Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 54, Ayat: 17-49)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ } { فَقَالُوۤاْ أَبَشَراً } آدميّاً واحداً منّا { إِنَّآ إِذاً } ونحن جماعة كثيرة وهو واحد ، وقرأ أبو السماك العدوي بالرفع ، وكلا الوجهين سايغ في عايد الذكر { نَّتَّبِعُهُ } إنْ فعلنا ذلك وتركنا دين آبائنا وتابعناه على دينه ، وهو واحد منا آدمي مثلنا { لَّفِي ضَلاَلٍ } ذهاب عن الصواب { وَسُعُرٍ } قال ابن عباس : يعني وعذاب ، قال الحسن : شدة العذاب . قتادة : عناء . سفيان بن عيينة : هو جمع سعيرة . الفرّاء : جنون ، يقال : ناقة مسعورة إذا كانت خفيفة الرأس هايمة على وجهها . قال الشاعر يصف ناقة : @ تخال بها سعراً إذا السفر هزها ذميل وإيقاع من السير متعب @@ وقال وهب : وسعر : أي بعدٌ من الحق . { أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ } أأُنزل الوحي { الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ } ترح مرح بطر متكبر يريد أن يتعظّم علينا بادّعائه النبوّة . وقال عبدالرَّحْمن بن أبي حماد : الأشِر الذي لا يبالي ما قال ، وقرأ مجاهد { أَشِرٌ } بفتح الألف وضم الشين وهما لغتان مثل حَذِر وحَذُر ويَقِظ ويَقُظ وعَجِل وعَجُل ومَجِد ومَجُد الشجاع . { سَيَعْلَمُونَ } غداً بالتاء شامي ، والأعمش ويحيى وابن ثوبان وحمزة وغيره بالياء ، فمن قرأ بالتاء فهو من قول صالح لهم ، ومن قرأ بالياء فهو من قول الله سبحانه ، ومعنى الكلام : في الغد القريب على عادة الناس في قولهم للعواقب : إنّ مع اليوم غداً ، وإنّ مع اليوم أخاه غداً ، وأراد به وقت نزول العذاب بهم { مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ٱلأَشِرُ } قرأ أبو قلامة : مَن الكذاب الأشر بفتح الشين وتشديد الراء على وزن أفعل من الشر ، والقراءة الصحيحة ما عليه العامة . قال أبو حاتم : لا يكاد العربي يتكلم بالأشَرّ والأخير إلا في ضرورة الشعر كقول رؤبة : @ بلال خير الناس وابن الأخير @@ إنّما يقولون : خير وشر . قال الله عز وجل { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } [ آل عمران : 110 ] وقال سبحانه { أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً } [ يوسف : 77 ] . { إِنَّا مُرْسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ } باعثوها ومخرجوها من الهضبة التي سألوا { فِتْنَةً } محنة { لَّهُمْ فَٱرْتَقِبْهُمْ } وانتظرهم وننظر ما هم صانعون { وَٱصْطَبِرْ } واصبر على ظلمهم وأذاهم ، ولا تعجل حتى يأتيهم أمري ، واصطبر : افتعل من الصبر ، وأصل ( الطاء ) فيه ( تاء ) فحوّلت ( طاء ) لأجل ( الصاد ) . { وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ ٱلْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ } وبين الناقة بالسويّة لها يوم ولهم يوم ، وإنّما قال : بينهم ؛ لأن العرب إذا أخبرت عن بني آدم وعن البهائم غلّبوا بني آدم على البهائم . { كُلُّ شِرْبٍ } نصيب من الماء { مُّحْتَضَرٌ } يحضره من كانت نوبته ، فإذا كان يوم الناقة حضرت شربها ، وإذا كان يومهم حضروا شربهم ، وقال مجاهد : يعني يحضرون الماء إذا غابت الناقة ، وإذا جاءت حضروا اللبن . { فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ } قدار بن سالف وكان أشقر ؛ ولذلك قيل له : أشقر ثمود { فَعَقَرَ } فتناول الناقة بسيفه فعقرها ، ولذلك سمّيت العرب الجزار قداراً تشبيها به ، وقال الشاعر : @ إنّا لنضرب بالسيوف رؤوسهم ضرب القدار نقيعة القدام @@ { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } ثم بيّن عذابهم فقال عز من قائل : { إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ } قرأ الحسن وقتادة بفتح ( الظاء ) أراد الحظيرة ، وقرأ الباقون بكسر ( الظاء ) أرادوا صاحب الحظيرة . قال ابن عباس : هو أن الرجل يجعل لغنمه حظيرة بالشجر والشوك دون السباع ، فما سقط من ذلك فداسته الغنم فهو الهشيم ، وقال قتادة : يعني كالعظام النخرة المحترقة وهي رواية العوفي عن ابن عباس ورواية أبي ظبيان عنه أيضاً ، كحشيش يأكله الغنم ، وقال سعيد بن جبير : هو التراب الذي يتناثر من الحائط . ابن زيد : هو الشجر البالي الذي تهشّم حتى ذرّته الريح ، والعرب تسمّي كل شيء كان رطباً فيبس هشيماً . { وَلَقَد يَسَّرْنَا } هوّنا عليهم { ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ * كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِٱلنُّذُرِ * إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً } ريحاً ترميهم بالحصباء ، وهي الحصى ، وقال بعضهم : هو الحجر نفسه . قال الضحّاك : يعني صغار الحصى ، والحاصب والحصب والحصباء هي الحجر الذي دون ملء الكف ، والمحصب الموضع الذي يرمى فيه الجمار ، وقال سعيد بن المسيب : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأهل المدينة : حصّبوا المسجد ، أي صبّوا فيه الحجارة . ثم استنثى فقال : { إِلاَّ آلَ لُوطٍ } أي أتباعه على دينه من أهله وأُمته { نَّجَّيْنَاهُم } من العذاب { بِسَحَرٍ } قال الأخفش : إنّما أجراه ، لأنه نكرة ، ومجازه : بسحر من الأسحار ، ولو أراد بسحر يوم بعينه لقال : سحر غير مجرى ، ونظيره قوله : { ٱهْبِطُواْ مِصْراً } [ البقرة : 61 ] . { نِّعْمَةً } يعني كان ذلك أو جعلناه نعمة { مِّنْ عِندِنَا } عليهم حيث أنجيناهم وأهلكنا أعداءهم { كَذَلِكَ } كما جزيناهم ، لوطاً وآله { نَجْزِي مَن شَكَرَ } فآمن بالله وأطاعه . { وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ } لوط { بَطْشَتَنَا } أخذنا لهم بالعقوبة قبل حلولها بهم { فَتَمَارَوْاْ بِٱلنُّذُرِ } فكذبوا بإنذاره شكاً منهم فيه وهو تفاعل من المرية . { وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ } طالبوه وسألوه أن يخلّي بينهم وبينهم . يقول العرب : راده تروده وارتاده وراوده يراوده نظيرها { وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ } [ يوسف : 23 ] . { فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ } أي أعميناهم ، وصيّرناها كساير الوجه لا يُرى لها شق ، وذلك أنّهم لما قصدوا دار لوط عليه السلام وعالجوا بابه ليدخلوا ، قالت الرسل للوط : خلِّ بينهم وبين الدخول فإنّا رسل ربك لن يصلوا إليك ، فدخلوا الدار فاستأذن جبريل ربّه عزّ وجل في عقوبتهم فأذن له فصفقهم بجناحه ، فتركهم عمياً يترددون متحيرين لا يهتدون إلى الباب ، وأخرجهم لوط عمياً لا يبصرون . هذا قول عامة المفسّرين ، وقال الضحّاك : طمس الله على أبصارهم فلم يروا الرسل وقالوا : قد رأيناهم حين دخلوا البيت فأين ذهبوا ؟ ، فلم يروهم ورجعوا { فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ } . { وَلَقَدْ صَبَّحَهُم } جاءهم العذاب وقت الصبح { بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ } دائم عام استقر فيهم حتى يُقضى بهم الى عذاب الآخرة . { فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ * وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ ٱلنُّذُرُ } يعني موسى وهارون عليهما السلام . { كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا } التسع { كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ } بالعذاب { أَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ } قادر لا يعجزه ما أراد ، ثم خوّف أهل مكة فقال عز من قائل : { أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ } الذين أحللت بهم نقمتي من قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وآل فرعون { أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ } من العذاب { فِي ٱلزُّبُرِ } الكتب تأمنون . { أَمْ يَقُولُونَ } يعني كفار مكة { نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } أي جماعة لا ترام ولا تضام ، ولا يقصدنا أحد بسوء ، ولا يريد حربنا وتفريق جمعنا إلا انتقمنا منهم ، وكان حقّه : منتصرون فتبع رؤوس الآي . { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ } قراءة العامة على غير تسمية الفاعل ، وقرأ يعقوب بالنون والنصب وكسر الزاي ، وفتح العين على التعظيم { وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } أي الأدبار ، فوحّد والمراد الجمع لأجل رؤوس الآي ، كما يقال : ضربنا منهم الرؤوس ، وضربنا منهم الرأس ، إذا كان الواحد يؤدي عن معنى جميعه ، فصدق الله سبحانه وتعالى وعده وهزمهم يوم بدر . قال مقاتل : ضرب أبو جهل فرسه فتقدم يوم بدر في الصف وقال : نحن منتصر اليوم من محمد وأصحابه . قال سعيد بن المسيب : سمعت عمر بن الخطاب لمّا نزلت { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } : كنت لا أدري أي جمع نهزم ، فلمّا كان يوم بدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ثبت في درعه ويقول : { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } . { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ } جميعاً { وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ } أعظم بليّة وأشدّ مرارة من عذاب يوم بدر . أخبرني الحسين بن محمد قال : حدّثنا عبد الله بن يوسف قال : حدّثنا محمد بن إبراهيم بن زياد ، قالد حدّثنا أبو مصعب قال : حدّثنا مجرد بن هارون عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بادروا بالأعمال سبعاً ما ينتظرون هل هو إلاّ فقر منسي أو غنى مطع أو مرض مفسد أو كبر معند أو موت مجهز ، والدجال شر مستطر ، والساعة والساعة أدهى وأمرّ " . { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ } المشركين { فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } قال الضحاك : يعني ناراً ستعرض عليهم . قال الحسين بن الفضل : إن المجرمين في ضلال في الدنيا ونار في الآخرة ، وقال ابن كيسان : بُعْدٌ من الحق ، وقيل : جنون ، وقال قتادة في عناء وعذاب ، ثم بيّن عذابهم ، فقال : { يَوْمَ يُسْحَبُونَ } يُجرّون { فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } ويقال لهم : { ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } وإنّما هو كقولك : ذق المر السياط . { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ } بالنصب قراءة العامة ، وقرأ أبو السماك العدوي بالرفع { خَلَقْنَاهُ بِقَدَر } قال الحسن : قدر الله لكل شيء من خلقه قدره الذي ينبغي له ، وقال الربيع : هو كقوله : { قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً } [ الطلاق : 3 ] أي أجلا لا يتقدم ولا يتأخر ، وقال ابن عباس : إنّا كل شيء جعلنا له شكلا يوافقه ويصلح له ، فالمرأة للرجل ، والأتان للحمار ، والرمكة للفرس ، وثياب الرجال للرجال لا تصلح للنساء ، وثياب النساء لا تصلح للرجال وكذلك ما شاكلها على هذا . وروى علي بن أبي طلحة عنه قال : خلق الله سبحانه الخلق كلّهم بقدر ، وخلق لهم الخير والشر فخير الخير السعادة ، وشر الشر الشقاوة .