Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 61-67)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا } أي فمل إليها وصالحهم ، قالوا : وكانت هذه قبل ( براءة ) ثم مسخت بقوله : اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ، وقوله : قاتلوا الذين يؤمنون بالله ، الآية { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } { وَإِن يُرِيدُوۤاْ أَن يَخْدَعُوكَ } يغدروا ويمكروا بك ، قال مجاهد : يعني قريظة { فَإِنَّ حَسْبَكَ ٱللَّهُ } كافيك الله { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ } قال السدّي : يعني الأنصار { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } جمع بين قلوبهم وهم الأوس والخزرج على دينه بعد حرب سنين ، فصيرّهم جميعاً بعد أن كانوا أشتاتاً ، وأخواناً بعد أن كانوا أعداءً { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } إلى قوله تعالى { حَكِيمٌ } . روى ابن عفّان عن عمير بن إسحاق ، قال : كنّا نتحدث أن أول مايرفع من الناس الالفة { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ } . [ … ] أبي المغيرة عن سعيد بن جبير ، قال : أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وثلاثون رجلاً وستّ نسوة ، ثم أسلم عمر ( رضي الله عنه ) فنزلت هذه الآية : يا أيها النبيّ حسبك الله { وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ } قال اكثر المفسرين : محل من نصب عطفاً على الكاف في قوله حسبك ، ومعنى الآية : وحسب من أتبعك ، وقال بعضهم رفع عطفاً على اسم الله تقديره : حسبك الله ومتّبعوك من المؤمنين . { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } حثّهم على القتال { إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ } رجلاً صابرون محتسبون { يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ } من عدوّهم ويقهروهم { وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ } صابرة محتسبة تثبت عند اللقاء وقتال العدو { يَغْلِبُوۤاْ أَلْفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } من أجل أن المشركين قوم يقاتلون على غير احتساب ، ولا طلب ثواب ، فهم لا يثبتون إذا صدقتموهم القتال خشية أن يُقتلوا ، وصورة الآية خبر ومعناه أمر . وكان هذا يوم بدر قَرَنَ على الرجل من المؤمنين قتال عشرة من الكافرين ، فثقلت على المؤمنين وضجّوا فخفّف الله الكريم عنهم وأنزل { ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً } أي في الواحد عن قتال عشرة والمائة عن قتال الألف ، وقرأ أبو جعفر ضعفاً بفتح الضاد ، وقرأ بعضهم : ضعفاء بالمد على جمع ضعيف مثل شركاء . { فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } [ أي عشرين من عشرة بمنزلة اثنين من واحد فكُسر أول عشرين كما كسر اثنان ] ، وإذا كانوا على الشطر من عدوهم لم ينبغِ [ لهم أن يفروا منهم ، وإن كانوا دون ذلك لم يجب عليهم ] القتال وجاز لهم أن [ يتحوزوا ] عنهم . { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ } روى الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال : " لما كان يوم بدر جيء بالأسرى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تقولون في هؤلاء ؟ فقال أبو بكر : يا رسول الله قومك وأهلك ، استبقهم فاستعن بهم ، لعلّ الله أن يتوب عليهم ، وخذ منهم فدية [ تكن ] لنا قوة على الكفار . وقال عمر : يا رسول الله كذبوك وأخرجوك فاضرب أعناقهم ، ومكِّن علياً من عقيل يضرب عنقه ، ومكّني من فلان نسيب لعمر أضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفر ، وقال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله انظر وادياً كثير الحطب فأدخلهم فيه ، ثم أضرمه عليهم ناراً ، فقال العباس ، قطعتك رحمك ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبهم . ثم دخل فقال أُناس : يأخذ بقول أبي بكر ، وقال ناس : يأخذ بقول عمر ، وقال ناس : يأخذ بقول ابن رواحة . ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله يلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللين ، وأن الله يشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة ، وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم ، قال : فمن تبعني فإنّه منّي ، ومن عصاني فإنك غفور رحيم ، ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى . قال : إن تعذبهم فإنهم عبادك ، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ، ومثلك ياعمر مثل نوح قال رب لاتذر على الأرض من الكافرين دياراً ، ومثلك كمثل موسى قال { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } [ يونس : 88 ] الآية . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم اليوم عالة فلا يفلتنّ أحد منكم إلا بفداء أو ضرب عنق ، قال عبد الله بن مسعود إلا سهيل بن البيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فما رأيتني في يوم أخوف أن يقع عليّ الحجارة من السماء مني ذلك اليوم حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إلا سهيل بن البيضاء " . قال : فلمّا كان من الغد جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا هو وأبو بكر قاعدان يبكيان فقلت : يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك ؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد بكاء ما بكيت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي للذي عرض على اصحابك في أخذهم الفداء ، ولقد عُرض عليّ عذابكم ، ودنا من هذه الشجرة شجرة ، قريبة من نبي الله فأنزل الله تعالى { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ } " بالتاء بصري الباقون بالياء ، أسرى : جمع أسير مثل قتيل وقتلى { حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ } أي يبالغ في قتل المشركين وأسرهم وقهرهم ، أثخن فلان في هذا الأمر أي بالغ ، وأثخنته معرفة بمعنى قلته معرفة . قال قتادة هذا يوم بدر ، فاداهم رسول الله بأربعة آلاف بأربعة آلاف ، ولعمري ما كان أثخن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ، وكان أول قتال قاتل المشركين . قال ابن عباس كان هذا يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل ، فلمّا كثروا واشتد سلطانهم ، أنزل الله تعالى بعد هذا في الأُسارى { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً } [ محمد : 4 ] فجعل الله نبيه والمؤمنين في أمر الأُسارى بالخيار إن شاؤوا قتلوهم وإن شاؤوا استعبدوهم وأن شاءوا فادوهم وإن شاؤوا رفقوا بهم . { تُرِيدُونَ } أيها المؤمنون { عَرَضَ ٱلدُّنْيَا } بأخذكم الفداء { وَٱللَّهُ يُرِيدُ } ثواب { ٱلآخِرَةَ } بقهركم المشركين ونصركم دين الله { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } .