Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 52, Ayat: 9-24)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً } أي تدور كدوران الرحى ، وتتكفّأ بأهلها تكفّأ السفينة ، ويموج بعضها في بعض . واختلفت عبارات المفسرين فيها : قال ابن عباس : تدور دوراناً . قتادة : تتحرك . الضحاك : تحرك . عطاء الخراساني : تختلف إحداها بعضها في بعض . قطرب : تضطرب . عطية : تختلف . المؤرخ : يتحول بعضهم تحولا . الأخفش : تتكفّأ ، وكلّها متقاربة . وأصل المَوْر الاختلاف والاضطراب ، قال رؤبة : @ مسودّة الأعضاد من وشم العرق مائرة الضبعين مصلات العنق @@ أي مضطربة العضدين . { وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً } فتزول عن أماكنها وتصير هباءً منبثّاً . { فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } وإنّما أدخل الفاء في قوله { فَوَيْلٌ } ؛ لأن في الكلام معنى المجاراة مجازه : إذا كان هذا فويل يومئذ للمكذبين . { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ } باطل { يَلْعَبُونَ } غافلين جاهلين ساهين لاهين . { يَوْمَ يُدَعُّونَ } يُدفعون { إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } دفعاً ويُزعجون إليها إزعاجاً ، وذلك أنّ خزنة النار يغلّون أيديهم إلى أعناقهم ويجمعون نواصيهم إلى أقدامهم ثم يدفعونهم إلى النار دفعاً على وجوههم ، وتجافى أقفيتهم حتى يردوا النار . وقرأ أبو رجاء العطاردي { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } بالتخفيف من الدعاء . قالوا : فاذا دَنَوْا من النار قالت لهم الخزنة : { هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ } . { ٱصْلَوْهَا } ادخلوها { فَٱصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ } ذوي فاكهة كثيرة ، وفكهين : معجبين ناعمين . { بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } ثم يقال لهم : { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ } قد صفّ بعضها إلى بعض ، وقوبل بعضها ببعض { وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ * وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ } قرأ أبو عمرو « وأتبعناهم » بالنون والألف « ذرياتهم » بالألف فيهما ، وكسر التائين لقوله : { أَلْحَقْنَا } { وَمَآ أَلَتْنَاهُم } ليكون الكلام على نسق واحد ، وقرأ الآخرون { وَٱتَّبَعَتْهُمْ } بالتاء من غير ألف ثم اختلفوا في قوله : { ذُرِّيَّتُهُم } ، وقرأ أهل المدينة الأُولى بغير ألف وضم التاء ، والثانية بالألف وكسر التاء ، وقرأ أهل الشام بالألف فيهما وكسر تاء الثانية ، وهو اختيار يعقوب وأبي حاتم ، وقرأ الآخرون بغير ألف فيهما وفتح تاء الثانية ، وهو اختيار أبي عبيد . واختلف المفسّرون في معنى الآية ، فقال قوم : معناها والذين آمنوا واتّبعتهم ذريّتهم التي بلغت الإيمان { بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } الصغار الذين لم يبلغوا الإيمان ، وهو قول الضحّاك ورواية العوفي عن ابن عباس . فأخبر الله سبحانه وتعالى أنّه يجمع لعبده المؤمن ذرّيته في الجنة كما كان يحب في الدنيا أن يجتمعوا له ، ويدخلهم الجنة بفضله ويلحقهم بدرجته ، بعمل الأب من غير أن ينقص الآباء من أجور أعمالهم شيئاً فذلك قوله سبحانه : { وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ } يعني الآباء ، والهاء والميم راجعان إلى قوله : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ، والألت : النقص والبخس . أخبرني الحسن بن محمد بن عبد الله الحديثي ، قال : حدّثنا سعيد بن محمد بن إسحاق الصيرفي قال : حدّثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال : حدّثنا جنادة بن المفلس ، قال : حدّثنا قيس بن الربيع ، قال : حدّثنا عمرو بن المسرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنّ الله يرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة وإن كانوا دونه في العمل لتقرّ بهم عينه " ثم قرأ { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ } قال : " ما نقصنا الآباء بما أعطينا ( البنين ) " . وأخبرنا الحسن بن محمد قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن علي بن الحسن الهمداني ، قال : حدّثنا أبو عبد الله عمر بن نصر البغدادي ببردعة ، قال : حدّثنا محمد بن عبد الرَّحْمن بن غزوان ، قال : حدّثنا شريك بن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : أظنّه ذكره عن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دخل أهل الجنة الجنة فسأل عن أبويه وزوجته وولده ، فيقال : إنّهم لم يدركوا ما أدركت ، فيقول : عملت لي ولهم ، فيؤمر بإلحاقهم به " وتلا ابن عباس : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } . وأخبرنا ابن فنجويه قال : حدّثنا القطيعي قال : حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدّثني عثمان بن أبي شيبة ، قال : حدّثنا محمد بن فضيل عن محمد بن عثمان عن زاذان عن علي قال : " سألتْ خديجة النبيّ صلى الله عليه وسلم عن ولدين ماتا في الجاهلية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هما في النار " قال : فلمّا رأى الكراهية في وجهها قال : " لو رأيت مكانهما لأبغضتِهما " قالت : يا رسول الله فولداي منك ؟ قال : " في الجنة " " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن المؤمنين وأولادهم في الجنة ، وإن المشركين وأولادهم في النار } ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ } { كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ } من الخير والشر { رَهَينٌ } مرهون فيؤخذ بذنبه ولا يؤخذ بذنب غيره . { وَأَمْدَدْنَاهُم } وأعطيناهم { بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } من أنواع اللحمان { يَتَنَازَعُونَ } يتعاطون فيتناولون ويتداولون { فِيهَا كَأْساً } إناءً فيها خمر { لاَّ لَغْوٌ فِيهَا } وهو الباطل . عن قتادة . مقاتل بن حيان : لا فضول فيها . سعيد بن المسيّب : لا رفث فيها . ابن زيد : لا سباب ولا تخاصم فيها . القتيبي : لا يذهب بعقولهم فيلغوا ويرفثوا ، وقال ابن عطاء : أي لغو يكون في مجلس محلّه جنة عدن ، والساقي فيه الملائكة ، وشربهم على ذكر الله ، وريحانهم تحية من عند الله مباركة طيبة ، والقوم أضياف الله { وَلاَ تَأْثِيمٌ } أي فعل يؤثمهم ، وهو تفعيل من الإثم ، يعني : إنّهم لا يأثمون في شربها . وقال ابن عباس : يعني ولا كذب ، وقال الضحّاك : يعني لا يكذب بعضهم بعضاً . { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ } بالخدمة { غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ } من بياضهم وصفاء لونهم { لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ } مخزون مصون ، قال سعيد بن جبير : يعني في الصدف . أخبرني الحسن بن محمد ، قال : حدّثنا أحمد بن علي بن عمر بن خنيس ، قال : حدّثنا محمد بن أحمد بن عصام ، قال : حدّثنا عمر بن عبدالعزيز المصري ، قال : حدّثنا يوسف بن أبي طيبة عن وكيع بن الجراح عن هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنه قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينادي الخادم من خدمه فيجيبه ألف ، يناديه كلّهم : لبيك " . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا أبو علي المقرئ ، قال : حدّثنا محمد بن عمران قال : حدّثنا هاني بن المسري ، قال : حدّثنا عبيده بن سعيد عن قتادة بن عبد الله بن عمر قال : ما من أحد من أهل الجنة إلاّ سعى له ألف غلام ، كل غلام على عمل ما عليه صاحبه . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا عبد الله بن إبراهيم بن أيوب المنوي قال : حدّثنا الحسن ابن الكميت الموصلي قال : حدّثنا المعلى بن مهدي ، قال : أخبرنا مسكين عن حوشب عن الحسن أنّه كان إذا تلا هذه الآية { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ } قالوا : يا رسول الله الخادم كاللؤلؤ فكيف بالمخدوم ؟ قال " ما بينهما كما بين القمر ليلة البدر وبين أصغر الكواكب " .