Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 90, Ayat: 1-10)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لاَ أُقْسِمُ } يعني أقسم { بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } يعني مكّة { وَأَنتَ } يا محمّد { حِلٌّ } حلال { بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } تصنع ما تريد من القتل والأسر ، وذلك أنّ الله سبحانه أحلّ لنبيّه صلى الله عليه وسلم مكّة يوم الفتح حتّى قاتل وقتل ، وأحلّ ما شاء وحرم ما شاء ، وقتل ابن خطل وهو متعلّق بأستار الكعبة ، ومقيّس بن صبابة وغيرهما ثمّ قال : " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن " فأحلّ دم ابن خطل وأصحابه وحرّم دار أبي سفيان ، ثمّ قال صلى الله عليه وسلم : " إنّ الله حرّم مكّة يوم خلق السماوات والأرض ، فهي حرام إلى أن تقوم الساعة ، لم تحلّ لأحد قبلي ولا يحلّ لأحد بعدي ولم يحلّ لي إلاّ ساعة من نهار ، فلا يعضد شجرها ولا نختلي خلالها ولا نفر صيدها ولا يحلّ لقطتها إلاّ المنشد " . فقال العبّاس : يا رسول الله إلاّ الأذخر فإنّه لقيوتنا وقتورنا وبيوتنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إلاّ الأذخر " . وقال شرحبيل بن سعد : معنى قوله : { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } قال : يحرّمون أن تقتلوا بها صيداً أو يعضدوا بها شجرة ، ويستحلّون إخراجك وقتلك . { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } قال عكرمة وسعيد ابن جبير : ( الوالد ) الذي يولد له ( وما ولد ) العاقر الذي لا يولد له ، وروياه عن ابن عبّاس وعلي ، هذا القول تكون ما بقيا ، وهو يُعبد ولا تصحّ إلاّ بإضمار . عطية عنه : الوالد وولده . مجاهد وقتادة والضحّاك وأبو صالح : ووالد آدم وما ولد ولده . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا برهان بن علي قال : حدّثنا عبد الله بن الوليد العكبري قال : حدّثنا محمد بن موسى الحرشي قال : حدّثنا جعفر بن سليمان قال : سمعت أبا عمران الخولي قرأ " وَوَالِدٌ وَمَا وَلَدَ " قال إبراهيم وما ولد . { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِي كَبَدٍ } أي نصّب . عن الوالبي عن ابن عبّاس الحسن : يكابد مصايب الدنيا وشدائد الآخرة . قتادة : في مشقّة فلا يلقاه إلاّ يكابد أمر الدنيا والآخرة . سعيد بن جبير : في شدّة ، وعن الحسن أيضاً : يكابد الشكر على السراء ، والصبر على الضرّاء فلا يخلو منهما . عطية عن ابن عبّاس : في شدّة خلق حمله وولادته ورضاعه وفصاله ومعاشه وحياته وموته . عمرو بن دينار عنه : نبات أسنانه . يمان : لم يخلق الله خلقاً يكابد ما يكابد ابن آدم وهو مع ذلك أضعف الخلق ، وعن سعيد بن جبير أيضاً في ضيق معيشته . ابن كيسان : المكابدة مقاساة الأمر وركوب معظمه ، وأصله الشدّة وهو من الكبد . قال لبيد : @ عين هلا بكيت اربد إذ قمنا وقام الخصوم في كبد @@ وقال مجاهد وإبراهيم وعكرمة وعبد الله بن شدّاد وعطية والضحّاك : يعني منتصباً قائماً معتدل القامة ، وهي رواية مقسم عن ابن عبّاس قال : خلق كلّ شيء يمشي على الأرض على أربعة إلاّ الإنسان ، فإنّه خُلق منتصباً قائماً على رجلين . مقاتل : في قوّة نزلت في ابن الاسدين واسمه أسيد بن كلده بن أسيد بن خلف ، وكان شديداً قويّاً يضع الادم العكاظي تحت قدميه ، فيقول : من أزالني عنه فله كذا وكذا ، فلا يطاق أن تنزع من تحت قدميه إلاّ قطعاً ويبقى موضع قدمه ، ويقال : هو شدّة الأمر والنهي والثواب والعقاب ، وقال ابن زيد : { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ } يعني آدم في كبد أي وسط السماء وذلك حين رفع إلى الجنّة . أبو بكر الوراق : يعني لا يدرك هواه ولا يبلغ مناه . خصيف في معناه ومقاساة وانتقال أحوال نطفة ثمّ علقة إلى آخر تمام الخلق . ابن كيسان : منتصباً رأسه فإذا أذن الله سبحانه في إخراجه انقلب رأسه إلى رجلي أُمّه ، وقيل : جريء القلب غليظ الكبد مع ضعف خلقته ومهانة مادّته . جعفر : أي في بلاء ومحنة . ابن عطاء : في ظلمة وجهل . محمد بن علي الترمذي : مضيّعاً لما يعنيه مشتغلاً بما لا يعنيه . { أَيَحْسَبُ } يعني بالأشدين من قوّته . { أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } يعني الله سبحانه وتعالى ، وقيل : هو الوليد بن المغيرة . أخبرني أبو الضحى عن ابن عبّاس . { يَقُولُ أَهْلَكْتُ } أنفقت { مَالاً لُّبَداً } بعضه على بعض ، وهو من التلبّد في عداوة محمّد . وقال مقاتل : نزلت في الحرث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف ، وذلك أنّه أذنب ذنباً فاستفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يكفّر وقال : لقد ذهب مالي في الكفّارات والنفقات منذ دخلت في دين محمّد . واختلف القرّاء في قوله { لُّبَداً } فقرأ أبو جعفر بتشديد الباء على جمع لابد وراكع ، وقرأ مجاهد بضمّ اللام والباء مخفّفاً كقولك : أمر بكر ورجل جنب ، وقرأ الباقون بضمّ اللام وفتح الباء مخفّفين ، ولها وجهان : أحدهما جمع لبدة ، والثاني على الواحد ، مثل قُثم وحُطم وليس بمعدول . { أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ } يعني الله سبحانه وقيل : محمّد ( عليه السلام ) فيعلم مقدار نفقته ، وكان كاذباً لم ينفق جميع ما قال ، وقال سعيد بن جبير وقتادة : أيظنُّ أن لم يره أحد فيسأله عن هذا المال من أين اكتسبه وأين أنفقه ؟ أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي قال : حدّثني الهيثم بن خلف الدوري قال : حدّثني محمد بن يزيد بن سليمان مولى بني هاشم قال : حدّثنا حسين بن الحسين يعني الأشقر قال : حدّثنا هشام بن شبر عن أبي هاشم عن مخالد عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتّى يُسئل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن علمه ماذا عمل فيه وعن حبّنا أهل البيت " . قال ابن خرجة : ما سمعت هذا الحديث إلاّ من الهيثم . وأخبرنا الحسين قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن هارون بن محمد قال : حدّثنا موسى بن هارون بن عبد الله قال : حدّثنا أبو الربيع الزهراني قال : حدّثنا نعيم بن ميسرة ، قال : أخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال : أخبرني رجل من بني عامر عن أبيه قال : صلّيت خلف النبيّ صلّى الله عليه فسمعته يقول : { أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } { أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ } يعني بكسر السين . { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ } قال قتادة : نعم والله متظاهرة لقهرك بها كتماً لشكر . وأخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن عامر السمرقندي قال : حدّثنا عمر بن يحيى قال : حدّثنا جيغويه قال : حدّثنا صالح بن محمد قال : حدّثنا عبد الحميد المدني عن أبي حازم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ابن آدم إنْ نازعك لسانك فيما حرّمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقين فأطبق ، وإن نازعك بصرك إلى بعض ما حرّمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقين فأطبق ، وإن نازعك فرجك إلى ما حرّمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقين فأطبق " . { وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } قال أكثر المفسّرين : يعني بيّنا له طريق الخير والشرّ والحقّ والباطل والهدى والضلالة كقوله : { إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } [ الإنسان : 3 ] . ودليل هذا التأويل ما أخبرني عبد الله بن حامد إجازة قال : أخبرني أحمد بن يحيى قال : حدّثنا محمّد بن يحيى قال : حدّثنا عبد الرحمن بن مهدي عن قرّة بن خالد عن الحسن قال : قال رسول الله صلّى الله عليه : " إنّما هما نجدان نجد الخير ونجد الشرّ ، فما يجعل نجد الشرّ أحبّ إليكم من نجد الخير " . وأخبرنا محمّد بن عبد الله بن حمدون قال : أخبرنا مكّي قال : حدّثنا عبد الرحمن بن بشر قال : حدّثنا عبد الرزاق قال : حدّثنا أبي عن عمرو بن أبي بكر القرشي عن محمّد بن كعب عن ابن عبّاس في قوله سبحانه : { وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } قال : الثديين ، وإليه ذهب سعيد بن المسيب والضحّاك ، والنجد الطريق في ارتفاع . قال الشاعر :