Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 52-58)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ } من القرآن { فَصَّلْنَاهُ } بيّناه { عَلَىٰ عِلْمٍ } منّا بذلك { هُدًى وَرَحْمَةً } نصبها على القطع { لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * هَلْ يَنظُرُونَ } ينتظرون { إِلاَّ تَأْوِيلَهُ } أي ما يؤول إليه أمرهم من العذاب وورود النار . قال قتادة : تأويله ثوابه . وقال مجاهد : جزاؤه . وقال السدي : عاقبة . وقال ابن زيد : حقيقته { يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ فَهَل لَّنَا } اليوم { مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ } إلى الدنيا { فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } قال الله تعالى { قَدْ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ } زال وبطل { عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ * إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } قال سعيد بن جبير : قدّر الله على مَنْ في السماوات والأرض في لمحة ولحظة وإنما خلقهن في ستة أيام تتنظيماً لخلقه بالرفق والتثبيت في الاسم { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } قال الكلبي ومقاتل : يعني استقر وقال أبو عبيد [ فصعد ] وقال بعضهم : استولى وغلب . وقيل : ملك وغلب ، وكلّها تأويلات مدخولة لا يخفى [ بعدها ] وأمّا الصحيح والصواب فهو ماقاله الفراء وجماعة من أهل المعاني [ إن أول ما ] خلق العرش وعهد إلى خلقه يدل عليه قوله تعالى { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ } [ البقرة : 29 ] أي إلى خلق السماء . وقال أهل الحق من المتكلمين : أحدث الله فعلا سماه استواء ، وهو كالإتيان والمجيء والنزول [ وهي ] صفات أفعاله . روى الحسن عن أم سلمة في قوله تعالى { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } [ طه : 5 ] قالت : الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والنزول به إيمان والجحود به كفر . عن محمد بن شجاع البلخي قال : سئل مالك بن أنس عن قول الله تعالى { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } [ طه : 5 ] كيف استوى ؟ قال : الكيف مجهول والاستواء غير معقول والإيمان واجب فالسؤال عنه بدعة . وروى محمد بن شعيب بن شابور عن أبيه أن رجلاً سأل [ الأوزاعي ] في قوله تعالى { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } [ طه : 5 ] فقال : هو على العرش كما وصف نفسه ، وإني لأراك رجلا ضالاً . وبلغني أن رجلاً سأل إسحاق بن الهيثم الحنظلي فقال : كيف استوى على العرش أقائم هو أم قاعد ؟ فقال : يا هذا إنما يقعد من يمل القيام ويقوم من يمل القعود وغير هذا أولى لك ألاّ تسأل عنه . والعرش في اللغة السرير . وقال آخرون : هو ما علا وأظل ، ومنه عرش الكرم ، وقيل : العرش الملك . قال زهير : @ تداركتما الاحلاف قد ثل عرشها وذبيان قد زلت بأقدامها النعل @@ { يُغْشِي } [ يطمس ] { ٱلْلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً } مسرعاً { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ } أي مذلّلات { بِأَمْرِهِ } وقرأ أهل الشام بالرفع على الابتداء والخبر { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } سمعت أبا القاسم [ الحبيبي ] يقول : سمعت أبا عبد الله محمد بن نافع التاجر بهرات الشجري يقول : سمعت أبا زيد حاتم بن محبوب السامي يقول : سمعت عبد الجبار ابن العلاء العطّار يقول : سألت سفيان بن عيينة عن قوله { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } فقال : فرق الله بين الخلق والأمر ومَنْ جمع بينهما فقد كفر . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ لم يحمد الله على [ ما عمل من ] عمل صالح وحمد نفسه فقد قلّ شكره وحبط عمله ، ومَنْ زعم أن الله جعل للعباد من الأمر شيئاً فقد كفر بما أنزل الله على أنبيائه لقوله تعالى { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } " . وأنشدنا أبو القاسم الحبيبي قال : أنشدنا أبو الحسن عيسى بن زيد العقيلي ، أنشدنا أبو المثنّى معاذ بن المثنى العنبري عن أبيه محمود بن الحسن الورّاق قال : إن لله كل الأمر في كل خلقه ليس إلى المخلوق شي من الأمر { تَبَارَكَ ٱللَّهُ } قال الضحاك : تبارك تعظم ، الخليل ابن أحمد : تبارك تمجد ، القتيبي : تفاعل من البركة ، الحسين بن الفضيل : تبارك في ذاته وبارك فيمن شاء من خلقه { رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ * ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً } تذلّلا واستكانة { وَخُفْيَةً } سرّاً . وروى عاصم الأحول عن ابن عثمان الهندي عن أبي موسى قال : " كان النبيّ صلى الله عليه وسلم في غزاء فأ شرفوا على واد فجعل [ ناس ] يكبّرون ويهلّلون ويرفعون أصواتهم فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم " أيُّها الناس أربعوا على أنفسكم إنّكم لا تدعون أصم ولا [ غائباً ] إنّكم تدعون سميعاً قريباً إنّه معكم " . وقال الحسن : بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفاً ثمّ قال : إن كان الرجل لقد جمع القرآن وماشعر به جاره فالرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس . وإن كان الرجل ليصلّي الصلاة الطويلة في بيت وعنده الدور وما يشعرون به ، ولقد أدركنا أقواماً ما كان على الأرض من عمل يقدورن أن يعملوه في السرّ فيكون علانية أبداً . ولقد كان المسلمون [ يجتهدون ] في الدعاء ولا يسمع لهم صوتاً كأن كان إلا همساً بينهم وبين دينهم ، وذلك أن الله تعالى يقول : { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } وإن الله ذكر عبداً صالحاً ورضى فعله فقال عزّ مَنْ قائل : { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً } [ مريم : 3 ] . { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } في الدعاء ، قال أبو مجلن : هم الذين يسألون منازل الأنبياء ، وقال عطيّة العوفي : هم الذين يدعونه فيما لا يحل على المؤمنين فيقولون : اللّهمّ أخزهم اللّهمّ ألعنهم ، قال ابن جريج : من [ الاعتداء ] رفع الصوت والنداء بالدعاء والصفح وكانوا يؤمرون بالتضرّع والاستكانة { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ } بالشرك والمعصية والدعاء إلى غير عبادة الله { بَعْدَ إِصْلاَحِهَا } بعد [ اصلاح ] الله إيّاها يبعث الرسل ، والأمر بالحلال والنهي عن المنكر والحرام وكل أرض قبل أن يبعث لها نبي فاسدة حتّى يبعث الرسل إليها فيصلح الأرض بالطاعة . وقال عطيّة : معناه لا تعصوا في الأرض فيمسك الله المطر ويهلك الحرث بمعاصيكم { وَٱدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً } قال الكلبي : خوفاً منه ومن عذابه وطمعاً فيما عنده من مغفرته وثوابه ، الربيع بن أنس : { خَوْفاً وَطَمَعاً } كقوله { رَغَباً وَرَهَباً } [ الأنبياء : 90 ] . وقيل : خوف العاقبة وطمع الرحمة ، ابن جريج : خوف العدل وطمع الفضل . عطاء : خوفاً من النيران وطمعاً في الجنان . ذو النون المصري : خوفاً من الفراق وطمعاً في التلاق { إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } وكان حقه قربته . واختلف النحاة فيه وأكثروا وأنا ذاكر نصوص ما قالوا . قال سعيد بن جبير : الرحمة هاهنا الثواب . وقال الأخفش : هي المطر فيكون القريب نعتاً للمعنى دون اللفظ كقوله تعالى { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينُ فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ } [ النساء : 8 ] ولم يقل : منها ، لأنه أراد بالقسمة الميراث والمال . وقال { فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمَّ ٱسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ } [ يوسف : 76 ] والصواع مذكّر لأنّه أراد به القسمة ، والميراث ( كالمنشريّة ) والسقاية . وقال الخليل بن أحمد : القريب والبعيد يستوي فيهما المذكر والمؤنث والجمع [ يذكر ويؤنث ] يقول الشاعر : @ كفى حُزناً أنّي مقيم ببلدةً أخلاّئي عنها نازحون بعيد @@ وقال آخر : @ كانوا بعيداً فكنت آملهم حتّى إذا ما تقربواهجروا @@ وقال آخر : @ فالدار منّي غير نازحة لكن نفسي ما كادت مواتاتي @@ [ وقال سيبويه ] : لمّا أضاف المؤنث إلى المذكّر . أخرجه على مخرج المذكر ، وقال الكسائي : إن رحمة الله قريب مكانها قريب كقوله : { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً } [ الأحزاب : 63 ] أي أتيانها قريب . قال النضر بن شميل : الرحمة مصدر وحق المصادر التذكير كقوله : { فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ } [ البقرة : 275 ] وقال الشاعر : @ إنّ السماحة والمرؤة ضيمنا قبراً بمروَ على الطريق الواضح @@ ولم يقل : ضمنتا لأنّها مصدر . وقال أبو عمر بن العلاء : القريب في اللغة على ضربين قريب قرب [ مقربه أبوابه ] كقول العرب : هذه المرأة قريبة منك إذا كانت بمعنى القرابة وهذه المرأة قريب منك إذا كانت بمعنى المسافة والمكان . قال أمرؤ القيس : @ له الويل إن أمسى ولا أم هاشم قريب ولا البسباسة ابنة يشكر @@ وقال أبو عبيدة : القريب والبعيد يكونان للتأنيث والتذكير واحتج بقول عروة بن الورد : @ خشيته لا عفراء منك قريبة فتدنوه ولا عفراء منك بعيد @@ وقال أبو عبيدة : القريب والبعيد إذا كانا اسمين استوى فيهما المذكر والمؤنث وان بنيتهما على قَرُبت وبعدت فهي قريبة وبعيدة . { وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً } قرأ عاصم بُشراً بالباء المضمومة والشين المجزومة يعني أنّها تبشّر بالمطر يدلّ عليه قوله : { ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ } [ الروم : 46 ] . وروى عنه بُشُراً بضم الباء والشين على جمع البشير مثل نذير و [ نذار ] . وهي قراءة ابن عباس . وقرأ غيره من أهل الكوفة نشراً بفتح النون وجزم الشين وهو الريح الطيبة اللينة . قال أمرؤ القيس : @ كان المدام وصوب الغمام وريح الخزامي ونشر القطر @@ وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس وزر بن حبيش ، واختاره أبو عبيد لقوله : { وٱلنَّاشِرَاتِ نَشْراً } [ المرسلات : 3 ] وقرأ أهل الحجاز والبصرة نشراً بضم النون والشين واختاره أبو حاتم فقال : هي جمع نشور مثل صبور وصابر ، وشكور وشاكر . وهي الرياح التي تهب من كل ناحية وتجيء من كل [ وجه ] وقرأ الحسن وأبو رجاء وأبو عبد الرحمن وابن عامر نشراً بضم النون وجزم الشين على التخفيف . وقرأ مسروق ( نشراً ) بفتحتين أراد منشوراً [ كالمقبض ] والقبض { بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } يعني قدّام المطر { حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ } حملت { سَحَاباً ثِقَالاً } المطر { سُقْنَاهُ } رد الكناية إلى لفظ السحاب { لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ } يعني إلى بلد . وقيل : معناه [ لأجل ] بلد لا نبات له { فَأَنْزَلْنَا بِهِ } أي السحاب وقيل : بالبلد { ٱلْمَآءَ } يعني المطر ، وقال أبو بكر بن عيّاش : لا تقطر من السماء قطرة حتّى يعمل فيها أربع : رياح الصبا تهيّجه والشمال تجمعه والجنوب تدرّه والدبور تفرّقة { كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ } أحياء قال أبو هريرة وابن عباس : إذا مات الناس كلّهم في النفخة الأولى أمطر عليهم أربعين عاماً [ يسقى ] الرجال من ماء تحت العرش يُدعى ماء الحيوان فينبتون في قبورهم بذلك المطر كما ينبتون في بطون أُمهاتهم ، وكما ينبت الزرع من الماء حتّى إذا استكملت أجسادهم نفخ فيهم الروح ثمّ يلقى عليهم نومة فينامون في قبورهم ، فإذا نفخ في الصور الثانية عاشوا وهم يجدون طعم النوم في رؤوسهم وأعينهم كما يجد النائم إذا استيقظ من نومه فعند ذلك يقولون { يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } [ يس : 52 ] فيناديهم المنادي { هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ } [ يس : 52 ] . { وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ } هذا مثل ضربه الله المؤمن والكافر فمثل المؤمن مثل البلد الطيب الزاكي يخرج نباته ريعة بإذن الله ، فمثل الكافر كمثل الأرض الصبخة الخبيثة التي لا يُخرج نباتها [ وغلّتها ] { إِلاَّ نَكِداً } [ أي عسيراً قليلاً بعناء ] ومشقّة وقرأ أبو جعفر : [ نكداً ] بفتح الكاف أي النكد { كَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ } بينهما { لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ } .