Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 6-11)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ } معناه وإن استجارك أحد ، لأن حروف الجر لاتلي غير الفعل يقول الشاعر : @ عاود هراة وإن معمورها خربا @@ أي وإن غرب معمورها . وقال آخر : @ أتجزع إن نفس أتاها حمامها فهلاّ التي عن بين جنبيك تدفع @@ ومعنى الآية : وإن أحد من المشركين الذين أمرتك بقتالهم وقبلهم استجارك أي استعاذ بك واستأمنك بعد انسلاخ الأشهر الحرم ليسمع كلام الله { فَأَجِرْهُ } فأعذه وأمنه { حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ } فتقيم عليه حجة الله ، وتبين له دين الله عز وجل ، فإن أسلم فقد نال عز الإسلام وخير الدنيا والآخرة وصار رجلاً من المسلمين ، وإن أبى أن يسلم { ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } دار قومه فإن قاتلك بعد ذلك فقدرت عليه فاقتله { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ } دين الله وتوحيده . قال الحسن : وهذه الآية محكمة إلى يوم القيامة وليست بمنسوخة . قال سعيد بن جبير : جاء رجل من المشركين إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فقال : إن أراد الرجل منا أن يأتي محمداً بعد انقضاء هذا الأجل يسمع كلامه أو يأتيه لحاجته ، فقال علي لا لأن الله عز وجل يقول : { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ } الآية . { كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ } على [ معنى ] التعجب ، ومعناه جحد أي لا يكون لهم عهد ، كما تقول في الكلام : هل أنت إلا واحد منّا ، أي أنت ، وكيف يستيقن مثلك ؟ أي لايستيقن ، ومنه : هل أنت إلا أصبع دميتِ وفي سبيل الله ما لقيتِ ثم استثنى فقال : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } واختلفوا فيه فقال ابن عياش : هم قريش ، وقال قتادة وابن زيد : هم أهل مكة الذين عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ، قال الله عز وجل { فَمَا ٱسْتَقَامُواْ لَكُمْ } على العهد { فَٱسْتَقِيمُواْ لَهُمْ } قالوا : فلم يستقيموا ونقضوا العهد وأعانوا بني بكر على خزاعة ، فضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفتح بأربعة أشهر يختارون من أمرهم أما أن يسلموا ، واما أن يلحقوا بأي بلاد شاؤوا ، فأسلموا قبل الأربعة أشهر . قال السدي وابن إسحاق والكلبي : هم من قبائل بكر بن خزيمة وهو مدلج وبنو ضمرة وبنو الدئل ، وهم الذين كانوا قد دخلوا في عهد قريش ، وعقدهم يوم الحديبية إلى المدة التي كانت بين رسول الله وبين قريش ، فلم يكن نقضها إلا قريش وبنو الدئل من بني بكر ، فأمر بأتمام العهد لمن لم يكن نقض من بني بكر إلى مدته ، وهذا القول أقرب إلى الصواب ، لأن هذه الآيات نزلت بعد نقض قريش العهد وبعد فتح مكة ، فكيف يأتي شيء قد مضى . { فَمَا ٱسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَٱسْتَقِيمُواْ لَهُم } وإنما هم الذين قال الله عز وجل إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئاً كما نقصكم قريش ، ولم يظاهروا عليكم أحد كما ظاهرت ( من ) قريش بني بكر على خزاعة ( سلفا ) رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) . { كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ } مردود على الآية الأُولى تقديره : كيف يكون لهؤلاء عهودٌ وهم إن يظهروا عليكم يظفروا فيقتلوكم ] { لاَ يَرْقُبُواْ } قال ابن عباس : لا يحفظوا ، وقال الاخفش : كيف لايقتلونهم ، وقال الضحاك : لا ينتظروا ، وقال قطرب : لا يراعوا { فِيكُمْ إِلاًّ } قال ابن عباس والضحاك : قرابة ، وقال يمان : رحِماً ، دليله قول حسان : @ لعمرك إنّ إلّك من قريش كإلّ السقب من رأل النعام @@ وقال قتادة : الإلّ : الحلف ، دليله قول أوس بن حجر : @ لولا بنو مالك والالّ من فيه ومالك فهم اللألاء والشرف @@ وقال السدّي وابن زيد : هو العهد ، ولكنه لما اختلف اللفظان كرّر وإن كان معناهما واحداً كقول الشاعر : @ وألفى قولها كذبا ومينا @@ وهو إحدى الروايتين عن مجاهد يدلّ عليه قول الشاعر : @ وجدناهُم كاذباً إلّهم وذو الإلّ والعهد لا يكذب @@ وقيل : هو اليمين والميثاق ، وقال أبو مجلز ومجاهد في ساير الروايات : الإلّ هو الله عز وجل ، وكان عبيد بن عميرة يقرأ جبرإلّ بالتشديد ، يعني عبد الله ، وفي الخبر أنّ ناساً قدموا على أبي بكر الصديق رضي الله عنه من قوم المسلمين فاستقرأهم أبو بكر كتاب مسيلمة فقرأوا ، فقال أبو بكر : إن هذا الكلام لم يخرج من إلّ . والدليل على هذا التأويل قراءة عكرمة : لايرقبون في مؤمن ايلاً ، بالياء يعني بالله عز وجل مثل جبرئيل وميكائيل { وَلاَ ذِمَّةً } عهداً وجمعها ذمم ، وقيل : تذمماً ممن لا عهد له { يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ } يعطونكم ويرونكم بألسنتهم خلاف مافي قلوبهم مثل قول المنافقين { وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ } الإيمان { وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ } ناكثون ناقضون كافرون . { ٱشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً } وذلك أنّهم نقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا أطعمهم أبو سفيان بن حرب ، وقال مجاهد : أطعم أبو سفيان حلفاً وترك حلف محمد صلى الله عليه وسلم { فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ } فمنعوا الناس عن دينه وعن الدخول فيه ، قال عطاء كان أبو سفيان يعطي الناقة والطعام ليصدّ الناس بذلك عن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن عباس : وذلك أن أهل الطائف أمدِّوهم بالأموال ليقوّوهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعداوته . { إِنَّهُمْ سَآءَ } بئس { مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً } يقول : لا تبقوا عليهم أيّها المؤمنون كما لا يبقون عليكم لو ظهروا عليكم . { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُعْتَدُونَ } بنقض العهد { فَإِن تَابُواْ } من الشرك { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ } يعني فهم أخوانكم { فِي ٱلدِّينِ } لهم ما لكم وعليهم ما عليكم { وَنُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } قال ابن عباس : حرّمت هذه الآية دماء أهل القبلة . وقال ابن زيد : افترض الصلاة والزكاة جميعاً ولم يفرق بينهما ، وأبى أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة ، وقال : يرحم الله أبا بكر فكان ماأفقهه ، وقال ابن مسعود : أُمرتم بالصلاة والزكاة فمن لم يزكِّ لاصلاة له .