Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 64, Ayat: 9-18)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ } قراءة العامّة بالياء لقوله سبحانه { فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلنّورِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلْنَا وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } وقرأ [ رويس عن يعقوب ( يوم نجمعكم ) ] بالنون اعتباراً بقوله أنزلنا . { لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ } وهو تفاعل من الغبن وهو فوت الحظ والمراد ، وقد ورد في تفسير التغابن عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ما أخبرنا الحسن بن محمّد قال : حدّثنا موسى بن محمد بن علي قال : حدّثنا عبد اللّه بن محمد بن سنان قال : حدّثنا كثير بن يحيى قال : حدّثنا أَبُو آمنة بن معلّى الثقفي قال : حدّثنا سعيد بن أبي سعيد المنقري عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : " ما من عبد مؤمن يدخل الجنّة إلاّ أُري مقعده من النّار لو أساء ليزداد شكراً ، وما من عبد يدخل النّار إلاّ أُري مقعده من الجنّة لو أحسن ليزداد حسرة " . قال المفسّرون : من غبن أهله منازله في الجنّة فيظهر يومئذ غبن كلّ كافر ببركة الإيمان ، وغبن كلّ مؤمن بتقصيره في الإحسان وتضييعه الأيّام . { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } قرأ أهل المدينة والشام ها هنا وفي السورة الّتي تليها : نكفّر وندخله بالنون ، والباقون بالياء . { ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } بأرادته وقضائه . { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ } قصدوا به لا يصيب مصيبةً إلاّ بإذن اللّه { يَهْدِ قَلْبَهُ } يوفقه لليقين حتّى يعلم أنّ ما أَصابه لم يكن ليخطئه ، وما أَخطأه لم يكن ليصيبه قاله إبن عبّاس . وأنبأني عبد اللّه بن حامد إجازة قال : أخبرنا الحسن بن يعقوب قال : حدّثنا أَبُو إسحاق إبراهيم بن عبد اللّه قال : حدّثنا وكيع عن الأعمش عن أبي ظبيان قال : كنّا نعرض المصاحف على علقمة بن قيس فمرّ بهذه الآية { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } فسألناه عنها فقال : هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنّها من عند اللّه فيرضى ويسلّم . وقال أَبُو بكر الورّاق : ومن يؤمن بالله عند النعمة والرخاء ، فيعلم أنّها من فضل اللّه يهد قلبه للشكر ، ومن يؤمن باللّه عند الشدّة والبلاء فيعلم أنّها من عند اللّه يهدِ قلبه للرضا والصبر . وقال أَبُو عثمان الجيري : ومن صحّ إيمانه يهد قلبه لاتباع السنّة . وقد اختلف القرّاء في هذه الآية ، فقراءة العامّة ( يهد قلبه ) بفتح الياء والباء واختاره أَبُو عبيده وأَبُو حاتم ، وقرأ السلمي بضم الياء والباء وفتح الدّال على الفعل المجهول ، وقرأ طلحة ابن مصرف : نهد قلبه بالنون وفتح الباء على التعظيم . وأخبرني إبن فنجويه قال : حدّثنا إبن حمدان قال : حدّثنا أحمد بن الفرج المقرئ قال : حدّثنا أَبُو عمر المقرئ قال : حدّثنا أَبُو عمارة قال : حدّثنا سهل بن موسى الأَسواري قال : أخبرني من سمع عكرمة يقرأ : ومن يؤمن باللّه يهدأ قلبه ، من الهدوء أي يسكن ويطمئن . وقرأ مالك بن دينار : يهدا قلبه بألف لينّة بدلا من الهمزة . { وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَولَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } التبليغ البيّن . { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ } نزلت في قوم أرادوا الهجرة فثبّطهم عنها أزواجهم وأولادهم . قال ابن عبّاس : كان الرجل يُسلم ، فإذا أراد أن يهاجر منعه أهله وولده وقالوا له : ننشدك اللّه أنْ تذهب وتدع أهلك وعشيرتك وتصير بالمدينة بلا أهل ومال ، وإنّا قد صبرنا على إسلامك فلا نصبر على فراقك ، ولا نخرج معك ، فمنهم من يرقّ لهم ويقيم لذلك فلا يهاجر ، فإذا هاجر رأى النّاس قد نقموا في الدّين منهم أن يعاقبهم في تباطئهم به عن الهجرة ، ومنهم من لا يطيعهم ويقولون لهم في خلافهم في الخروج : لئن جمعنا اللّه وإيّاكم لا تصيبون منّي خيراً ، ولأَفعلنَّ ، وأفعلنّ فأنزل اللّه سبحانه هذه الآية . وقال عطاء بن يسار وعطاء الخراساني : نزلت في عوف بن مالك الأشجعي ، كان ذا أهل وولد ، وكان إذا أراد الغزّو بكوا إليه ورفّقوه وقالوا : إلى من تكلنا وتدعنا فيرقّ ويقيم ، فأنزل اللّه سبحانه وتعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ } لحملهم إيّاكم على المعصية وترك الطاعة فاحذروهم أن تقبلوا منهم . { وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ } فلا تعاقبوهم على خلافهم إيّاكم { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } { إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } بلاء واختبار يحملكم على الكسب من الحرام والمنع عن الحقّ ، وقال القتيبي : إغرام يقال فتن فلان بفلانة أي أُغرم بها . قالت الحكماء : أُدخل من التبعيض في ذكر الأَزواج والأولاد حيث أُخبر عن عداوتهم ، لأنّ كلّهم ليسوا بأعداء ولم يذكر من في قوله { إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } لأنّها لا تخلو عن الفتنة واشتغال القلب بها ، يدلّ عليه قول عبد اللّه بن مسعود : " لا يقولنّ أحد : اللّهم إنّي أعوذ بك من الفتنة ، فإنّه ليس منكم أحد يرجع إلى مال وأهل وولد إلاّ وهو مشتمل على فتنة ، ولكن ليقل : اللّهم إني أعوذ بك من مضلاّت الفتن " . وأخبرنا إبن منجويه قال : حدّثنا عمر بن الخطاب قال : حدّثنا عبد اللّه بن الفضل قال : حدّثنا أَبُو خثمه قال : حدّثنا زيد بن حباب قال : حدّثنا حسين بن واقد قاضي مرو قال : حدثني عبد اللّه بن بريدة عن أبيه قال : " كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يخطب فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يعثران ، فنزل النّبي ( عليه السلام ) اليهما فأخذهما فوضعهما في حجره على المنبر فقال : " صدق اللّه { إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } رأيت هذين الصبيين فلم أصبر عنهما " ثم أخذ في الخطبة . { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } ناسخة لقوله { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } [ آل عمران : 102 ] وقد مرّ ذكره . { وَٱسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنْفِقُواْ خَيْراً لأَنفُسِكُمْ } مجازه : يكن الإنفاق خيراً لأنفسكم . { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ } ومنعها عن الحقّ { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } قال إبن عمر : " ليس الشّح أن يمنع الرجل ماله ، وإنّما الشّح أن يطمع الرجل إلى ما ليس له " . { إِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ } . { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } .