Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 53, Ayat: 24-32)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّىٰ } اشتهى ، وهم الكفار وزعموا أن الأصنام تشفع لهم عند الله ، يعني : أتظنون أنّ لهم ما يتمنون من شفاعة الأصنام ، ليس كما ظنوا أو تمنوا ، بل لله الآخرة والأُولى ، يعني الدنيا ، يعطي ما يشاء ويمنع ما يشاء ، لا ما تمنّى الانسان واشتهى ، وهذا كقوله : { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ } [ النمل : 60 ] أي لا إله مع الله ، وقال ابن زيد : إنْ كان محمد تمنّى شيئاً فأعطاه الله ذلك فلا تنكروه . { فَلِلَّهِ ٱلآخِرَةُ وٱلأُولَىٰ } يعطي من يشاء ما يشاء ، ويحرم من يشاء ما يشاء . { وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ } ممن يعبدونهم هؤلاء الكفار ويزعمون أنهم بنات الله ويرجون شفاعتهم عند الله . { لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىٰ } قال الاخفش : الملك موحّد ومعناه الجمع ، وهو مثل قوله : { لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىٰ } . { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ ٱلْمَلاَئِكَةَ تَسْمِيَةَ } أي كتسمية أو بتسمية { ٱلأُنْثَىٰ * وَمَا لَهُم } وذلك حين قالوا : إنهم بنات الله سبحانه ، تعالى الله عن افترائهم { بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ } أي من العذاب { شَيْئاً } نظيره { مَا نُنَزِّلُ ٱلْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِٱلحَقِّ } [ الحجر : 8 ] . يعني أنها لا تشفع لهم ، وأن ظنهم لا ينقذهم من العذاب . { فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا } يعني القرآن ، وقيل : الإيمان ، وقيل محمد صلى الله عليه وسلم { وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ } قال الفرّاء : وذلك حين قالوا : إنهم بنات اللّه ، تعالى اللّه عن افترائهم وازرى بهم بعد ذلك قدر عقولهم ونهاية علمهم أن آثروا الدنيا على الآخرة . { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ } دينه { وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱهْتَدَىٰ * وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى * ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ } اختلفوا في معنى { إِلاَّ } فقال قوم : هو استثناء صحيح ، واللمم من الكبائر والفواحش ، ومعنى الآية : إلاّ ان يلم بالفاحشة ثم يتوب وتقع الوقعة ثم ينتهي ، وهو قول أبي هريرة ومجاهد والحسن وأبي صالح ، ورواية عطاء عن ابن عباس قال : هو الرجل يلمّ بالفاحشة ثم يتوب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : @ إن تغفر اللّهم تغفر جمّا وأي عبد لك لا ألمّا @@ وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : اللمم : ما دون الشرك . قال آخرون : هو استثناء منقطع مجازه : لكن اللمم ، ولم يجعل اللمم من الكبائر والفواحش ، ثم اختلفوا في معناه ، فقال بعضهم : هو ما سلف في الجاهلية فلا يؤاخذهم به ، وذلك أن المشركين قالوا للمسلمين : إنما كانوا بالأمس يعملون معنا ، فأنزل الله سبحانه هذه الآية ، وهذا قول زيد بن ثابت وزيد بن أسلم وابنه ، وروى الوالبي عن ابن عباس ، وقال بعضهم : هو صغار الذنوب مثل النظرة والغمزة والقُبلة ، وهو من ألمّ بالشيء إذا لم يتعمق فيه ولم يلزمه ، وهو قول ابن مسعود ومسروق والشعبي وأبي سعيد الخدري وحذيفة بن اليمان ، ورواية طاووس عن ابن عباس قال : ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله عز وجل كتب على ابن آدم حظّه من الزنا أدركه ذلك لا محالة ، فزنا العينين النظر ، وزنا اللسان المنطق ، وزنا الشفتين التقبيل ، وزنا اليدين البطش ، وزنا الرجلين المشي ، والنفس تتمنى وتشتهي ، والفرج يصدق أو يكذبه ، فإنْ تقدّم بفرجه كان زانياً وإلاّ فهو اللمم " . وقال ابن الزبير وعكرمة وقتادة والضحاك : هو ما بين الحدّين : حدّ الدنيا وعذاب الآخرة ، وهي رواية العوفي والحكم بن عيينة عن ابن عباس ، وقال الكلبي : اللمم على وجهين ، كل ذنب لم يذكر عليه حدّاً في الدنيا ولا عذاباً في الآخرة ، فذلك الذي تكفره الصلوات ما لم يبلغ الكبائر ، والوجه الآخر هو الذنب العظيم يلمّ به المسلم المرة بعد المرة فيتوب منه ، وقال مقاتل : اللمم ما بين الحدّين من الذنوب . [ نزلت في نبهان التمار وقد مضت القصة في سورة آل عمران ، وقال عطاء بن أبي رياح : اللمم عباده النفس الحين بن الحين ، وقال سعيد بن المسيب : هو ما لمّ على القلب ، اي حظر ، وقال محمد بن الحنفية : كل ما هممت به من خير أو شرّ فهو لمم . ودليل هذا التأويل الخبر المروي " إنّ للشيطان لمّة ، وللملك لمّة ، فلمّة الشيطان الوسوسة ، ولمّة الملك الإلهام " وقال الحسين بن الفضل : اللمم : النظرة من غير تعمد ، وهو مغفور ، فإن أعاد النظر فليس بلمم وهو ذنب ، وقال الفرّاء : اللمم : المتقارب من صغار الذنوب ، وأصل اللمم والإلمام هو ما يعمله الانسان المرة بعد المرة ، والحين بعد الحين ولا يتعمق فيه ولا يقيم عليه . يقال : ألممتُ به إذا زرته وانصرفت ، المام الخيال ، قال الاعشى : @ ألمّ خيال من قتيلة بعدما وهى حبلها من حبلنا فتصرّما @@ وقال آخر : @ أنى ألمّ بك الخيال يطيف ومطافه لك ذكرة وشغوف @@ { إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ } لا يتعاظمه ذنب ، نظيره { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } [ الأعراف : 156 ] . أخبرني ابن فنجويه ، قال : حدّثنا الفضل بن الفضل الكندي ، قال : حدّثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن النعمان بن عبدالسلام الأصفهاني قال : حدّثنا محمد بن عاصم ، قال : حدّثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا العوام بن حوشب عن عمرو بن مرة عن أبي وائل قال : رأى أبو مسيرة عمرو بن شرحبيل ، وكان من أفاضل أصحاب عبد الله في المنام قال : رأيت كأني دخلت الجنة فإذا قباب مضروبة فقلت : لمن هذه ؟ فقالوا : لذي الكلاع وحوشب وكانا ممن قتل مع معاوية فقلت فأين عمار وأصحابه ؟ فقالوا : أمامك ، قلت : وقد قتل بعضهم بعضاً ؟ : إنهم لقوا الله سبحانه فوجدوه واسع المغفرة . قال أبو خالد : بلغني أن ذا الكلاع أعتق اثنتي عشر ألف بنت . { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ } أي خلق أباكم من التراب { وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ } جمع جَنين ، وهو الولد ما دام في البطن ، سمّي جنيناً لاجتنانه أي استتاره . روى مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت : كانت اليهود إذا هلك لهم صديق قالوا : هو صديق . فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقال : " كذبوا ما من نسمة يخلقها الله سبحانه في بطن أمها إلاّ شقي أو سعيد " فأنزل الله سبحانه { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ } . { فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ } قال ابن عباس : لا تمدحوها . مجاهد وزيد بن أسلم : فلا تبرِّئوها ، وقال الكلبي ومقاتل : كان أُناس يعملون أعمالا خبيثة ثم يقولون : صلاتنا وصيامنا وحجّنا . فأنزل الله سبحانه هذه ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إذا رأيتم المدّاحين فاحثوا في وجوههم التراب " . { هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ } الشرك فآمن ، وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : يعني عمل حسنة وارعوى عن سيئة ، وقال الحسن : أخلص العمل لله .