Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 55, Ayat: 14-30)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَٱلْفَخَّارِ * وَخَلَقَ ٱلْجَآنَّ } وهو أب الجن ، وقال الضحاك : هو إبليس ، وقال أبو عبيدة : الجان واحد الجن { مِن مَّارِجٍ } لهب صاف وخالص لا دخان فيه . قال ابن عباس : هو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا لهبت . عكرمة : هو أحسنها . مجاهد : هو ما اختلط بعضه ببعض من اللهب الاحمر والاصفر والاخضر الذي يعلو النار إذا أُوقدت ، وهو من قولهم : مرج القوم إذا اختطلوا ، ومرجت عهودهم وأماناتهم . { مِّن نَّارٍ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ } مشرق الصيف والشتاء { وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ } مغرب الصيف والشتاء . { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } { مَرَجَ } أرسل { ٱلْبَحْرَيْنِ } العذب والملح وخلاّهما وخلقهما { يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ } حاجز وحائل من قدرة الله وحكمته { لاَّ يَبْغِيَان } لا يختلطان ولا يتغيران ولا يبغي أحدهما على صاحبه ، وقال قتادة : لا يبغيان على الناس بالغرق ، وقال الحسن : ( مرج البحرين ) يعني بحر الروم وبحر الهند واسم الحاجز بينهما ، وعن قتادة أيضاً : يعني بحر فارس والروم ، ( بينهما برزخ ) وهو الجزائر ، وقال مجاهد والضحاك : يعني بحر السماء وبحر الأرض يلتقيان كل عام . { يَخْرُجُ } قرأ أهل المدينة وأبو عمرو ويعقوب بضم الياء وفتح الراء على غير تسمية الفاعل ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم . الباقون على الضدّ . { مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ } أي من البحرين ، قال أهل المعاني : إنّما يخرج من أحدهما وهو الملح دون العذب ، ولكن هذا جائز في كلام العرب ان يذكر شيئاً ثم يخصّ أحدهما بفعل دون الآخر ، كقول الله سبحانه : { يَامَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ } [ الأنعام : 130 ] والرسل من الإنس دون الجن ، قاله الكلبي . قال : وجعل القمر فيهن نوراً وإنما هو في واحدة منهما ، وقال بعضهم يخرج من ماء السماء وماء البحر اللؤلؤ وهو أعظم من الدر ، واحدتها لؤلؤة . { وَالمَرْجَانُ } وهو صغارها ، وقال مرّة : المرجان جيّد اللؤلؤ ، وروى السدّي عن أبي مالك أن المرجان الخرز الأحمر ، وقال عطاء الخراساني هو البسذ ، يدل عليه قول ابن مسعود : المرجان حجر ، والذي حكينا من أن المراد بالبحرين القطر والبحر ، وأن الكناية في قوله : ( منهما ) راجعة إليهما [ وهو ] قول الضحاك ، ورواية عطية عن ابن عباس وليث عن مجاهد . وتصديقهم ما أخبرنا ابن فنجويه قال : حدّثنا علي بن محمد بن لؤلؤ قال : أخبرنا الهيثم بن خلف قال : حدّثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال : حدّثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج قرأ { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } قال : إذا مطرت السماء فتحت الأصداف أفواهها ، فحيث وقعت قطرة كانت لؤلؤة . ولقد ذكر لي أن نواة كانت في جوف صدف ، فأصابت بعض النواة ولم يصب بعضها فكانت حيث القطرة من النواة لؤلؤة وسائرها نواة . وأخبرنا الحسين قال : حدّثنا موسى بن محمد بن علي بن عبدالله قال : قرأ أبي على أبي محمد بن الحسن بن علويه القطان من كتابه وأنا اسمع ، قال : حدّثنا بعض أصحابنا قال : حدّثني رجل من أهل مصر يقال له : طسم قال : حدّثنا أبو حذيفة عن أبيه عن سفيان الثوري في قول الله سبحانه : { مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ } قال : فاطمة وعلي { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } قال : الحسن والحسين . وروي هذا القول أيضاً عن سعيد بن جبير ، وقال : { بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ } محمد صلى الله عليه وسلم والله أعلم . وقال أهل الإشارة { مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ } أحدهما معرفة القلب والثاني معصية النفس ، بينهما برزخ الرحمة والعصمة . { لاَّ يَبْغِيَانِ } لا تؤثر معصية النفس في معرفة القلب ، وقال ابن عطاء : بين العبد وبين الرب بحران : أحدهما بحر النجاة ، وهو القرآن من تعلق به نجا ، والثاني بحر الهلاك وهو الدنيا من تمسك بها وركن إليها هلك ، وقيل : بحرا الدنيا والعقبى ، بينهما برزخ وهو القبر قال الله سبحانه : { وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [ المؤمنون : 100 ] . { لاَّ يَبْغِيَانِ } لا يحل أحدهما بالآخر ، وقيل : بحرا العقل والهوى { بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ } لطف الله تعالى . { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } التوفيق والعصمة ، وقيل : بحر الحياة وبحر الوفاة ، بينهما برزخ وهو الأجل ، وقيل : بحر الحجة والشبهة ، بينهما برزخ وهو النظر والاستدلال { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } الحق والصواب . { فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * وَلَهُ ٱلْجَوَارِ } السفن الكبار { ٱلْمُنشَئَاتُ } كسر حمزة سينها ، وهي رواية المفضل عن عاصم تعني المقبلات المبتديات اللاتي أنشأن بجريهن وسيرهن ، وقرأ الآخرون بفتحه أي المخلوقات المرفوعات المسخّرات { فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } كقول الناس : ( ما عليها أكرم من فلان ) يعنون الأرض ، وما بين لابتيها أفضل منه يريدون جُزئَي المدينة { فَانٍ } هالك ، قال ابن عباس : لمّا أُنزلت هذه الآية قالت الملائكة : هلك أهل الأرض فأنزل الله تعالى { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } [ القصصص : 88 ] فأيقنت الملائكة بالهلاك . { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلاَلِ } قراءة العامة بالواو ، وقرأ عبد الله ذي الجلال بالياء نعت الربّ . أخبرني الحسين احمد بن جعفر بن حمدان بن عبد الله قال : حدّثنا عبد الله بن أحمد بن منصور الكناني قال : حدّثنا الحرث بن عبد الله قال : أخبرنا عبد الرَّحْمن بن عثمان الوقاصي ، قال : حدّثنا محمد بن كعب القرظي قال : قال عبد الله بن سلام : بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا ابن سلام إنّ الله عز وجل يقول : { ذُو ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ } فأمّا الإكرام فقد عرفت فما الجلال ؟ فقال : بأبي أنت إنّا نجد في الكتب أنّها الجنة المحيطة بالعرش . قال : فكم بينهما وبين الجنات التي يسكن الله عباده ؟ قال : مدى سبعمائة سنة ، قال : فنزل جبرئيل بتصديقه . وأخبرني الحسين قال : حدّثنا ابن حمدان قال : حدّثنا بن ماهان قال : حدّثنا موسى بن إسماعيل قال : حدّثنا حماد بن سلمة قال : حدّثنا سعيد الجزيري عمّن سمع اللجلاج يقول : سمعت معاذ بن جبل وكان له أخاً وصديقاً قال : سمعته يقول : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ برجل يصلّي وهو يقول : يا ذا الجلال والإكرام . فقال صلى الله عليه وسلم " قد استجيب لك " " . وأخبرني الحسين قال : حدّثنا محمد بن الحسن بن بشر قال : حدّثنا أبو بكر بن أبي الخصيب المصيصي قال : حدّثنا هلال بن العلاء قال : حدّثنا أبو الجرار قال : حدّثنا عمار بن زريق عن الأعمش عن يزيد الرقاشي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أَلِظوا ب ( يا ذا الجلال والإكرام ) " . واخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن صقلاب قال : حدّثنا ابن أبي الخصيب . قال : حدّثنا محمد بن يونس عن بسر بن عمر قال : حدّثنا وهيب بن خالد عن ابن عجلان عن سعيد المنقري قال : الحح رجل فقعد ينادي : يا ذا الجلال والإكرام . فنودي : إني قد سمعت فما حاجتك ؟ { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَسْأَلُهُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } من ملك وإنس وجنّ وغيرهم لا غنى لأحد منهم منه قال ابن عباس : وأهل السماوات يسألونه المغفرة ، ولا يسألونه الرزق ، وأهل الأرض يسألونه الرزق والمغفرة . { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } قال مقاتل : أُنزلت في اليهود حين قالوا : إن الله لا يقضي يوم السبت شيئاً ، فأنزل الله سبحانه : { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } . أخبرني أبو القاسم عبد الرَّحْمن بن محمد إبراهيم الحوضي قال : أخبرنا أبو أحمد عبد الله ابن عدي الحافظ قال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن طويط أبو القاسم البزاز قال : حدّثنا إبراهيم ابن محمد بن يوسف الفريابي قال : حدّثنا عمر بن بكر قال : حدّثنا حارث بن عبيدة بن رياح الغسّاني عن أبيه عن عبدة بن أبي رياح عن مثبت بن عبد الله الأزدي عن أبيه عن عبد الله بن منيب قال : " تلا علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ } فقلنا : يا رسول الله وما ذاك الشأن ؟ قال : " يغفر ذنباً ، ويفرج كرباً ، ويرفع قوماً ، ويضع آخرين " " . وحدّثنا أبو بكر محمد بن احمد بن عبدوس إملاءً قال : أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد ابن يحيى البزاز ، قال : حدّثنا يحيى بن الربيع المكي قال : حدّثنا سفيان بن عيينة قال : حدّثنا أبو حمزة الثمالي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : إن ممّاخلق الله سبحانه وتعالى لوحاً من درّة بيضاء ، دفتاه ياقوتة حمراء ، قلمه نور وكتابه نور ، ينظر الله سبحانه فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء ، فذلك قوله سبحانه { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } . وقال مجاهد وعبيدة بن عمير : من شأنه أن يجيب داعياً ويعطي سائلا ويفكّ غائباً ويشفي سقيماً ويغفر ذنباً ويتوب على قوم ، وقال سفيان بن عيينة : الدهر كله عند الله سبحانه يومان : أحدهما مدة أيام الدنيا والآخر يوم القيامة ، والشأن الذي هو فيه اليوم الذي هو مدة الدنيا ، الاختبار بالأمر والنهي والإحياء والإماتة والإعطاء والمنع ، وشأن يوم القيامة الجزاء والحساب والثواب والعقاب ، وقال الحسين بن الفضل هو سوق المقادير إلى المواقيت . ويقال : شأنه سبحانه أنّهُ يخرج في كل يوم وليلة ثلاثة عساكر : عسكراً من أصلاب الآباء إلى الأرحام ، وعسكراً من الأرحام إلى الدنيا ، وعسكراً من الدنيا إلى القبور ، ثم يرحلون جميعاً إلى الله سبحانه ، وقال الربيع بن أنس : يخلق خلقاً ويميت آخرين ويرزقهم ويكلؤهم . سويد بن جبلة الفراري : يعتق رقاباً ويقحم عقاباً ويعطي رغاباً ، وقال بعضهم : هو الجمع والتفريق . أبو سليمان الداراني : هو إيصاله المنافع إليك ، ودفعه المضار عنك . فلم نغفل عن طاعة من لا يغفل عنا ؟ وقال أيضاً : في هذه الآية كل يوم له إلى العبيد برّ جديد . ويحكى أن بعض الأمراء سأل وزيره عن معنى هذه الآية فلم يعرفه واستمهله إلى الغد ، فرجع الوزير إلى داره كئيباً ، فقال له غلام أسود من غلمانه : يا مولاي ما أصابك ؟ فزجره . فقال : يا مولاي ، أخبرني ، فلعلّ الله سبحانه يسهّل لك الفرج على يديّ ، فأخبره بذلك فقال له : عد إلى الأمير وقل له : إن لي غلاماً أسود إن أذنت له فسّر لك هذه الآية ، ففعل ذلك ودعا الأمير الغلام وسأله عن ذلك فقال : أيها الأمير شأن الله هو انه يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ، ويخرج الميت من الحي يخرج الحي من الميت ، ويشفي سقيماً ، ويسقم سليماً ، ويبتلي معافىً ، ويعافي مبتلىً ، ويعز ذليلا ، ويذل عزيزاً ، ويفقر غنياً ويغني فقيراً . فقال الأمير : أحسنت يا غلام ، قد فرّجت عني . ثم أمر الوزير بخلع ثياب الوزارة وكساها الغلام ، فقال : يا مولاي ، هذا شأن الله عز وجل . { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } .