Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 83, Ayat: 1-14)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } يعني الذين ينقصون الناس ويبخسون حقوقهم في الكيل والوزن ، وأصله من الشيء الطفيف وهو النزر القليل ، وإناءٌ طفاف إذا لم يكن ملآن ، ومنه قيل للقوم الذين يكونون سواء في حسبة أو عدد : هم كطف الصاع ، يعني ذلك : كقرب الملء منه ناقص عن الملء . { ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ } أخذوا { عَلَى ٱلنَّاسِ } أي منهم ، وعلى ومن تتعاقبان في هذا الموضع { يَسْتَوْفُونَ } حقوقهم منه { وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ } أي كالوا لهم أو وزنوا لهم ، يقال : وزنتك حقّك ، وكِلْتك طعامك بمعنى وزنت لك وكلت لك ، قال الفراء : وهي لغة أهل الحجاز ومَنْ جاوزهم من [ … ] قال : وسمعتُ أعرابية تقول : إذا صدر الناس أتينا التاجر فيكيلنا المد والمدين إلى الموسم المقبل . قال أبو عبيد : وكان عيسى بن عمر يجعلها حرفين حرفين ويقف على : كالوا ووزنوا ، ثمّ يبتدئ فيقول : هم يخسرون ، قال : وأحسب قراءة حمزة أيضاً كذلك ، قال أبو عبيد : والأختيار أن يكون كلمة واحدة من جهتين : إحداهما : الخط ، وذلك أنهم كتبوها بغير ألف ، ولو كانتا مقطوعتين لكانتا كالوا ووزنوا بالألف على ما كتبوا الأفعال كلّها مثل : فاءوا وجاءوا [ … ] المصاحف إلاّ على إسقاطها . والجهة الأُخرى : أنه يقال : كلتك ووزنتك بمعنى كلتُ لك ووزنت لك ، وهو كلام عربي كما يقال : صدتك وصدت لك وكسبتك وكسبت لك ومثله كثير . { يُخْسِرُونَ } ينقصون . حدّثنا أبو محمد المخلدي قال : أخبرنا ابن الشرقي قال : حدّثنا عبدالرحمن بن بشر قال : حدّثنا علي بن الحسين بن واقد ، قال : حدّثني أبي قال : حدّثني يزيد النحوي أن عكرمة حدّثه عن ابن عباس قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً ، فأنزل الله سبحانه { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } فأحسنوا الكيل . وقال القرطبي : كان بالمدينة تجارٌ يُطفّفون وكانت بياعتهم كشبه القِمار والمنابذة والملامسة والمخاطرة فأنزل الله سبحانه هذه الآية . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السوق وقرأها عليهم ، وقال السدي : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وبها رجل يقال له أبو جهينة ومعه صاعان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر فأنزل الله سبحانه هذه الآية . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا بن يوسف قال : حدّثنا ابن عمران قال : حدّثنا أبو الدرداء ، عبد العزيز [ بن منيب ] قال : حدّثنا إسحاق بن عبد الله بن كيسان عن أبيه عن الضحاك ومجاهد وطاووس عن ابن عباس قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خمس لخمس " قالوا : يا رسول الله وما خمس لخمس ؟ قال : " ما نقض قوم العهد إلاّ سلّط عليهم عدوّهم ، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلاّ فشا فيهم الفقر ، وما ظهرت فيهم الفاحشة إلاّ فشا فيهم الموت ، ولا طفّفوا الكيل إلاّ منعوا النبات وإخذوا بالسنين ، ولا منعوا الزكاة إلاّ حبس عنهم القطر " . وأخبرني بن فنجويه قال : حدّثنا ابن ماجة قال : حدّثنا ابن أيوب قال : حدّثنا القصواني قال : حدّثنا سنان بن حاتم قال : حدّثنا حفص قال : حدّثنا مالك بن دينار قال : دخلتُ على جار لي وقد نزل به الموت فجعل يقول : جبلين من نار جبلين من نار ، قال : قلت : ما تقول أتهجر ؟ قال : يا أبا يحيى كان لي مكيالان ، كنت أكيل بأحدهما وأكتال بالآخر ، قال : فقمت فجعلت أضرب أحدهما بالآخر فقال : يا أبا يحيى كلما ضربت أحدهما بالآخر إزداد عظماً فمات في وجعه . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا بن صقلان قال : حدّثنا محمد بن محمد بن النفاخ الباهلي قال : حدّثنا بركة بن محمد الحلبي عن عثمان بن عبدالرحمن عن النضر بن عدي قال : سمعتُ عكرمة يقول : أشهد على كلّ كيّال أو وزّان أنّه في النار ، قيل له : إنّ ابنك كيال أو وزان ، قال : أنا أشهد أنه في النار . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا الفضل بن الفضل قال : حدّثني عبد الله بن زكريا القاضي قال : حدّثنا العباس بن عبد الله بن أحمد قال : حدّثنا المبرد قال : حدّثنا الرياسي عن الأصمعي قال : قال لي إعرابي : لا تلتمس الحوائج ممن مروءته في رؤس المكاييل والسن الموازين ، وروى عبد خير أن عليّاً مرّ على رجل وهو يزن الزعفران وقد أرجح ، فكفا الميزان ، ثم قال : أقم الوزن بالقسط ، ثم أرجح بعد ذلك ما شئت ، وقال نافع كان ابن عمر يمرّ بالبائع فيقول : اتّقِ الله وأوفِ الكيل والوزن ، فإن المطفّفين يوقفون يوم القيامة حتى أن العرق ليلجمهم إلى أنصاف آذانهم . { أَلا يَظُنُّ } يستيقن { أُوْلَـٰئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن مالك قال : حدّثنا ابن حنبل قال : حدّثني أبي قال : حدّثنا وكيع عن هشام صاحب [ الدستواني ] عن القمر بن أبي [ ابزى ] قال : حدّثني من سمع ابن عمر قرأ { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } فلما بلغ { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } بكى حتى خرّوا وامتنع من قراءة ما بعده . { كَلاَّ } قال الحسن : حقاً { إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ } الذي كتب فيه أعمالهم { لَفِي سِجِّينٍ } قال عبد الله بن عمر ومغيث بن سمي وقتاده ومجاهد والضحاك وابن زيد : هي الأرض السابعة السفلى فيها أرواح الكفّار وأعمالهم ، يدلّ عليه ما أخبرنا الحسين قال : حدّثنا موسى قال : حدّثنا ابن علوية قال : حدّثنا إسماعيل قال : حدّثنا المسيّب قال : حدّثنا الأعمش عن المنهال عن زادان عن البرك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سجين أسفل سبع أرضين " وأخبرني أبو عبد الله الفنجوي قال : حدّثنا أبو علي المقريء قال : حدّثنا أبو [ القاسم بن ] الفضل قال : حدّثنا محمد بن حميد قال : حدّثنا يعقوب بن عبدالله الأشعري قال : حدّثنا حفص ابن حميد عن سمر بن عطية قال : جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار فقال : أخبرني عن قول الله سبحانه وتعالى : { إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ } فقال : إنّ روح الفاجر يُصعد بها إلى السماء فتأبى السماء أن تقبلها ثم يهبط بها إلى الأرض فتأبى الأرض أن تقبلها فيُهبط تحت سبع أرضين حتى ينتهي بها إلى سجّين ، وهي حدّ إبليس ، فيخرج لها من سجين من تحت حدّ إبليس رق فيرقم ويختم ويوضع تحت حدّ إبليس بمعرفتها الهلاك بحساب يوم القيامة ، وإليه ذهب سعيد بن جبير قال : سجّين تحت حدّ إبليس ، وقال عطاء الخراساني : هي الأرض السُفلى وفيها إبليس وذريته . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا الفضل قال : حدّثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال : قراءتي على يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : وحدّثني عمارة بن عيسى عن يونس بن يزيد عمّن حدّثه عن ابن عباس أنه قال لكعب الأحبار : أخبرني عن سجّين وعليّين ، فقال كعب : والذي نفسي بيده لأخبرنّك عنها إلاّ بما أجدُ في كتاب الله المنزل ، أما سجّين فإنّها شجرة سوداء تحت الأرضين السبع مكتوب فيها كلّ اسم شيطان ، فإذا قبضت نفس الكافر عرج بها إلى السماء فغلقت أبواب السماء دونها ، ثم رمى بها إلى سجين فذلك سجين ، وأما عليّيون فإنّه إذا قُبضت نفس المسلم عرج بها إلى السماء وفتحت لها أبواب السماء حتى تنتهي إلى العرش ، قال : فيخرج كفّ من العرش فيكتبُ له نُزله وكرامته فذلك عليّون . وقال الكلبي : هي صخرة تحت الأرض السابعة السفلى خضراء خضرة السموات منها ، يجعل كتاب الفجار تحتها ، وقال وهب : هي آخر سلطان إبليس . وأخبرني عقيل : إن المعافى أخبرهم عن ابن جرير قال : حدّثني إسحاق بن وهب الواسطي قال : حدّثنا مسعود بن موسى بن مشكان قال : حدّثنا نصر بن خزيمة عن شعيب بن صفوان عن القرطي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الفلق جبّ في جهنم مغطّى وأما سجين جبّ في جهنم مفتوح " . وأخبرنا أبو القمر الصفار قال : أخبرنا حاجب بن أحمد قال : حدّثنا محمد بن حماد قال : حدّثنا يحيى بن سليم الطائفي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله سبحانه : { إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ } قال : سجّين صخرة تحت الأرض السابعة تقلب فيجعل كتاب الفجّار تحتها ، وقال عكرمة : أي لفي خسار وضلال ، والمعنى أنه أراد بطلان أعمالهم وذهابها بلا محمده ولا ثواب وهذا سائغ مستفيض في كلام الناس ، يقولون لمن خمل ذكره وسقط قدره قد لزق بالحضيض ، وقال الأخفش : لفي حبس ضيق شديد ، وهو فعّيل من السجّن كما يقال فسّيق وشرّيب قال ابن مقبل : @ ورفقه يضربون البيّض ضاحيّة ضرباً تواصت به الأبطال سّجيناً @@ { وَمَآ أَدْرَاكَ } يا محمد { مَا سِجِّينٌ } أي ذلك الكتاب الذي في السجّين ثم منّ فقال : { كِتَابٌ } أي هو كتاب { مَّرْقُومٌ } مكتوب مثبت عليهم كالرقم في الثوب لا ينسى ولا يمحى حتى يجازوا به وقال قتادة : رُقم لهم بشرّ وقيل : مختوم بلغة حمير . { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ * ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ * وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا } قراءة العامة تتلى ، وقرأ أبو حيان بالياء لتقديم الفعل . { قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ * كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } أخبرنا الحسين قال : حدّثنا الفضل قال : حدّثنا أبو الحسن أحمد بن مكرم التربي ببغداد قال : حدّثنا علي المكرمي قال : حدّثنا الوليد بن مسلم قال : سمعت محمد بن عجلان يقول : حدّثني القعقاع بن حكم أن أبا صالح السمّان قال أن أبا هريرة حدّثه أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنّ العبد إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب صُقل قلبه وإن عاد زادت حتى يسوّد قلبه " قال : فذلك قوله سبحانه { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } " وكذا قال المفسرون : هو الذنب على الذنب حتى يسوّد القلب ، وقال حذيفة بن اليمّان : القلب مثل الكفّ فإذا أذنب العبد انقبض وقبض أصبعاً من أصابعه ثم إذا أذنب انقبض وقبض إصبعاً أخرى ، ثم إذا أذنب انقبض وقبض أصابعه ثم يطبع عليه فكانوا يرون أنّ ذلك هو الرين ، ثمّ قرأ هذه الآية . وقال بكر بن عبد الله : إنّ العبد إذا أصاب الذنب صار في قلبه كوخزة الإبرة ثمّ إذا أذنب ثانياً صار كذلك فإذا كثرت الذنوب صار القلبُ كالمنخل أو كالغربال ، وقال الحسن : هو الذنب على الذنب حتى لعله يصديء القلب ، وقال ابن عباس : طبع عليها ، عطا : غشيت على قلوبهم فهوت بها فلا يفزعون ولا يتحاشون ، وقيل : قلبها فجعل أسفلها أعلاها ، نظيره قوله سبحانه { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ } [ الأنعام : 110 ] وأصل الرين الغلبة ، يقال : رانت الخمر على عقله إذا غلبت عليه فسكر ، وقال أبو زبيد الطائي : @ ثم إذا رآه رانت به الخمـ ر وأن لا يرينه باتّقاء @@ وقال الراجّز : @ لم نرو حتى هجّرت ورين بي ورين بالسّاقي الذي أمسّى معي @@ معنى الآية غلب على قلوبهم وأحاطت بها حتى غمرتها وغشيتها .