Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 83, Ayat: 15-36)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } قال بعضهم : من كرامته ورحمته ممنوعون ، وقال قتادة : هو أن لا ينظر إليهم ولا يزكيهم ، وقال أكثر المفسرين : عن رؤيته ، قال الحسين بن الفضل : كما حجبهم في الدنيا عن توحيده حجبهم في الآخرة عن رؤيته . أخبرنا الحسن بن محمد بن جعفر قال : حدّثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن هاني قال : حدّثنا الحسين بن الفضل قال : حدّثنا عفان بن مسلم الصفار عن الربيع بن صبيح وعبد الواحد بن زيد قالا : قال الحسن : لو علم الزاهدون والعابدون أنهم لا يرون ربّهم في المعاد لزهقت أنفسهم في الدنيا ، وقال يحيى بن سليمان : بن نضلة : يُسئل مالك بن أنس عن هذه الآية قال : لها حجب أعداءه فلم يروه تجلّى لأوليائه حتى رآوه ، وسمعت أبا القاسم الحسن بن محمد يقول : سمعت أبا علي الحسن بن أحمد [ الشبوي ] بها يقول : سمعت أبا نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي يقول : سمعت الربيع بن سليمان يقول : كنت ذات يوم عند الشافعي رضي الله عنه وجاءه كتاب من الصعيد يسألونه عن قول الله سبحانه : { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } فكتب فيه : لما حجب قوماً بالسخط دل على أن قوماً يرونه بالرضا ، فقلت له : أوتدين بهذا يا سيدي ؟ فقال : والله لو لم يوقن محمد بن إدريس أن يرى ربّه في المعاد لما عبده في الدنيا . { ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُواْ ٱلْجَحِيمِ } لداخلوا النار { ثُمَّ يُقَالُ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ } أخبرني الحسين قال : حدّثنا موسى قال : حدّثنا ابن علوية قال : حدّثنا إسماعيل قال : حدّثنا المسيّب عن الأعمش عن النهال عن زادان عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عليين في السماء السابعة تحت العرش " وقال ابن عباس هو لوح من زبزجدة خضراء معلق تحت العرش أعمالهم مكتوبة فيها ، وقال كعب وقتادة : هو قائمة العرش اليمنى ، مقاتل : ساق العرش ، علي ابن أبي طلحة وعطاء عن ابن عباس : هو الجنة ، عطية عنه : أعمالهم في كتاب الله في السماء ، الضحاك : سدرة المنتهى ، وقال أهل المعاني : علو بعد علو وشرف بعد شرف ، ولذلك جمعت بالياء والنون لجمع الرجال إذا لم يكن له نبأ من واحد ولا ثانية ، قال الفراء : هو اسم موضوع على صفة الجمع لا واحد له من لفظه كقولك عشرين وثلاثين ، وقال يونس النحوي : واحدها عليّ وعليّه . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا بن حمدان قال : حدّثنا أبو الحسن محمد بن إسحاق الملحمي قال : حدّثنا محمد بن يونس قال : حدّثنا عفان قال : حدّثنا حماد بن سلمة عن عصام ابن يهدله عن خيثمة عن عبد الله بن عمرو في قوله سبحانه : { كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ } قال : إنّ أهل عليين لينظرون إلى أهل الجنة من كذا فإذا أشرف رجل أشرقت الجنة وقالوا : قد طلع علينا رجل من أهل عليين . { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } رقم له بخير وفي الآية تقديم وتأخير ، مجازها : إنّ كتاب الأبرار مرقوم في عليين وهي محل الملائكة ، ومثله إن كتاب الفجّار كتاب مرقوم وهي سجين ، وهي محل إبليس وجنوده . { يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } الملائكة { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ } أي ما أعطاهم الله تعالى من الكرامة والنعمة ، الأرائك : كلّ ما يتكيء عليه ، وقيل : السرير في الحجلة ، وقال مقاتل : ينظرون إلى [ أعدائهم ] كيف يعذّبون ، وقال ابن عطاء : على أرائك المعرفة ينظرون إلى المعروف وعلى أرائك القربة ينظرون إلى الرؤوف . { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } أي عصارته وبريقه ونوره يقال أنضر النبات إذا أزهر ونوّر ، وقراءة العامة { تَعْرِفُ } بفتح التاء وكسر الراء { نَضْرَةَ } نصب ، وقرأ أبو جعفر ويعقوب بضم التاء وفتح الراء على غير تسمية الفاعل . { يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ } خمر صافية طيبة وقيل : هي الخمر العتيقة ، مقاتل : الخمر البيضاء . قال حسان : @ يسقون من ورّد البريص عليهم بردا يُصفّق بالرحيق السَلسَل @@ وقال آخر : @ أم لا سبيل إلى الشباب وذكره أشهى إليّ من الرحيق السلسل @@ { مَّخْتُومٍ } ختمت ومُنعت عن أن يمسها ماس أو تنالها يد إلى أن يفكّ خَتْمها الأبرار يوم القيامة ، وقال مجاهد : مطيّن . { خِتَامُهُ } طينة { مِسْكٌ } قال ابن زيد : ختامه عند الله سبحانه : مسّك وختامها اليوم في الدنيا طين ، وقال ابن مسعود : مختوم ممزوج ، ختامه خلطو مسك ، وقال علقمة : طعمه وريحه مسك ، وقال الآخرون : عاقبته وآخر طعمه مسك ، قال قتادة : يمزج لهم بالكافور ويختم بالمسك ، وروى عبد الرحمن بن سابط عن أبي الدرداء في قوله سبحانه { خِتَامُهُ مِسْكٌ } قال : شراب أبيض مثل الفضة يختمون به شرابهم ولو أن رجلا من أهل الدنيا أدخل إصبعه فيه ثم أخرجها لم يبق ذو روح إلاّ وجد طيبها . وختم كلّ شيء الفراغ منه ، ومنه ختم القرآن ، والأعمال بخواتيمها ، وقراءة العامة ( ختامه ) بتقديم التاء وقرأ الكسائي ( خاتمه ) وهي قراءة علي وعلقمة . أخبرنا محمد بن عبدوس قال : حدّثنا محمد بن يعقوب قال : أخبرنا محمد بن الجهم قال : أخبرنا يحيى بن زرارة الفراء قال : حدّثني محمد بن الفضل عن عطاء بن السائب عن أبي عبدالرحمن أنه قرأ خاتمه مسك . وباسناده عن الفراء قال : حدّثني أبو الأحوص عن أشعث بن أبي الشعثاء المحاربي قال : قرأ علقمة بن قيس ( خاتمه مسك ) وقال : أما رأيت المرأة تقول للعطار : اجعل لي خاتمه مسكاً ، تريد آخره ، والخاتم والختام واحد كما يقال للرجل الكريم : الطابع والطباع ، وقال الفرزدق : @ فبتن بجانبي مصّرعات وبتّ أفضُ أغلاق الختام @@ { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ } فليرغب الراغبون بالمبادرة إلى طاعة الله ، وقال مجاهد فليعمل العاملون ، نظيره قوله سبحانه : { لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ } [ السجدة : 17 ] ، مقاتل بن سليمان : فليتنازع المتنازعون ، ابن حيان : فليتسارع المتسارعون ، عطا : فليستبق المتسابقون ، زيد بن أسلم : فليتشاح المتشاحون ، ابن جرير : فليجدوا في طلبه وليحرصوا عليه ، وأصله من الشيء النفيس ، وهو الذي تحرص عليه نفوس الناس ، ويطلبه ويتمناه ويريده كل واحد منهم لنفسه وينفس به على غيره أي يضنُ . { وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ } شراب ينصب عليه من علو ، ومنه سنام البعير وتسنيم القبور قال الضحاك : هو شراب اسمه تسنيم وهو أشرف الشراب ، مقاتل : يسمى تسنيماً ؛ لأنه يتسنّم فيصب عليه انصباباً من فوقهم في غرفهم ومنازلهم تجري من جنّة عدن إلى أهل الجنان ، قال ابن مسعود وابن عباس : هو خالص للمقربين يشربونها صرفاً ويمزج لساير أهل الجنة . وأخبرنا عبد الله بن حامد في آخرين قالوا : أخبرنا مكيّ قال : حدّثنا عمار بن رجاء قال : حدّثنا سويد بن عمرو الكلبي قال : حدّثنا حماد بن سملة عن علي بن زيد عن يونس بن مهران عن ابن عباس { وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ } قال : هذا مما قال الله سبحانه : { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } [ السجدة : 17 ] ، وعن بعضهم : أنها عين تجري في الهواء متسنماً فتصب في أواني أهل الجنّة على مقدار ملئها ، فإذا امتلأت أمسك الماء حتى لا يقع منه قطرة على الأرض فلا يحتاجون إلى الأستقاء وهو معنى قول قتادة ، وأصل الكلمة مأخوذ من علوّ المكان والمكانة ، فيقال للشيء المرتفع : سنام ، وللرجل الشريف : سنام وهو إسم معرفة مثل التنعيم وهو اسم جبل . { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا } أي منها ، وقيل يشربها { ٱلْمُقَرَّبُونَ } قال الحريري والواسطي : يشرب بها المقرّبون صرفاً على بساط القرب في مجلس الأُنس ورياض القُدس بكأس الرضا على مشاهدة الحقّ سبحانه وتعالى . { إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ } اشركوا أبا جهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأصحابهم من مترفي مكّة { كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ } عمّار وخبّاب وصهيب وبلال وأصحابهم من فقراء المؤمنين . { يَضْحَكُونَ } وبهم يستهزؤون ومن إسلامهم يتعجبون . وقال مقاتل والكلبي : نزلت في علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وذلك أنه جاء في نفر من المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسخر منهم المنافقون وضحكوا وتغامزوا ثم رجعوا إلى أصحابهم فقالوا : رأينا اليوم الأصلع فضحكنا منه فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآيات قبل أن يصل عليّ وأصحابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . { وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ } يغمز بعضاً ويشيرون بالأعين { وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ } حين يأتون محمد يرون أنهم على شيء { وَمَآ أُرْسِلُواْ } يعني المشركين { عَلَيْهِمْ } يعني على المؤمنين { حَافِظِينَ } لأعمالهم موكلين بأحوالهم . { فَٱلْيَوْمَ } يعني يوم القيامة { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ } كما ضحك الكفار منهم في الدنيا وذلك أنّه يفتح للكفار باب إلى الجنة فيقال لهم أخرجوا إليها فإذا وصلوا إليه أغلق دونهم يفعل بهم ذلك مراراً ويضحك المؤمنون منهم وهم { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ } من الدر والياقوت { يَنظُرُونَ } إليهم كيف يعذبون ، قال كعب : بين الجنة والنار كوىً فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدو له كان في الدنيا اطلّع من بعض تلك الكوى ، دليله قوله سبحانه { فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } [ الصافات : 55 ] { هَلْ ثُوِّبَ } جوزي { ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } ثوّب وأثاب بمعنى واحد .