Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 32-35)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ } الآية نزلت أيضاً في النضر بن الحرث بن علقمة بن كندة من بني عبد الدار . قال ابن عباس : لمّا قصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم شأن القرون الماضية ، قال النضر : لو شئت لقلت مثل هذا إنْ هذا إلاّ أساطير الأوّلين في كتبهم . فقال عثمان بن مظعون : اتق الله فإن محمداً يقول الحق . قال : فأنا أقول الحق . قال : فإن محمداً يقول : لا إله إلاّ الله . قال : فأنا أقول لا إله إلاّ الله . ولكن هذه شأن الله يعني الاصنام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } [ الزخرف : 81 ] قال النضر : ألا تَرون أن محمداً قد صدقني فيما أقول يعني قوله { إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ } [ الزخرف : 81 ] . قال له المغيرة بن الوليد : والله ما صدّقك ولكنه يقول ما كان للرحمن ولد . ففطن لذلك النضر فقال : اللّهمّ إن كان هذا هو الحق من عندك . { إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } { هُوَ } عماداً وتوكيد وصلة في الكلام ، و { ٱلْحَقَّ } نصب بخبر كان { فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } كما أمطرتها على قوم لوط . قال أبو عبيدة : ما كان من العذاب . يقال : فينا مطر ومن الرحمة مطر { أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } أي بنفس ما عذبت به الأُمم وفيه نزل : { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } [ المعارج : 1 ] . قال عطاء : لقد نزل في النضر بضعة عشرة آية من كتاب الله فحاق به ما سأل من العذاب يوم بدر . قال سعيد بن جبير : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر : " ثلاثة صبروا منكم من قريش المطعم بن عدي . وعقبة بن أبي معيط . والنضر بن الحرث " . " وكان النضر أسير المقداد فلمّا أمر بقتله قال المقداد : أسيري يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنّه كان يقول في كتاب الله ما يقول " قال المقداد : أسيري يا رسول الله ، قالها ثلاث مرّات . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثالثة : " اللّهمّ اغن المقداد من فضلك " . فقال المقداد : هذا الذي أردت " . { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } اختلفوا في معنى هذه الآية فقال محمد بن إسحاق بن يسار : هذه حكاية عن المشركين ، إنهم قالوها وهي متصلة بالآية الأُولى ، [ وقيل ] : إن المشركين كانوا يقولون : والله إن الله لا يعذبنا ونحن نستغفر ولا يعذب أُمة ونبيّها معهم ، وذلك من قولهم ورسول الله بين أظهرهم ، فقال الله تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم يذكر له جهالتهم وغرتهم واستفتاحهم على أنفسهم إذ قالوا { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } وقالوا : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } ثمّ قال ردّا عليهم { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ } وإن كنت بين أظهرهم أن كانوا يستغفرون { وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } . وقال آخرون : هذا كلام مستأنف وهو قول الله تعالى حكاية عن نفسه ثمّ اختلفوا في وجهها وتأويلها : فقال ابن أبزي وأبو مالك والضحاك : تأويلها : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم مقيم بين أظهرهم . قالوا : فأنزلت هذه الآية على النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو مقيم بمكّة ثمّ خرج النبيّ من بين أظهرهم . وبقيت منها بقية من المسلمين يستغفرون . فأنزل الله بعد خروجه عليه حين استغفر أُولئك بها { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } . ثمّ خرج أُولئك البقية من المسلمين من بينهم فعذبوا وأذن الله بفتح مكّة ، فهو العذاب الذي وعدهم . ابن عباس : لم يعذب أُولئك حتّى يخرج النبيّ منها والمؤمنون . قال الله : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } يعني المسلمين فلما خرجوا قال الله : { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ } يعذبهم يوم بدر . وقال بعضهم : هذا الاستغفار راجع الى المشركين : وما كان الله ليعذب هؤلاء المشركين ما دمتَ فيهم وما داموا يستغفرون . وذلك أنهم كانوا يطوفون بالبيت ويقولون لبيك لبيك لا شريك لك إلاّ شريك هو لك بملكه لو ما ملك ، ويقولون غفرانك غفرانك . هذه رواية أبي زميل عن ابن عباس . وروى ابن معشر عن يزيد بن روحان ومحمد بن قيس قالا : قالت قريش بعضها لبعض : محمد أكرمه الله من بيننا { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } . الآية فلمّا أمسوا ندموا على ما قالوا ، فقالوا : غفرانك اللهم . فأنزل الله عزّ وجلّ { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } . وقال أبو موسى الأشعري : إنّه كان فيكم أماناً لقوله تعالى { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } . وأمّا النبيّ صلى الله عليه وسلم فقد مضى وأمّا الاستغفار فهو كائن إلى يوم القيامة . وقال قتادة [ وابن عباس ] وابن يزيد معنى : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } : أن لو استغفروا ، يقول إن القوم لو كانوا يستغفرون لما عذبوا ولكنهم لم يكونوا استغفروا ولو استغفروا فأقروا بالذنوب لكانوا مؤمنين . وقال مجاهد وعكرمة : ( وهم يستغفرون ) أي يسلمون ، يقول : لو أسلموا لمّا عُذّبوا . وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس ( وهم يستغفرون ) أي وفيهم من سبق له من الله الدخول في الإيمان . وروى عن ابن عباس ومجاهد والضحاك : وهم يستغفرون أي يصلّون . وقال الحسن : هذه الآية منسوخة بالآية التي تلتها : { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ } إلى قوله : { بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } فقاتلوا بمكّة فأصابوا فيها الجوع والخير . وروى عبد الوهاب عن مجاهد ( وهم يستغفرون ) أي في [ أصلابهم ] من يستغفره . قال { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ } أي : مايمنعهم من أن يُعذّبوا . قيل : [ إنّ { إِنَّ } هنا زائدة ] . { وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } { وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ } المؤمنون من حيث كانوا ومن كانوا ، يعني النبيّ صلى الله عليه وسلم ومن آمن معه . { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً } والمكاء الصفير . يقال مكاءً تمكّوا مكا ومكوا . وقال عنترة : @ وحليل غانية تركت مجدّلاً تمكوا فريصته كشدق الاعلم @@ ومنه قيل : مكت اسم الدابة مكأ إذا نفخت بالريح . ( وتصدية ) يعني التصفيق . قال جعفر بن ربيعة : سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن قوله { إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً } فجمع كفيه ثمّ نفخ فيها صفيراً . وقال ابن عباس : كانت قريش يطوفون بالبيت وهم عراة يصفرون ويصفقون . و [ قال ] مجاهد : كان نفر من بني عبد الدار يعارضون النبيّ صلى الله عليه وسلم في الطواف يستهزئون به فيدخلون أصابعهم في أفواههم ويصفرون ، يخلطون عليه صلاته وطوافه . وقال مقاتل : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا صلّى في المسجد قام رجلان من المشركين عن يمينه فيصفران ويصفقان ورجلان كذلك عن يساره ليخلطوا على النبيّ صلى الله عليه وسلم صلاته . وهم بنو عبد الدار فقتلهم الله ببدر . وقال السدي : المكاء الصفير على لحن طائر أبيض يكون بالحجاز يقال له : المكا . قال الشاعر : @ إذا غرّد المكاء في غير روضة قيل لأهل الشاء والحمرات @@ وقال سعيد بن جبير وابن إسحاق وابن زيد : التصدية صدهم عن بيت الله وعن دين الله ، والتصدية على هذا التأويل التصديد فقلبت إحدى الدالين تاءً كما يقال تظنيت من الظن . قال الشاعر : @ تقضي البازي إذا البازي كسر @@ يريد : تظنيت وتفضض . وقرأ الفضل عن عاصم : وما كان صلاتهم بالنصف إلا مكاء وتصدية بالرفع محل الخبر في الصلاة كما قال القطامي : @ قفي قبل التفرق يا ضباعاً ولا يك موقف منك الوداعا @@ وسمعت مَنْ يقول : كان المكاء أذانهم والتصفيق إقامتهم { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } يوم بدر { بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } .