Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 90, Ayat: 11-20)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } يعني فلم يجاوز بهذا الإنسان العقبة فيأمر . قال الفراء أفرد قوله : { فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } بذكر لا مرّة واحدة ، والعرب لا تكاد تفرد لا مع الفعل الماضي ، وفي مثل هذا الموضع حتّى يعيدوها عليه في كلام آخر ، كما قال : { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ } [ القيامة : 31 ] { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ البقرة : 38 ] ، وانّما فعل ذلك كذلك في هذا الموضع استغناء بدلالة آخر الكلام على معناه من إعادتها مرّة واحدة ، وذلك أنّه فسّر اقتحام العقبة بأشياء فقال : { فَكُّ رَقَبَةٍ } الآية ، فكأنه قال في أوّل الكلام فلا فعل ذا ولا ذا ولا ذا . وقال بعضهم : معنى الكلام الاستفهام ، تقديره أفلا اقتحم العقبة ، وإليه ذهب ابن زيد وجماعة من المفسِّرين ، يقول : فهلاّ أنفق ماله في فك الرقاب وإطعام السغبان ليتجاوز بها العقبة ويكون خيراً له من إنفاقه على عداوة محمّد ، ويقال : إنّه شبّه عظم الذنب وثقلها على مرتكبها بعقبة ، فإذا أعتق رقبة وعمل صالحاً كان مثله مثل من اقتحم تلك العقبة ، وهي الذنوب حتّى تذهب وتذوب ، كمن يقتحم عقبة فيستوي عليها ونحوها . وذكر عن ابن عمران : أنّ هذه العقبة جبل في جهنّم ، وقال كعب : هي سبعون دركة في جهنّم ، وقال الحسن وقتادة : هي عقبة شديدة في النار دون الجسر فاقتحموها بطاعة الله سبحانه ، وقال مجاهد والضحّاك والكلبي : هي الصراط يضرب على جهنّم كحدّ السيف مسيرة ثلاثة آلاف سهلاً وصعوداً وهبوطاً ، وأنّ لجنبتيه كلاليب وخطاطيف كأنّها شوك السعدان ، فناج مسلم وناج مخدوس ومكردس في النار منكوس ، فمن الناس من يمرّ عليه كالبرق الخاطف ، ومنهم من يمرّ عليه كالريح العاصف ، ومنهم من يمرّ عليه كالفارس ، ومنهم من يمرّ عليه كالرجل يسير ، ومنهم من يزحف زحفاً ، ومنهم الزالّون والزالاّت ، ومنهم من يكردس في النار ، واقتحامه على المؤمن كما بين صلاة العصر إلى العشاء . وقال قتادة : هذا مثلٌ ضربه الله سبحانه يقول : إنّ المعتق والمطعم تقاحم نفسه وشيطانه مثل من يتلكّف صعود العقبة ، وقال ابن زيد يقول : فهلاّ سلك الطريق التي فيها النجاة والخير ثمّ بيّن ما هي فقال : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ } قال سفيان بن عينية : كلّ شيء قال : { وَمَآ أَدْرَاكَ } فإنّه أخبره به ، وما قال : ( وما يدريك ) فإنّه لم يخبر به . { فَكُّ رَقَبَةٍ } فمن أعتق رقبة كان فداه من النار ، قرأ أبو رجاء والحسن وابن كثير وأبو عمرو والكسائي بنصب الكاف والميم على الفعل كقوله : ثمّ كان ، وقرأ غيرهم بالإضافة على الاسم واختاره أبو عبيدة وأبو حاتم لأنّه تفسير لقوله ( وما أدراك ) ، ثم أخبر ما هي فقال : { فَكُّ رَقَبَةٍ } . { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ } مجاعة . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا عبيد الله بن أبي سمرة قال : حدّثنا محمّد بن عبد الله المستعيني قال : حدّثنا علي بن الحسين البصري قال : حدّثنا حجّاج قال : حدّثنا جرير بن حازم قال : سمعت الحسن وأبا رجاء يقرآن : { فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ } قد لصق بالتراب من الفقر فليس له مأوى إلاّ التراب . وسمعت أبا القاسم الحلبي يقول : سمعت أبا حامد الخازرجي يقول : المتربة هاهنا من التربة وهي شدّة الحال ، وأنشد الهذلي : @ وكنّا إذا ما الضيف حلّ بأرضنا سفكنا دماء البدْن في تربة المال @@ أخبرني الحسن قال : حدّثنا عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي قال : حدّثنا موسى بن إسحاق الأنصاري قال : حدّثنا عبد الحميد بن صالح قال : حدّثنا عيسى بن عبد الرحمن عن طلحة بن مصرف عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب قال : " جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله علّمني عملاً يدخلني الجنّة فقال : " لئن اقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة اعتق النسمة وفكّ الرقبة " ، قال : أوليسا واحداً ؟ قال : " لا ، عتق النسمة أن تفرد بعتقها ، وفكّ الرقبة أن تعين في ثمنها ، والمنحة الوكوف والفيء على ذي الرحم الظالم ، فإن لم تطق ذاك فاطعم الجائع واسق الظمآن ، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر ، فإن لم تطق ذاك فكفّ لسانك إلاّ من خير " . { ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } قيل : ثمّ بمعنى الواو { وَتَوَاصَوْاْ } أوصى بعضهم بعضاً { بِٱلصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْمَرْحَمَةِ } برحمة الناس . { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ * وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ * عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ } قرأ أبو عمرو وعيسى وحمزة ويعقوب بالهمزة ههنا ، وفي سورة الهُمزة وغيرهم بلا همزة ، وهما لغتان . المطبقة ، قال الفراء وأبو عبيدة يقال : أصدت وأوصدت إذا أطبقت وقيل : معنى الهمزة المطبقة وغير الهمزة المغلقة ، ومنه قيل للباب : وصيد .