Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 29-35)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقَالُوۤاْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا } فيه تقديم وتأخير ، وكان عبد الرحمن بن زيد بن أسلم يقول : هذا من قولهم : لو ردوا لقالوا { وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } بعد الموت { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ } قيل : على حكم اللّه [ … ] فهم [ وتكلمنا اليدين ] بأمر اللّه { قَالَ أَلَيْسَ هَـٰذَا } العذاب { بِٱلْحَقِّ * قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا } إنّه حق { قَالَ فَذُوقُواْ ٱلعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } . أي بكفركم { قَدْ خَسِرَ } وكس وهلك { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ } بالبعث بعد الموت { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلسَّاعَةُ } القيامة ، { بَغْتَةً } فجأة { قَالُواْ يٰحَسْرَتَنَا } ندامتنا { عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا } قصرّنا { فِيهَا } في الطامة ، وقيل : تركنا في الدنيا من عمل الآخرة . وقال محمد بن جرير : الهاء راجعة إلى الصفقة ، وذلك إنه لما تبين لهم خسران صفقتهم بيعهم الإيمان بالكفر والدنيا بالآخرة ، قالوا : يا حسرتنا على ما فرطنا فيها ، أي في الصفقة فترك ذكر الصفقة كما يقول { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ } لأن الخسران لا يكون إلاّ في صفقة بيع . قال السدي : يعني على ما ضيعنا من عمل الجنة ، يدل عليه ما روى الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية قال : " يرى أهل النار منازلهم من الجنة فيقولون : يا حسرتنا " { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ } آثامهم وأفعالهم . قال أبو عبيد : يقال للرجل إذا بسط ثوبه فجعل فيه المتاع : إحمل وزرك ووزرتك واشتقاقه من الوزر الذي يعتصم به ولهذا قيل : وزر لأنّه كأنّه الذي يعتصم به الملك أو النبي ومنه قوله تعالى { وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي } [ طه : 29 - 30 ] { عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ } . قال السدي وعمرو بن قيس الملائي : إن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله أحسن شيء صورة وأطيب ريحاً ، يقول : هل تعرفني ؟ يقول : لا ، إلاّ أن اللّه عز وجل قد طيب ريحك وحسّن صورتك ، فيقول : كذلك كتب في الدنيا أنا عملك الصالح طال ما ركبتك في الدنيا فاركبني اليوم أنت . وقرأ { يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً } [ مريم : 85 ] أي ركباناً ، فإن الكافر تستقبله أقبح شيء صورة وأنتنه ريحاً فيقول : هل تعرفني ؟ فيقول : لا إلاّ أن اللّه عز وجل قد قبح صورتك وأنتن ريحك ، فيقول : لما كان عملك في الدنيا ، أنا عملك السيء طالما ركبتني في المساء فأنا أركبك اليوم وذلك قوله { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } . قال الزجاج : لا يزر إليهم أوزارهم ، كما يقول الضحّاك : نصب عيني وذكرك محيي قلبي { أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } أي يحملون ويعملون { وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ } باطل وغرور لا يبقى ، وهذا تكذيب من اللّه للكفار في قولهم { وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا } [ الجاثية : 24 ] الآية { وَلَلدَّارُ ٱلآخِرَةُ } قرأتها العامة رفعاً على نعت الواو ، وإضافة أهل الشام لاختلاف اللفظين كقوله : ربيع الأول ، ومسجد الجامع { وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ } [ ق : 9 ] سميت الدنيا لدنوّها ، وقيل : لدناءتها وسميت الآخرة لأنها بعد الدنيا { خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ } من الشرك { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أي الآخرة أفضل من الدنيا { نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ } الآية . قال السدي : إلتقى الأخفش بن شريق وأبو جهل بن هشام فقال الأخفش لأبي جهل : يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب ، فإنه ليس ها هنا أحد يسمع . كلامك غيري ؟ فقال له أبو جهل : واللّه إن محمداً لصادق ، وما كذب محمد قط ، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش ، فأنزل اللّه عز وجل هذه الآية . وقال أبو يزيد المدني : " لقي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أبا جهل فصافحه فلقيه بعض شياطينه فقال له : يأتيك تصافحه ؟ قال : واللّه إني أعلم إنه لصادق ولكنا متى كنا تبعاً لعبد مناف ، فأنزل اللّه عز وجل هذه الآية " . وقال ناجية بن كعب : قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم ما نتهمك ولا نكذبك ولكن نتهم الذي جئت به ونكذبه ، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية . وقال مقاتل : نزلت في الحرث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف بن قصي كان يكذب النبي صلى الله عليه وسلم في العلانية فإذا خلا مع أهل بيته قال : ما محمد من أهل الكذب فلا أحسبه إلاّ صادقاً ، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم إنا لنعلم إن الذي له حق وإنه لا يمنعنا أن نتبع الهدى معك إلاّ مخافة أن يتخلفنا البأس من أرضنا يعني العرب فإنا [ ثمن ] أكلة رأس ولا طاقة لنا بهم فأنزل اللّه عز وجل هذه الآية { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ } بأنك كاذب وساحر ومجنون { فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ } أي لا ينسبونك إلى الكذب ولا يقولون لك : كذبت . وقرأ نافع والكسائي : يكذبونك بالتخفيف وهي قراءة علي رضي الله عنه يعني : ولا يجدونك كاذباً ، يقول العرب : أجدبت الأرض وأخصبتها وأحييتها وأهجتها إذا وجدتها جدبة وخصبة ويعيدوا ناتجة للنبات . قال رؤبة : @ وأهيج الخلصاء من ذات البرق @@ أي وجدتها ناتجة للنبات . قال الكسائي : يقول العرب : أكذبت الرسل إذا أخبرت إنه قول الكذب فرواه وكذبته إذا أجزت إنه كاذب { وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ } [ تسلية نبيه ] يقولون : كذبهم قومهم كما كذبتك قريش { فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ } قال الكلبي : يعني القرآن . وقال عكرمة : يعني قوله { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا } [ الصافات : 171 ] { وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ } إلى قوله : { الْغَالِبُونَ } وقوله : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ غافر : 51 ] وقوله تعالى { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ } [ المجادلة : 21 ] العدل يعني لأخلفهما لعذابه { وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ ٱلْمُرْسَلِينَ } من قبل كما يقول : أصابنا من مطر أي مطر . { وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ } قال الكلبي : قال الحرث بن عامر : يا محمد إئتنا بآية كما كانت الأنبياء تأتي بها فإن أتيت بها آمنا بك وصدقناك ، فأبى اللّه أن يأتيهم بها فأعرضوا عنه وكبر عليه صلى الله عليه وسلم فأنزل اللّه عز وجل { وَإِن كَانَ كَبُرَ } عظم وضاق { عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ } عنك { فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ } تطلب وتتخذ { نَفَقاً } سرباً { فِي ٱلأَرْضِ } مثل نافقا اليربوع وهو أحد حجرته فيذهب فيه { أَوْ سُلَّماً } درجاً ومصعداً إليّ { فِي ٱلسَّمَآءِ } يصعد فيه . قال الزجاج : السلم من السلامة وهو الذي يسلمك إلى مصعدك { فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ } فافعل { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } فآمنوا كلّهم { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } أن يؤمن بك بعضهم دون بعض وإن اللّه لو شاء لجمعهم على الهدى ، وإن من يكفر إنما يكفر بسائر علمه فيه .