Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 64, Ayat: 1-8)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لَهُ ٱلْمُلْكُ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } اختلف العلماء في حكم هذه الآية ، فقال قوم : إنّ اللّه سبحانه خلق الخلق مؤمنين وكافرين . قال ابن عبّاس : بدأ اللّه خلق بني آدم مؤمناً وكافراً ثمّ يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم مؤمناً وكافراً . واحتجّوا بحديث الصادق المصدِّق وقوله : " السعيد من سعد في بطن أمّه والشقي من شقي في بطن أُمّه " . وكما أخبرنا عبد اللّه بن كامل الأصبهاني قال : أخبرني أَبُو بكر أحمد بن محمد بن يحيى العبدي بنو شيخ قال : حدّثنا أحمد بن نجدة بن العريان قال : حدّثنا المحاملي قال : حدّثنا إبن المبارك عن أبي لهيعة قال : حدّثني بكر بن سوادة عن أبي تميم الحسائي عن أبي ذر عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : " إذا مكث المني في الرحم أربعين ليلة أتاه ملك النفوس ، فعرج به إلى الرّب تبارك وتعالى ، فقال : يارب أذكر أم أنثى ؟ فيقضي اللّه سبحانه ماهو قاض . أشقيٌ أم سعيد ؟ فيكتب ما هو لاق " وقرأ أَبُو ذر من فاتحة التغابن خمس آيات " . وأخبرنا عبد الخالق قال : أخبرنا إبن حبيب قال : حدّثنا إبراهيم بن إسماعيل السيوطي قال : حدّثنا داود بن المفضل قال : حدّثنا نصر بن طريف قال : أخبرنا قتادة عن أبي حسان الأعرج عن ناجية بن كعب عن عبد اللّه بن مسعود قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم " خلق اللّه سبحانه فرعون في بطن أُمّه كافراً ، وخلق يحيى بن زكرّيا في بطن أُمّه مؤمناً " . وقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم " إنّ الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافراً " . وقال اللّه سبحانه { وَلاَ يَلِدُوۤاْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً } [ نوح : 27 ] . إنّ اللّه سبحانه خلق الخلق ثم كفروا وآمنوا . قالوا وتمام الكلام عند قوله : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ } ثم وصفهم { فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } وهو مثل قوله : { وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ } [ النور : 45 ] الآية ، قالوا : فاللّه خلقهم والمشي فعلهم ، وهذا اختيار الحسن ابن الفضل . قالوا : أو خلقهم مؤمنين وكافرين لما وصفه بفعلهم في قوله : { فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } الكفر فعل الكافر ، والإيمان فعل المؤمن . واحتجّوا بقوله سبحانه : { فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا } [ الروم : 30 ] وبقوله : " كل مولود يولد على الفطرة " ، وقوله حكايةً عن ربّه : " إنّي خلقت عبادي كلّهم حنفاء " ونحوها من الأخبار ، ثم اختلفوا في تأويلها ، فروى أَبُو الجوزاء عن إبن عبّاس قال : « فمنكم مؤمن يكفر ، ومنكم كافر يؤمن » . وقال أَبُو سعيد الخدري : « فمنكم كافر حياته مؤمن في العاقبة ، ومنكم مؤمن حياته كافر في العاقبة » ، وقال الضحاك : فمنكم كافر في السّر مؤمن في العلانية كالمنافق ، ومنكم مؤمن في السّر ، كافر في العلانية كعمّار وذويه . فمنكم كافر باللّه مؤمن بالكواكب ، ومنكم مؤمن باللّه كافر بالكواكب ، يعني في شأن الأنوار . قال الزجّاج : وأحسن ما قيل فيها { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ } بأنّ اللّه خلقه ، وهو مذهب أهل الدهر والطبائع . { وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } بأنّ اللّه خلقه . وجملة القول في حكم هذه الآية ومعناها والذّي عليه جمهور الأُمّة والأَئمة والمحقّقون من أهل السُنّة هي أنّ اللّه خلق الكافر وكفره فعلا له وكسباً ، وخلق المؤمن وإيمانه فعلا له وكسباً ، فالكافر يكفر ويختار الكفر بعد خلق اللّه سبحانه إيّاه ؛ لأنّ اللّه سبحانه وتعالى قدّر عليه ذلك وعَلِمَهُ منه ، والمؤمن يؤمن ويختار الإيمان بعد خلق اللّه تعالى إيّاه ؛ لأنّ اللّه سبحانه أراد ذلك منه وقدّره عليه وعَلِمَهُ منه ، ولا يجوز أن يوجد من كلّ واحد منهم غير الذي قدّره اللّه عليه وعلمه منه ، لأنّ وجود خلاف المقدور عجز ، وخلاف المعلوم جهل ، وهما لا يليقان باللّه تعالى ، ولا يجوزان عليه ، ومن سلك هذا السبيل سَلِمَ من الجبر والقدر فأصاب الحقّ كقول القائل : @ يا ناظراً في الدّين ما الأمر لا قدرٌ صحّ ولا جبرُ @@ وقد أخبرنا أَبُو علي زاهر بن أحمد العمدة السرخسي قال : حدّثنا عبد اللّه بن مبشر الواسطي قال : حدّثنا أحمد بن منصور الزّيادي قال : سمعت سيلان يقول : قدم أعرابي البصرة فقيل له : ما تقول في القدر ؟ قال : أمر تغالت فيه الظنون ، واختلف فيه المختلفون ، فالواجب علينا أن نردّ ما أشكل علينا من حكمه إلى ما سبق من علمه . { خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } { يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } يعني الأُمم الخالية { فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } { ذَلِكَ } العذاب . { بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَقَالُوۤاْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا } لأنّ البشر وإن كان لفظه واحد فإنّه في معنى الجمع وهو اسم الجنس وواحده إنسان ولا واحد له من لفظه . { فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ وَّٱسْتَغْنَىٰ ٱللَّهُ } عن إيمانهم { وَٱللَّهُ غَنِيٌّ } عن خلقه ، { حَمِيدٌ } في أَفعاله . { زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ قُلْ } يا محمّد { بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } . { فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلنّورِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلْنَا } وهو القرآن . { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } .