Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 50, Ayat: 23-35)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقَالَ قَرِينُهُ } يعني الشيطان الذي قُيّض لهذا الكافر العنيد { رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ } ما أضللتُه ، وما أغويته . وقال القرظي : ما أكرهته على الطغيان . { وَلَـٰكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } عن الحقّ فتبرأ شيطانه عنه ، وقال ابن عبّاس ، ومقاتل : قال قرينه يعني الملك ، وذلك أنّ الوليد بن المغيرة يقول للملك الذي كان يكتب السيئات : ربّ إنّه أعجلني ، فيقول الملك ربّنا ما أطغيته ، ما أعجلته ، وقال سعيد بن جبير : يقول الكافر : ربِّ إنّ الملك زاد عليَّ في الكتابة ، فيقول الملك : ربّنا ما أطغيته ، يعني ما زدت عليه ، وما كتبت إلاَّ ما قال وعمل ، فحينئذ يقول الله سبحانه : { قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ } فقد قضيت ما أنا قاض . { وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ } في القرآن حذّرتكم ، وأنذرتكم ، فلا تبديل لقولي ولوعيدي . قال ابن عبّاس : إنّهم اعتذروا بغير عذر ، فأبطل الله حجّتهم ، ورد عليهم قولهم { مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ } وهو قوله : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ هود : 119 ] ، وقال الفرّاء : معناه ما يكذب عندي لعلمي بالغيب { وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } فأعاقبهم بغير جرم أو أجزي بالحسن سيّئاً . { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ } قرأ قتادة ، والأعرج ، وشيبة ، ونافع ( نقول ) ( بالتاء ) ، ومثله روى أبو بكر عن عاصم ، اعتباراً بقوله ، قال : لا تختصموا لديّ ، وقرأ الحسن يوم ( يقال ) وقرأ الباقون يوم ( نقول ) ( بالنون ) ( لجهنّم ) { هَلِ ٱمْتَلأَتِ } لما سبق من وعده إيّاها أنّه يملأها { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ هود : 119 ] وهذا السؤال منه على طريق التصديق بخبره ، والتحقيق لوعده والتقريع لأهل عذابه ، والتنبيه لجميع عباده . { وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } يحتمل أن يكون جحداً مجازه ما من مزيد ، ويحتمل أن يكون استفهاماً ، بمعنى هل من مزيد ، فأزاده وإنّما صلح { هَلْ } للوجهين جميعاً ، لأنّ في الاستفهام ضرباً من الجحد ، وطرفاً من النفي ، قال ابن عبّاس : إنّ الله سبحانه وتعالى ، قد سبقت كلمته { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ هود : 119 ، السجدة : 13 ] فلمّا بعث للنّاس ، وسبق أعداء الله إلى النار زمراً ، جعلوا يقحمون في جهنّم فوجاً فوجاً ، لا يلقى في جهنّم شيء إلاّ ذهب فيها ، ولا يملأها شيء . فقالت : ألست قد أقمت لتملأني ؟ فوضع قدمه عليها ، ثمّ يقول لها : هل امتلأت ؟ فتقول : قط قط ، قد امتلأت ، فليس من مزيد . قال ابن عبّاس : ولم يكن يملأها شيء حتّى مس قدم الله فتضايقت فما فيها موضع إبرة ، ودليل هذا التأويل ما أنبأني عقيل ، قال : أخبرنا المعافى ، قال : أخبرنا ابن جرير ، قال : حدّثنا بشر ، قال : حدّثنا يزيد ، قال : حدّثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تزال جهنّم يلقى فيها ، وتقول : هل من مزيد ؟ حتّى يضع ربّ العالمين فيها قدمه ، فتتزاوي بعضها إلى بعض ، وتقول : قد قد بعزّتك ، وكرمك ، ولا يزال في الجنّة فضل ، حتّى ينشئ الله سبحانه لها خلقاً ، فيسكنهم فضل الجنّة " . وأخبرنا ابن حمدون ، قال : أخبرنا ابن الشرقي ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى ، وعبد الرّحمن بن بشر ، وأحمد بن يوسف ، قالوا : حدّثنا عبد الرزّاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن همام ابن منبه ، قال : هذا ما حدّثنا أبو هريرة ، عن محمّد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تحاجت الجنّة والنّار ، فقالت النّار : أُوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين ، وقالت الجنّة : فما لي لا يدخلني إلاّ ضعفاء الناس وسقطهم ؟ فقال الله سبحانه للجنّه : إنّما أنت رحمتي ، أرحم بك من أشاء من عبادي ، وقال للنّار : إنّما أنت عذابي ، أُعذّب بك من أشاء من عبادي ، ولكلّ واحدة منكما ملأها ، فأمّا النار ، فإنّهم يلقون فيها وتقول : هل من مزيد ؟ فلا تمتلئ حتّى يضع الله سبحانه وتعالى فيها رجله فتقول : قط قط ، فهناك تمتلأ وتزوي بعضها إلى بعض ، ولا يظلم الله من خلقه أحداً ، وأمّا الجنّة ، فإنّ الله عزّ وجلّ ينشئ لها خلقاً " . قلت : هذان الحديثان في ذكر القدم ، والرجل ، صحيحان مشهوران ، ولهما طرق من حديث أبي هريرة ، وأنس ، تركتُ ذكرهما كراهة الإطالة ، ومعنى القدم المذكور في هذا الحديث المأثور قوم يقدمهم الله إلى جهنّم ، يملأها بهم ، قد سبق في عمله إنّهم صائرون إليها وخالدون فيها ، وقال النضر بن شميل : سألت الخليل بن أحمد عن معنى هذا الحديث ، فقال : هم قوم قدمهم الله للنار ، وقال عبد الرّحمن بن المبارك : هم مَن قد سبق في علمه أنّه من أهل النّار . وكلّ ما يقدم ، فهو قدم . قال الله سبحانه : إنّ لهم قدم صدق عند ربّهم ، يعني أعمال صالحة قدّموها ، وقال الشاعر يذمّ رجلا : @ قعدت به قدم الفجار وغودرت وعود ربّ أسبابه من فتنة من خالق @@ يعني ليس له ما يفتخر بهم . على انّ الأوزاعي روى هذا الحديث عن حسّان بن عطية ، حتى يضع الجبّار قِدمه بكسر القاف ، وكذلك روى وهب بن منبه ، وقال : إنّ الله سبحانه كان قد خلق قوماً قبل آدم ، يقال لهم : القدم ، رؤوسهم كرؤوس الكلاب والذباب ، وسائر أعضائهم كأعضاء بني آدم ، فعصوا ربّهم ، وأهلكهم الله ، يملأ الله بهم جهنّم حين تستزيد . وأمّا الرِجل فهو العدد الكبير من الناس وغيرهم . يقال : رأيت رِجلاً من الناس ، ومرّ بنا رجل من جياد ، وقال الأصمعي : سمعت بعض الأعراب تقول : ما هلك على رِجل نبيّ من الأنبياء ما هلك على رِجل موسى ، يعني القبط ، وقال الشاعر : @ فمرّ بنا رِجل من النّاس وانزوى إليهم من الحيّ اليمانين أرجل قبائل من لخم وحمير على ابني نزار بالعداوة أحفل @@ ويصدق هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم في سياق الحديث : " ولا يظلم الله من خلقه أحداً " ، فدلَّ أنّ الموضوع الملقى في النّار خلق من خلقه ، وقال بعضهم : أراد قَدم بعض ملائكته ورِجله ، وأضاف إليه كقوله : وسئل القرية . والله أعلم . { وَأُزْلِفَتِ } وأدنيت { ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ } حتّى يروها قبل أن يدخلوها . { غَيْرَ بَعِيدٍ } منهم وهو تأكيد ، ويقال لهم : { هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ } في الدنيا على ألسنة الأنبياء . { لِكُلِّ أَوَّابٍ } توّاب ، عن الضحّاك . وقيل : رجّاع إلى الطاعة عن ابن زيد ، وقال ابن عبّاس وعطاء : الأوّاب المسبِّح من قوله سبحانه : { يٰجِبَالُ أَوِّبِي } [ سبأ : 10 ] . الحكم بن عيينة : هو الذاكر لله في الخلاء . الشعبي ومجاهد : الذي يذكر ذنوبه في الخلاء ، فيستغفر منها . قتادة : المصلّي . مقاتل بن حيان : المطيع . عبيد بن عسر : هو الذي لا يقوم من مجلسه حتى يستغفر الله تعالى . أبو بكر الورّاق : المتوكّل على الله سبحانه في السراء والضراء لا يهتدي إلى غير الله . المحاسني : هو الراجع بقلبه إلى ربّه . القاسم : هو الذي لا ينشغل إلاّ بالله . { حَفِيظٍ } قال ابن عبّاس : هو الذي حفظ ذنوبه حتّى يرجع عنها . قتادة : حفيظ لما استودعه الله سبحانه من حقّه ونعمته . وعن ابن عبّاس أيضاً : الحافظ لأمر الله . الضحّاك : المحافظ على نفسه المتعهّد لها . عطاء : هو الذي يذكر الله في الأرض القفر . الشعبي : هو المراقب . أبو بكر الورّاق : الحافظ لأوقاته وهماته وخطواته . سهل : المحافظ على الطاعات والأوامر . { مَّنْ خَشِيَ } في محلّ مَن وجهان من الإعراب : الخفض على نعت الأوّاب ، والرفع على الاستئناف ، وخبره في قوله ادخلوها ، ومعنى الآية من خاف { ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ } ولم يره ، وقال الضحّاك والسدّي : يعني في الخلاء حيث لا أحد ، وقال الحسن : إذا أرخى الستر وأغلق الباب . { وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ } مقبل إلى طاعة الله . قال أبو بكر الورّاق : علامة المنيب أن يكون عارفاً لحرمته ، موالياً له ، متواضعاً لحلاله تاركاً لهوى نفسه . { ٱدْخُلُوهَا } أي يقال لأهل هذه الصفة : ادخلوها { بِسَلاَمٍ } بسلامة من العذاب وسلام الله وملائكته عليهم ، وقيل : السلامة من زوال النعيم وحلول النقم . { ذَلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ * لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } يعني الزيادة لهم في النعم ممّا لم يخطر ببالهم ، وقال جابر وأنس : هو النظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى بلا كيف .