Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 67, Ayat: 10-30)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقَالُواْ } وهم في النّار { لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ } النذر من الرُسُل ، وما جاؤونا به { أَوْ نَعْقِلُ } عنهم . قال إبن عباس : لو كنّا نسمع الهدى أو نعقله فنعلم به . { مَا كُنَّا فِيۤ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } { فَٱعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً } بعداً ، وقال سعيد بن جبير : هو وادٍ في جهنم { لأَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } ونقله أَبُو جعفر والكسائي بروايتيه الدوري وقتيبة الخلاف عنهما ، وحققه الآخرون : وهما لغتان مثل الرُّعب والرَّعب ، السُّحت والسَّحت ، أخبرنا عبد اللّه ابن حامد ، أخبرنا محمد بن خالد حدّثنا داود بن سليمان ، حدّثنا عبد بن حميد ، حدّثنا عبيد الله ابن موسى عن إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد عن ابن عباس قال : إنّ الرجل ليجرّ إلى النار فتنزوي ، وتنقبض بعضها إلى بعض ، فيقول لها الرحمن : مالكِ ؟ قالت : إنّه كان يستجير منّي فيقول : أرسلوا عبدي . وإنّ الرجل ليُجرّ إلى النار ، فيقول : يا ربّ ما كان هذا الظنّ بك قال : فما كان ظنّك ؟ قال : كان ظنّي أن تسعني رحمتك ، فيقول : أرسلوا عبدي . وإنّ الرجل ليُجرّ إلى النار فتشهق إليه النار شهيق البغلة إلى الشعير ، ثمّ تزفر زفرة لا يبقى أحدٌ إلاّ خاف . { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ * وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ * أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } . قال ابن عباس : نزلت في المشركين ، كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره جبرائيل ما قالوا فيه ونالوا منه ، فيقول بعضهم لبعض : أسرّوا قولكم كي لا يسمع إله محمد . وقال أهل المعاني : إن شئت جعلت " من " في قوله : { مَنْ خَلَقَ } اسماً للخالق ؟ فقلت : ألا يعلم الخالق ما في الصدور وهو اللطيف الخبير ، وإن شئت جعلته اسماً ، فقلت : ألا يعلم الله مخلوقه . أخبرنا الفنجوي حدّثنا موسى بن الحسن بن علويّة حدّثنا عيسى بن إسماعيل بن عيسى بن المسيّب ، قال : بينا رجل واقف بالليل في شجر كثير وقصفت الريح فوقع في نفس الرجل فقال : أترى الله يعلم ما يسقط من هذه الورق ؟ فنودي من خلفه : ألا يعلم مَنْ خلق وهو اللطيف الخبير ؟ وروى محمد بن فضيل عن زرين عن ابن أبي أسماء أنّ رجلا دخل غيضة فقال : لو خلوت هاهنا للمعصية مَنْ كان يراني ؟ قال : فسمع صوتاً ملأ ما بين لا يتي الغيضة ، ألا يعلم مَنْ خلق وهو اللطيف الخبير ؟ ! { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً } سهلا مُسخّرة لا تمتنع { فَٱمْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا } قال ابن عباس وقتادة : في جبالها ، ضحاك : في آكامها ، مجاهد : طرقها وفجاجها ، وقال الكلبي : أطرافها ، الفرّاء : في جوانبها ، مقاتل : نواحيها ، الحسن : سهلها حيث أردتم فقد جعلها لكم ذلولا لا تمتنع ، وأصل المنكب الجانب ومنه منكب الرجل ، والريح النكاب ، وتنكب فلان . { وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ } الحلال { وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ } { أَأَمِنتُمْ مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ } وقال ابن عباس : أمنتم عذاب مَنْ في السماء أن عصيتموه . وقيل : معنى { أَمِنتُمْ مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ } : قدرته وسلطانه وعرشه ومملكته ، وقيل : إنّما قال : { أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِي ٱلسَّمَآءِ } لأنّهم كانوا يعترفون بأنّه إله السماء ، ويزعمون إنّ الأصنام آلهة الأرض ، وكانوا يدعون الله من جهة السماء ، وينتظرون نزول أمره بالرحمة والسطوة منها . وقال المحقّقون : معنى قوله : { فِي ٱلسَّمَآءِ } أي فوق السماء كقوله تعالى : { فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ } [ التوبة : 2 ] ، أي فوقها لا بالمماسة والتحيز ولكن بالقهر والتدبير . وقيل : معناه على السماء كقوله : { وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ } [ طه : 71 ] ومعناه : إنّه مالكها ومدبّرها والقائم عليها ، كما يقال : فلان على العراق والحجاز ، وفلان على خراسان وسجستان يعنون أنّه واليها وأميرها . وأعلم أنّ الآيات والأخبار الصحاح في هذا الباب كثيرة وكلّها إلى العلو مشيرة ، ولا يدفعها إلاّ ملحد جاحد أو جاهل معاند ، والمراد بها والله أعلم توقيره وتعظيمه وتنزيهه عن السفل والتحت ، ووصفه بالعلو والعظمة دون أن يكون موصوفاً بالأماكن والجهات والحدود والحالات ؛ لأنّها صفات الأجسام وأمارات الحدث والله سبحانه وتعالى كان ولا مكان فخلق الأمكنة غير محتاج إليها ، وهو على ما لا يزل ، ألا يرى أنّ الناس يرفعون أيديهم في حال الدعاء إلى السماء مع إحاطة علمه وقدرته ومملكته بالأرض وغيرها أحاطتها بالسماء ، إلاّ أنّ السماء مهبط الوحي ومنزل القطر ومحلّ القدس ومعدن المطهرين المقرّبين من ملائكته ، وإليها تُرفع أعمال عباده وفوقها عرشه وجنّته وبالله التوفيق . { أَن يَخْسِفَ } يغور { بِكُمُ ٱلأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ } قال الحسن : تُحرّك بأهلها ، وقال الضحّاك : تدور بهم وهم في قعرها ، وقال ابن كيسان : تهوى بهم . { أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً } ريحاً ذات حجارة كما فعل بقوم لوط وأصحاب الفيل { فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } أي إنذاري بالعذاب . { وَلَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ } إنكاري ، وأثبت بعض القرّاء الياء في هذه الحروف وجوابها على الأصل وحذفها بعضهم على الخط . { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ } { صَافَّاتٍ } أجنحتها وهي تطير ، { وَيَقْبِضْنَ } أجنحتها بعد انبساطها ، { مَا يُمْسِكُهُنَّ } يحبسهنّ في حال القبض والبسط أن يسقطن ، { إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ } . { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ } قال ابن عباس : منعه لكم { يَنصُرُكُمْ مِّن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } فيدفع عنكم ما أراد بكم { إِنِ ٱلْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ } { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوٍّ } في الضلال { وَنُفُورٍ } تباعد من الحقّ { أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ } راكباً رأسه في الضلالة والجهالة أعمى القلب والعين لا يُبصر يميناً ولا شمالا ، وهو الكافر . وقال قتادة : هو الكافر أكبّ على معاصي الله في الدنيا فحشره الله يوم القيامة على وجهه ، { أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } وهو المؤمن ، وقوله { مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ } فعل غريب لأنّ أكثر اللغة في التعدّي واللزوم أن يكون أفعلت يفعّل ، وهذا على ضدّه يقال : كببت فلاناً على وجهه فأكب ، قال الله تعالى : { فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ } [ النمل : 90 ] ، وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم " وهل يكبّ الناس في النار على مناخرهم إلاّ حصائد ألسنتهم " . ونظيره في الكلام قولهم : قشعت الريح السحاب فأقشعت ، وبشرته بمولود فأبشر ، وقيل مكبّاً لأنه فعل غير واقع ، قال الأعشى : @ مكبّاً على روقيه يُحفّز عرفه على ظهر عُريان الطريقة أهيما @@ { قُلْ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ * قُلْ هُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِنْدَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * فَلَمَّا رَأَوْهُ } ويعني العذاب في الآخرة عن أكثر المفسّرين ، وقال مجاهد : يعني العذاب ببدر ، { زُلْفَةً } قريباً ، وهو اسم بوصف مصدر يستوي فيه المذكّر والمؤنّث والواحد والاثنان والجميع { سِيئَتْ } أُخزيت { وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } فاسودّت وعلتها الكآبة والغربة يقول العرف : سويه فسيء ، ونظيره سررته فسر وشعلته فشعل { وَقِيلَ } قال لهم الخزنة : { هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ } أي أن يعجّله لكم . وقراءة العامّة : ( تدّعون ) بتشديد الدال يفتعلون من الدعاء عن أكثر العلماء أي يتمنّون ويتسلّون ، وقال الحسن : معناه يدّعون أن لا جنّة ولا نار ، وقرأ الضحاك وقتادة ويعقوب بتخفيف الدال ، أي تدعون الله أن يأتكم به وهو قوله : { وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } [ الأنفال : 32 ] الآية . { قُلْ } يا محمد لمشركي مكّة الذين يتمنّون هلاكك ويتربّصون بك ريب المنون { أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ ٱللَّهُ } فأماتني { وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا } أبقانا وأخّر في آجالنا { فَمَن يُجِيرُ ٱلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } فإنّه واقع بهم لا محالة ، وهذا اختيار الحسين بن الفضل ومحمد بن الحسن . وقال بعضهم : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ ٱللَّهُ } فعذّبني ( ومَنْ معي أو رحمنا ) غفر لنا ( فمن يُجير الكافرين من عذاب أليم ) ونحن معاً إنّما خائفون من عذابه ؛ لأنّ له أن يأخذنا بذنوبنا ويعاقبنا ويهلكنا ؛ لأنّ حكمه جائز وأمره نافذ وفعله واقع في ملكه ، فنحن مع إيماننا خائفون من عذابه فمن يمنعكم من عذاب الله وأنتم كافرون ؟ وهذا معنى قول ابن عباس واختيار عبد العزيز ابن يحيى وابن كيسان . { قُلْ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ } بالياء الكسائي ورواه عن عليّ رضي الله عنه ، الباقون بالتاء ، { مَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } نحن أم أنتم { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً } يعني غائراً ذاهباً ناضباً في الأرض لا تناله الأيدي والدلاء ، قال الكلبي ومقاتل : يعني ماء زمزم وبئر ميمون الحضرمي وهي بئر عادية قديمة . { فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ } ظاهر تناله الأيدي والدلاء ، وقال عطاء عن ابن عباس : جار ، وقال المؤرخ : عذب بلغة قريش .