Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 12-18)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِن نَّكَثُوۤاْ } نقضوا يقال منه : نكث فلان قويَّ حبله إذا نقضه { أَيْمَانَهُم } عهودهم { مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ } عقدهم { وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ } ثلبوه وعابوه وذلك انهم قالوا : ليس دين محمد بشيء { فَقَاتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ } قرأ أهل الكوفة أأُمّة الكفر بهمزتين على التحقيق لأن أصلها أمّمة مثل : مثال وأمثله وعماد وأعمدة ، ثم أُدغمت الميم التي هي عن أفعلة في الميم الثانية ونُقلت حركتها إلى الهمزة الساكنة التي هي فاء الفعل فصار أئمة ، فإنّما كتبت الهمزة الثانية ياءً لما فيها من الكسرة وهي لغة تميم ، وقرأ الباقون : أيمة ( بهمزة واحدة ) من دون الثانية طلباً للخفّة ، أئمّة الكفر : رؤوس المشركين وقادتهم من أهل مكة . قال ابن عباس : نزلت في أبي سفيان بن حرب والحرث بن هشام وسهيل بن عمرو ، وعكرمة بن أبي جهل ، وسائر رؤساء قريش يومئذ الذين نقضوا العهد ، وهم الذين همّوا بإخراج النبي صلى الله عليه وسلم وقال مجاهد : هم أهل فارس الروم ، وقال حذيفة بن اليمان : ما قُوتل أهل هذه الآية ولم يأت أهلها بعد { إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ } عهودهم ، جمع يمين أي وفاء باليمين . قال قطرب : لا وفاء لهم بالعهد وأنشد : @ وإن حَلَفَتْ لاينقض النّأيّ عهدَها فليس لمخضوب البنان يمين @@ الحسين وعطاء وابن عامر : لا إيمان لهم بكسر الهمزة ، ولها وجهان : أحدهما لاتصديق لهم ، يدل عليه تأويل عطية العوفي قال : لا دين لهم ولا ذمّة ، فلا تؤمنوا بهم فاقتلوهم ، حيث وجدتموهم فيكون مصدراً من الإيمان الذي هو ضد الاخافة قال الله عز وجل : { وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } [ قريش : 4 ] { لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } لكي ينتهوا عن الطعن في دينكم والمظاهرة عليكم ، وقيل : عن الكفر . ثم قال حاضّاً المسلمين على جهاد المشركين { أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ } نقضوا عهودهم { وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ } محمد صلى الله عليه وسلم من مكة { وَهُم بَدَءُوكُمْ } بالقتال { أَوَّلَ مَرَّةٍ } يعني يوم بدر ، وقال أكثر المفسرين : أراد بدؤوكم بقتال خزاعة حلفاء رسول الله { أَتَخْشَوْنَهُمْ } أتخافونهم فتتركون قتالهم { فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ } تخافوه في ترككم قتالهم { إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ * قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ } يقتلْهم الله { بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ } يذلّهم بالأسر والقهر { وَيَنْصُرْكُمْ } ويظهركم { عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ } ويبرئ قلوب { قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } بما كانوا ينالونه من الأذى والمكروه منهم . قال مجاهد والسدي : أراد صدور خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ } كربها ووجدها بمعونة قريش نكداً عليهم . ثم قال مستأنفاً { وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ } يهديه للاسلام كما فعل بأبي سفيان ، وعكرمة ابن أبي جهل وسهيل بن عمرو { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } وقرأ الاعرج وعيسى وابن أبي إسحاق : ويتوب على النصب على الصرف . قوله { أَمْ حَسِبْتُمْ } أظننتم ، وإنما دخل الميم لأنه من الاستفهام المعترض بين الكلام فأُدخلت فيه أم ليفرّق بينه وبين الاستفهام والمبتدأ ، واختلفوا في المخاطبين بهذه الآية : قال الضحاك عن ابن عباس قال : يعني بها قوماً من المنافقين كانوا يتوسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج معه للجهاد دفاعاً وتعذيرا والنفاق في قلوبهم . وقال سائر المفسرين : الخطاب للمؤمنين حين شقّ على بعضهم القتال وكرهوه فأنزل الله تعالى { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ } ولا تُؤمروا بالجهاد ولا تُمتحنوا ليظهر الصادق من الكاذب ، والمطيع من العاصي { وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ } في تقدير الله ، والألف صلة { جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً } بطانة وأولياء يوالونهم ويفشون إليهم أسرارهم ، وقال قتادة وليجة : خيانة وقال الضحّاك : خديعة ، وقال ابن الأنباري : الوليجة قال : خيانة ، والولجاء الدخلاء ، وقال الليثي : خليطاً ورِدأً . وقال عطاء : أولياء ، وقال الحسن : هي الكفر والنفاق ، وقال أبو عبيدة : كل شيء أدخلته في شيء ليس منه فهو وليجة ، والرجل يكون في القوم وليس منهم وليجة ، وأصله من الولوج ومنه سمي ( الكناس ) الذي يلج فيه الوحش تولجاً . قال الشاعر : @ من زامنها الكناس تولّجاً @@ فوليجة الرجل من يختصه بدخلة منها دون الناس يقال : هو وليجتي وهم وليجتي للواحد وللجميع . وأنشد أبان بن تغلب : @ فبئس الوليجة للهاربين والمعتدين وأهل الريب @@ { وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } قراءة العامة بالتاء متعلق بالله بقوله : { أَمْ حَسِبْتُمْ } وروى الحسن عن أبي عمرو بالياء ومثله روى عن يعقوب أيضاً . { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله } قال ابن عباس : لمّا أُسر أبي يوم بدر أقبل عليه المسلمون فعيّروه بكفره بالله عز وجل وقطيعة الرحم وأغلظ عليٌّ له القول ، فقال العباس : إنكم تذكرون مساوئنا ولا تذكرون محاسننا ، قال له علي : ألكم محاسن ؟ قال : نعم ، إنا لنعمر المسجد ونحجب الكعبة ونسقي الحاج ونفك : العاني ، فأنزل الله تعالى رادّاً على العباس { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ } يقول : ما ينبغي للمشركين أن يعمروا ، قرأت العامة بفتح الياء وضم الميم من عمر يعمر ، وقرأ ابن السميقع يُعمر بضم الياء وكسر الميم أي يعينوا على العمارة ، أو يجعلوه عامراً ، ويريد : إن المساجد إنما تعمر بعبادة الله وحده ، فمن كان بالله كافراً فليس من شأنه أن يعمرها ، وقال الحسن : ما كان للمشركين أن يتركوا فيكونوا أهل المسجد الحرام . واختلف القراء في قوله : ( مساجد الله ) قال ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وابن أبي رباح وحميد بن كثير وأبو عمرو : مسجد الله بغير ألف أرادوا المسجد الحرام ، واختاره أبو حاتم لقوله تعالى : { فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ } ، وقرأ الباقون ( مساجد ) بالألف على الجمع ، واختاره أبو عبيد لأنّه أعم القراءتين . قال الحسن : فإنّما قال ( مساجد الله ) لأنّه قبلة المساجد كلها وأمامها ، وقال أبو حاتم أنّ عمران بن جدير قال لعكرمة : إنما يُقرأ : مساجد الله وإنّما هو مسجد واحد ؟ فقال عكرمة : إن الصفا والمروة من شعائر الله ، وقال الضحاك ومجاهد : حدّث العرب بالواحد إلى الجمع والجمع إلى الواحد ، ألاترى الرجل على البرذون يقول ركبت البراذين ؟ ويقال للرجل : إنّه لكثير الدر والذمار ، وتقول العرب : عليه أخلاق نعل واسمال ثوب . وأنشدني أبو الجراح العقيلي : @ جاء الشتاء وقميصي أخلاق وشرذم يضحك مني التواق @@ يعني : خَلِق . وقوله : { شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ } أراد وهم شاهدون ، فلمّا طرحت ( وهم ) نصبت ، وقال الحسن : يقولون : نحن كفار ( نشهد ) عليهم بكفرهم ، وقال السدّي : شهادتهم على أنفسهم بالكفر هي أن النصراني يُسأل : ما أنت فيقول : نصراني ، واليهودي فيقول : يهودي والصابئي ، فيقول : صابئي ويقال للمشرك : ما دينك ؟ فيقول : مشرك . وقال حمزة عن الضحاك عن ابن عباس : شهادتهم على أنفسهم بالكفر سجودهم لأصنامهم وإقرارهم بأنّها مخلوقة ، وذلك أنّ كبار قريش نصبوا أصنامهم خارجاً من بيت الله الحرام عند القواعد ، وكانوا يطوفون بالبيت عراة ويقولون : لا نطوف وعلينا ثياب قد عملنا فيها بالمعاصي ، وكانوا يصفقون ويصفرون ويقولون : إن تغفر اللهم تغفره جمّا ، وأي عبد لك لا ألمّا ( … ) سجدوا لأصنامهم فلم يزيدوا بذلك من الله إلاّ بعداً ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية { أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي ٱلنَّارِ هُمْ خَالِدُونَ } . ثم قال : { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ } قرأ العامة بالألف ، وقرأ الجحدري : مسجد الله أراد المسجد الحرام { مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاَةَ وَآتَىٰ ٱلزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ } ( لأنّ عسى ) من الله واجب { فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } روى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم " إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان فإن الله عز وجل يقول { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } " .