Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 53, Ayat: 33-44)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ } … الآيات ، قال ابن عباس والسدي والكلبي والمسيب بن شريك : نزلت في عثمان بن عفان رضوان الله عليه كان يتصدق وينفق في الخير ، فقال له أخوه من الرضاعة عبدالله بن أبي سرح : ما هذا الذي تصنع ؟ يوشك أن لا يبقى لك شيء . فقال عثمان : إن لي ذنوباً وخطايا ، وإني أطلب بما أصنع رضا الله وأرجو عفوه . فقال له عبد الله : أعطني ناقتك برحلها وأنا أتحمل عنك ذنوبك كلها ، فأعطاه وأشهد عليه وأمسك عن بعض ما كان يصنع من الصدقة والنفقة فأنزل الله سبحانه { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ } يعني يوم أُحد حين نزل ترك المركز . { وَأَعْطَىٰ } يعني صاحبه { قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ } ثم قطع نفقته فعاد عثمان رضي الله عنه إلى أحسن ذلك وأجمله . وقال مجاهد وابن زيد : نزلت في الوليد بن المغيرة ، وكان قد اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم على دينه فعيّره بعض المشركين وقال له : أتركت دين الأشياخ وضللتهم وزعمت أنهم في النار ، كان ينبغي لك ان تنصرهم . قال : إني خشيت عذاب الله ، فضمن له الذي عاتبه ان هو اعطاه شيئاً من ماله ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الله ، ففعل وأعطى الذي عاتبه بعض ما كان ضمن له ، ثم بخل ومنحه تمام ما ضمن له فأنزل الله سبحانه { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ } أدبر عن الإيمان { وَأَعْطَىٰ } يعني صاحبه الضامن قليلا { وَأَكْدَىٰ } بخل بالباقي ، وقال مقاتل : يعني أعطى الوليد قليلا من الخير بلسانه ثم اي قطعه ولم يقم عليه . وروى موسى بن عبيدة الزبيدي عن عطاء بن يسار قال : نزلت في رجل قال لأهله : جهّزوني انطلق إلى هذا الرجل يعني النبي صلى الله عليه وسلم فتجهّز وخرج ، فلقيه رجل من الكفار فقال له : أين تريد ؟ قال : محمداً ، لعلّي أُصيب من خيره ، فقال له الرجل : أعطني جهازك وأحمل عنك إثمك ، فنزلت فيه هذه الآية . وروي عن السدّي أيضاً قال : نزلت في العاص بن وائل السهمي ، وذلك أنّه كان ربما يوافق رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأُمور ، وقال محمد بن كعب القرظي : نزلت في أبي جهل ، وذلك أنه قال : والله ما يأمرنا محمد إلاّ بمكارم الاخلاق فذلك قوله : { وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ } أي لم يؤمن . قال المفسّرون : أكدى أي قطعه ولم يقم عليه ، وأصله من الكدية وهي حجر يظهر في البئر ويمنع من الحفر ويؤيس من الماء . قال الكسائي : تقول العرب : أكدى الحافر وأجبل إذا بلغ في الحفر الكدية والجبل ، وقال : كديتْ أصابعه إذا محلتْ ، وكديتْ يده إذا كلّت فلم يعمل شيئاً ، وكدى النبت إذا قلّ ريعه ، وقال المؤرخ : أكدى أي منع الخير ، قال الحطيئة : @ فأعطى قليلا ثم أكدى عطاءه ومن يبذل المعروف في الناس يُحمدِ @@ { أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ * أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ } يخبر { بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ } يعني أسفار التوراة { وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } ما أُرسل به من تبليغ رسالة الله وهي قوله : { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } روى عكرمة وطاووس عن ابن عباس قال : كانوا قبل إبراهيم صلوات الله عليه يأخذون الرجل بذنب غيره ، ويأخذون الولي بالولي في القتل ، حتى أنّ الرجل يُقتل بأبيه وأخيه وابنه وعمه وخاله ، والزوج يُقتل بامرأته ، والسيد يُقتل بعبده ، حتى كان إبراهيم عليه السلام فنهاهم عن ذلك وبلّغهم عن الله { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } . وقال الحسن وسعيد بن جبير وقتادة وابن زيد : عمل بما أمر به وبلغ رسالات ربّه الى خلقه مجاهد : وفّى بما فرض عليه . ربيع : وفّى رؤياه وقام بذبح ابنه . عطاء الخراساني : استعمل الطاعة . أبو العالية : وفّى بتمام الإسلام وهو قوله : { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ } [ البقرة : 124 ] ، وما ابتلى بهذا الدين أحد فأقام سهامه كلها إلاّ إبراهيم ، والتوفية : الاتمام . فقال : وفيت عليه حقّه ووفرته ، قال الله سبحانه : { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ } [ فاطر : 30 ] . سفيان بن عيينة : أدّى الأمانة . الضحّاك : وفّى بشأن المناسك . عطاء بن السائب : بلغني أن إبراهيم كان عهد أن لا يسأل مخلوقاً شيئاً ، فلمّا قُذف في النار وأتاه جبريل فقال : ألك حاجة ؟ فقال : أما إليك فلا ، فأثنى الله سبحانه وتعالى عليه بقيامه بما قال ووفائه بما عهد فقال عز من قائل : { وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } . الحسين ابن الفضل : وفّى بشأن الأضياف حتى سمّي أبا الأضياف . أبو بكر الورّاق : قام بشرط ما ادّعى ، وذلك ان الله سبحانه قال له : أسلم قال : اسلمت ، فطالبه الله سبحانه بصحة دعواه ، فابتلاه في ماله وولده ونفسه ، فوجده في ذلك كلّه وافياً ، فقال سبحانه { وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } أي ادعى الاسلام ثم صحح دعواه . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية قولان : أحدهما : ما أخبرنا ابن فنجويه قال : حدّثنا القطيعي قال : حدّثنا ابن حنبل قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثنا حسين ، قال : حدّثنا ابن لهيعة قال : حدّثنا ريان بن فائد عن سهل عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال : " ألا أُخبركم لِمَ سمّى تعالى إبراهيم خليله الذي وفّى ؛ لأنه كان يقول كلّما أصبح وأمسى : ( سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ) حتى تختم الآية " . والآخر : ما أخبرنا الحسن بن محمد قال : حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، قال : حدّثنا أحمد بن الفرج المقري ، قال : حدّثنا أبو عمر ، قال : حدّثنا نصر بن علي قال : أخبرنا معمر بن سليمان عن جعفر عن القاسم عن أبي أمانة " أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ { وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } قال : " أتدرون بما وفّى ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : وفّى : يعني عمل يومه بأربع ركعات كان يصلّيهن من أول النهار . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن ملك قال : حدّثنا ابن حنبل ، قال : حدّثنا أبي : قال : حدّثنا ابن مهدي ، قال : حدّثنا معاوية عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة عن نعيم بن همار أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " قال الله تعالى : يا بن آدم لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره " " . وأخبرني ابن فنجويه ، قال : حدّثنا عبيد الله بن أبي سمرة قال : حدّثنا أبو طلحة أحمد بن محمد بن عبد الكريم قال : حدّثنا نصر بن علي قال : حدّثنا المعمر بن سليمان ، قال : حدّثنا محمد بن المعتصم ابو جميل عن أبي يزيد عن سعيد بن جبير أنه قرأ { وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } خفيفة . فأما الجامع بين قوله سبحانه : { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } وبين قوله : { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } [ العنكبوت : 13 ] فهو ما قال الحسين بن الفضل : { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } طوعاً ، { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } [ العنكبوت : 13 ] كرهاً . أخبرني الحسين بن محمد قال : حدّثنا موسى بن محمد بن علي ، قال : حدّثنا أحمد بن يحيى الحلواني ، قال : حدّثنا يحيى بن عبدالحميد ، قال : حدّثنا عبدالله بن أياد بن لقيط " عن أبي رمتة ، قال : انطلقت مع أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأيته قال لي أبي : أتدري من هذا ؟ ، هذا رسول الله . قال : فاقشعررت عن ذلك حين قال لي ، وكنت أظن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لا يشبه الناس ، فإذا هو بشر ذو وفرة بها ردع من حناء وعليه ثوبان أخضران ، فسلّم عليه أبي ، ثم جلسنا فتحدّثنا ساعة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي : " هذا ابنك ؟ " قال أبي : ورب الكعبة حقاً أشهد به ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً من تثبيت شبهي في أبي ، ومن حلف أبي عليّ قال : " أما إنّه لا يجني عليك ولا تجني عليه " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } . ثم نظر أبي إلى مثل السلعة بين كتفيه ، فقال : يا رسول الله إني أُطبّب الرجال ، ألا أُعالجها لك ؟ قال : " لا طبيبها الذي خلقها " " . { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } أي عمل . نظيره قوله سبحانه : { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } [ الليل : 4 ] . قال ابن عباس : هذه الآية منسوخة ، فأنزل الله بعدها { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ } [ الطور : 21 ] فادخل الأبناء بصلاح الآباء الجنة ، وقال عكرمة : كان ذلك لقوم إبراهيم وموسى ، فأما هذه الأُمّة فلهم ما سعوا وما سعى غيرهم . " بخبر سعد حين سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لأُمّي إنْ تطوعت عنها ؟ قال : " نعم " " ، وخبر المرأة التي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أبي مات ولم يحجّ ، قال : " فحجي عنه " " . وقال الربيع بن أنس : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ } يعني الكافر ، فأمّا المؤمن فله ما سعى وما سُعي ، وقيل : ليس للكافر من الخير إلاّ ما عمله فيثاب عليه في دار الدنيا حتى لا يبقى له في الآخرة خير . ويروى أن عبد الله بن أُبيّ كان أعطى العباس قميصاً ألبسه إياه ، فلمّا مات عبد الله أرسل رسول الله قميصه ليكفّن فيه . فلم تبق له حسنة في الآخرة يثاب عليها . وسمعت ابن حبيب يقول : سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن مضارب يقول : سمعت أبي يقول : دعا عبد الله بن طاهر والي خراسان الحسين بن الفضل قال : أشكلت عليّ ثلاث آيات دعوتك لتكشفها لي ، قال : وما هي أيّها الأمير ؟ ، قال : قوله تعالى في وصف ابني آدم { فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّادِمِينَ } [ المائدة : 31 ] وصحّ الخبر بأن « الندم توبة » ، وقوله : { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [ الرحمن : 29 ] ، وصحّ الخبر « جف القلم بما هو كائن الى يوم القيامة » ، وقوله تعالى : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } فما بال الأضعاف فقال الحسين : يجوز ان لا يكون ندم قابيل توبة له ، ويكون ندم هذه الأُمة توبة لها ، إن الله سبحانه خص هذه الأُمة بخصائص لم يشركهم فيها الأمم . وفيه قول آخر : وهو أن ندم قابيل لم يكن على قتل هابيل ، وإنما كان على حمله ، وأما قوله : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } يعني عن طريق العدل ، ومجاز الآية : وأنْ ليس للانسان إلاّ ما سعى عدلا ، ( ولى أن أجزيه بواحدة ألفاً فضلاً ) ، وأمّا قوله : { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [ الرحمن : 29 ] فإنّها شؤون يعيدها لا شؤون يبديها ، ومجاز الآية سوق المقادير إلى المواقيت . قال : فقام عبد الله بن طاهر وقبّل رأسه وسوّغ خراجه . قال أبو بكر الوراق : { إِلاَّ مَا سَعَىٰ } أي نوى ، بيانه قوله صلى الله عليه وسلم " يبعث الناس على نيّاتهم " . { وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ * ثُمَّ يُجْزَاهُ ٱلْجَزَآءَ ٱلأَوْفَىٰ } قال الأخفش : يقال : جزيته الجزاء وجزيته بالجزاء لا فرق بينهما ، قال الشاعر : @ إن أجز علقمة بن سعد سعيه لم أجزه ببلاء يوم واحد @@ فجمع بين اللغتين . { وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ } أي منتهى الخلق ومصيرهم ، وهو مجازيهم بأعمالهم ، وقيل : منه ابتداء المنّة وإليه انتهاء الآمال . أخبرني الحسن بن محمد السفياني قال : حدّثنا محمد بن سماء بن فتح الحنبلي ، قال : حدّثنا علي بن محمد المصري قال : حدّثنا اسحق بن منصور الصعدي ، قال : حدّثنا العباس بن زفر عن أبي جعفر الرازي عن أبيه عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب " عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه : { وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ } قال : لا فكرة في اللّه " . والشاهد لهذا الحديث ما أخبرني ابن فنجويه ، قال : حدّثنا ابن شيبة ، قال : حدّثنا عمير بن مرداس قال : حدّثنا عبدالرَّحْمن بن إبراهيم السلمي ، قال : حدّثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن سنان بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا ذكر الله عز وجل فانتهوا " . ( أخبرنا ) أبو منصور محمد بن عبد الله الجمشاذي لفظاً سنة سبع وثمانين وثلاثمائة ، قال : حدّثنا أبو محمد عبد الرَّحْمن بن محمد بن مجبور قال : حدّثنا أبو يحيى البزاز قال : حدّثني محمد ابن زكريا ، قال : حدّثني إبراهيم بن الجنيد ، قال : محمد بن يحيى المغني ، قال : حدّثنا داود عم الحسين بن قابيل عن قتادة عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة ، قال : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يتفكرون ، فقال : " فيم أنتم ؟ " قالوا : نتفكر في الخالق . فقال : " تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق ، فإنه لا تحيط به الفكرة ، تفكّروا أنّ الله خلق السموات والأرض سبعاً غلظ كل أرض خمسمائة عام ، وما بين كلّ أرضين خمسمائة عام ، وما بين السماء والأرض خمسمائة عام ، غلظ كل سماء خمسمائة عام ، وما بين كل سمائين خمسمائة عام ، وفي السماء السابعة بحر عمقه مثل ذلك كلّه ، فيه ملك لم يجاور الماء كعبه " " . { وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ } من شاء من خلقه { وَأَبْكَىٰ } من شاء منهم . أخبرنا ابن فنجويه قال : حدّثنا عمر بن الخطاب ، قال : حدّثنا عبدالله بن الفضل ، قال : حدّثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، قال : حدّثتنا دلال بنت أبي المدل ، قالت : حدّثتنا الصهباء ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : " مرّ النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يضحكون فقال : لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلا " فنزل عليه جبريل فقال : إن الله تعالى يقول : { وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ } فرجع إليهم فقال « ما خطوت اربعين خطوة حتى أتى جبريل وقال : أئتِ هؤلاء فقل لهم : إن الله عز وجل يقول : هو أضحك وأبكى " . وقال عطاء بن أبي أسلم : يعني : أفرح وأحزن ، لأن الفرح يجلب الضحك والحزن يجلب البكاء . سمعت ابا منصور الحمساذي يقول : سمعت أبا بكر بن عبدالله الرازي يقول : سمعت يوسف بن جبير يقول : سئل طاهر المقدسي : اتضحك الملائكة ؟ فقال : ما ضحك من دون العرش منذ خلقت جهنم ، وقيل لعمر : هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون ؟ قال : نعم والله ، والإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي ، وقال مجاهد : أضحك اهل الجنة في الجنة ، وأبكى أهل النار في النار ، وقال الضحاك : أضحَك الأرض بالنبات وأبكى السماء بالمطر ، وقيل : أضحك الاسحار بالانوار وأبكى السماء بالأمطار . ذون النون : أضحك قلوب المؤمنين والعارفين بشمس معرفته ، وأبكى قلوب الكافرين العاصين بظلمة نكرته ومعصيته . سهل : أضحك المطيع بالرحمة وأبكى العاصي بالسخط . محمد بن علي الترمذي : أضحك المؤمن في الآخرة ، وأبكاه في الدنيا . قسام بن عبدالله : أضحك اسنانهم وأبكى قلوبهم وأنشد في معناه : @ اللسن تضحك والأحشاء تحترق وإنما ضحكها زور ومختلق يا رُبّ باك بعين لا دموع لها ورُبّ ضاحك سنَ مابه رمق @@ { وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ } أفنى في الدنيا { وَأَحْيَا } للبعث ، وقيل : أمات الآباء وأحيى الأبناء ، وقيل : أمات النطفة وأحيى النسمة ، وقيل : أمات الكافر بالنكرة والقطيعة ، وأحيى المؤمن بالمعرفة والوصلة ، قال سبحانه : { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ } [ الأنعام : 122 ] ، وقال القاسم : أمات عن ذكره وأحيى بذكره . ابن عطاء : أمات بعدله وأحيا بفضله ، وقيل : أمات بالمنع والبخل وأحيى بالجود والبذل .