Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 51, Ayat: 46-60)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَقَوْمَ نُوحٍ } قرأ أبو عمرو والاعمش وحمزة والكسائي وخلف ( وقوم ) بجرّ الميم في { وَقَوْمَ نُوحٍ } ، وقرأ الباقون بالنصب ، وله وجوه : أحدهما : أن يكون مردوداً على الهاء والميم في قوله { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ } أي وأخذت قوم نوح ، والثاني : وأهلكنا قوم نوح ، والثالث : واذكر قوم نوح { مِّن قَبْلُ } أي من قبل عاد وثمود وقوم فرعون { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } . { وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ } بقوة { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } قال ابن عباس قادرون ، وعنه أيضاً : لموسعون الرزق على خلقنا . الضحاك : أغنياء ، دليله قوله سبحانه { عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ } [ البقرة : 236 ] القتيبي : ذوو سعة على خلقنا . الحسين بن الفضل : أحاط علمنا بكل شيء . الحسن : مطبقون . { وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَاهَا } بسطنا ومهدّنا لكم { فَنِعْمَ ٱلْمَاهِدُونَ } الباسطون ، والمعنى في الجمع التعظيم . { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } صنفين ونوعين مختلفين كالسماء والأرض ، والشمس والقمر ، والليل والنهار ، والبر والبحر ، والسهل والجبل ، والشتاء والصيف ، والجن والانس ، والكفر والإيمان ، والشقاوة والسعادة ، والحق والباطل ، والذكر والانثى ، والجنة والنار . { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } فتعلمون أنّ خالق الأزواج فرد . { فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ } أي : فاهربوا من عذاب الله إلى ثوابه بالإيمان ومجانبة العصيان . قال ابن عباس : فرّوا منه إليه ، واعملوا بطاعته ، وقال أبو بكر الورّاق : فرّوا من طاعة الشيطان إلى طاعة الرَّحْمن ، وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن يوسف قال : حدّثنا محمد بن حمدان بن سفيان ، قال : حدّثنا محمد بن زياد قال : حدّثنا يعقوب بن القاسم ، قال : حدّثنا محمد بن معز عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان في قوله سبحانه { فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ } قال : اخرجوا إلى مكة . الحسين بن الفضل : احترزوا من كل شيء دونه ، فمن فرّ إلى غيره لم يمتنع منه . قال الجنيد : الشيطان داع إلى الباطل ، ففرّوا إلى الله يمنعكم منه . ذو النون : ففرّوا من الجهل إلى العلم ، ومن الكفر إلى الشكر . عمرو بن عثمان : فرّوا من أنفسكم إلى ربّكم . الواسطي : فرّوا إلى ما سبق لكم من الله ولا تعتمدوا على حركاتكم . سهل بن عبد الله : فرّوا مما سوى الله إلى الله . { إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِين } . { وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } . { كَذَلِكَ } أي : كما كفر بك قومك ، وقالوا ساحر ومجنون كذلك { مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } . { أَتَوَاصَوْاْ بِهِ } أوصى بعضهم بعضاً بالتكذيب وتواطؤوا عليه ، والألف فيه ألف التوبيخ . { بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } عاصون . { فَتَوَلَّ } فأعرض { عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } فقد بلّغتَ ما أُرسلتَ به وما قصّرتَ فيما أُمرتَ . قال المفسرون : فلمّا نزلت هذه الآية حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتدّ ذلك على أصحابه ، ورأوا أن الوحي قد انقطع وأنّ العذاب قد حضر ، فأنزل الله سبحانه { وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ * وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } قال علي بن أبي طالب : معناه إلاّ لآمرهم أن يعبدوني ، وأدعوهم إلى عبادتي ، واعتمد الزجاج هذا القول ، ويؤيده قوله { وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً } [ التوبة : 31 ] وقوله : { وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [ البينة : 5 ] . قال ابن عباس : ليقرّوا لي بالعبودية طوعاً أو كرهاً . فإن قيل : فكيف كفروا وقد خلقهم للإقرار بربوبيته والتذلّل لأمره ومشيئته ، وأنهم قد تذللوا لقضائه الذي قضى عليهم ؟ ( قلنا : ) لأنّ قضاءه جار عليهم ولا يقدرون الامتناع منه إذا نزل بهم ، وإنّما خالفه من كفر به في العمل بما أمره به ، فأمّا التذلّل لقضائه فإنّه غير ممتنع فيه ، وقال مجاهد : إلاّ ليعرفونِ . ولقد أحسن في هذا القول لأنّه لو لم يخلقهم لما عرف وجوده وتوحيده ، ودليل هذا التأويل قوله : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ } [ التوبة : 65 ] الآيات . وروى حيّان عن الكلبي : إلاّ ليوحّدونِ ، فأمّا المؤمن فيوحّده في الشدّة والرخاء ، وأمّا الكافر فيوحده في الشدّه والبلاء دون النعمة والرخاء ، بيانه قوله سبحانه : { فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [ العنكبوت : 65 ] الآية . وقال عكرمة : إلا ليعبدونِ ويطيعونِ . فأُثيب العابد وأعاقب الجاحد ، وقال الضحاك وسفيان : هذا خاص لأهل عبادته وطاعته . يدلّ عليه ( ما ) قرأهُ ابن عباس : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ } من المؤمنين { إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } . قال في آية أُخرى : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } [ الأعراف : 179 ] وقال بعضهم : معناه وما خلقت السعداء من الجن والإنس إلاّ لعبادتي ، والأشقياء منهم إلاّ لمعصيتي ، وهذا معنى قول زيد بن أسلم ، قال : ما جبلوا عليه من الشقاء والسعادة ، وقال الحسين بن الفضل : هو الاستعباد الظاهر . وليس على هذا القدر ؛ لأنّه لو قدر عليهم عبادته لما عصوه ولما عبدوا غيره وإنمّا هو كقوله : { وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ النحل : 78 ] ثم قال : { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } [ الأعراف : 10 ] { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } [ سبأ : 13 ] . ووجه الآية في الجملة أنّ الله تعالى لم يخلقهم للعبادة خلق جبلة وإجبار وإنّما خلقه لهم خلق تكليف واختيار ، فمن وفّقه وسدّده أقام العبادة التي خُلق لها ، ومن خذله وطرده حرمها وعمل بما خلق لها . كقوله صلى الله عليه وسلم " اعملوا فكل ميسر لما خلق له " والله أعلم . { مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ } أي رزقاً { وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ } قرأه العامّة برفع النون على نعت الله سبحانه وتعالى ، وهو القوي المقتدر المبالغ في القوّة والقدرة . قال ابن عباس : المتين الصلب الشديد ، وقرأ يحيى والأعمش ( ٱلْمَتِينُ ) خفضاً على نعت القوّة . قال الفرّاء : كان حقّه التأنيث فذكّره ؛ لأنّه ذهب به إلى الشيء المبرم المحكم الفتل ، كما يقال : حبل متين ، وأنشد الفرّاء : @ لكلّ دهر قد لبست أثوبا حتى اكتسى الرأس قناعاً أشيبا من ريطة واليمنة المعصّبا @@ فذكّر المعصب ؛ لأنّ اليمنة صنف من الثياب . ومن هذا الباب قوله سبحانه : { فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ } [ البقرة : 275 ] أي وعظ ، وقوله : { وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ } [ هود : 67 ] أي الصياح والصوت . وأخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري ، قال : حدّثنا القطيفي ، قال : حدّثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثنا يحيى بن آدم ويحيى بن أبي كثير قالا : حدّثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبدالرَّحْمن بن يزيد عن عبدالله بن مسعود قال : أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ } . { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } كفروا من أهل مكة { ذَنُوباً } قال ابن عباس وسعيد بن جبير : سجّلا . مجاهد : سبيلا . النخعي : طرفاً . عطاء وقتادة : عذاباً . الحسن : دولة . الكسائي : حظاً . الأخفش : نصيباً . وأصل الذّنوب في اللغة الدلو الكبيرة العظيمة المملوءة ماءً . قال الراجز : @ لها ذَنوب ولكم ذَنوب فإن أبيتم فلنا القليب @@ ثم يستعمل في الحظ والنصيب كقول علقمة بن عبيدة . @ وفي كل قوم قد خبطت بنعمة فحق لشأس من نداك ذَنوب لعمرك والمنايا طارقات لكل بني أب منهم ذَنوب @@ { مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ } من كفار الأُمم الخالية { فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ } بالعذاب ، فإنّما أُمهلوا مع ذنوبهم لأجل ذنوبهم . { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } وهو يوم بدر ، وقيل : يوم القيامة .