Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 1-9)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } أخبرنا عبيد الله بن محمّد الزاهد ، أخبرنا أبو العبّاس السرّاج ، حدّثنا هنّاد بن السري ، حدّثنا يونس بن بكير ، حدّثنا علي بن عبد الله التيمي يعني أبا جعفر الرازي ، عن قتادة ، عن أنس { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } قال : فتح مكّة ، وقال مجاهد والعوفي : فتح خيبر ، وقال الآخرون : فتح الحديبية . روى الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، قال : ما كنّا نعدّ فتح مكّة إلاّ يوم الحديبية . وروى إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، قال : تعدون أنتم الفتح فتح مكّة ، وقد كان فتح مكّة فتحاً ، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية ، كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة . والحديبية بئر . أخبرنا عقيل بن محمّد الفقيه أنّ أبا الفرج القاضي البغدادي ، أخبرهم ، عن محمّد بن جرير ، حدّثنا موسى بن سهل الرملي ، حدّثنا محمّد بن عيسى ، حدّثنا مجمع بن يعقوب الأنصاري ، قال : سمعت أبي يحدِّث ، عن عمّه عبد الرّحمن بن يزيد ، عن عمّه ، مجمع بن حارثة الأنصاري وكان أحد القرّاء الذين قرأوا القرآن قال : " شهدنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمّا انصرفنا عنها ، إذا الناس يهزون الأباعر ، فقال بعض النّاس لبعض : ما بال النّاس ؟ قالوا : أُوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فخرجنا نوجف ، فوجدنا النبي ( عليه السلام ) واقفاً على راحلته عند كراع العميم ، فلمّا اجتمع إليه الناس ، قرأ { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } . فقال عمر : أو فتح هو يا رسول الله ؟ قال : " نعم والّذي نفسي بيده إنّه لفتح " . فقسم صلى الله عليه وسلم الخمس بخيبر على أهل الحديبية ، لم يدخل فيها أحد إلاّ من شهد الحديبية " . أخبرنا الحسين بن محمّد بن منجويه العدل ، حدّثنا أبو محمّد عبدالله بن محمّد بن شنبه ، حدّثنا عبيدالله بن أحمد الكسائي ، حدّثنا الحارث بن عبد الله ، أخبرنا هشيم ، عن مغيرة ، عن الشعبي في قوله : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } قال : فتح الحديبية ، غفر له ما تقدّم من ذنبه ، وما تأخّر ، وأطعموا نخل خيبر ، وبلغ الهدي محلّه ، وظهرت الروم على فارس ، وفرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس . وقال مقاتل بن حيان : يسّرنا لك يُسراً بيّناً ، وقال مقاتل بن سليمان : لمّا نزل قوله : { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } [ الأحقاف : 9 ] فرح بذلك المشركون ، والمنافقون ، وقالوا : كيف نتّبع رجلاً لا يدري ما يفعل به وبأصحابه ، ما أمرنا وأمره إلاّ واحد ، فأنزل الله تعالى بعدما رجع من الحديبية { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } أي قضينا لك قضاءً بيّناً . { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } فنسخت هذه الآية تلك الآية ، وقال صلى الله عليه وسلم " لقد نزلت عليَّ آية ما يسرّني بها حمر النعم " . وقال الضحاك : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } بغير قتال ، وكان الصلح من الفتح ، وقال الحسن : فتح الله عليه بالإسلام . { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ } قال أبو حاتم : هذه ( لام ) القسم ، لما حذفت ( النون ) من فعله كسرت اللام ونُصبَ فعلها بسببها بلام كي ، وقال الحسين بن الفضيل : هو مردود إلى قوله : { وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } [ محمد : 19 ] { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } و { لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي } وقال محمّد بن جرير : هو راجع إلى قوله : { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ } [ النصر : 1 - 3 ] { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ } قبل الرسالة { وَمَا تَأَخَّرَ } إلى وقت نزول هذه السورة . أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمّد بن عبدالله الحافظ ، حدّثنا أبو عمرو عثمان بن عمر ابن حقيف الدرّاج ، حدّثنا حامد بن شعيب ، حدّثنا شريح بن يونس ، حدّثنا محمّد بن حميد ، عن سفيان الثوري { مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ } ما عملت في الجاهلية { وَمَا تَأَخَّرَ } كلّ شيء لم تعمله . وقال عطاء بن أبي مسلم الخرساني : { مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِك } يعني ذنب أبويك آدم وحوّاء ببركتك { وَمَا تَأَخَّرَ } ديوان أُمّتك بدعوتك . سمعت الطرازي يقول : سمعت أبا القاسم النصر آبادي يقول : سمعت أبا علي الرودباري بمصر يقول : في قول الله تعالى : { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } ، قال : لو كان لك ذنب قديم أو حديث لغفرناه . { وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } أي ويثبتك عليه ، وقيل : يهدي بك . { وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً } غالباً . وقيل : مُعزّاً . { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ } الرحمة ، والطمأنينة { فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } قال ابن عبّاس : كلّ سكينة في القرآن فهي الطمأنينة إلاّ التي في البقرة . { لِيَزْدَادُوۤاْ إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ } قال ابن عبّاس : بعث الله نبيّه صلى الله عليه وسلم بشهادة أن لا إله إلاّ الله ، فلمّا صدّقوا فيها زادهم الصلاة ، فلمّا صدّقوا زادهم الصيام ، فلمّا صدّقوا زادهم الزّكاة ، فلمّا صدّقوا زادهم الحجّ ، ثمّ زادهم الجهاد ، ثمّ أكمل لهم دينهم بذلك ، وقوله تعالى : { لِيَزْدَادُوۤاْ إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ } أي تصديقاً بشرائع الإيمان مع تصديقهم بالإيمان . وقال الضحاك : يقيناً مع يقينهم ، وقال الكلبي : هذا في أمر الحديبية حين صدق الله رسوله الرؤيا بالحقّ . { وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } أخبرنا عبيد الله بن محمّد الزاهد ، أخبرنا أبو العبّاس السرّاج ، حدّثنا محمّد بن عبد الله بن المبارك ، حدّثنا يونس بن محمّد ، حدّثنا شيبان ، عن قتادة في قوله سبحانه : { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } قال أنس بن مالك : إنّها نزلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد مرجعه من الحديبية ، وأصحابه مخالطو الحزن والكآبة ، قد حيل بينهم وبين مناسكهم ونحروا بالحديبية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لقد أُنزلت عليَّ آية هي أحبُّ إليَّ من الدُّنيا جميعاً " فقرأها على أصحابه ، فقالوا : هنيئاً مريئاً يا رسول الله ، قد بيّن الله تعالى ما يفعل بك ، فماذا يفعل بنا ؟ فأنزل الله تعالى : { لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } قال أهل المعاني : وإنّما كرّر ( اللام ) في قوله : { لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } بتأويل تكرير الكلام مجازه { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } إنّا فتحنا لك { لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً * وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ } أي لن ينصر الله محمّداً صلى الله عليه وسلم والمؤمنين . { عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ } بالذلّ والعذاب { وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً * وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً * إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } قرأ ابن كثير وأبو عمرو أربعتها ( بالياء ) واختاره أبو عبيد ، قال : لذكر الله المؤمنين قبله ، وبعده ، فأمّا قبله فقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ } وقرأها الآخرون ( بالتاء ) واختاره أبو حاتم . { وَتُعَزِّرُوهُ } وقرأ محمّد بن السميقع ( بزايين ) ، وغيره ( بالراء ) أي لتعينوه ، وتنصروه . قال عكرمة : تقاتلون معه بالسيف ، أخبرنا علي بن محمّد بن محمّد بن أحمد البغدادي ، أخبرنا أبو محمّد عبد الله بن محمّد الشيباني ، أخبرنا عيسى بن عبد الله البصري بهراة ، حدّثنا أحمد بن حرب الموصلي ، حدّثنا القاسم بن يزيد الحرمي ، حدّثنا سفيان بن سعيد الثوري ، عن يحيى بن سعيد القطان ، حدّثنا سفيان بن عينية ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله ، قال : لمّا نزلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم { وَتُعَزِّرُوهُ } ، قال لنا : ماذا كُم ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : لتنصروه وَتُوَقِّرُوهُ وتعظّموه وتفخموه . وهاهنا وقف تام . { وَتُسَبِّحُوهُ } أي وتسبحوا الله بالتنزيه والصلاة . { بُكْرَةً وَأَصِيلاً } .