Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 49, Ayat: 4-10)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ } يعني أعراب تميم ، حيث نادوا : يا محمّد اخرج علينا ، فإنّ مدحنا زين وذمّنا شين ، قاله قتادة . قال ابن عبّاس : " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى حي من بني العنبر وأمّر عليهم عُيينة بن حصين الفزاري ، فلمّا علموا أنّه توجّه نحوهم ، هربوا ، وتركوا عيالهم ، فسباهم عُيينة ، وقدم بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بعد ذلك رجالهم يفدون الذراري ، فقدموا وقت الظهيرة ، وواقفوا رسول الله في أهله قائلاً ، فلمّا رأتهم الذراري جهشوا إلى آبائهم يبكون ، وكان لكلّ امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ، وحجرة ، فعجلوا أن يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلوا ينادون : يا محمّد اخرج إلينا حتّى أيقظوه من نومه ، فخرج إليهم ، فقالوا : يا محمّد فادنا عيالنا . فنزل جبريل ، فقال : يا محمّد إنّ الله يأمرك أن تجعل بينك ، وبينهم رجلاً ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " أترضون أن يكون بيني وبينكم سمرة بن عمرو ، وهو على دينكم ؟ " . فقالوا : نعم . قال سمرة : أنا لا أحكم بينهم وعمّي شاهد ، وهو الأعور بن شامة فرضوا به . فقال الأعور : أرى أن يفادي نصفهم ، ويعتق نصفهم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم " قد رضيت " . ففادى نصفهم وأعتق نصفهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كان عليه محرر من ولد إسماعيل ، فليعتق منهم " . فأنزل الله سبحانه وتعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ } " … الآية ، وقال زيد بن أرقم : جاء ناس من الغرف إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى هذا الرجل ، فإن يكن نبيّاً فنحن أسعد الناس به ، وأن يكن ملكاً نعشْ في جناحه . فجاءوا إلى حجرة النبيّ صلى الله عليه وسلم فجعلوا ينادونه : يا محمّد ، يا محمّد ، فأنزل الله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ } وهي جمع الحجر ، والحجر جمع حجرة ، فهو جمع الجمع ، وفيه لغتان : فتح ( الجيم ) وهي قراءة أبي جعفر ، كقول الشاعر : @ أما كان عباد كفياً لدارم يلي ولأبيات بها الحجرات @@ يعني يلي ولبني هاشم . { أَكْثَرُهُمْ } جهلاء { لاَ يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } لأنّك كنت تعتقهم جميعاً ، وتطلقهم بلا فداء . { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أخبرنا ابن منجويه ، قال : حدّثنا عبد الله بن يوسف ، قال : حدّثنا أحمد بن عيسى بن السكين البلدي ، قال : حدّثني هاشم بن القاسم الحراني ، قال : حدّثني يعلى بن الأشدق ، قال : حدّثني سعد بن عبد الله ، " أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سُئل عن قول الله سبحانه : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ } قال : " هم الجفاة من بني تميم ، لولا أنّهم من أشدّ الناس قتالاً للأعور الدجّال ، لدعوت الله عزّ وجلّ أن يهلكهم " . { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ } الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق بعد الوقعة مصدّقاً ، وكان بينه ، وبينهم عداوة في الجاهلية ، فلمّا سمع به القوم تلقوه تعظيماً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدّثه الشيطان أنّهم يريدون قتله ، فهابهم ، فرجع من الطريق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إنّ بني المصطلق ، قد منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي ، فغضب رسول الله ، وهمّ أن يغزوهم ، فبلغ القوم رجوعه ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : يا رسول الله سمعنا برسولك ، فخرجنا نتلقّاه ، ونكرمه ، ونؤدّي إليه ما قِبلنا من حقّ الله ، فبدا له في الرجوع ، فخشينا أن يكون إنّما ردّه من الطريق كتاب جاءه منك لغضب غضبته علينا ، وإنّا نعوذ بالله من غضبه ، وغضب رسوله ، فأبهمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث خالد بن الوليد إليهم خفية في عسكر ، وأمره أن يخفي عليهم قدومه . وقال له : " انظر ، فإن رأيت منهم ما يدلّ على إيمانهم ، فخذ منهم زكاة أموالهم ، وإن لم ترَ ذلك ، فاستعمل فيهم ما يُستعمل في الكفّار " " . ففعل ذلك خالد ووافاهم ، فسمع منهم آذان صلاتي المغرب والعشاء ، فأخذ منهم صدقاتهم ، ولم ير منهم إلاّ الطاعة ، والخير ، فانصرف خالد إلى رسول الله ، وأخبره الخبر ، فأنزل الله سبحانه : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ } يعني الوليد بن عقبة بن أبي معيط سمّاه الله فاسقاً ، نظيره { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ } [ السجدة : 18 ] ، قال سهل بن عبد الله وابن زيد : الفاسق الكذّاب . أبو الحسين الورّاق : هو المعلن بالذنب ، وقال ابن طاهر وابن زيد : الفاسق الذي لا يستحي من الله سبحانه . بنباً : بخبر { فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيبُواْ } كي لا تصيبوا بالقتل ، والقتال . { قَوْمًا } براء { بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ * وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ } فاتقوا أن تقولوا الباطل ، وتفتروا الكذب ، فإنّ الله سبحانه يخبره أنباءكم ، ويعرّفه أحوالكم ، فتفتضحوا . { لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ } فيحكم برأيكم ، ويقبل قولكم . { لَعَنِتُّمْ } لأثمتم وهلكتم . { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَانَ } فأنتم تطيعون رسول الله وتأتمّون به ، فيقيكم الله بذلك العنت . { وَزَيَّنَهُ } وحسّنه { فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ } . ثمّ انتقل من الخطاب إلى الخبر ، فقال عزّ من قائل : { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ } نظيرها قوله سبحانه : { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِندَ ٱللَّهِ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ } [ الروم : 39 ] ، قال النابغة : @ يا دارميّة بالعلياء فالسند أقوتْ وطال عليها سالف الأبد @@ { فَضْلاً } أي كان هذا فضلاً { مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ } قال أكثر المفسِّرين : وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على مجلس من مجالس الأنصار وهو على حماره ، فبال حماره ، فأمسك عبدالله بن أُبي بأنفه وقال : إليك عنّا بحمارك ، فقد آذانا نتنه . فقال عبد الله بن رواحة : والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحاً منك . فغضب لعبد الله بن أُبي رجل من قومه ، وغضب لعبد الله بن رواحة رجل من قومه ، فغضب لكلّ واحد منهما أصحابه حتّى استسبّوا ، وتجالدوا بالأيدي ، والجريد ، والنعال ، ولم يقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم على إمساكهم ، فأنزل الله سبحانه هذه الآية ، فلمّا نزلت قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاصطلحوا ، وكفَّ بعضهم عن بعض ، وأقبل بشير بن النعمان الأنصاري مشتملاً على سيفه ، فوجدهم قد اصطلحوا ، فقال عبدالله بن أُبي : أعليَّ تشتمل بالسيف يا بشير ؟ قال : نعم ، والّذي أحلف به لو جئت قبل أن تصطلحوا لضربتك حتّى أقتلك ، فأنشأ عبد الله بن أُبي يقول : @ متى ما يكن مولاك خصمك جاهداً تظلم ويصرعك الذين تصارع @@ قال قتادة : نزلت في رجلين من الأنصار ، كانت بينهما مذاراة في حقّ بينهما ، فقال أحدهما للآخر : لآخذنّ حقّي منك عنوة ، لكثرة عشيرته ، وإنّ الآخر دعاه ليحاكمه إلى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يتبعه ، فلم يزل الأمر بينهما ، حتّى تدافعوا ، وقد تناول بعضهم بعضاً بالأيدي ، والنعال ، ولم يكن قتال بالسيوف . وروى محمّد بن الفضيل ، عن الكلبي أنّها نزلت في حرب سمير وحاطب ، وكان سمير قتل حاطباً ، فجعل الأوس والخزرج يقتتلون إلى أن أتاهم النبيّ صلى الله عليه وسلم فأنزل الله سبحانه هذه الآية ، وأمر نبيّه ، والمؤمنين أن يصلحوا بينهم . وروى سفيان عن السدّي ، قال : كانت امرأة من الأنصار يقال لها : أُمّ زيد تحت رجل ، وكان بينها ، وبين زوجها شيء ، فرمى بها إلى عُلية ، وحبسها فيها ، فبلغ ذلك قومها فجاءوا ، وجاء قومه ، فاقتتلوا بالأيدي ، والنعال ، فأنزل الله سبحانه تعالى : { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ } الآية . { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } بالدعاء إلى حكم كتاب الله سبحانه ، والرضا بما فيه لهما ، وعليهما . { فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ } ترجع { إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ } وأبت الإجابة إلى حكم الله تعالى له ، وعليه في كتابه الذي جعله عدلاً بين خلقه . { فَإِن فَآءَتْ } رجعت إلى الحقّ { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ } بحملهما على الإنصاف والرضى بحكم الله ، وهو العدل ، { وَأَقْسِطُوۤاْ } واعدلوا . { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } في الدين ، والولاية { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } إذا اختلفا ، واقتتلا ، وقرأ ابن سيرين ، ويعقوب . بين ( اخوتكم ) ( بالتاء ) على الجمع ، وقرأ الحسن ( إخوانكم ) ( بالألف ) و ( النون ) . { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } فلا تعصوه ولا تخالفوا أمره { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } . قال أبو عثمان البصري : أخوة الدّين أثبت من أخوّة النسب ، فإنّ اخوّة النسب تنقطع لمخالفة الدين ، وأُخوّة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب . وسُئل الجنيد عن الأخ ، فقال : هو أنت في الحقيقة إلاّ إنّه غيرك في الشخص . أخبرني ابن منجويه ، قال : حدّثنا عمر بن الخطّاب . قال : حدّثنا محمّد بن إسحاق المسوحي . قال : حدّثنا عمرو بن علي ، قال : حدّثنا أبو عاصم . قال : حدّثنا إسماعيل بن رافع ، عن ابن أبي سعيد ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ، ولا يعيبه ، ولا يخذله ، ولا يتطاول عليه في البنيان ، فيستر عليه الريح إلاّ بإذنه ، ولا يؤذيه بقتار قدره إلاّ أن يعرف له ، ولا يشتري لبنيه الفاكهة ، فيخرجون بها إلى صبيان جاره ، ولا يطعمونهم منها " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " احفظوا ، ولا يحفظه منكم إلاّ قليل " . وفي هاتين الآيتين دليل على انّ البغي لا يزيل اسم الإيمان ، لأنّ الله سبحانه وتعالى سمّاهم أخوة مؤمنين مع كونهم باغين ، عاصين . يدلّ عليه ما روى الأعور أنّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه سُئل وهو القدوة في قتال أهل البغي ، عن أهل الجمل ، وصفّين ، أمشركون هم ؟ فقال : لا ، من الشرك فرّوا . فقيل : أهم منافقون ؟ فقال : إنّ المنافقين لا يذكرون الله إلاّ قليلاً . قيل : فما حالهم ؟ قال : إخواننا بغوا علينا . وقد أخبرني ابن منجويه ، قال : حدّثنا ابن شنبه ، قال : حدّثنا أحمد بن الحسين بن عبد الجبّار الصوفي قال : حدّثنا أبو نصر التمّار ، قال : حدّثنا كوثر ، عن نافع ، عن ابن عمر أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " يا عبد الله هل تدري كيف حكم الله سبحانه فيمن بغى من هذه الأُمّة ؟ " . قال : الله ورسوله أعلم . قال : " لا يجهز على جريحها ، ولا يقتل أسيرها ، ولا يطلب هاربها ، ولا يقسم فيئها " وسُئل محمّد بن كعب القرظي عن هاتين الآيتين ، فقال : جعل النبيّ صلى الله عليه وسلم أجر المصلح بين الناس ، كأجر المجاهد عند الناس ، وقال بكر بن عبد الله : امش ميلاً ، وعد مريضاً ، امش ميلين ، وأصلح بين اثنين ، امش ثلاثة أميال ، وزر أخاك في الله .