Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 10-21)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ } يا محمّد بالحديبية على أن لا يفروا { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } . أخبرنا ابن منجويه ، حدّثنا ابن حبش المقري ، حدّثنا محمّد بن عمران ، حدّثنا أبو عبد الله المخزومي ، حدّثنا سفيان بن عينية ، عن " عمرو بن دينار إنّه سمع جابراً يقول : كنّا يوم الحديبية ألف وأربعمائة ، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنتم اليوم خير أهل الأرض " قال : وقال لنا جابر : لو كنت أبصر لأريتكم موضع الشجرة ، وقال : بايعنا رسول الله تحت السمّرة على الموت على أن لا نفرّ ، فما نكث أحد منّا البيعة ، إلاّ جد بن قيس وكان منافقاً ، اختبأ تحت أبط بعيره ، ولم يسر مع القوم . { يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } قال ابن عبّاس : { يَدُ ٱللَّهِ } بالوفاء لما وعدهم من الخير { فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } بالوفاء . وقال السدي : { يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } وذلك إنّهم كانوا يأخذون بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبايعونه ، و { يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } عند المبايعة . وقال الكلبي : معناه نعمة الله عليهم فوق ما صنعوا من البيعة ، وقال ابن كيسان : قوّة الله ونصرته فوق قوّتهم ونصرتهم . { فَمَن نَّكَثَ } يعني البيعة { فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } عليه وباله { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ } قرأ أهل العراق ( بالياء ) ، وغيرهم ( بالنون ) . { أَجْراً عَظِيماً } وهو الجنّة { سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ } قال ابن عبّاس ومجاهد : يعني أعراب غفار ، ومزينة ، وجهينة ، وأشجع ، وأسلم ، والديك ، وذلك أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم حين أراد المسير إلى مكّة عام الحديبية معتمراً استنفر من حول المدينة من الأعراب ، وأهل البوادي ليخرجوا معه حذراً من قريش أن يعرضوا له بحرب ويصدّوه عن البيت ، وأحرم هو صلى الله عليه وسلم وساق معه الهدي ليعلم النّاس أنّه لا يريد حرباً ، فتثاقل عنه كثير من الأعراب ، وقالوا : نذهب معه إلى قوم ، قد جاؤوه ، فقتلوا أصحابه ، فنقاتلهم ، فتخلّفوا عنه . واعتلُّوا بالشغل ، فأنزل الله تعالى : { سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ } الّذين خلّفهم الله عن صحبتك ، وخدمتك في حجّتك ، وعمرتك إذا انصرفت إليهم ، فعاتبتهم على التخلّف عنك . { شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا } ثمّ كذّبهم في اعتذارهم واستغفارهم وأخبر عن إسرارهم وإضمارهم ، فقال : { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً } قرأ حمزة والكسائي وخلف بضمّ ( الضادّ ) والباقون بالفتح ، واختاره أبو عبيد ، وأبو حاتم ، قالا : لأنّه قابله بالنفع ضدّ الضرّ . { أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً * بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ } وذلك بأنّهم قالوا : إنَّ محمّداً وأصحابه أكلة رأس فلا يرجعون ، فأين تذهبون ؟ انتظروا ما يكون من أمرهم . { وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً } هالكين ، فاسدين ، لا تصلحون لشيء من الخير . { وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً * وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَتِ وَٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً * سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ } عن الحديبية { إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ } يعني غنائم خيبر { لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ } إلى خيبر فنشهد معكم ، فقال أهلها : { يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ ٱللَّهِ } قرأ حمزة والكسائي ( كلم الله ) بغير ( ألف ) ، وغيرهم ( كلام الله ) ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ، قال الفرّاء : الكلام مصدر ، والكلم جمع الكلمة ، ومعنى الآية يريدون أن يغيّروا وعد الله الذي وعد أهل الحديبية ، وذلك أنّ الله تعالى جعل غنائم خيبر لهم عوضاً من غنائم أهل مكّة ، إذا انصرفوا عنهم على صلح ، ولم يصيبوا منهم شيئاً ، وقال ابن زيد : هو قوله تعالى : { فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً } [ التوبة : 83 ] . والقول الأوّل أصوب ، وإلى الحقّ أقرب ، لأنّ عليه عامّة أهل التأويل ، وهو أشبه بظاهر التنزيل لأنّ قوله : { فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً } [ التوبة : 83 ] نزلت في غزوة تبوك . { قُل لَّن تَتَّبِعُونَا } إلى خيبر . { كَذَٰلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ } أي من قبل مرجعنا إليكم : إنّ غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ، ليس لغيرهم فيها نصيب . { فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا } أن نصيب معكم من الغنائم . { بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً * قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } قال ابن عبّاس ، وعطاء بن أبي رباح ، وعطاء الخراساني ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، ومجاهد : هم فارس . كعب : الروم . الحسن : فارس ، والروم . عكرمة : هوازن . سعيد بن جبير : هوازن ، وثقيف . قتادة : هوازن وغطفان يوم حنين . الزهري ، ومقاتل : بنو حنيفة أهل اليمامة ، أصحاب مُسيلمة الكذّاب . قال رافع بن جريج : والله لقد كنّا نقرأ هذه الآية فيما مضى { سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } فلا نعلم من هم حتّى دعا أبو بكر رضي الله عنه إلى قتال بني حنيفة ، فعلمنا أنّهم هم ، وقال أبو هريرة : لم تأت هذه الآية بعد . { تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } قرأ العامّة يسالمون في محل الرفع عطفاً على قوله : { تُقَاتِلُونَهُمْ } ، وفي حرف أُبي ( أو يسلموا ) بمعنى حتّى يسلموا ، كقول امرئ القيس : أو يموت فنعذرا . { فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ } يعني عام الحديبية { يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } وهو النّار . قال ابن عبّاس : فلمّا نزلت هذه الآية قال أهل الزمانة : فكيف بنا رسول الله ؟ فأنزل الله سبحانه وتعالى : { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ } في التخلّف عن الجهاد ، والقعود عن الغزو . { وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ } في ذلك . { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً } قرأ أهل المدينة والشام ( يدخله ) ( ويعذّبه ) فيهما ( بالنون ) فيهما وقرأ الباقون ( بالياء ) فيهما ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ، قالا : لِذِكر الله تعالى قبل ذلك . { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ } بالحديبية على أن يناجزوا قريشاً ، ولا يفروا . { تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ } وكانت سمرة ، ويروى أنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه مرّ بذلك المكان بعد أن ذهبت الشجرة ، فقال : أين كانت ؟ فجعل بعضهم يقول : هاهنا ، وبعضهم هاهنا ، فلمّا كثر اختلافهم قال : سيروا ، هذا التكلف ، وقد ذهبت الشجرة ، أما ذهب بها سيل وأمّا شيء سوى ذلك . " وكان سبب هذه البيعة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خراش بن أُمية الخزاعي ، فبعثه إلى قريش بمكّة ، وحمله على جمل له يقال له : الثعلب ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له ، وذلك حين نزل الحديبية . فعقروا له جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوا قتله فمنعه الأحابيش ، فخلّوا سبيله حتّى أتى رسول الله ، فدعا رسول الله ( عليه السلام ) عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ليبعثه إلى مكّة ، فقال : يا رسول الله إنّي أخاف قريشاً على نفسي ، وليس بمكّة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني ، وقد عرفت قريش عداوتي إيّاها ، وغلظتي عليهم ، ولكنّي أدُّلك على رجل هو أعزّ بها منّي ، عثمان بن عفّان ، فدعا رسول الله عثمان ، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنّه لم يأت لحرب ، وإنّما جاء زائراً لهذا البيت ، معظّماً لحرمته ، فخرج عثمان إلى مكّة ، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكّة ، أو قبل أن يدخلها ، فنزل عن دابّته وحمله بين يديه ، ثمّ ردفه وأجازه حتّى بلّغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عظماء قريش لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله : إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به ، فقال : ما كنت لأفعل حتّى يطوف به رسول الله . فاحتبسته قريش عندهم ، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أنّ عثمان قد قُتل ، فقال رسول الله : " لا نبرح حتّى نناجز القوم " . ودعا الناس إلى البيعة ، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة ، فكان الناس يقولون : بايعهم رسول الله على الموت ، وقال بكير بن الأشج : بايعوه على الموت ، فقال رسول الله ( عليه السلام ) : " بل على ما استطعتم " " . وقال عبد الله بن معقل : كنت قائماً على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك اليوم ، وبيدي غصن من السمرة ، أذبّ عنه ، وهو يبايع النّاس ، فلم يبايعهم على الموت ، وإنّما بايعهم على أن لا يفرّوا ، وقال جابر بن عبدالله : فبايع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم النّاس ولم يتخلّف عنه أحد من المسلمين حضرها إلاّ الجد بن قيس أخو بني سلمة ، لكأنّي أنظر إليه لاصقاً بإبط ناقته مستتراً بها من النّاس . وكان أوّل من بايع بيعة الرضوان رجل من بني أسد يقال له : أبو سنان بن وهب . ثمّ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّ الّذي ذُكر من أمر عثمان باطل ، واختلفوا في مبلغ عدد أهل بيعة الرضوان ، فروى شعبة ، عن عمرو بن مُرّة ، قال : سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول : كنّا يوم الشجرة ألف وثلاثمائة ، وكانت أسلم يومئذ من المهاجرين . وقال قتادة : كانوا خمسة عشر ومائة . وروى العوفي عن ابن عبّاس ، قال : كان أهل البيعة تحت الشجرة ألفاً وخمسمائة وخمسة وعشرون . وقال آخرون : كانوا ألفاً وأربعمائة . أخبرنا الحسين بن محمّد بن منجويه ، حدّثنا علي بن أحمد بن نصرويه ، حدّثنا أبو عمران موسى بن سهل بن عبد الحميد الخولي ، حدّثنا محمّد بن رمح ، حدّثنا الليث بن سعد ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل النّار أحدٌ ممّن بايع تحت الشجرة " . { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } من الصدق ، والصبر ، والوفاء . { فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } وهو خيبر { وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا } وكانت خيبر ذات عقار وأموال . فاقتسمها رسول الله بينهم . { وَكَان ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً * وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا } وهي الفتوح التي تفتح لهم إلى يوم القيامة { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ } يعني يوم خيبر . { وَكَفَّ أَيْدِيَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ } أهل مكّة عنكم بالصلح ، وقال قتادة : يعني وكفّ اليهود من خيبر ، وحلفاءهم من أسد ، وغطفان ، عن بيضتكم ، وعيالكم ، وأموالكم بالمدينة ، وذلك أنّ مالك بن عوف النصري ، وعيينة بن حصن الفزاري ، ومن معهما من بني أسد وغطفان جاءوا لنصرة أهل خيبر فقذف الله تعالى في قلوبهم الرعب فانصرفوا . { وَلِتَكُونَ } هزيمتهم ، وسلامتكم { آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ } ليعلموا أنّ الله هو المتولّي حياطتهم ، وحراستهم في مشهدهم ومغيبهم . { وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } طريق التوكّل ، والتفويض حتّى تتقوا في أُموركم كلّها بربّكم ، وتتوكّلوا عليه ، وقيل : يثبتكم على الإسلام ، ويزيدكم بصيرة ويقيناً بصلح الحديبية ، وفتح خيبر ، وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة الحديبية إلى المدينة ، أقام بها بقيّة ذي الحجّة ، وبعض المحرم ، ثمّ خرج في بقيّة المحرم سنة سبع إلى خيبر ، واستخلف على المدينة سماع بن عرفطة الغفاري . أخبرنا عبد الله بن محمّد بن عبد الله الزاهد ، قرأه عليه ، أخبرنا أبو العبّاس محمّد بن إسحاق السرّاج ، حدّثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدّثنا عثمان بن عمر ، أخبرنا ابن عون ، عن عمرو ابن سعيد ، عن أنس بن مالك ، أخبرنا عبيدالله بن محمّد ، أخبرنا أبو العبّاس السرّاج ، حدّثنا عبد الأعلى بن حمّاد أبو يحيى الباهلي ، حدّثنا يزيد بن زريع ، حدّثنا عن ابن أبي عروبة ، قال : أخبرنا عبيد الله بن محمّد ، حدّثنا أبو العبّاس السرّاج ، حدّثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، حدّثنا روح ، عن سعيد ، عن قتادة ، " عن أنس ، قال : كنت رديف أبي طلحة يوم أتينا خيبر ، فصبّحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أخذوا مساحيهم ، وفؤوسهم ، وغدوا على حرثهم ، وقالوا : محمّد والخميس . فقال رسول الله : " الله أكبر هلكت خيبر ، إنّا إذا نزلنا ساحة قوم فساء صباح المنذرين " . ثمّ نكصوا ، فرجعوا إلى حصونهم " . أخبرنا عبيد الله بن محمّد بن عبد الله بن محمّد ، حدّثنا أبو العبّاس السرّاج ، حدّثنا قتيبة بن سعيد ، حدّثنا حاتم بن إسماعيل ، عن يزيد بن أبي عبيد ، عن سلمة بن الأكوع . وأخبرنا عبيد الله بن محمّد ، أخبرنا أبو العبّاس السرّاج ، حدّثنا أحمد بن يوسف السلمي ، حدّثنا النضر بن محمّد ، حدّثنا عكرمة بن عمّار ، حدّثنا سلمة بن الأكوع ، عن أبيه ، قال : وحدّثت عن محمّد بن جرير ، عن محمّد بن حميد ، عن سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن رحالة ، قال : وعن ابن جرير ، حدّثنا ابن بشار ، حدّثنا محمّد بن جعفر ، حدّثنا عوف ، عن ميمون أبي عبد الله ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، دخل حديث بعضهم في بعض ، قالوا : " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر يسير بنا ليلاً ، وعامر بن الأكوع معنا ، فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع : ألا تسمعنا من هينهاتك ؟ وكان عامر شاعراً فنزل يحدو بالقوم وهو يرجز لهم : * اللهُمَّ لولا أنتَ ما اهتدينا * ولا تصدّقنا ولا صلّينا * * انّ الذين هم بغوا علينا * ونحن عن فضلك ما استغنينا * * فاغفر فداء لك ما اقتفينا * وثبّت الأقدام إن لاقينا * * وألقيَنْ سكينةً علينا * إنّا إذا صيح بنا أتينا * فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَنْ هذا ؟ " . قالوا : عامر بن الأكوع . فقال : « غفر لك ربّك » . فقال رجل من القوم : وجبت يا نبي الله ، لو امتعتنا به . وذلك أنّ رسول الله ( عليه السلام ) ما استغفر قطّ لرجل يخصّه إلاّ استشهد . قالوا : فلمّا قدمنا خيبر وتصافّ القوم ، خرج يهودي ، فبرز إليه عامر ، وقال : قد علمت خيبر إنّي عامر شاك السلاح بطل مغامر فاختلفا ضربتين ، فوقع سيف اليهودي في ترس عامر ، ووقع سيف عامر عليه ، وأصاب ركبة نفسه ، وساقه ، فمات منها ، قال سلمة بن الأكوع : فمررت على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون : بطل عمل عامر ، فأتيت نبي الله وأنا شاحب أبكي ، فقلت : يا رسول الله أبطلَ عمل عامر ؟ فقال : " ومَنْ قال ذاك ؟ " قلت : بعض أصحابك . قال : " كذب من قال ، بل له أجره مرّتين ، إنّه لجاهد مجاهد " . قال : فحاصرناهم حتّى أصابتنا مخمصة شديدة ثمّ إنّ الله تعالى فتحها علينا ، وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى اللواء عمر بن الخطّاب ، ونهض من نهض معه من الناس ، فلقوا أهل خيبر ، فانكشف عمر ، وأصحابه ، فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحينه أصحابه ، ويحينهم ، وكان رسول الله قد أخذته الشقيقة ، فلم يخرج إلى النّاس ، فأخذ أبو بكر راية رسول الله ، ثمّ نهض فقاتل قتالاً شديداً ، ثمّ رجع ، فأخذها عمر ، فقاتل قتالاً شديداً ، وهو أشدّ من القتال الأوّل ، ثمّ رجع ، فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أما والله لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ، ورسوله ، ويحبّه الله ، ورسوله يأخذها عنوة " . وليس ثَمّ علي ، فلمّا كان الغد تطاول لها أبو بكر وعمر وقريش رجاء كلّ واحد منهم أن يكون صاحب ذلك ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمة بن الأكوع إلى علي ، فدعاه ، فجاء علي على بعير له حتّى أناخ قريباً من خباء رسول الله ، وهو أرمد قد عصب عينيه بشقة برد قطري ، قال سلمة : فجئت به أقوده إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم . فقال رسول الله : " ما لكَ ؟ " . قال : رمدت . فقال : « إدن منّي » . فدنا منه فتفل في عينيه ، فما وجعهما بعد حتّى مضى لسبيله ، ثمّ أعطاه الراية ، فنهض بالراية وعليه حلّة أُرجوان حمراء ، قد أخرج حملها ، فأتى مدينة خيبر ، وخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مغفر معصفر ، وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه ، وهو يقول : * قد علمت خيبر أنّي مرحب * شاكي السلاح بطلٌ مجرّب * * أطعن أحياناً * وحيناً أضرب * * إذا الحروب أقبلت تلهّب * كان حمائي كالحمى لا يقرب * فبرز إليه علي رضي الله عنه ، وقال : * أنا الّذي سمّتني أُمّي حيدره * كليثِ غابات شديد قسوره * * أكيلكم بالسيف كيل السندره * فاختلفا ضربتين ، فبدره علي ، فضربه ، فقدَّ الحجر والمغفرة ، وفلق رأسه حتّى أخذ السيف في الأضراس ، وأخذ المدينة ، وكان الفتح على يديه ، ثمّ خرج بعد مرحب أخوه ياسر بن نحر ، وهو يقول : * قد علمت خيبر أنّي ياسر * شاكي السلاح بطل مغاور * * إذا الليوث أقبلت تبادر * وأحجمت عن صولتي المغاور * * إنّ حمائي فيه موت حاضر * وهو يقول : هل من مبارز ؟ فخرج إليه الزبير بن العوّام ، وهو يقول : * قد علمت خيبر أنّي زبار * قرم لقرم غير نكس فرار * * ابن حماة المجد ابن الأخيار * ياسر لا يغررْك جمع الكفّار * * وجمعهم مثل السراب الحبار * فقالت أُمّه صفية بنت عبد المطّلب : أيقتل ابني يا رسول الله ؟ فقال : " بل ابنك يقتله إن شاء الله " ثمّ التقيا ، فقتله الزبير ، فقال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجنا مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله ( عليه السلام ) برايته ، فلمّا دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم ، فضربه رجل من اليهود ، فطرح ترسه من يده ، فتناول علي باباً كان عند الحصن ، فتترّس به عن نفسه ، فلم يزل في يده ، وهو يقاتل حتّى فتح الله تعالى عليه ، ثمّ ألقاه من يده حين فرغ ، فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب ، فما نقلبه . ثمّ لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتح الحُصون حُصناً حُصناً ، ويجوز الأموال حتّى انتهوا إلى حُصن الوطيح والسلالم ، وكان آخر حصون خيبر افتتح ، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة ليلة ، فلمّا أمسى النّاس يوم الفتح أوقدوا نيراناً كثيرة ، فقال رسول الله : " على أيّ شيء توقدون ؟ " قالوا : على لحم ، قال : " على أيّ لحم ؟ " قالوا : لحم الحمر الأنسية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اهريقوها واكسروها " . فقال رجل : أَوَ نهرّقها ونغسلها ؟ فقال : " أو ذاك " " . قال ابن إسحاق : " ولمّا افتتح رسول الله ( عليه السلام ) القموص حصن بني أبي الحقيق أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حي بن أحطب ، وبأُخرى معها ، فمرّ بهما بلال ، وهو الذي جاء بهما على قتلى من قُتل من اليهود ، فلمّا رأتهما التي مع صفية ، صاحت ، وصكّت وجهها ، وحثت التراب على رأسها ، فلمّا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أغربوا عنّي هذه الشيطانة " . وأمر بصفية ، فجرت خلفه وألقى عليها رداءه ، فعلم المسلمون أنّ رسول الله قد اصطفاها لنفسه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال لمّا رأى من تلك اليهودية ما رأى : " أَنُزعت منك الرحمة يا بلال حيث تمرّ بامرأتين على قتلى رجالهما ؟ " وكانت صفية قد رأت في المنام ، وهي عروس بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق أنّ قمراً وقع في حجرها ، فعرضت رؤيتها على زوجها ، فقال : ما هذا إلاّ أنّك تمنين مَلِك الحجاز محمّداً ، فلطم وجهها لطمة اخضّرت عينها منها ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها أثر منها . فسألها : " ما هو ؟ " فأخبرته هذا الخبر ، وأتى رسول الله بزوجها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، وكان عنده كنز بني النضير ، فسأله ، فجحده أن يكون يعلم مكانه ، فأتى رسول الله برجل من اليهود ، فقال لرسول الله ( عليه السلام ) : إنّي قد رأيت كنانة يطيف هذه الخزنة كلّ غداة ، فقال رسول الله لكنانة : " أرأيت إن وجدناه عندك أقتلك " . قال : نعم . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخزنة ، فحفرت ، فأخرج منها بعض كنزهم ، ثمّ سأله ما بقي ، فأبى أن يؤدّيه ، فأمر به رسول الله الزبير بن العوّام . فقال : " عذّبه حتّى تستأصل ما عنده " . فكان الزبير يقدح بزنده في صدره حتّى أشرف على نفسه ، ثمّ دفعه رسول الله إلى محمّد ابن مسلمة ، فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة ، وكانت اليهود ألقت عليه حجراً عند حصن ناعم ، فقتله ، كان أوّل حصن افتتح من حصون خيبر . قالوا : فلمّا سمع أهل فدك بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ، بعثوا إلى رسول الله أن يسترهم ويحقن لهم دماءهم ويخلّوا له الأموال ، ففعل ، ثمّ إنّ أهل خيبر سألوا رسول الله أن يعاطيهم الأموال على النصف ففعل على إنّا إن شئنا فخرجنا أخرجناكم ، وصالحه أهل فدك على مثل ذلك ، وكانت خيبر فيئاً للمسلمين ، وكانت فدك خالصة لرسول الله ( عليه السلام ) لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب . فلما اطمئنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم ، شاة مصلية ، وقد سألت ، أي عضو من الشاة أحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقيل لها : الذراع ، فأكثرت فيها السمّ ، وسمّت سائر الشاة ، ثمّ جاءت بها ، فلمّا وضعتها بين يدي رسول الله ، تناول الذراع ، فأخذها ، فلاك منها مضغة ، فلم يسغها ، ومعه بشر بن البراء بن معرور ، وقد أخذ منها كما أخذ منها رسول الله ، فأما بشر فأساغها ، وأمّا رسول الله فلفظها ، ثمّ قال : " إنّ هذا العظم ليخبرني أنّه مسموم " . ثمّ دعاها ، فاعترفت ، فقال : " ما حملك على ذلك ؟ " قالت : بلغت من قومي ما لم يخف عليك ، فقلت : إن كان نبيّاً فسيخبر ، وإن كان ملكاً استرحت منه . قال : فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات بشر بن البراء من أكلته التي أكل . قال : ودخلت أُم بشر بن البراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم تعوده في مرضه الذي توفى فيه ، فقال : " يا أُمّ بشر ما زالت أكلة خيبر التي أكلت بخيبر مع ابنك تعادني ، فهذا أوان انقطاع أبهري " " . وكان المسلمون يرون أنّ رسول الله مات شهيداً مع ما أكرمه الله تعالى به من النبوّة . { وَأُخْرَىٰ } أي وعدكم فتح بلدة أُخرى . { لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا } حتّى يفتحها عليكم ، وقال ابن عبّاس : علم الله أنّه يفتحها لكم . واختلفوا فيها ، فقال ابن عبّاس وعبد الرّحمن بن أبي ليلى والحسن ومقاتل : هي فارس والروم . وقال الضحّاك وابن زيد وابن إسحاق : هي خيبر ، وعدها الله تعالى نبيّه قبل أن يصيبها ، ولم يكونوا يذكرونها ولا يرجونها ، حتّى أخبرهم الله تعالى بها . وهي رواية عطية ، وماذان ، عن ابن عبّاس ، وقال قتادة : هي مكّة . عكرمة : هي خيبر . مجاهد : ما فتحوا حتّى اليوم . { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } .