Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 41-44)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ } حتّى الخيط والمخيط . واختلف العلماء في معنى الغنيمة والفي ، ففرّق قوم بينهما : قال الحسن بن صالح : سألت عطاء بن السائب عن الفي والغنيمة فقال : إذا ظهر المسلمون على المشركين على أرضهم فأخذوه عنوة فما أخذوا من مال ظهروا عليه فهو غنيمة . وأمّا الأرض فهو في سواد هذا الفيء . وقال سفيان الثوري : الغنيمة ما أصاب المسلمون عنوة بقتال ، والفي ما كان من صلح بغير قتال . وقال قتادة : هما بمعنى واحد ومصرفهما واحد وهو قوله تعالى { فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ } . اختلاف أهل التأويل في ذلك فقال بعضهم قوله : { فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ } مفتاح الكلام . ولله الدنيا والآخرة فإنّما معنى الكلام : فأنّ للرسول خُمسه وهو قول الحسن وقتادة وعطاء ، فإنّهم جعلوا سهم الله وسهم الرسول واحداً ، وهي رواية الضحاك عن ابن عباس . قالوا : كانت الغنيمة تقسم خمسة أخماس فأربعة أخماس لمن قاتل عليها ، وقسّم الخمس الباقي على خمسة أخماس : خمس للنبيّ صلى الله عليه وسلم كان له ويصنع فيه ما شاء وسهم لذوي القربى ، وخمس اليتامى وخمس للمساكين وخُمس لابن السبيل . فسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس الخمس . وقال بعضهم : معنى قوله : ( فأن لله ) فإن لبيت الله خمسه . وهو قول الربيع وأبي العالية قالا : كان يجاء بالغنيمة فيقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أسهم ، فجعل أربعة لمن شهد القتال ويعزل أسهماً [ فيضرب يده ] في جميع ذلك فما قبض من شيء جعله للكعبة وهو الذي سُميّ لله ثمّ يقسّم ما بقي على خمسة أسهم : سهم للنبيّ صلى الله عليه وسلم وسهم لذي القربى ، وسهم اليتامى ، وسهم للمساكين ، وخمس لابن السبيل ، وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس الخمس . وقال ابن عباس : سهم الله وسهم رسوله جميعاً لذوي القربى وليس لله ولا لرسوله منه شيء . وكانت الغنيمة تُقسّم على خمسة أخماس فأربعة منها لمن قاتل عليها وخمس واحد تقسّم على أربعة ، فربع لله والرسول ولذي القربى . فما كان لله والرسول فهو لقرابة النبيّ صلى الله عليه وسلم ولم يأخذ النبيّ من الخمس شيئاً . والربع الثاني لليتامى ، والربع الثالث للمساكين ، والربع الرابع لابن السبيل . وأمّا قوله ( ولذي القربي ) فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لهم الصدقة فجعل لهم خمس الخمس مكان الصدقة واختلفوا فيهم . فقال مجاهد وعليّ بن الحسين وعبد الله بن الحسن : هم بنو هاشم . وقال الشافعي : هم بنو هاشم وبنو عبد المطلب خاصّة . واحتج في ذلك بما روى الزهري عن سعيد بن جبير بن مطعم قال : " لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهماً لذوي القربى من خيبر على بني هاشم والمطلب مشيت أنا وعثمان بن عفان فقلنا : يا رسول الله هؤلاء إخوانك بنو هاشم لا تنكر فضلهم مكانك الذي حملك الله منهم أرأيت إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا ، وإنّما نحن وهم بمنزلة واحدة ، فقال صلى الله عليه وسلم " إنّهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام . إنّما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد " ثمّ أمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى يديه بالأُخرى " . وقال بعضهم : هم قريش كلّها . كتب نجدة الى ابن عباس وسأله عن ذوي القربى فكتب إليه ابن عباس : قد كنا نقول : إنا هم ، فأبى ذلك علينا قومنا وقالوا : قريش كلّها ذو قربى . واختلفوا في حكم النبيّ صلى الله عليه وسلم وسهم ذي القربى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان ابن عباس والحسن يجعلانه في الخيل والسلاح ، والعدّة في سبيل الله ومعونة الإسلام وأهله . وروى الأعمش عن إبراهيم . قال : كان أبو بكر رضي الله عنه وعمر يجعلان سهم النبيّ صلى الله عليه وسلم في الكراع والسلاح ، فقلت لإبراهيم : ما كان لعليّ رضي الله عنه قول فيه . قال : كان أشدهم فيه . قال الزهري : إنّ فاطمة والعباس أتيا أبا بكر الصديق يطلبان ميراثهم من فدك وخيبر . فقال لهم أبو بكر رضي الله عنه : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركنا صدقة " فانصرفا " . وقال قتادة : كان سهم ذي القربى طعمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان حيّاً . فلمّا توفي جعل لولي الأمر بعده . وقال عليّ كرم الله وجهه : يعطى كل إنسان نصيبه من الخمس لا يعطى غيره ، ويلي الإمام سهم الله ورسوله . وقال بعضهم : سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مردود بعده في الخمس . والخمس بعده مقسوم على ثلاث أسهم : على اليتامى والمساكين وابن السبيل وهو قول جماعة من أهل العراق . وقال عمرو عن عيينة : " صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعير من المغنم فلمّا فرغ أخد وبره من جسد البعير فقال : " إنّه لا يحلّ لي من هذا المغنم مثل هذا إلاّ الخمس ، والخمس مردود فيكم " . وقال آخرون : الخمس كلّه لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال المنهال ابن عمرو : سألت عبد الله بن محمد بن عليّ وعليّ بن الحسين عن الخمس فقالا : هو لنا ، فقلت لعلي رضي الله عنه : إن الله تعالى يقول { وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } فقال : يتامانا ومساكيننا . وأمّا اليتامى فهم أطفال المسلمين الذين هلك أباؤهم ، والمساكين أهل الفاقة والحاجة من المسلمين ، وابن السبيل المسافر المنقطع . وقال ابن عباس : هو الفتى الضعيف الذي ترك المسلمين { إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا } محمد صلى الله عليه وسلم { يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ } يوم فرق فيه بين الحق والباطل ببدر { يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ } جمع المسلمين وجمع المشركين وهو يوم بدر وكان رأس المشركين عتبة بن ربيعة وكان يوم الجمعة لسبع عشر مضت من شهر رمضان { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * إِذْ أَنتُمْ } يا معشر المسلمين { بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا } شفير الوادي الأدنى إلى المدينة { وَهُم } يعني عدوكم من المشركين { بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ } من الوادي الأقصى من المدينة { وَٱلرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ } إلى ساحل البحر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى الوادي والمشركين بأسفله والعير قد [ انهرم ] به أبو سفيان على الساحل حتّى قدم مكّة . وفي العدوة قراءتان : كسر العين وهو قراءة أهل مكّة والبصرة . وضم العين وهو قرأ الباقين واختيار أبي عبيد وأبي حاتم ، وهما لغتان مشهورتان كالكُسوة والكَسوة . والرُشوة والرَشوة . وينشد بيت الراعي : @ وعينان حمر مآقيهما كما نظر العِدوة الجؤذر @@ بكسر العين . وينشد بيت أوس بن حجر : @ وفارس لو تحل الخيل عُدوته ولّوا سراعاً وما همّوا بإقبال @@ بالضم . والدنيا تأنيث الأدنى ، والقصوى تأنيث الأقصى . وكان المسلمون خرجوا ليأخذوا العير وخرج الكفار ليمنعوها فالتقوا من غير ميعاد قال الله { وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي ٱلْمِيعَادِ } لقلّلكم وكثرة عدوكم { وَلَـٰكِن لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً } من نصر أوليائه وإعزاز دينه وإهلاك أعدائه { لِّيَهْلِكَ } هذه اللام مكررة على اللام في قوله { لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً } ويهلك { مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ } أي ليموت مَنْ يموت على بينة [ ولَهَاً وعِبْرةً ] عاينها وحجّة قامت عليه ، وكذلك حياة من يحيى لوعده { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [ الإسراء : 15 ] . وقال محمد بن إسحاق : ليكفر من كفر بعد حجة قامت عليه وقطعت معذرته ويؤمن من آمن على [ مثواك ] . وقال قتادة : ليضل من ضل عن بينة ويهتدي من اهتدى على بيّنة . وقال عطاء : ليهلك من هلك عن بينة عن علم بما دخل فيه من الفجور { وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ } عن علم ويقين بلا إله إلاّ الله . وفي ( حي ) قولان ، قرأ أهل المدينة : ( حيي ) بيائين مثل خشيي على الإيمان ، وقرأ الباقون ( حيّ ) بياء واحدة مشددة على الإدغام ، لأنّه في الكتاب بياء واحدة { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ } يا محمد يعني المشركين { فِي مَنَامِكَ } أي في نومك ، وقيل : في موضع نومك يعني عينك { قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ } لجبنتم { وَلَتَنَازَعْتُمْ } اختلفتم { فِي ٱلأَمْرِ } وذلك أن الله تعالى أراهم إياه في منامه قليلا فأخبر صلى الله عليه وسلم بذلك ، فكان تثبيتاً لهم ونعمة من الله عليهم شجعهم بها على عدوهم فذلك قوله عزّ وجلّ { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَ } قال ابن عباس : سلم الله أمرهم حين أظهرهم على عدوهم { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ ٱلْتَقَيْتُمْ فِيۤ أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً } قال مقاتل : ذلك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أن العدو قليل قبل [ لقاء ] العدو فأخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه بما رأى . فقالوا : رؤيا النبيّ حق ، القوم قليل ، فلما التقوا ببدر قلل الله المشركين في أعين المؤمنين وأصدق رؤيا النبيّ صلى الله عليه وسلم . قال عبد الله بن مسعود : لقد قُللوا في أعيننا يوم بدر حتّى قلت لرجل إلى جنبي : [ نراهم سبعين ] قال أراهم مائة فأسرنا رجلا فقلنا كم كنتم ؟ قال : ألفاً . ويقللكم يا معشر المؤمنين في أعينهم . قال السدي : قال أُناس من المشركين : إن العير قد انصرفت فارجعوا . فقال أبو جهل : الآن إذا [ ينحدر لكم ] محمد وأصحابه فلا ترجعوا حتّى تستأصلوهم ولا تقتلوهم بالسلاح خذوهم أخذاً كي لا يعبد الله بعد اليوم ، إنّما محمد وأصحابه أكلة جزور فاربطوهم بالجبال . كقوله من القدرة على نفسه . قال الكلبي : استقلّ المؤمنون المشركين والمشركون المؤمنين ، البحتري : بعضهم على بعض . { لِيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً } كائناً في علمه ، نصر الإسلام وأهله وذل الشرك وأهله . وقال محمد بن إسحاق : ليقضي الله أمرا كان مفعولاً بالانتقام من أعدائه والإنعام على أوليائه { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } .