Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 52, Ayat: 1-8)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱلطُّورِ } كل جبل طور ، لكنّه سبحانه عنى بالطور هاهنا الجبل الذي كلّم عليه موسى بالأرض المقدّسة ، وهي بمدين واسمه زبير ، وقال مقاتل بن حيان : هما طوران يقال لأحدهما : طور تينا ، وللآخر طور زيتونا ؛ لأنهما ينبتان التين والزيتون . { وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ } مكتوب . { فِي رَقٍّ } جلد { مَّنْشُورٍٍ } وهو الصحيفة ، واختلفوا في هذا الكتاب ما هو ؟ فقال الكلبي : هو كتاب الله سبحانه بيد موسى عليه السلام من التوراة ، وموسى يسمع صرير القلم ، وكان كلّما مرّ القلم بمكان خرقه إلى الجانب الآخر ، فكان كتاباً له وجهان ، وقيل : اللوح المحفوظ ( وهو ) دواوين الحفظة ، تخرج إليهم يوم القيامة منشورة ؛ فآخذٌ بيمينه وآخذٌ بشماله ، دليله ونظيره قوله سبحانه : { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } [ الإسراء : 13 ] وقوله سبحانه : { وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتْ } [ التكوير : 10 ] ، وقيل : هو ما كتب الله تعالى في قلوب أوليائه من الإيمان ، بيانه : اولئك كتب في قلوبهم الإيمان ، وقيل : هو ما كتب الله تعالى للخلق من السابقة والعاقبة . { وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ } بكثرة الحاشية والأهل ، وهو بيت في السماء السابعة ، حذاء العرش ، حيال الكعبة ، يقال له : الضراح ، حرمته في السماء كحرمة الكعبة في الأرض ، يدخله كل يوم سبعون ألف من الملائكة ، يطوفون به ويصلون فيه ، ثم لا يعودون إليه أبداً ، وخازنه ملك يقال له : [ الجن ] . وقيل : كان البيت المعمور من الجنّة ، حُمل إلى الأرض لأجل آدم عليه السلام ، ثم رفع إلى السماء أيام الطوفان . أخبرنا الحسين بن محمد ، قال : حدّثنا هارون بن محمد بن هارون ، قال : حدّثنا إبراهيم ابن الحسين بن دربل ، قال : حدّثنا موسى بن إسماعيل ، قال : حدّثني سفيان بن نسيط عن أبي محمد عن الزبير عن عائشة أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قدم مكة فأرادت عائشة أن تدخل البيت يعني ليلا فقال لها بنو شيبة : أنّ أحداً لا يدخله ليلا ولكنا نخليه لك نهاراً ، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فشكت إليه أنّهم منعوها أن تدخل البيت ، فقال : " إنّه ليس لأحد أن يدخل البيت ليلا ، إن هذه الكعبة بحيال البيت المعمور الذي في السماء ، يدخل ذاك المعمور سبعون ألف ملك ، لا يعودون إليه أبداً الى يوم القيامة ، لو وقع حجر منه لوقع على ظهر الكعبة ، ولكن انطلقي أنتِ وصواحبك فصلّين في الحجر " ففعلت فأصبحت وهي تقول : قد دخلت البيت على رغم من رغم . وأخبرنا الحسين بن محمد ، قال : حدّثنا هارون بن محمد ، قال : حدّثنا محمد بن عبدالعزيز ، قال : حدّثنا كثير بن يحيى بن كثير ، قال : حدّثنا أبي عن عمر وعن الحسن في قوله سبحانه : { وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ } قال : هو الكعبة البيت الحرام الذي هو معمور من الناس ، يعمره الله كلّ سنة ، أوّل مسجد وضع للعبادة في الأرض . { وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ } يعني السماء ، سمّاها سقفاً ؛ لأنها للأرض كالسقف للبيت ، دليله ونظيره قوله سبحانه : { وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً } . { وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } قال مجاهد والضحاك وشمر بن عطية ومحمد بن كعب والأخفش : يعني الموقد المحمي بمنزلة التنور المسجور ، ومنه قيل للمسعر مسجر ، ودليل هذا التأويل ما روي أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال " لا يركبنّ البحر إلاّ حاجّ أو معتمر أو مجاهد في سبيل الله ، فإنّ تحت البحر ناراً وتحت النار بحراً ، وتحت البحر ناراً " . وقال صلى الله عليه وسلم " البحر نار في نار " ، وروى سعيد بن المسيب أنّ علياً كرم الله وجهه قال لرجل من اليهود : أين جهنم ؟ فقال : البحر . فقال : ما أراه إلاّ صادقاً ثم قرأ { وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ } [ التكوير : 6 ] مخفّفة . وتفسير هذه الأخبار ما روي في الحديث : " إنّ الله تعالى يجعل يوم القيامة البحار كلّها ناراً فيسجر بها نار جهنم " . وقال قتادة : المسجور : المملوء . ابن كيسان : المجموع ماؤه بعضه إلى بعض ، ومنه قول لبيد : @ فتوسّطا عرض السرى وصدّعا مسجورة متجاور أقلامها @@ وقال النمر بن تولب : @ إذا شاء طالع مسجورة ترى حولها النبع والسماسما @@ وقال أبو العالية : هو اليابس الذي قد ذهب ماؤه ونضب ، وفي رواية عطية وذي الرمّة الشاعر : أخبرنيه أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسن الدينوري . قال : حدّثنا عبيد الله بن أبي سمرة ، قال : حدّثنا أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الاشعث ، قال : حدّثنا السدوسي أبو جعفر ، قال : حدّثنا الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء عن ذي الرمّة عن ابن عباس { وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } الفارغ . قال : خرجت أَمة تسقي فرجعت فقالت : إنّ الحوض مسجور . تعني فارغاً . قال ابن أبي داود : ليس لذي الرمّة حديث غير هذا . وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : المسجور : المحبوس ، وقال الربيع بن أنس : المختلط العذب بالملح . وأخبرني ابن فنجويه ، قال : حدّثنا مخلد بن جعفر ، قال : حدّثنا الحسن بن علوية ، قال : حدّثنا إسماعيل بن عيسى ، قال : حدّثنا إسحاق بن بسر ، قال : أخبرني جويبر عن الضحاك ، ومقاتل بن سليمان عن الضحاك عن النزال بن سبرة ، عن علي بن أبي طالب أنّه قال في البحر المسجور : " هو بحر تحت العرش ، غمره كما بين سبع سماوات إلى سبع أرضين ، وهو ماء غليظ يقال له : بحر الحيوان ، يمطر العباد بعد النفخة الأُولى أربعين صباحاً فينبتون من قبورهم " . { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ } نازل { مَّا لَهُ مِن دَافِع } مانع . قال جبير بن مطعم : قدمت المدينة لأكلم رسول الله في أسارى بدر [ فذهبت ] إليه وهو يصلّي بأصحابه المغرب ، وصوته يخرج من المسجد ، فسمعته يقرأ { وَٱلطُّورِ } الى قوله : { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَّا لَهُ مِن دَافِع } فكأنما صدع قلبي ، وكان أوّل ما دخل قلبي الإسلام ، فأسلمت خوفاً من نزول العذاب ، وما كنت أظن أني أقوم من مكاني حتى يقع بي العذاب . وأخبرني أبو عبد الله بن فنجويه قال : حدّثنا أبو بكر بن مالك ، قال : حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : أخبرت عن [ محمد ] بن الحرث المكي ، عن عبد الله بن رجاء المكي ، عن هشام بن حسان ، قال : انطلقت أنا ومالك بن دينار إلى الحسن فانتهينا إليه وعنده رجل يقرأ ، فلمّا بلغ هذه الآية { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَّا لَهُ مِن دَافِع } بكى الحسن وبكى أصحابه ، وجعل مالك يضطرب حتى غشي عليه .