Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 50-59)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ } نصر وغنيمة { تَسُؤْهُمْ } [ يعني ] بهم المنافقين { وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا } عُذرنا وأخذنا الجزم في القعود وترك الغزو { مِن قَبْلُ } من قبل هذه المصيبة . { قُل } لهم يا محمد { لَّن يُصِيبَنَآ } وفي مصحف عبد الله : قل هل يصيبنا ، وبه قرأ طلحة ابن مصرف { إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا } في اللوح المحفوظ ، ثم قضاه علينا { هُوَ مَوْلاَنَا } وليّنا وناصرنا وحافظنا ، وقال الكلبي : هو أولى بنا من أنفسنا في الموت والحياة { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ * قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ } تنتظرون { بِنَآ } أيها المنافقون { إِلاَّ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ } أما النصر والفتح مع الأجر الكبير ، وأمّا القتل والشهادة وفيه الفوز الكبير . أخبرنا أبو القاسم الحبيبي قال : حدّثنا جعفر بن محمد العدل ، حدّثنا أبو عبد الله محمد ابن إبراهيم العبدي ، حدّثنا أبو بكر أُمية بن بسطام ، أخبرنا يزيد بن بزيع عن بكر بن القاسم عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يضمن الله لمن خرج في سبيله ألاّ يخرج إيماناً بالله وتصديقاً برسوله أن ( يرزقه ) الشهادة ، أو يردّه إلى أهله مغفوراً له مع ما نال من أجر وغنيمة " . { وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ } إحدى الحسنيين { أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ } فيهلكهم الله كما أهلك الامم الخالية . قال ابن عباس : يعني الصواعق ، قال ابن جريج يعني الموت [ والعقوبة ] بالقتل بأيدينا كما أصاب الامم الخالية من قبلنا { فَتَرَبَّصُوۤاْ } هلاكنا { إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ } وقال الحسن : فتربصوا مواعيد الشيطان إنّا معكم متربّصون مواعيد الله من إظهار دينه واستئصال من خالفه ، وكان الشيطان يمنّي لهم بموت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) . { قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } نزلت في منجد بن قيس حين أستاذن النبي صلى الله عليه وسلم في القعود عن الغزوة ، وقال : هذا مالي اُعينك به ، وظاهر الآية أمر معناه خبر وجزاء تقديره : إن أنفقتم طوعاً أو كرهاً فليس بمقبول منكم كقول الله عز وجل : { وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ } الآية [ آل عمران : 159 ] [ النساء : 64 ] [ النور : 62 ] . قال الشاعر : @ أسيئي بنا أو أحسني لا ملامة لدينا ولا مقلية إن تفلت @@ { إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ } منافقين { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ } قرأ نافع وعاصم ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي : ( أن يقبل ) بالياء لنعتهم الفعل ، الباقون بالتاء { نَفَقَاتُهُمْ } صدقاتهم { إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِ } الاولى في موضع نصب ، و « أن » الثانية في محل رفع تقديره : ومامنعهم قبول نفقاتهم إلاّ كفرهم { وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ } مستاؤون لأنهم لا يرجون بأدائها ثواباً ، ولايخافون بتركها عقاباً { وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } لأنهم يتخذونها مغرماً ومنعها مغنماً . { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ } لأن العبد إذا كان من الله تعالى في استدراج [ . … ] { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } قال مجاهد وقتادة والسدّي : في الآية تقديم وتأخير تقديرها : فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة . وقال الحسن : إنما يريد الله أن يعذبهم في الحياة الدنيا بالزكاة والنفقة في سبيل الله ، وقال ابن زيد : بالمصائب فيها ، وقيل التعب في جمعه ، والوجل في حفظه وحبه . { وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ } أي تخرج وتذهب أنفسهم على الكفر : يقال : زهقت الخيول أي خرجت عن الحلبة ، وزهق السهم إذا خرج عن الهدف ، وزهق الباطل أي اضمحل ، قال المبرّد : وفيه لغتان : زَهَق يزهِق وزهيق يزهق . { وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ } على دينكم { وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ } يخافون { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً } يعني حرزاً وحصناً ومعقلاً ، وقال عطاء مهرباً ، وقال ابن كيسان : قوماً يأمنون فيهم { أَوْ مَغَارَاتٍ } غيراناً في الجبال ، وقال عطاء : سرادب ، وقال الاخفش : كلّ ما غرتَ فيه فغبت فهو مغارة ، وهي مفعلة من غار الرجل في الشيء يغور فيه إذا دخل ، ومنه غار الماء وغارت العين إذا دخلت في الحدقة ، ومنه غور تهامة ، والغور : ما انخفض من الأرض ، وقرأ عبد الرحمن بن عوف مُغارات بضم الميم جعله مفعلاً من أغار يُغير إذا أسرع ومعناه موضع فرارا ، قال الشاعر : @ فعدّ طلابها وتعدّ عنها بحرف قد تغير إذ تبوع @@ { أَوْ مُدَّخَلاً } موضع دخول ، وهو مفتعل من تدخّل يتدخّل متدخّل ، وقال مجاهد : مدّخلا : محرزاً . قتادة : سرداباً ، وقال الكلبي وابن زيد : نفقاً كنفق اليربوع ، وقال الضحاك : مأوىً يأوون إليه ، وقال الحسن : وجهاً يدخلونه على خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن كيسان : دخلا من مدخلا لاينالهم منكم مايخافون [ منه ] وقرأ الحسن : أو مدخلاً ، مفتوحة الميم خفيفة الدال من دخل يدخل ، وقرأ مسلمة بن محارب مُدخلاً بضم الميم وتخفيف الدال من دخل يدخل ، وقرأه أُبيّ مندخلا ، منفعل من اندخل . كما قال : @ فلا يدي في حميت السكن تندخل @@ وقرأ الأعرج بتشديد الدال والخاء [ … ] جعله متّفعلا ثم أدغم التاء في الدال كالمزمّل والمدّثر { لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ } لأدبروا إليه هرباً منكم ، وفي حرف أُبي : لولّوا وجوههم إليه ، وقرأ الأعمش والعقيلي : لوالوا إليه بالألف من الموالاة أي تابعوا وسارعوا . وروى معاوية بن نوفل عن أبيه عن جده وكانت له صحبة لولوا إليه بتخفيف اللام لأنها من التولية يقال : ولي إليه بنفسه إذا انصرف ولولوّا إليه من المولي { وَهُمْ يَجْمَحُونَ } يسرعون في الفرار [ لا يردهم شيء ] . قال الشاعر أبان بن ثعلب : @ سبوحاً جموحاً وإحضارها كمعمعة السعف الموقد @@ وقيل : إن الجماح مشي بين مشيين وهو مثل [ الصماح ] . قال مهلهل : @ لقد جمحت جماحاً في دمائهمُ حتى رأيت ذوي أحسابهم خمدوا @@ وقرأ الأعمش : وهم يجمزون أي يسرعون ويشدّون { وَمِنْهُمْ } يعني من المنافقين { مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ } . الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري ، قال : " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم قسماً قال ابن عباس كانت غنائم هوازن يوم حنين جاء ابن ذي الخريصر التميمي وهو حرقوص بن زهير اصل الخوارج فقال : اعدل يارسول الله ، فقال : ويلك ومن يعدل أن لم أعدل . فقال عمر : يارسول الله ائذن لي فأضرب عنقه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعه فأن له أصحاباً يحتقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فينظر في قذذه فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر فلا يوجد فيه شيء ، وقد سبق الفرث والدم ، أشبههم برجل أسود في إحدى يديه ، أو قال : أحدى ثدييه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر ، يخرجون على فترة من الناس ، وفي غير هذا الحديث : وإذا خرجوا فاقتلوهم ثم إذا خرجوا فاقتلوهم ، ثم إذا اخرجوا فاقتلوهم . " فنزل ، { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ } أي يعيبك في أمرها ، ويطعن عليك فيها يقال : همزة لمزة . قال الشاعر : @ إذا لقيتُك عن شحط تكاشرني وإنْ تغيبتُ كنتَ الهامز اللمزة @@ وقال مجاهد : يهمزك : يطعنك ، وقال عطاء : يغتابك ، وقال الحسن والأعرج وأبو رجاء وسلام ويعقوب : يلمزُك بضم الميم ، وروى عوف بن كثير يلمِزك بكسر الميم خفيفة { فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ } وقرأ [ إياد بن لقيط ] : ساخطون . قال ابن زيد : هؤلاء المنافقون قالوا : والله لا يعطيها محمد إلا من أحب ولا يؤثر بها إلاّ هواه . { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ } إلى قوله { رَاغِبُونَ } في أن يوسع علينا من فضله فيغنينا عن الصدقة وغيرها من أموال الناس ، وقال ابن عباس : راغبون إليه فيما يعطينا من الثواب ، ويصرف عنا من العقاب .