Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 49, Ayat: 1-3)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } قرأ العامة ( تُقَدِّمُوا ) بضم ( التاء ) وكسر ( الدال ) من التقديم ، وقرأ الضحّاك ، ويعقوب بفتحهما من التقدّم . واختلف المفسِّرون في معنى الآية ، فروى علي بن أبي طلحة ، عن ابن عبّاس ، قال : لا تقولوا خلاف الكتاب والسنّة . عطية عنه : لا تتكلّموا بين يدي كلامه . وأخبرنا عبد الله بن حامد ، قال : أخبرنا أبو الحسين عمر بن الحسن بن مالك الشيباني ، قال : حدّثنا أحمد بن الحسن بن سعيد بن عثمان الخزاز . قال : حدّثنا حسين بن محارق أبو جنادة ، عن عبد الله بن سلامة ، عن السبعي ، عن جابر بن عبد الله { لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } قال : في الذبح يوم الأضحى ، وإليه ذهب الحسن ، قال : لا تذبحوا قبل أن يذبح النبيّ صلى الله عليه وسلم وذلك أن ناساً من المسلمين ذبحوا قبل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن يعيدوا الذبح . وأخبرنا عبد الخالق ، قال : أخبرنا ابن حيي قال : حدّثنا أبو بكر بن أبي العوام الرياحي ، قال : حدّثنا أبي . قال : حدّثنا النعمان بن عبد السّلم التيمي ، عن زفر بن الهذيل ، عن يحيى بن عبد الله التيمي عن حبّال بن رفيدة ، عن مسروق ، عن عائشة رضي الله عنه في قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } قالت : لا تصوموا قبل أن يصوم نبيّكم . وروي عن مسروق أيضاً ، قال : دخلت على عائشة في اليوم الذي جئت فيه ، فقالت للجارية : اسقيه عسلاً ، فقلت : إنّي صائم . فقالت : قد نهى الله تعالى عن صوم هذا اليوم ، وفيه نزلت { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } وأخبرنا ابن منجويه ، قال : حدّثنا عمر بن الخطّاب . قال : حدّثنا عبدالله بن الفضل . قال : حدّثنا إسحاق بن إبراهيم . قال : حدّثني هشام بن يوسف ، عن ابن جريح ، قال : أخبرني ابن أبي مليكة أنّ عبدالله بن الزبير أخبرهم ، قال : قدم رَكب من بني تميم على النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر : أمّر القعقاع بن معبد زرارة ، وقال عمر : بل أمّر الأقرع بن حابس ، فقال أبوبكر : ما أردت إلاّ خلافي ، وقال عمر : ما أردت خلافك ، فتماريا حتّى ارتفعت أصواتهما ، فأنزل الله سبحانه : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } … الآية . وقال قتادة : نزلت في ناس كانوا يقولون : لو أنزل في كذا ، لوضع كذا . فكره الله ذلك وقدّم فيه . مجاهد : لا تفتاتوا على رسول الله بشيء حتّى يقضيه الله على لسانه . الضحّاك : يعني في القتال وشرائع الدين يقول : لا تقضوا أمراً دون الله ورسوله . حيان ، عن الكلبي لا تستبقوا رسول الله بقول ، ولا فعل حتّى يكون هو الذي يأمركم . وبه قال السدّي ، وقال عطاء الخراساني : " نزلت في قصة بئر معونة ، وقيل في الثلاثة الذين نجّوا الرجلين السَّلميين ، اللذين اعتزما إلى بني عامر وأخْذهم مالهما وكانا من أهل العهد ، فلمّا أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبق الخبر إليه ، فقال : " بئس ما صنعتم ، هما من أهل ميثاقي وهذا الذي معكم من نسوتي " ، قالا : يا رسول الله إنّهما زعما أنّهما من بني عامر ، فقلنا : رجلان ممّن قتل إخواننا . فقلنا : هما لذلك . وأتاه السَّلميون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا قود لهما لأنّهما اعتزما إلى عدوّنا " . ولكنّه أيدهما ، فوادَّهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله سبحانه في ذلك : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } " حين قتلوا الرجلين ، وهذه رواية ماذان عن ابن عبّاس . وقال ابن زيد : لا تقطعوا أمراً دون رسول الله ، وقيل : لا تمشوا بين يدي رسول الله ، وكذلك بين أيدي العلماء فإنّهم ورثة الأنبياء . ودليل هذا التأويل ما أخبرنا أبو الحسن الخبازي ، قال : حدّثنا أبو القاسم موسى بن محمّد الدينوري بها ، قال : حدّثنا أحمد بن يحيى ، قال : حدّثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، قال : حدّثنا رجل بمكّة ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، " عن أبي الدرداء ، قال : رآني النبيّ صلى الله عليه وسلم أمشي أمام أبي بكر ، فقال : " تمشي أمام من هو خير منك في الدّنيا والآخرة ، ما طلعت الشمس ، ولا غربت على أحد بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم والمرسلين خيراً وأفضل من أبي بكر " . وقيل : إنّها نزلت في قوم كانوا يحضرون مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا سُئل الرسول عن شيء ، خاضوا فيه ، وتقدّموا بالقول ، والفتوى ، فنهوا عن ذلك ، وزجروا عن أن يقول أحد في شيء من دين الله سبحانه ، قبل أن يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل : لا تطلبوا منزلة وراء منزلته . قال الأخفش : تقول العرب : فلان تقدّم بين يدي أبيه ، وأُمّه ، ويتقدّم إذا استبدّ بالأمر دونهما . { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في تضييع حقّه ، ومخالفة أمره . { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ } لأقوالكم { عَلِيمٌ } بأفعالكم ، وأحوالكم . { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ } الآية نزلت في ثابت بن قيس ابن شماس ، كان في أذنه وقر ، وكان جهوري الصّوت ، فإذا كلّم إنساناً جهر بصوته ، فربّما كان يكلِّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فينادي بصوته ، فأنزل الله سبحانه { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ } { وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } أي لا تغلظوا له في الخطاب ، ولا تنادوه باسمه يا محمّد ، يا أحمد ، كما ينادي بعضكم بعضاً ، ولكن فخّموه ، واحترموه ، وقولوا له قولاً ليّناً ، وخطاباً حسناً ، بتعظيم ، وتوقير : يا نبي الله ، يا رسول الله ، نظيره قوله سبحانه : { لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً } [ النور : 63 ] . { أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ } كي لا تبطل حسناتكم . تقول العرب : أسند الحائط أن يميل { وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } " فلمّا نزلت هذه الآية قعد ثابت في الطريق ، فمرّ به عاصم بن عدي ، فقال : ما يبكيك يا ثابت ؟ قال : هذه الآية أتخوّف أن تكون نزلت فيَّ ، وأنا رفيع الصوت ، أخاف أن يحبط عملي ، وأن أكون من أهل النار ، فمضى عاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وغلب ثابتاً البكاء ، فأتى امرأته جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول ، فقال لها : إذا دخلت بيت فرسي ، فشدّي على الضبة بمسمار فضربته بمسمار حتى إذا خرجت عطفه ، وقال : لا أخرج حتّى يتوفّاني الله ، أو يرضى عنّي رسول الله ، فأتى عاصم رسول الله ، فأخبره بخبره . فقال : " اذهب ، فادعه لي " . فجاء عاصم إلى المكان الذي رآه فلم يجده ، فجاء إلى أهله ، فوجده في بيت الفرس ، فقال له : إنّ رسول الله يدعوك ، فقال : أكسر الصَبّة ، فأتيا رسول الله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما يبكيك يا ثابت ؟ " فقال : أنا صيّت وأتخوّف أن تكون هذه الآية نزلت فيَّ ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما ترضى أن تعيش سعيداً وتقتل شهيداً وتدخل الجنّة " ، فقال : رضيت ببشرى الله ورسوله ، لا أرفع صوتي أبداً على رسول الله ، فأنزل الله سبحانه : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ } الآية " . قال أنس : فكنّا ننظر إلى رجل من أهل الجنّة ، يمشي بين أيدينا ، فلمّا كان يوم اليمامة في حرب مسيلمة ، رأى ثابت في المسلمين بعض الانكسار ، وانهزمت طائفة منهم ، فقال : أف لهؤلاء ، وما يصنعون . ثمّ قال ثابت لسالم مولى أبي حذيفة : ما كنا نقاتل أعداء الله مع رسول الله مثل هذا ، ثمّ ثبتا ، ولم يزالا يقاتلان حتّى قُتلا . وثابت بن قيس عليه درع ، فرآه رجل من الصحابة بعد موته في المنام أنّه قال له : اعلم أنّ فلاناً رجلٌ من المسلمين نزع درعي ، فذهب بها وهي في ناحية من العسكر عنده فرس تستر في طوله ، وقد وضع على درعي لرمه ، فأتِ خالد بن الوليد ، فأخبره حتّى يسترد درعي وأتِ أبا بكر خليفة رسول الله وقل له : إنّ عليَّ ديناً حتّى يقضي ، وفلان من رقيقي عتيق . فأخبر الرجل خالداً فوجد درعه والفرس على ما وصفه ، فاسترد الدرع ، وأخبر خالد أبا بكر تلك الرؤيا ، فأجاز أبو بكر وصيّته . قال مالك بن أنس : لا أعلم أجيزت بعد موت صاحبها إلاّ هذه . حدّثنا أبو محمّد المخلدي ، قال : أخبرنا أبو العبّاس السرّاج ، قال : حدّثنا زياد بن أيّوب ، قال : حدّثنا عباد بن العوّام ، ويزيد بن هارون وسعيد بن عادر ، عن محمّد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، قال : حدّثنا سعيد ، عن أبي هريرة . قال : لمّا نزلت { لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ } … الآية ، قال أبو بكر : والله لا أرفع صوتي إلاّ كأخي السِرار . وروى ابن أبي مليكة عن أبي الزبير ، قال : لمّا نزلت هذه الآية ، ما حدّث عمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ، فيسمع النبيّ صلى الله عليه وسلم كلامه حتّى يستفهمه ممّا يخفض صوته ، فأنزل الله سبحانه فيهم : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ } إجلالاً له { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ } أي اختبرها ، فأخلصها ، واصطفاها كما يمتحن الذهب بالنار ، فيخرج خالصه ، وقال ابن عبّاس : أكرمها . وأخبرنا أبو سعيد محمّد بن موسى بن الفضل النيسابوري ، قال : أخبرنا أبو عبد الله محمّد ابن عبدالله بن أحمد الإصبهاني ، قال : حدّثنا أبو بكر عبد الله بن محمّد بن عبد القريشي ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى بن أبي خاتم ، قال : حدّثني جعفر بن أبي جعفر ، عن أحمد بن أبي الخولدي ، قال : سمعت أبا سلمان يقول : قال عمر بن الخطّاب في قوله : { ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ } قال : أذهب الشهوات منها { لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } ويقال : إنّ هذه الآيات الأربع من قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ } إلى قوله : { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } نزلت في وفد تميم . وهو ما أخبرني أبو القاسم الحسن بن محمّد ، قال : حدّثني أبو جعفر محمّد بن صالح بن هاني الورّاق سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة ، قال : حدّثنا الفضل بن محمّد بن المسيب بن موسى الشعراني ، قال : حدّثنا القاسم بن أبي شيبة ، قال : حدّثنا مُعلّى بن عبد الرّحمن ، قال : حدّثنا عبد الحميد بن جعفر بن عمر بن الحكم ، عن جابر بن عبد الله ، قال : " جاءت بنو تميم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فنادوا على الباب : يا محمّد اخرج علينا ، فإنّ مدحنا زين وذمّنا شين . قال : فسمعها النبيّ صلى الله عليه وسلم صلّى الله عليه وسلّم ، فخرج عليهم ، وهو يقول : " إنّما ذلكم الله الذي مدحه زين وذمّه شين " . قالوا : نحن ناس من بني تميم ، جئنا بشاعرنا وخطيبنا نشاعرك ونفاخرك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما بالشعر بعثت ، ولا بالفخار أمرت ، ولكن هاتوا " . فقال الزبرقان بن بدر لشاب من شبابهم : قم فاذكر فضلك ، وفضل قومك . فقام ، فقال : الحمد لله الذي جعلنا خير خلقه وآتانا أموالاً نفعل فيها ما نشاء ، فنحن من خير أهل الأرض ، من أكثرهم عدّة ، ومالاً ، وسلاحاً ، فمن أنكر علينا قولنا ، فليأت بقول هو أحسن من قولنا ، وفعال هي خير من فِعالنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس ، وكان خطيب رسول الله : " قم فأجبه " . فقام ، فقال : الحمد لله أحمده ، وأستعينه ، وأومن به ، وأتوكّل عليه ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، ثمّ دعا المهاجرين من بني عمّه أحسن الناس وجوهاً وأعظمهم أحلاماً . فأجابوه ، فقالوا : الحمد لله الذي جعلنا أنصاره ، ووزراء رسوله ، وعزّاً لدينه ، فنحن نقاتل الناس ، حتّى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله ، فمن قالها منع منّا ماله ، ونفسه ، ومن أبى قتلناه ، وكان زعمه في الله علينا هيناً ، أقول قولي وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات . فقال الزبرقان بن بدر لشاب من شبابهم : قم يا فلان ، فقل أبياتاً تذكر فيها فضلك ، وفضل قومك . فقام الشاب ، فقال : * نحن الكرام فلا حيٌّ يعادلنا * فينا الرؤوس وفينا يقسم الربع * * ونطعم الناس عند القحط كلّهم * من السديف إذا لم يؤنس القزع * * إذا أبينا فلا يأبى لنا أحد * إنا كذلك عند الفخر نرتفع * قال : فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حسّان بن ثابت ، فانطلق إليه الرّسول ، فقال : وما تريد منّي وكنت عنده ؟ قال : جاءت بنو تميم بشاعرهم ، وخطيبهم ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس ، فأجابه ، وتكلّم شاعرهم ، فأرسل إليك لتجيبه . وذكر له قول شاعرهم . قال : فجاء حسّان ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبه فقال : يا رسول الله مره ، فليُسمعني ما قال ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اسمعه ما قلت " ، فأنشده ما قال ، فقال حسّان : * إنّ الذوائب من فهر وإخوتهم * قد شرّعوا سُنّة للنّاس تتّبع * * يرضى بها كلّ من كانت سريرته * تقوى الإله وكلّ الخير يصطنع * ثمّ قال حسّان : * نصرنا رسول الله والدين عنوة * على رغم عات من معد وحاضر * * بضرب كأبزاغ المخاض مشاشه * وطعن كأفواه اللقاح الصوادر * * وسل أُحداً يوم استقلت شعابه * بضرب لنا مثل الليوث الجواذر * * ألسنا نخوض الموت في حومة الوغى * إذا طاب ورد الموت بين العساكر * * ونضرب هام الدارعين وننتمي * إلى حسب من جذم غسان قاهر * * فلولا حياء الله قلنا تكرّماً * على النّاس بالخيفين هل من منافر * * فأحياؤنا من خير من وطئ الحصى * وأمواتنا من خير أهل المقابر * قال : فقام الأقرع بن حابس ، فقال : إنّي والله لقد جئت لأمر ما جاء له هؤلاء ، وإنّي قد قلت شعراً ، فاسمعه منّي ، فقال : هات ، فقال : * أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا * إذا خالفونا عند ذكر المكارم * * وإنّا رؤُس الناس من كلّ معشر * وأنّ ليس في أرض الحجاز كدارم * * وإنّ لنا المرباع في كلّ غارة * تكون بنجد أو بأرض التهائم * فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قم يا حسّان فأجبه " . فقام حسّان ، فقال : * بني دارم لا تفخروا إنّ فخركم * يعود وبالاً عند ذكر المكارم * * هبلتم علينا تفخرون وأنتمُ * لنا خول من بين ظئر وخادم * فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد كنت غنياً يا أخا دارم أن يذكر منك ما قد ظننت أنّ الناس قد نسوه " . قال : فكان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدّ عليهم من قول حسّان . ثمّ رجع حسّان إلى شعره . فقال : * كأفضل ما نلتم من المجد والعلى * ردافتنا من بعد ذكر الأكارم * * فإن كنتمُ جئتمْ لحقن دمائكم * وأموالكم أن تقسموا في المقاسم * * فلا تجعلوا لله ندّاً وأسلموا * ولا تفخروا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم بدارم * * وإلاّ وربّ البيت مالت أكفّنا * على هامكم بالمرهفات الصوارم * قال : فقام الأقرع بن حابس ، فقال : إنّ محمّداً المولى ، إنه والله ما أدري ما هذا الأمر ، تكلّم خطيبنا ، فكان خطيبهم أحسن قولاً ، وتكلّم شاعرنا ، فكان شاعرهم أشعر ، وأحسن قولاً . ثمّ دنا من النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسوله . فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم " ما يضرّك ما كان قبل هذا " . ثمّ أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكساهم ، وقد كان يخلف في ركابهم عمرو بن الأهتم ، وكان قيس بن عاصم يبغضه لحداثة سنه ، فأعطاه رسول الله مثل ما أعطى القوم ، فأزرى به قيس ، وقال فيه أبيات شعر وارتفعت الأصوات ، وكثر اللغط عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ } إلى قوله { وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } " يعني جزاء وافراً ، وهو الجنّة .