ، حدّثنا ابن حميد ، حدّثنا يحيى بن واضح ، حدّثنا ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، قال : ما من النّاس أحدٌ إلاّ وله أربع أعين : عينان في وجهه لدنياه ، ومعيشته ، وعينان في قلبه لدينه ، وما وعد الله من الغيب . وما من أحدٌ إلاَّ وله شيطانٌ متبطّن فقار ظهره ، عاطف عنقه على عاتقه ، فاغرٌ فاه إلى ثمرة قلبه ، فإذا أراد الله بعبد خيراً أبصرت عيناه اللّتان في قلبه ما وعد الله تعالى من الغيب ، فيعمل به ، وإذا أراد الله بعبد شرّاً طمس عليهما ، فذلك قوله : { أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } . وبه عن ابن جرير ، حدّثنا بشير ، حدّثنا حمّاد بن زيد ، حدّثنا هشام بن عبده عن أبيه ، قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } فقال شاب من أهل اليمن : بل عليها أقفالها حتّى يكون الله يفتحها أو يفرجها ، فما زال الشاب في نفس عمر حتّى ولي فاستعان به . { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى } قال قتادة : هم كفّار أهل الكتاب كفروا بمحمّد وهم يعرفونه ويجدون نعته مكتوباً عندهم ، وقال ابن عبّاس والضحّاك والسدي : هم المنافقون . { ٱلشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ } زيّن لهم { وَأَمْلَىٰ لَهُمْ } قرأ أبو عمرو بضم ( الألف ) وفتح ( الياء ) على وجه ما لم يُسمَّ فاعله . وقرأ مجاهد ، ويعقوب بضمّ ( الألف ) وإرسال ( الياء ) على وجه الخبر من الله تعالى عن نفسه أنّه يفعل ذلك بهم وهو اختيار أبي حاتم . وقرأ الآخرون ( وَأَمْلَىٰ ) بفتح ( الألف ) بمعنى وأملى الله لهم وهو اختيار أبي عبيدة . { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ } يعني هؤلاء المنافقين أو اليهود { قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ } وهم المشركون . { سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ ٱلأَمْرِ } في مخالفة محمّد صلى الله عليه وسلم والقعود عن الجهاد . { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ } قرأ أهل الكوفة إلاّ أبو بكر بكسر ( الألف ) على الفعل ، غيرهم بفتحها على جمع السر . { فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ } ( بالتاء ) قراءة العامّة ، وقرأ عيسى بن عمر ( توفّيهم ) ( بالياء ) . { ٱلْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } عند الموت ، نظيرها في الأنفال والنحل . { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ مَآ أَسْخَطَ ٱللَّهَ وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ * أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } شك ، يعني المنافقين { أَن لَّن يُخْرِجَ ٱللَّهُ أَضْغَانَهُمْ } أحقادهم على المؤمنين ، واحدها ضغن ، فيبديها لهم حتّى يعرفوا نفاقهم . { وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ } أي لأعلمناكهم ، وعرفناكهم ، ودللناك عليهم ، تقول العرب : سأُريك ما أصنع بمعنى سأُعلمك ، ومنه قوله تعالى : { بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ } [ النساء : 105 ] . { فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ } بعلامتهم ، قال أنس بن مالك : ما أخفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية شيء من المنافقين ، كان يعرفهم بسيماهم ، ولقد كنّا معه في غزاة وفيها سبعة من المنافقين يشكوهم النّاس ، فناموا ذات ليلة وأصبحوا وعلى كلّ واحد منهم مكتوب هذا منافق . فذلك قوله : { بِسِيمَاهُمْ } . وقال ابن زيد : قد أراد الله إظهار نفاقهم ، وأمر بهم أن يخرجوا من المسجد ، فأبوا إلاّ أن يمسكوا بلا إله إلاّ الله ، فلمّا أبوا أن يمسكوا إلاّ بلا إله إلاّ الله ، حُقنت دماؤهم ، ونَكحوا ، ونكحوا بها . { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ } قال ابن عبّاس : في معنى { ٱلْقَوْلِ } : الحُسن في فحواه . القرظي : في مقصده ومغزاه . واللحن وجهان : صواب ، وخطأ ، فأمّا الصواب فالفعل منه لحن يلحن لحناً ، فهو لحن إذا فطن للشيء ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم " ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض " ، والفعل من الخطأ لحن يلحن لحناً ، فهو لاحن ، والأصل فيه إزالة الكلام عن جهته ، وفي الخبر أنّه قيل لمعاوية : إنّ عبيد الله بن زياد يتكلّم بالفارسية ، فقال : أليس طريفاً من ابن أخي أن يلحن في كلامه أي يعدل به من لغة إلى لغة ، قال الشاعر : @ وحديث الذه هو ممّا ينعت الناعتون يوزن وزنا منطق صائب وتلحن أحيا ناً وخير الحديث ما كان لحنا @@ يعني ترتل حديثها . { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ } بالجهاد { حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ } قرأ العامّة كلّها بالنون لقوله : { وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ } [ محمد : 30 ] . وروى أبو بكر والمفضل ، عن عاصم كلّها ( بالياء ) . وقرأ يعقوب ، ( ونبلوا ) ساكنة ( الواو ) ردّاً على قوله : ( نعلم ) . قال إبراهيم بن الأشعث : كان الفضل إذا قرأ هذه الآية بكى ، وقال : اللّهم لا تبلنا ، فإنّك إن بلوتنا هتكت أستارنا ، وفضحتنا . { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَىٰ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ } قال ابن عبّاس : هم المطعمون يوم بدر ، نظيره قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ الأنفال : 36 ] … الآية . { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَالَكُمْ } بمعصيتها ، قال مقاتل والثمالي : لا تمنوا على رسول الله فتبطلوا أعمالكم ، نزلت في بني أسد . وسنذكر القصة في سورة الحجرات إن شاء الله . وقيل : بالعجب والرياء . { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } قيل : هم أصحاب القليب ، وحكمها عام { فَلاَ تَهِنُواْ } تضعفوا { وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ } إلى الصلح { وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ } لأنّكم مؤمنون محقّون . { وَٱللَّهُ مَعَكُمْ } قال قتادة : لا تكونوا أوّل الطائفتين ضرعت إلى صاحبتها { وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } قال ابن عبّاس وقتادة والضحّاك وابن زيد : لن يظلمكم . مجاهد : لن ينقصكم أعمالكم بل يثيبكم عليها ، ويزيدكم من فضله ، ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم " من فاته صلاة العصر فكأنّما وتر أهله وماله " أي ذهب بهما . { إِنَّمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْأَلْكُمْ } ربّكم . { أَمْوَالَكُمْ } لا يسألكم الأجر ، بل يأمركم بالإيمان ، والطاعة ليثيبكم عليها الجنّة ، نظيره قوله : { مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ } [ الذاريات : 57 ] … الآية ، وقيل : ( ولا يسألكم ) محمّد صدقة أموالكم ، نظيره قوله : { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ … } [ ص : 86 ] وقيل : معنى الآية ولا يسألكم الله ورسوله أموالكم كلّها إنّما يسألانكم غيضاً من فيض ، ربع العشر فطيبوا بها نفساً ، وإلى هذا القول ذهب ابن عُيينة وهو اختيار أبي بكر بن عبدش ، قال : حكى لنا ابن حبيب عنه ، يدلّ عليه سياق الآية . { إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ } فيجهدكم ويلحّ ويلحفكم عليها ، وقال ابن زيد : الإحفاء أن تأخذ كلّ شيء بيدك . { تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ } قال قتادة : قد علم الله تعالى أنّ في مسألة المال خروج الأضغان { هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ } عن صدقاتكم وطاعتكم { وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ } إليها { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم } في الطواعية ، بل يكونوا أطوع لله تعالى وأمثل منكم ، قال الكلبي : هم كندة والنخع . الحسن : هم العجم . عكرمة : فارس والروم . أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمّد ابن الحسين بن عبد الله بن منجويه الدينوري ، حدّثنا عمر بن الخطّاب ، حدّثنا عبدالله بن الفضل ، حدّثنا يحيى بن أيّوب ، حدّثنا إسماعيل بن جعفر ، أخبرني عبد الله بن نجيح ، عن العلاء بن عبد الرّحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : " قال أُناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله مَنْ هؤلاء الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن إن تولّينا استبدلوا ، ثمّ لا يكونوا أمثالنا ؟ قال : وكان سلمان إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذ سلمان وقال : " هذا وقومه ، والّذي نفسي بيده لو كان الإيمان معلّقاً بالثريا لناله لتناوله رجال من فارس " " .