Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 53, Ayat: 13-23)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ } مرة أخرى ، فسمّاها نزلة على الاستعارة ، وذلك أنّ جبريل رآه النبيّ صلى الله عليه وسلم ُعلى صورته التي خلق عليها مرتين : مرة بالأُفق الأعلى في الأرض ، ومرة عند سدرة المنتهى في السماء ، وهذا قول عائشة وأكثر العلماء وهو الاختيار ، لأنه قرن الرؤية بالمكان فقال { عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ } ، ولأنه قال : { نَزْلَةً أُخْرَىٰ } وتقديرها : ولقد رآه نازلا نزلة أُخرى ، ووصف الله سبحانه بالمكان والنزول الذي هو الانتقال محال ؛ ولأنه قال : { نَزْلَةً أُخْرَىٰ } ولم يروَ في الحديث أنّه صلى الله عليه وسلم رأى ربّه عزّوجل قبل ليلة المعراج فيراه تلك الليلة مرة أُخرى ، يدل عليها ما أخبرني عقيل بن محمد أنّ أبا الفرج أخبرهم عن محمد بن جرير عن محمد بن المثنى قال : حدّثنا عبدالوهاب الثقفي . قال : حدّثنا داود بن عامر عن مسروق أن عائشة رضي الله عنها قالت : من زعم أنّ محمداً رآى ربّه فقد أعظم الفرية على الله . قال : وكنت متكئاً فجلست فقلت : يا أُم المؤمنين ، أنظريني ولا تعجلي ، أرأيت قول الله سبحانه { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ } { وَلَقَدْ رَآهُ بِٱلأُفُقِ ٱلْمُبِينِ } [ التكوير : 23 ] . قالت : إنّما هو جبريل رآه على صورته التي خلق عليها مرتين : مرة حين هبط من السماء إلى الأرض سادّاً أعظم حلقة ما بين السماء إلى الأرض ، ومرة عند سدرة المنتهى . قالت : وأنا أوّل من سأل النبي " عن هذه الآية فقال : " هو جبريل " . { عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ } ( عند ) صلة من قوله : { رَآهُ } والسدرة : شجرة النبق ، وقيل لها سدرة المنتهى ؛ لأنه إليها ينتهي علم كل عالم . وقال هلال بن سياف : سأل ابن عباس كعباً عن سدرة المنتهى وأنا حاضر فقال كعب : إنها سدرة في أصل العرش على رؤوس حملة العرش ، وإليها ينتهي علم الخلائق ، وما خلفها غيب لا يعلمه إلاّ الله سبحانه . وقال ابن مسعود : سمّيت بذلك ؛ لأنّه ينتهي إليها ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها من أمر الله سبحانه وتعالى إذا انتهى من يصعد إليها من الأرض قبض منها ، وقيل : لأنّه ينتهي إليها ما عرج من أرواح المؤمنين ، وقيل : لأنّه ينتهي إليها كل من مات على سنّة رسول الله " ومنهاجه . روى الربيع عن أبي العالية عن أبي هريرة قال : " لمّا أُسري بالنبي " انتهى إلى السدرة ، فقيل له : هذه السدرة ينتهي إليها كل أحد خلا من أمتك على سنتك ، فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن إلى قوله : مصفى ، وهي شجرة يسير الراكب في ظلّها سبعين عاماً لا يقطعها ، والورقة منها مغطّية الأُمة كلها " . وأخبرني ابن فنجويه ، قال : حدّثنا بن شيبة ، قال : حدّثنا التنوخي قال : حدّثنا عبيد بن يعيش ، قال : حدّثنا يونس بن بكير ، قال : أخبرنا محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله ابن الزبير عن أبيه عن جدته أسماء بنت أبي بكر قال : " سمعت النبي " يذكر سدرة المنتهى قال : يسير الراكب في ظلّ الفنن منها مائة عام ، ويستظلّ في الفنن منها مائة راكب . فيها فراش من ذهب ، كأنّ ثمارها القلال " . وقال مقاتل : هي شجرة لو أنّ ورقة منها وضعت في الأرض لأضاءت لأهل الأرض ، تحمل الحليّ والحلل والثمار من جميع الألوان ، ولو أنّ رجلا ركب حقّةً فطاف على ساقها ما بلغ المكان الذي ركب منه حتى يقتله الهرم ، وهي طوى التي ذكرها الله سبحانه في سورة الرعد ، وقد تقصيت وصفها في قصة المسرى . { عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ * إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } قال ابن مسعود وأصحابه : فراش من ذهب ، وهي رواية الضحاك عن ابن عباس ، ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال الحسن : غشيها نور ربّ العزة فاستنارت ، وقيل : الملائكة ، ويروى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " رأيت على كلّ ورقة من ورقها ملكاً قائماً يسبّح الله عزّ وجل " ، وروى الربيع عن أبي هريرة أو غيره قال : لمّا أُسري بالنبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى السدرة ، قال : فغشيها نور الخلائق وغشيها الملائكة من حب الله مثل الغربان حين يقعن على الشجر . قال : فكلّمه عند ذلك وقال له : سل . وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " فغشيها رفرف من طير خضر " . قال السدي : من الطيور فوقها ، وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال : " انتهيت إلى السدرة وأنا لأعرف أنّها سدرة ، أعرف ورقها وثمرها ، وإذا ينعها مثل الجرار ، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة . فلمّا غشيها من أمر الله ما غشيها تحولت ياقوتاً وزمرداً حتى ما يستطيع أحد يصفها ، عندها جنة المأوى " . قال ابن عباس : هي يمين العرش ، وهي منزلة الشهداء ، نظيره { فَلَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْمَأْوَىٰ } [ السجدة : 19 ] وأخبرنا الحسن بن محمد قال : حدّثنا أبوعبدالله عمر بن أحمد بن محمد بن الحرث القضباني . قال : حدّثنا علي بن العباس المقانعي ، قال : حدّثنا ميمون بن الأصبع ، قال : حدّثنا يحيى بن صالح الوحاطي قال : حدّثنا محمد بن سليمان بن حمزة البصري ، قال : حدّثنا عبدالله بن أبي قيس ، قال سمعت عبد الله بن الزبير يقرأ هذه الآية { عِندَهَا جَنَّةُ } بالهاء { ٱلْمَأْوَىٰ } يعني جنّة المبيت ، وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا طلحة بن محمد وعبيد الله بن أحمد قالا : حدّثنا أبو بكر بن مجاهد ، قال : حدّثني أبو صدقة قال : حدّثنا أبو الأسباط قال : حدّثنا عبد الرَّحْمن عن علي بن القاسم الكندي عن موسى بن عبيدة ، قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقرأ { جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ } وقال مجاهد : يريد أجنّه ، والهاء في هذه القراءة كناية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو حاتم : وهي قراءة علي وأنس يعني ستره ، وقال الأخفش : أدركه . { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } أي : ما جاور ما أمر به ، ولا مال عمّا قصد له . { لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ } أي الآية الكبرى . قال ابن مسعود : رآى رفرفاً أخضر من الجنة قد سدّ الأُفق ، وقال الضحاك : سدرة المنتهى ، وقال عبدالرَّحْمن بن يزيد ومقاتل بن حيان : رأى جبريل في صورته التي تكون في السماوات ، وقيل : المعراج ، وما أُري تلك الليلة في مسراه في عوده وبدئه . دليله قوله سبحانه { لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ } [ الإسراء : 1 ] . { أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ } قراءة العامة بتخفيف التاء ، وهي من ( الله ) ألحقت بها التاء فاثبت . كما قيل : عمر للذكر ، ثم قيل : للانثى عمرة ، وكما قيل عباس وعباسة ، وكذلك سمّى المشركون أوثانهم بأسماء الله فقالوا : من الله ( اللات ) ، ومن العزيز ( العزّى ) . قال قتادة : أمّا اللات فكانت بالطائف . ابن زيد : اللات بيت بنخلة كانت قريش تعبده . وقرأ ابن عباس ومجاهد وأبو صالح اللات بتشديد التاء ، وقالوا : كان رجلا يلتّ السويق للحاج ، فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه ، وروى السدي عن أبي صالح أنّه كان بالطائف ، وكان يقوم على آلهتهم ويلتّ لهم السويق ، فلمّا مات عبدوه . وقال مجاهد : كان رجلا في رأس جبل له غنم يسلى منهاالسمن ، ويأخذ منها الأقط ، ويجمع رسلها ثم يتخذ منها ( حيساً ) فيطعم الحاج ، وكان ببطن نخلة ، فلما مات عبدوه ، وهو اللات ، وقال الكلبي : كان رجلا من ثقيف يقال له : ( صرمة ) بن غنم كان يسلأ السمن فيضعها على صخرة ثم تأتيه العرب فتلتّ به سيوفهم ، فلمّا مات الرجل ( اخذت ) ثقيف الصخرة الى منازلها فعبدتها فمدرة الطائف على وضع اللات . { وَٱلْعُزَّىٰ } اختلفوا فيها فقال مجاهد : هي شجرة لغطفان يعبدونها ، وهي التي بعث إليها رسول الله خالد بن الوليد فقطعها ، وجعل خالد يضربها بالفأس ويقول : @ يا عز كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك @@ فخرجت منها شيطانة ، ناشرة شعرها داعية ويلها ، واضعة يدها على رأسها ، ويقال : " إن خالداً رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال قد قطعتها ، فقال : " ما رأيت ؟ " ، قال : لم أر شيئاً ، قال صلى الله عليه وسلم " ما قطعت " . فعاودها ومعه المعول فقلعها واجتثّ أصلها ، فخرجت منها امرأة عريانة فقتلها ، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال : " تلك العزى ولن تعبد أبداً " " . وقال الضحاك : وهي صنم لغطفان وضعها لهم سعد بن ظالم الغطفاني ، وذلك أنّه قدم مكة فرأى الصفا والمروة ، ورأى أهل مكة يطوفون بينهما ، فعاد إلى ( بطن نخلة ) وقال لقومه : إنّ لأهل مكة الصفا والمروة وليست لكم ، ولهم اله يعبدونه وليس لكم ، قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : أنا أصنع لكم كذلك ، فأخذ حجراً من الصفا وحجراً من المروة فنقلهما إلى بطن نخلة ، فوضع الذي من الصفا ، فقال : هذا الصفا ، ثم وضع الذي أخذ من المروة ، فقال : هذه المروة ، ثم أخذ ثلاثة أحجار فاسندها إلى شجرة وقال : هذا رُبّكم ، فجعلوا يطوفون بين الحجرين وعبدون الحجارة حتى افتتح رسول الله مكة فأمر برفع الحجارة ، وبعث خالد بن الوليد إلى العزى فقطعهما ، وقال ابن زيد : هي بيت بالطائف كانت تعبده ثقيف . { وَمَنَاةَ } قرأ ابن كثير بالمد ، ومثله روى الشموني عن أبي بكر عن عاصم وأنشد : @ ألا هل أتى التيم بن عبد مناءة على الشنئ فيما بيننا ابن تميم @@ والباقون بالقصر . قال قتادة : هي حجارة كانت تعبد . ابن زيد : بيت كان بالمشلل يعبده بنو كعب . الضحاك : مناة صنم لهذيل وخزاعة يعبدها أهل مكة ، وقيل : إن اشتقاقه من ناءَ النجم ينوء نوءاً ، وقال بعضهم : اللات والعزى ومناة أصنام من حجارة كانت في جوف الكعبة يعبدونها . واختلف القراء في الوقف على اللات ومناة ، فوقف بعضهم عليهما بالهاء وبعضهم بالتاء ، وقال بعضهم : كل شيء في القرآن مكتوب بالتاء فإنه يوقف عليه بالتاء نحو { بِنِعْمَةِ رَبِّكَ } [ الطور : 29 ] و { شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ } [ الصافات : 62 ] ونحوهما ، وما كان منها مكتوباً بالهاء فالوقف عليه بالهاء ، وقال بعضهم : الاختيار في كل ما لم يضف ان يكون بالهاء ، نحو { رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي } [ الكهف : 98 ] و { شَجَرَةٌ تَخْرُجُ } وما كان مضافاً فجائز بالهاء والتاء ، فالتاء للأضافة والهاء لأنه تفرد دون التاء . وأما قوله سبحانه { ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } قال : العرب لا تقول للثالثة أُخرى وأنّما الأخرى نعت للثانية ، واختلفوا في وجهها فقال الخليل : إنّما قال ذلك لوفاق رؤوس الآي كقوله : { مَآرِبُ أُخْرَىٰ } [ طه : 18 ] ولم يقل : أُخَر ، وقال الحسين بن الفضل : في الآية تقديم وتأخير ، مجازها : أفرأيتم اللات والعزى الاخرى ومناة الثالثة ، ومعنى الآية : أفرأيتم أيها الزاعمون أن اللات والعزى ومناة بنات الله . { أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } روى القواس والبزي عن ابن كثير بالهمز . الباقون بغير همز ، وقال ابن عباس وقتادة : يعني قسمة جائرة حيث جعلتم لربّكم من الولد ما تكرهون لأنفسكم . مجاهد ومقاتل : عوجاً . الحسن : غير معتدلة . ابن سيرين : غير مستوية أن يكون لهم الذكور ولله الإناث . الضحاك : ناقصة . سفيان منقوصة . ابن زيد : مخالفة . قال الكسائي : يقال فيه : ضاز يضيز ضيزاً . ضاز يضوز ضوزاً . ضاز يضاز ضأزاً إذا ظلم ونقص . قال الشاعر : @ ضازت بنو أسد بحكمهم إذ يجعلون الرأس كالذَّنَبِ @@ وأنشد الأخفش : @ فإن تَنأَ عنا ننتقصْك وإن تغبْ فسهمك مضئوز وأنفك راغم @@ وتقدير ضيزى من الكلام فعلى بضم الفاء ؛ لأنها صفة من الصفات ، والصفات لا تكون إلاّ ( فُعلى ) بضم الفاء ، نحو : حُبلى وأُنثى ويُسرى ، أو ( فَعلى ) بفتح الفاء نحو : غَضبى وسَكرى وعَطشى ، وليس في كلام العرب ( فعِلى ) بكسر الفاء في النعوت ، إنّما يكون في الأسماء نحو : دفرى ، وذكرى وشعرى . قال المؤرخ : كرهوا ضم الضاد وخافوا انقلاب الياء واواً وهو من بنات الياء فكسروا الضاد لهذه العلّة ، كما قالوا في جمع أبيض : بيض ، والأصل بوض مثل : حمر وصفر ، وأما من قال : ضاز يضوز فالاسم منه ضوزى مثل شورى . { إِنْ هِيَ } يعني هذه الأوثان { إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ } قرأ العامة بالياء ، وقرأ عيسى بالتاء { إِلاَّ ٱلظَّنَّ } في قولهم : إنّها آلهة وإنّها شفعاؤهم { وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلْهُدَىٰ } لبيان أنّها ليست بآلهة وأن العبادة لا تصلح إلاّ لله الواحد القهار .