Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 133-140)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَرَبُّكَ ٱلْغَنِيُّ } بعلمه { ذُو ٱلرَّحْمَةِ } بهم { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ } ثم يميتكم ويهلككم { وَيَسْتَخْلِفْ } يخلق { مِن بَعْدِكُمْ مَّا يَشَآءُ } خلقاً غيركم أمثل وأطوع منكم . وقال عطاء : يريد الصحابة والتابعين { كَمَآ أَنشَأَكُمْ مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ } قرناً بعد قرن ، وقال مقاتل : يعني أهل سفينة نوح . وقرأ زيد بن ثابت : ذرية بكسر الذال مشدّدة . وقال أبان بن عثمان : ذرية بفتح الذال وكسر الراء خفيفة على قدر فعله ، الباقون : بضم الذال مشددة ، وهي لغات صحيحة . وقال ثعلب : الذرية بالكسر الأصل ، والذرية بالضم الولد { إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ } لجائي كائن { وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ } بفائتين سابقين أي حيث كنتم يدرككم . والإعجاز أن يأتي بالشيء يعجز عنه خصمه ويقصر دونه فيكون قد قهره وجعله عاجزاً عنه { قُلْ } يا محمد لهم { يَاقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ } . قال ابن عباس : على ناحيتكم . قال ابن زيد : على حيالكم . يمان : على مذاهبكم . عطاء : على حالتكم التي أنتم عليها . مقاتل : على جديلتكم . مجاهد : على وتيرتكم . الكلبي : على منازلكم . وقيل : إعملوا ما أمكنكم . قرأ السلمي وعاصم : مكاناً لكم على الجمع في كل القرآن . { إِنَّي عَامِلٌ } يقول إعملوا ما أنتم عاملون فإني عامل ما أمرني ربي ، وهذا أمر وعيد وتهديد لا أمر إباحة وإطلاق كقوله { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } [ فصلت : 40 ] . وقال الكلبي : معناه إعملوا ما أمكنكم من أمري فإني عامل في أموركم بإهلاك . { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ } قرأ مجاهد وأهل الكوفة : يكون بالياء ، الباقون : بالتاء ، { لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ } يعني الجنة { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } أي لا يأمن الكافرون . قال عطاء : لا يبعد . وقال الضحاك : لا يفوز . وقال عكرمة : لا يبقى في الثواب . { وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَامِ نَصِيباً } . قال المفسرون : كانوا يجعلون للّه من حروثهم وأنعامهم وثمارهم وسائر أموالهم نصيباً وللأوثان نصيباً فما كان للصنم أنفق عليه ، وما كان للّه أطعم الضيفان والمساكين ولا يأكلون من ذلك كله شيئاً فما سقط مما جعلوا للّه في نصيب الأوثان تركوه . وقالوا : إن اللّه غني عن هذا ، وإن سقط مما جعلوه للأوثان في نصيب اللّه التقطوه فردوه إلى نصيب الصنم وقالوا : إنه فقير . وكانوا إذا بذروا ما وقع من بذر اللّه في حصة الصنم تركوه ، وما وقع من حصّة الصنم في حصّة اللّه تعالى ردوه وان انفجر من سقي ماء جعلوه للشيطان في نصيب اللّه ، شدّوه ، وإن انفجر من سقي ماء جعلوه للّه في نصيب الشيطان تركوه . فإذا هلك الذي سموا لشركائهم أو أجدب وكثر الذي للّه ، قالوا : ليس لآلهتنا بدّ من نفقة فأخذوا الذي للّه وأنفقوا على الهتهم فإذا أجدب الذي للّه وكثر الذي لآلهتهم قالوا : لو شاء اللّه لأزكى الذي له فلا يردون عليه شيئاً مما للآلهة فإذا أصابتهم السنة استعانوا بما جزوا منه ووفروا ما يجزون لشركائهم وذلك قوله تعالى مما { ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَامِ نَصِيباً } أي مما خلف من الحرث والأنعام نصيباً ، وفيه إضمار واختصار مجازه : وجعلوا للّه نصيباً ولشركائهم نصيباً { فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ } . يحيى بن رئاب والسلمي والأعمش والكسائي : بالضم . وقرأ الباقون : بالفتح . وهما لغتان وهوالقول من غير حقيقة . سمعت الحسين يقول : سمعت العنبري عن أبي العباس الأزهري عن أبي حاتم إنه قال : قال شريح القاضي : إن لكل شيء كنية وكنية الكذب زعموا ، والزعم أيضاً في الطمع { وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا } يعني الأوثان { فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ للَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } أي بئس ما كانوا يقضون { وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ } أي كما زين لهم تحريم الحرث والأنعام كذلك زين { لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ } ( ساء ) موضع فرفع والمعنى : ساء الحكم حكمهم { شُرَكَآؤُهُمْ } يعني شياطينهم زيّنوا وحسّنوا لهم وأد البنات خيفة العيلة . وقال الكلبي : شركاؤهم سدنة الهتهم هم الذين كانوا يزينوّن للكفار قتل أولادهم . وكان الرجل في الجاهلية يحلف باللّه لئن ولد له كذا غلاماً لينحرنَّ أحدهم كما حلف عبد المطلب على إبنه عبد اللّه . وقرأ أهل الشام : { زُيِّنَ } بالضم ، { قَتْلَ } : رفع ، { أَوْلادُهُمْ } نصب ، { شُرَكَآئهِمْ } بالخفض على التقديم ، كأنه قال : زين لكثير من المشركين قتل شركائهم أولادهم . ففرّقوا بين الفعل وفاعله . يقول الشاعر : @ يمر على ما يستمر وقد شقت غلائل غير نفس صدورها @@ يريد شقت . عبد القيس : غلايل صدورها . وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي : زين بضم الزاي قتلُ رفعاً ، أولادِهم خفضاً ، شركاؤهم رفعاً على [ التوضيم ] والتكرير . كأنه لما قال : زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم . تم الكلام . ثم قال : من زيّنه ؟ فقال : شركاؤهم أي زيّنه شركاؤهم فارتفع الشركاء بفعل ضمير دلّ عليه زُين ، كما تقول : أكل اللحم زيد : كأنه قيل : من الآكل فتقول زيد . قال الشاعر : @ ليبك لزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح @@ فزيد مفعول مستقل بنفسه غير مسمّى فاعله ، ثم بيّن فقال : ضارع . أي ليبكيه ضارع ، وقوله تعالى { لِيُرْدُوهُمْ } ليهلكوهم { وَلِيَلْبِسُواْ } أي ليخلطوا ويشبهوا { عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ } وكانوا على دين إسماعيل فرجعوا عنه { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ } هداهم ووفقهم وعصمهم عن { مَا فَعَلُوهُ } ذلك من تحريم الأنعام والحرث ، وقيل : الأولاد { فَذَرْهُمْ } يا محمد { وَمَا يَفْتَرُونَ } يختلقون على اللّه الكذب فإن اللّه لهم بالمرصاد ولا يخلف الميعاد { وَقَالُواْ } يعني المشركين { هَـٰذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ } يعني ما كانوا جعلوه للّه ولآلهتهم التي قد مضى ذكرها . وقال مجاهد : يعني بالأنعام ، البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، والحجر : الحرام . قال اللّه تعالى ويقولون { حِجْراً مَّحْجُوراً } [ الفرقان : 22 ] أي حراماً حرماً . قال الليث : @ حنّت إلى النخلة القصوى فقلت لها حجر حرام ألا تلك الدهاريس @@ وأصله من الحجر وهو المنع والحظر ، ومنه : حجر القاضي على المفسد . وقرأ الحسن وقتادة : وحرث حجر بضم الحاء وهما لغتان . وقرأ أُبي بن كعب وابن عباس وابن الزبير وأبي طلحة والأعمش : وحرث حرج بكسر الحاء والراء قبل الجيم وهي لغة أيضاً مثل جذب وجبذ . وأنشد أبو عمرو : @ ألم تقتلوا الحرجين إذ أعرضا لكم يمران بالأيدي اللحاء المضفرا @@ { لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ } يعنون الرجال دون النساء { وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا } يعني الحامي إذا ركب ولد ولده . قالوا : حمى ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه { وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا } . قال مجاهد : كانت لهم من أنعامهم طائفة لا يذكرون اسم اللّه عليها ولا في شيء من شأنها لا أن ركبوا ولا أن حلبوا ولا أن نتجوا ولا أن باعوا ولا أن حملوا . وقال أبو عاصم : قال لي أبو وائل : أتدري ما أنعامٌ حرمت ظهورها ؟ قلت : لا . قال : لا يحجّون عليها . وقال الضحاك : هي التي إذا ذكوها أهلوا عليها بأصنامهم ولا يذكرون إسم اللّه عليها { ٱفْتِرَآءً عَلَيْهِ } يعني إنهم كانوا يفعلون ذلك ويزعمون إن اللّه أمرهم به { سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ * وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا } . قال ابن عباس والشعبي وقتادة : يعني ألبان النحائر كانت للذكور دون النساء فإذا ماتت اشترك في لحمها ذكورهم وإناثهم . وقال السدي : يعني أخذ النحائر ما ولد منها أُخذ خالص للرجل دون النساء [ وأما ما ولد ميت فيأكله ] الرجال والنساء ، ودخل الهاء في ( خالصة ) على التأكيد والمبالغة ، كما فعل ذلك بالراوية والنسابة والعلامة . قال الفراء : أُهلت الهاء لتأنيث الأنعام ، لأن مافي بطنها مثلها ، فأنث لتأنيثها قال : وقد يكون الخالصة كالعاقبة ومنه قوله { إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ } [ ص : 46 ] ، وقرأ عبد الله والأعمش : خالص لذكورنا بغير الهاء ردّاً إلى ما ، وقرأ ابن عبّاس : خالصة بالإضافة [ ويخلص ] والخالصة والخليصة والخلصان واحد . قال الشاعر : @ كنت أميني وكنت خالصتي وليس كل إمرىء بمؤتمن @@ { وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَاجِنَا } يعني النساء { وَإِن يَكُن مَّيْتَةً } قرأ أهل المدينة : تكن بالتاء ، ميتةٌ بالرفع على معنى : وإن تقع الأنعام ميتة ، وقرأ أهل مكّة : يكن بالياء ، ميتة بالرفع على معنى : وإن يقع ما في بطون الأنعام ميتةً ، وقرأ الأعمش : تكن بالتاء ، ميتة نصباً على معنى : وإن يكن [ ما في بطون الأنعام ميتة ] وقرأ الباقون : يكن بالياء ، ميتة بالنصب ، ردّوه إلى ما يؤيّد ذلك قوله : { فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ } ولم يقل : فيها . { سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ } أي بوصفهم وعلى وصفهم الكذب على الله كقوله { وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ } [ النحل : 62 ] والوصف والصفة واحد كالوزن والزنة والوعد والعدة ، { إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ * قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوۤاْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً } الآية نزلت في ربيعة ومضر وفي العرب الذين يدفنون بناتهم أحياء مخافة السبي والفقر ، إلاّ ما كان من بني كنانة فإنّهم كانوا لا يفعلون ذلك . وقرأ أبو عبد الرحمن والحسن وأهل مكّة والشام : قتّلوا ، مشدداً على التكثير والباقون بالتخفيف { بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ } يعني البحيرة والسائبة والوصيلة والحام افتراءً على الله حين قالوا : إنّ الله أمرهم بها { قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ * وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَ } اخترع وابتدع { جَنَّاتٍ } بساتين .