Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 70, Ayat: 1-10)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } قرأ أهل المدينة والشام سأل بغير همز ، وقرأ الباقون بالهمز واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ، فمن قرأه بالهمز فهو من السؤال لا غير وله وجهان : أحدهما أن تكون الباء في قوله { بِعَذَابٍ } بمعنى عن كقوله سبحانه : { فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً } [ الفرقان : 59 ] أي عنه ، وقال علقمة بن عبدة : @ فإن تسألوني بالنساء فانّي بصير بأدواء النساء طبيب @@ أي عن النساء . ومعنى الآية : سأل سائل عن عذاب واقع نازل : على من ينزل ؟ ولمن هو ؟ فقال الله سبحانه مجيباً له : { لِّلْكَافِرِينَ } وهذا قول الحسن وقتادة قالا : كان هذا بمكّة ، لما بعث الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم إليهم وخوّفهم بالعذاب والنكال ، قال المشركون بعضهم لبعض : من أهل هذا العذاب اسألوا محمداً لمن هو وعلى مَنْ ينزل وبمَنْ يقع ، فبيّن الله سبحانه وأنزل سأل سائل عذاباً واقعاً للكافرين أي على الكافرين ، اللام بمعنى على ، وهو النضر بن الحرث حيث دعا على نفسه وسأل العذاب فقال : اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ لأنّه نزل به ما سأل يوم بدر ، فقتل صبراً ولم يقتل من الأسرى يومئذ غيره وغير عقبه بن أبي معيط ، وهذا قول ابن عباس ومجاهد ، وسئل سفيان بن عيينة عن قول الله سبحانه : { سَأَلَ سَآئِلٌ } فيمن نزلت ، فقال : لقد سألتني عن مسألة ما سألني أحد قبلك . حدّثني أبي عن جعفر بن محمد عن آبائه ، فقال : " لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير خم ، نادى بالناس فاجتمعوا ، فأخذ بيد عليّ رضي الله عنه فقال : " مَنْ كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه " . فشاع ذلك وطار في البلاد ، فبلغ ذلك الحرث بن النعمان القهري فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة له حتّى أتى الأبطح ، فنزل عن ناقته وأناخها وعقلها ، ثمّ أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو في ملأ من أصحابه فقال : يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسول الله فقبلناه منك ، وأمرتنا أن نصلّي خمساً فقبلناه منك ، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا ، وأمرتنا بالحجّ فقبلنا ، وأمرتنا أن نصوم شهراً فقبلنا ، ثمّ لم ترض بهذا حتّى رفعت بضبعي ابن عمّك ففضلته علينا وقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فهذا شيء منك أم من الله تعالى ؟ فقال : " والّذي لا إله إلاّ هو هذا من الله " فولّى الحرث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول : اللهمّ إن كان ما يقوله حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء ، أو ائتنا بعذاب أليم ، فما وصل إليها حتّى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله ، وأنزل الله سبحانه : { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ } " . ومَنْ قرأ بغير همز فله وجهان : أحدهما أنّه لغة في السؤال ، تقول العرب : سأل سائل وسأل سال مثل نال ينال ، وخاف يخاف ، والثاني : أن يكون من السيل ، قال زيد بن ثابت وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، سال واد من أودية جهنم يقال له سائل . { مِّنَ ٱللَّهِ ذِي ٱلْمَعَارِجِ } . قال ابن عباس : يعني ذي السماوات ، وقال ابن كيسان : المعارج الفتق الذي بين سمائين وأرضين ، قتادة : ذي الفواصل والنعم ، سعد بن جبير : ذي الدرجات ، القرطبي : ذي الفضائل العالية ، مجاهد : معارج الملائكة . { تَعْرُجُ } بالياء الكسائي وهي قراءة ابن مسعود واختيار أبي عبيد ، وغيرهم بالتاء { ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ } هو جبريل { إِلَيْهِ } إلى الله عزّوجلّ { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } من سنين الدنيا ، لو صعد غير الملائكة وذلك أنّها تصعد من منتهى أمر الله من أسفل الأرض السابعة إلى منتهى أمره من فوق السماء السابعة . وروى ليث عن مجاهد { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } قال : من منتهى أمره من أسفل الأرضين إلى منتهى أمره من فوق السموات مقدار خمسين ألف سنة و { يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } يعني بذلك نزول الأمر من السماء إلى الأرض ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد فذلك مقدار ألف سنة ؛ لأنّ ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام . وقال محمد بن إسحاق بن يسار : لو سار بنو آدم من الدنيا إلى موضع العرش ساروا خمسين ألف سنة قبل أن يقطعوه . وقال الحكم بن عكرمة : هو مدة عمر الدنيا من أولها إلى آخرها ، خمسون ألف سنة لا يدري أحد كم مضى وكم بقي إلاّ الله . وقال قتادة : هو يوم القيامة . وقال الحسن : هو يوم القيامة وليس يعني أن مقدار طوله هو دون عمره ، ولو كان ذلك لكانت له غاية نعني فيها الجنة والنار ، ولكنّه يوم موقفهم للحساب ، حتّى يفصل بين الناس خمسون ألف سنة من سني الدنيا ، وذلك أنّ ليوم القيامة أولا وليس له آخر . لأنّه يوم ممدود ولو كان له آخر كان منقطعاً . وقيل : معناه لو ولى محاسبة العباد في ذلك غير الله لم يفرغ منه في خمسين ألف سنة ، وهي رواية محمد بن الفضيل عن الكلبي قال : يقول : لقد لو وليت حساب ذلك اليوم الملائكة والجن والإنس وطالت محاسبتهم لم يفرغوا منه في خمسين ألف سنة ، وأنا أفرغ منه في ساعة من النهار . وقال يمان : هو يوم القيامة فيه خمسون موطناً ، كل موطن ألف سنة ، وفيه تقديم وتأخير ، كأنه قال : ليس له دافع من الله في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة يعرج الملائكة والروح إليه . وروى أبو الجوزاء وابن أبي طلحة عن ابن عباس قال : هو يوم القيامة جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة فأراد أن أهل الموقف يستطيلون ذلك اليوم . وأخبرنا ابن فنجويه ، قال : حدّثنا القطيعي ، قال : حدّثنا عبد الله قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا حسن قال : حدّثنا ابن لهيعة قال : حدّثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال : " قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ما أطول هذا اليوم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده إنّه ليخفف على المؤمنين حتّى يكون أخف عليهم من صلاة مكتوبة تصليها في الدنيا " . وقال إبراهيم التيمي : ما قدر ذلك اليوم على المؤمن إلاّ كما بين الظهر والعصر . { فَٱصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ } يعني العذاب { بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً } ؛ لأنّ ما هو آت قريب { يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ } كعكر الزيت ، وقيل : كالفلز المذاب وقد مرّ تفسيره . { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ } كالصوف المصبوغ ، ولا يقال عهن إلاّ للمصبوغ . وقال مقاتل : كالصوف المنفوش . قال الحسن : كالصوف الأحمر وهو أضعف الصوف ، وأوّل ما تتغير الجبال تصير رملاً مهيلاً ، ثمّ عهناً منفوشاً ، ثمّ تصير هباءً منثوراً . { وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } قريب قريباً لشغله بشأن نفسه ، وقرأ : ولا يُسئل بضم الياء ، أي لا يسأل حميم عن حميم .