Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 127-132)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ } يعني الجنة في الآخرة . قال أكثر المفسرين : السلام هو اللّه عز وجل وداره الجنة . وقيل : سميت الجنة دار السلام لسلامتها من الآفات والعاهات . وقيل : لأن من دخلها سلم من البلايا والرزايا أجمع . وقيل : لأنها سلمت من دخول أعداء اللّه كيلا ينتغص أولياء الله فيها كما يُنغّص مجاورتهم في الدنيا . وقيل : سميت بذلك لأن كل حالة من حالات أهلها مقرونة بالسلام فاما إبتداء دخولها فقوله { لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ } وبعد ذلك قوله { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ } الآية [ الرعد : 23 ] . وبعده قوله { وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } [ يونس : 10 ] وبعده قوله { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً } [ مريم : 62 ] وقوله { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً * إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً } [ الواقعة : 25 - 26 ] وبعده قوله { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ } [ الأحزاب : 44 ] وبعد ذلك { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } [ يس : 58 ] . فلما كان حالات أهل الجنة مقرونة بالسلام إما من الخلق وإما من الحق سمّاها اللّه دار السلام { وَهُوَ وَلِيُّهُمْ } ناصرهم ومعينهم { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } . قال الحسن بن الفضل : يعني يتولاهم في الدنيا بالتوفيق وفي الآخرة بالجزاء . { وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } الجن والإنس يجمعهم في يوم القيامة فيقول : { يَامَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ } أي من إضلال الناس وإغوائهم { وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ } الذين أطاعوهم { رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ } . قال الكلبي : إستمتاع الإنس بالجن . هو أن الرجل إذا سافر أو خرج فمشى بأرض قفر أو أصاب صيداً من صيدهم فخاف على نفسه منهم . فقال : أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه فيثبت جواز منهم ، واستمتاع الجن بالإنس هو أن قالوا : قد سدنا الإنس مع الجن حتى عاذوا بنا فيزدادون شرفاً في قومهم وعظماً في قومهم وهذا معنى قوله تعالى { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ } الآية [ الجن : 6 ] . وقال محمد بن كعب وعبد العزيز بن يحيى : هو طاعة بعضهم بعضاً وموافقة بعضهم بعضاً وقيل : إستمتاع الإنس بالجن بما كانوا يأتون إليهم . من الأراجيف والسحر والكهانة ، فاستمتاع الجن بالإنس إغراء الجن الإنس واتباع الإنس إياهم { وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا } يعني الموت والبعث . قال اللّه تعالى { قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } يعني قدّر مدة ما بين بعثهم إلى دخولهم جهنم . قال ابن عباس : هذا الإستثناء هو أنه لا ينبغي لأحد أن يحكم على اللّه في خلقه لا يولهم جنة ولا ناراً . وقال الكلبي : إلا ما شاء اللّه وكان ما شاء اللّه أبداً . وقيل : معناه النار مثواكم خالدين فيها سوى ما شاء الله من أنواع العذاب وقيل : إلا ما شاء اللّه من إخراج أهل التوحيد من النار . وقيل : إلا ما شاء اللّه أن يزيدهم من العذاب فيها . وقيل : إلا ما شاء اللّه من كونهم في الدنيا بغير عذاب . وقال عطاء : إلا ما شاء اللّه من الحق في عمله أن يؤمن فمنهم من آمن من قبل الفتح ومنهم من آمن من بعد الفتح . { إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ * وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } . روي عن قتادة : يجعل بعضهم أولياء بعض . والمؤمن ولي المؤمن والكافر ولي الكافر حيث كان . وروى معمر عن قتادة : تبع بعضهم بعضاً في النار من الموالاة . وقيل : معناه نولي ظلمة الإنس ظلمة الجن ونولي ظلمة الجن ظلمة الإنس ، يعني نَكِلُ بعضهم إلى بعض كقوله { نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ } [ النساء : 115 ] . قال ابن زيد : نسلط بعضهم على بعض . يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : " من أعان ظالماً سلّطه اللّه عليه " . وقال مالك بن دينار : قرأت في كتب اللّه المنزلة : إن اللّه تعالى قال : أُفني أعدائي بأعدائي ثم أُفنيهم بأوليائي . وروى حيان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : تفسيرها : هو أن اللّه تعالى إذا أراد بقوم خيراً ولى أمرهم خيارهم وإذا أراد بقوم شراً ولى أمرهم شرارهم . وفي الخبر : يقول اللّه : إني أنا اللّه لا إله إلاّ أنا مالك الملوك قلوبهم ونواصيهم فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة ، فلا تشتغلوا بسبّ الملوك ولكن توبوا إلى اللّه تعالى بعطفهم عليكم . { يَامَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ } . قال الأعرج وابن أبي إسحاق : تأتكم بالتاء كقوله : { لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ } [ الأعراف : 43 ] . قرأ الباقون : بالياء كقوله تعالى { مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ } { يَقُصُّونَ } يقرأون { عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } وهو يوم القيامة . واختلف العلماء في الجن هل أُرسل إليهم رسول أم لا ؟ فقال عبيد بن سليمان : سئل الضحاك عن الجن هل كان فيهم مؤمن قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ألم تسمع قوله تعالى : { يَامَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ } يعني بذلك رسلاً من الإنس ورسلاً من الجن . قال الكلبي : كانت الرسل قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم يبعثون إلى الجن والإنس جميعاً . قال مجاهد : الرسل من الإنس . والنذير من الجن ثم قرأ { وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } [ الأحقاف : 29 ] . قال ابن عباس : هم الذين استمعوا القرآن وأبلغوه قومهم . وقال أهل المعاني : لم يكن من الجن رسول وإنما الرسل من الإنس خاصة وهذا كقوله تعالى { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } [ الرحمن : 22 ] وإنما يخرج من المالح دون العذب . وقوله { وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ } [ الحج : 28 ] وهي أيام العشر وإنما الذبح في يوم واحد من العشر فهو يوم النحر . وقوله { وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً } [ نوح : 16 ] وإنما هو في سماء واحدة { قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَشَهِدُواْ } أقروا { عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ * ذٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ } أي بشرك من أشرك { وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ } حتى يبعث إليهم رسلاً ينذرونهم . وقيل : معناه : لم يكن ليهلكهم دون البينة والتذكير بالرسل والآيات فيكون قد ظلمهم { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ } يعني بالثواب والعقاب على قدر أعمالهم في الدنيا منهم من هو أشد عذاباً ومنهم من هو أجزل ثواباً { وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } .