Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 42-49)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم نزل في المتخلفين عن غزوة تبوك من المنافقين { لَوْ كَانَ } اسمه مضمر أي لو كان ما يدعوهم إليه { عَرَضاً قَرِيباً } غنيمة حاضرة { وَسَفَراً قَاصِداً } وموضعاً قريباً . قال المبرّد : قاصداً أي ذا قصد نحو تامر ولابن ، وقيل : هو طريق مقصود فجعلت صفته على [ فاعلة بمعنى مفعولة ] كقوله { عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } [ الحاقة : 21 ] أي مرضية . { لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ } يعني المسافة وقال الكسائي : هي الغزاة التي يخرجون إليها ، وقال قطرب : هي السفر البعيد سمّيت شقة لأنّها تشقّ على الانسان ، والقراءة بضم الشين وهي اللغة الغالبة ، وقرأ عبيد ابن عمير بكسر الشين وهي لغة قيس . { وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا } قرأ الأعمش بضم الواو لأن أصل الواو الضمة ، وقرأ الحسن بفتح الواو لأن الفتح أخفّ الحركات ، وقرأ الباقون بالكسر لأن الجزم يحرّك بالكسر { لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ } بالحلف الكاذب { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } في أيمانهم [ واعتلالهم ] { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ } قدّم العفو على القتل . قال قتادة وعمرو بن ميمون : شيئان فعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يؤمر بهما : إذنه للمنافقين وأخذه من الأُسارى الفدية فعاتبه الله كما تسمعون . وقال بعضهم : إنّ الله عز وجل وقّره ورفع محله [ فهو افتتاح ] الكلام بالدعاء له ، كما يقول الرجل لمخاطبه إن كان كريماً عنده : عفا الله عنك ماصنعت في حاجتي ورضي الله عنك إلاّ زرتني ، وقيل : معناه : أدام الله لك العفو . { لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ } في أعذارهم { وَتَعْلَمَ ٱلْكَاذِبِينَ } فيها { لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } إلى قوله تعالى { وَٱرْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ } شكّت ونافقت قلوبهم { فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ } متحيّرين ، { ولو أرادوا الخروج } إلى الغزو { لأَعَدُّواْ } لهيّأوا { لَهُ عُدَّةً } وهي المتاع والكراع { وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ } لم يرد الله { ٱنبِعَاثَهُمْ } [ خروجهم ] { فَثَبَّطَهُمْ } فمنعهم وحبسهم { وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ } في بيوتكم { مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ } يعني المرضى والزمنى ، وقيل : النساء والصبيان . { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم } الآية ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس بالجهاد لغزوة تبوك ، فلمّا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وعسكره على ثنيّة الوداع ، ولم يكن بأقلّ العسكرين ، فلمّا سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عنه عبد الله بن أُبيّ فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب ، فأنزل الله تعالى [ يعزي ] نبيه صلى الله عليه وسلم { لو خرجوا فيكم } يعني المنافقين { مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً } فساداً ، وقال الكلبي : شرّاً وقيل : غدراً ومكرا { ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ } يعني ولأوضعوا ركابهم بينكم ، يقال : وضعت الناقة تضع وضعاً ووضوعاً إذا أسرعت السير ، وأوضعها أيضاعاً أي جدّ بها فأسرع ، قال الراجز : @ يا ليتني فيها جذع أخبّ فيها وأضعْ وقال : أقصرْ فإنك طالما أوضعت في إعجالها @@ قال محمد بن إسحاق يعني : أسرع الفرار في أوساطكم وأصل الخلال من الخلل وهو الفرجة بين الشيئين وبين القوم في الصفوف وغيرها ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " تراصّوا في الصفوف لايخللكم الشيطان كأولاد الحذف " . { يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ } أي يبغون لكم ، يقول : يطلبون لكم ماتفتنون به ، يقولون : لقد جمع [ العدو ] لكم فعل وفعل ، يخبلونكم . وقال الكلبي : يبغونكم الفتنة يعني الغيب والسر ، وقال الضحاك : يعني الكفر ، يقال فيه : بغيته أبغيه بغاء إذا التمسته بمعنى بغيت له ، ومثله عكمتك إن عكمت لك فيها ، وإذا أرادوا أعنتك عليه قالوا : أبغيتك وأحلبتك وأعمكمتك . { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } قال مجاهد وابن زيد بينكم عيون لهم عليكم [ يوصلون ] مايسمعون منكم ، وقال قتادة وابن يسار : وفيكم من يسمع كلامهم ويطبعهم { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ * لَقَدِ ٱبْتَغَوُاْ ٱلْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ } أي عملوا بها لصد أصحابك عن الدين وردهم إلى الكفر بتخذيل الناس عنك قبل هذا اليوم ، كفعل عبد الله بن أبي يوم أحد حين انصرف عنك بأصحابه { وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلأُمُورَ } أجالوا فيك وفي إبطال دينك الرأي بالتخذيل عنك وتشتّت أصحابك . { حَتَّىٰ جَآءَ ٱلْحَقُّ } أي النصر والظفر { وَظَهَرَ أَمْرُ ٱللَّهِ } دين الله { وَهُمْ كَارِهُونَ * وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي } الآية . نزلت في جد بن قيس المنافق وذلك " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا تجهّز لغزوة تبوك ، قال له : يا أبا وهب ، هل لك في جلاد بني الأصفر تتخذ منهم وصفاء ، قيل : وإنما أمر بذلك لأن الحبش غلبت على ناحية الروم فولدت لهم بنات قد أنجبت من بياض الروم وسواد الحبشة فكنّ صفر اللعس ، فلمّا قال له ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جد : يارسول الله لقد عرفت قومي أني رجل مغرم بالنساء وأني أخشى إن رأيت بنات الأصفر أن لا أصبر عنهن فلا تفتنّي بهن وائذنْ لي في القعود وأُعينك بمالي ، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : قد أذنت لك " ، فأنزل الله [ ومنهم ] يعني ومن المنافقين [ من يقول أئذن لي ] في التخلف [ ولا تفتنّي ] ببنات الأصفر ، قال قتادة : ولا تأتمنّي { أَلا فِي ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ } ألا في الإثم والشرك وقعوا بخيانتهم وخلافهم أمر الله ورسوله { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } مطيقة بهم وجامعتهم فيها ، فلما نزلت هذه الآية " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني سلمة وكان منهم : من سيّدكم ؟ قالوا : جدّ بن قيس غير أنه نحيل جبان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وأي داء أدوى من البخل ، بل سيّدكم الفتى الأبيض الجعد بشر بن البراء بن معرور ، " فقال فيه حسّان :