Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 51, Ayat: 1-19)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } الرياح التي تذرو التراب ذرواً ، يقال : ذرت الريح التراب وأذرته . أخبرنا ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن ماجة قال : حدّثنا الحسن بن أيوب ، قال : حدّثنا عبد الله بن أبي زياد قال : حدّثنا سيار بن حاتم قال : حدّثنا أيوب بن خَوط قال : حدّثنا عمر الأعرج قال : بلغنا أنّ مساكن الرياح تحت أجنحة الكروبيّين حملة الكرسي ، فتهيج من ثمّ فتقع بعجلة الشمس ، ثم تهيج من عجلة الشمس فتقع برؤوس الجبال ، ثم تهيج من رؤوس الجبال فتقع في البر . فأمّا الشمال فإنّها تمرّ بجنّة عدن ، فتأخذ من عرق طيبها فتمرّ على أرواح الصدّيقين ، ثّم تأخذ حدّها من كرسي بنات نعش إلى مغرب الشمس ، ويأتي الدبور حدّها من مغرب الشمس إلى مطلع سهيل ، ويأتي الجنوب حدّها من مطلع سهيل إلى مطلع الشمس ، ويأتي الصبا حدّها من مطلع الشمس إلى كرسيّ بنات نعش ، فلا تدخل هذه في حدّ هذه ، ولا هذه في حدّ هذه . أخبرني الحسن قال : حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال : حدّثنا إبراهيم بن الحسين بن ديزيل ، قال : حدّثنا الحكم سليمان ، قال : حدّثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحرث عن علي رضي الله عنه { وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } ، قال : « الرياح » . { فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً } قال : « السحاب » . { فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً } قال : « السفن » . { فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } ، قال : « الملائكة » . { إِنَّمَا تُوعَدُونَ } من الخير والشر والثواب والعقاب { لَصَادِقٌ * وَإِنَّ ٱلدِّينَ } الحساب والجزاء { لَوَاقِعٌ } لنازل كائن . [ ثم ] ابتدأ قَسَماً آخر فقال عزّ وجلّ : { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } قال ابن عباس وقتادة والربيع : ذات الخلق الحسن المستوي ، وإليه ذهب عكرمة ، قال : ألم ترَ إلى النّسّاج إذا نسج الثوب فأجادَ نسجه ، قيل : ما أحسن حبكه وقال سعيد بن جبير : ذات الزينة ، وقال الحسن : حبكت النجوم . مجاهد : هو المتقَن البنيان ، الضحاك : ذات الطرائق ، ولكنّها بعيد من العباد فلا يرونها ، قال : ومنه حَبكَ الرمل والماء إذا ضربهما الريح ، وحبك الشعر الجعد والدرع ، وهو جمع حباك وحبيكة ، قال الراجز : @ كأنما جلّلها الحوّاك طنفسة في وشيها حباك @@ ومنه الحديث في صفة الجبال : « راسية حبك حبك » يعني الجعودة ، وقال ابن زيد : ذات الشدّة ، وقرأ قول الله سبحانه : { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً } [ النبأ : 12 ] ، وقال عبد الله بن عمرو : هي السماء السابعة . { إِنَّكُمْ } يا أهل مكة { لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } في القرآن ومحمد عليه السلام ، فمن مصدّق ومكذّب ، ومقرّ ومنكر ، وقيل : نزلت في المقتسمين . { يُؤْفَكُ } يصرف { عَنْهُ } أي عن الإيمان بهما { مَنْ أُفِكَ } صرف فنجويه ، وقيل : يصرف عن هذا القول ، أي من أجله وسببه عن الإيمان من صرف ، وذلك أنهّم كانوا يتلقون الرجل إذا أراد الإيمان فيقولون له : إنّه ساحر وكاهن ومجنون ، فيصرفونه عن الإيمان ، وهذا معنى قول مجاهد . وقد يكون ( عن ) بمعنى ( أجل ) . أنشد العبسي : @ عن ذات أولية أُساودُ ربّها وكأن لون الملح فوق شفارها @@ أي من أجل ناقة ذات أولية . { قُتِلَ } لعن { ٱلْخَرَّاصُونَ } الكذابون . وقال ابن عباس : المرتابون ، وهم المقتسمون الذين اقتسموا عقاب الله ، واقتسموا القول في النبي صلى الله عليه وسلم ليصرفوا الناس عن دين الإسلام . وقال مجاهد : الكهنة . { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ } : شبهة وغفلة { سَاهُونَ } : لاهون . { يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } متى يوم القيامة استهزاءً منهم بذلك وتكذيباً . قال الله سبحانه وتعالى : { يَوْمَ هُمْ } أي يكون هذا الجزاء في يوم هم { عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } يُعذّبون ويُحرقون ويُنضَجون بالنار كما يفتن الذهب بالنار . ومجازه بكلمة ( على ) ههنا : أنهم موقوفون على النار ، وقيل : هو بمعنى الباء . ويقول لهم الخزنة : { ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هَـٰذَا } ولم يقل هذه ؛ لأنّ الفتنة هاهنا بمعنى العذاب ، فردّ الإشارة إلى المعنى { ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } . { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ } من الثواب وأنواع الكرامات . وقال سعيد بن جبير : تعني آخذين بما أمرهم ربّهم ، عاملين بالفرائض التي أوجبها عليهم . { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ } قبل دخولهم الجنة { مُحْسِنِينَ } في الدنيا ، وقيل : قبل نزول الفرائض محسنين في أعمالهم . { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } اختلف العلماء في حكم ( ما ) ، فجعله بعضهم جحداً ، وقال : تمام الكلام عند قوله : { كَانُواْ قَلِيلاً } أي كانوا قليلا من الناس ، ثم ابتدأ { مَا يَهْجَعُونَ } أي لا ينامون بالليل ، بل يقومون للصلاة والعبادة ، وجعله بعضهم بمعنى ( الذي ) ، والكلام متّصل بعضه ببعض ، ومعناه : كانوا قليلا من الليل الذي يهجعون ، أي كانوا قليلا من الليل هجوعهم ؛ لأنّ ( ما ) إذا اتصل به الفعل ، صار في تأويل المصدر كقوله : { بِمَا ظَلَمُوۤاْ } [ النمل : 52 ] أي بظلمهم ، وجعله بعضهم صلة ، أي كانوا قليلا من الليل يهجعون . قال محمد بن علي : « كانوا لا ينامون حتى يصلّوا العتمة » ، وقال أنس بن مالك : يصلّون ما بين المغرب والعشاء ، وقال مطرف : قلّ ليلة تأتي عليهم لا يصلّون فيها لله سبحانه ، إما من أوّلها ، وإما من أوسطها ، وقال الحسن : لا ينامون من الليل إلاّ أقلّة ، وربما نشطوا فمدّوا إلى السحر . { وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } ، قال ابن عباس وسعيد بن المسيب : السائل : الذي يسأل الناس ، والمحروم : المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم . وقال قتادة والزهري : السائل الذي يسألك ، والمحروم : المتعفف الذي لا يسألك ، وقال إبراهيم : هو الذي لا سهم له في الغنيمة ، يدلّ عليه ما روى سفيان عن قيس بن مسلم عن الحسين بن محمد أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سريّة فغنموا ، فجاء قوم لم يشهدوا الغنيمة ، فنزلت هذه الآية ، وقال عكرمة : المحروم : الذي لا ينمي له مال ، وقال زيد بن أسلم : هو المصاب بثمره أو زرعه أو نسل ماشيته . أخبرني الحسن بن محمد ، قال : حدّثنا محمد بن علي بن الحسن الصوفي قال : حدّثنا الحسن بن علي الفارسي قال : حدّثنا عمرو بن محمد الناقد قال : حدّثنا يزيد بن هارون قال : حدّثنا محمد بن مسلم الطائفي عن أيوب بن موسى عن محمد بن كعب القرظي : المحروم صاحب الحاجة ، ثم قرأ : { إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } [ الواقعة : 67 ] ، ونظيره في قصة ضروان { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } [ القلم : 27 ] ، وأخبرنا الحسين قال : حدّثنا عمر بن أحمد بن القاسم قال : حدّثنا محمد بن أيوب قال : أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدّثنا عبد [ … ] عن شعبة عن عاصم يعني الأحول عن أبي قلابة ، قال : كان رجل من أهل اليمامة له مال ، فجاء سيل فذهب بماله ، فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هذا المحروم فاقسموا له . وقال الشعبي : أعناني أن أعلم ما المحروم ، لقد سألت عن المحروم منذ سبعين سنة ، فما أنا اليوم بأعلم مني من يومئذ . وأصله في اللغة الممنوع ، من الحرمان ، وهو المنع . أخبرنا أبو سهيل بن حبيب قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن موسى قال : حدّثنا أبو بكر بن محمد بن حمدون بن خالد قال : حدّثنا علي بن عثمان النفيلي الحراني ، قال : حدّثنا علي بن عباس الحمصي ، قال : حدّثنا سعيد بن عمارة بن صفوان الكلاعي عن الحرث بن النعمان ابن أُخت سعيد بن جبير قال : سمعت أنس بن مالك يحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يا أنس ويل للأغنياء من الفقراء يوم القيامة ، يقولون : يا ربّ ظلمونا حقوقنا التي فرضتها عليهم . قال : فيقول : وعزّتي وجلالي لأقربنّكم ولأُبعدنّهم " . قال : فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه هذه الآية : { وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } .