Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 55, Ayat: 1-13)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } نزلت حين قالوا : وما الرَّحْمن ؟ ، وقيل : هو جواب لأهل مكة حين قالوا : إنّما يعلّمه بشر . { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ } قال ابن عباس وقتادة : يعني آدم عليه السلام . { عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ } أسماء كل شيء ، وقيل : علّمه اللغات كلّها ، وكان آدم عليه السلام يتكلم بسبعمائة ألف لغة أفضلها العربية ، وقال آخرون : أراد جميع الناس ؛ لأن الانسان اسم الجنس ثم اختلفوا في معنى البيان ، فروي عن قتادة أنّه قال : علّمه بيان الحلال والحرام ، وبيّن له الخير والشر ، وما يأتي وما يذر ؛ ليحتج بذلك عليه . وقال أبو العالية ومرّة الهمذاني وابن زيد : يعني الكلام . الحسن : النطق والتمييز . محمد ابن كعب : ما يقول وما يقال له . السدي : علّم كل قوم لسانهم الذي يتكلمون به . يمان : الكتابة والخط بالقلم . نظيره { عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ } [ العلق : 4 ] . ابن كيسان : خلق الانسان يعني محمداً صلى الله عليه وسلم علمه البيان يعني بيان ما كان وما يكون ؛ لأنه كان يبيّن عن الأولين والآخرين وعن يوم الدين . { ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ } أي بحساب ومنازل لا تعدّونها ، قاله ابن عباس وقتادة وأبو ملك . قال ابن زيد وابن كيسان : يعني بهما بحسب الأوقات والأعمار والآجال ، لولا الليل والنهار والشمس والقمر لم يدر أحد كيف نحسب شيئاً ، لو كان الدهر كلّه ليلاً كيف نحسب ؟ أو كلّه نهاراً كيف نحسب ؟ وقال الضحاك : يجريان بعدد . مجاهد : كحسبان الرحى يدوران في مثل قطب الرحا . السدي : بأجل كآجال الناس ، فإذا جاء أجلهما هلكا . نظيره { كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى } [ الرعد : 2 ] . يمان : يجريان بأهل الدنيا وقضائها وفنائها . والحسبان قد يكون مصدر حسبت حساباً وحسباناً مثل الغفران والكفران والرجحان والنقصان ، وقد تكون جمع الحساب كالشهبان والرهبان والقضبان والركبان . وارتفاع الشمس والقمر باضمار فعل مجازه الشمس والقمر يجريان بحسبان ، وقيل : مبتدأ وخبره فيما بعده . ونظم الآية الرَّحْمن علم القرآن وقدر الشمس والقمر ، وقيل : هو مردود على البيان ، أي علّمه البيان ، إن الشمس والقمر بحسبان . ويقال : سعة الشمس ستة آلاف فرسخ وأربعمائة فرسخ في مثلها ، وسعة القمر ألف فرسخ في ألف فرسخ . مكتوب في وجه الشمس : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله ، خلق الشمس بقدرته ، وأجراها بأمره ، وفي بطنها مكتوب : لا إله إلاّ الله ، رضاه كلام ، وغضبه كلام ، ورحمته كلام ، وعذابه كلام ، وفي وجه القمر مكتوب : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله ، خلق الله القمر ، وخلق الظلمات والنور ، وفي بطنه مكتوب : لا إله إلاّ الله خلق الخير والشر بقدرته ، يبتلي بهما من يشاء من خلقه ، فطوبى لمن أجرى الله الخير على يديه ، والويل لمن أجرى الله الشر على يديه . { وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } . قيل : هو ما ليس له ساق من الأشجار ، وينبسط على وجه الأرض ، وقال السدّي : هو جمع النبات سمّي نجماً لطلوعه من الأرض ، وسجودها سجود ظلها ، وقال مجاهد وقتادة : هو الكوكب ، وسجوده طلوعه . { وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ } قال مجاهد : العدل ، وقال الحسن والضحاك وقتادة : هو الذي يوزن به ليوصل به الإنصاف والانتصاف ، وقال الحسين بن الفضل : هو القرآن ، وأصل الوزن التقدير . { أَلاَّ تَطْغَوْاْ } يعني لئلاّ تميلوا وتظلموا وتجاوزوا الحق { فِي ٱلْمِيزَانِ * وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ } بالعدل ، وقال أبو الدرداء : أقيموا لسان الميزان بالقسط ، وقال ابن عيينة : الإقامة باليد والقسط بالقلب { وَلاَ تُخْسِرُواْ } ولا تنقصوا { ٱلْمِيزَانَ } ولا تطففوا في الكيل والوزن . قال قتادة في هذه الآية : اعدل يا بن آدم كما تحب أنْ يعدل عليك ، وأوفِ كما تحب أن يوفى لك ، فإن العدل صلاح الناس . وقراءة العامة { تُخْسِرُواْ } بضم التاء وكسر السين ، وقرأ بلال بن أبي بردة بفتح التاء وكسر السين وهما لغتان . { وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ } للخلق ، وقال الحسن : للجن والإنس ، وقال ابن عباس والشعبي : لكل ذي روح . { فِيهَا فَاكِهَةٌ } يعني [ ألوان ] الفواكه ، وقال ابن كيسان : يعني ما يفكههم به من النعم التي لا تحصى ، وكل النعم يُتفكه بها { وَٱلنَّخْلُ ذَاتُ ٱلأَكْمَامِ } أوعية التمر ، واحدها : كم ، وكل ما يسترنا فهو كم وكمة ، ومنه كمّ القميص ، ويقال : للقلنسوة : كمّة ، قال الشاعر : @ فقلت لهم كيلوا بكمّة بعضكم دراهمكم إني كذاك أكيل @@ قال الضحاك : ذات الأكمام أي ذات الغلف . الحسن : أكمامها : ليفها . قتادة : رقابها . ابن زيد : الطلع قبل أن يتفتق . { وَٱلْحَبُّ ذُو ٱلْعَصْفِ } قال مجاهد : هو ورق الزرع ، قال ابن السكّيت : يقول العرب لورق الزرع : العصف والعصيفة والجِل بكسر الجيم ، قال علمقة بن عبدة : @ تسقي مذانب قد مالت عصيفتها حدورها من أتيّ الماء مطموم @@ العصف : ورق الزرع الأخضر إذا قطع رؤوسه ويبس . نظيره { كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ } [ الفيل : 5 ] . { وَٱلرَّيْحَانُ } قال مجاهد : هو الرزق ، وهي رواية عكرمة عن ابن عباس قال : كل ريحان في القرآن فهو رزق . قال مقاتل بن حيان : الريحان : الرزق بلغة حمْيَر . قال الشاعر : @ سلام الإله وريحانه ورحمته وسماء درر @@ سعيد بن جبير عن ابن عباس : الريحان : الريع . الضحّاك : هو الطعام . قال : فالعصف هو التين والريحان ثمرته . الحسن وابن زيد : هو ريحانكم هذا الذي يشم . الوالبي عن ابن عباس : هو خضرة الزرع . سعيد بن جبير : هو ما قام على ساق . وقراءة العامة ( والحبُ ذو العصف والريحان ) كلّها مرفوعاً بالرد على الفاكهة ، ونَصبها كلّها ابن عامر على معنى خلق هذا الانسان وخلق هذه الاشياء ، وقرأ أهل الكوفة إلاّ عاصم ( والريحان ) بالجر عطفاً على العصف . { ِفَبِأَيِّ آلاۤءِ } نِعَم { رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } أيها الثقلان . يدل عليه ما أخبرنا الحسين بن محمد قال : حدّثنا أحمد بن جعفر بن مسلم الحنبلي قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن عبدالخالق قال : حدّثنا عبدالوهاب الوراق قال : حدّثنا أبو إبراهيم الترجماني قال : حدّثنا هشام بن عمار الدمشقي ، قال : حدّثنا الوليد بن مسلم قال : حدّثنا وهب ابن محمد عن ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرَّحْمن حتى ختمها . ثم قال : " ما لي أراكم سكوتاً ؟ للجن أحسن منكم ردّاً ، ما قرأت عليهم هذه الآية مرة { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } إلاّ قالوا : ولا بشيء من نعمك ربّنا نكذب " . وقيل : خاطب بلفظ التثنية على عادة العرب ، وقد مضت هذه المسألة في قوله سبحانه : { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ } [ ق : 24 ] . وأما الحكمة من تكرارها فقال القتيبي : إن الله سبحانه وتعالى عدّد في هذه السورة نعماه ، وذكّر خلقه آلاءه . ثم أتبع ذكر كلّ كلمة وضعها ، ونعمة ذكرها بهذه الآية ، وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقرّرهم بها ، وهو كقولك لرجل : أحسنت إليه وتابعت بالأيادي ، وهو في كل ذلك ينكرك ويكفرك : ألم تكن فقيراً فأغنيتك ؟ أفتنكر ؟ ألم تكن عرياناً فكسوتك ؟ ، أفتنكر هذا ؟ ألم أحملك وأنت راحل ؟ أفتنكر هذا ؟ ألم تكن خاملاً فعززتك ؟ ، أفتنكر هذا ؟ ألم تكن صرورة فحججت بك ؟ أفتنكر هذا ؟ والتكرار سايغ في كلام العرب ، حسن في مثل هذا الموضع . قال الشاعر : @ المم سلومه المم المم @@ وقال الآخر : @ كم نعمة كانت لكم كم كم وكم @@ وقال آخر : @ فكادت فرارة تصلى بنا فاولى فرارة أولى فراراً @@ وقال آخر : @ لا تقطعن الصديق ماطرفت عيناك من قول كاشح أشر ولا تملّنّ من زيارته زره وزره وزر وزر وزر @@ وقال الحسين بن الفضل : التكرار لطرد الغفلة وتأكيد الحجة .