Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 105-105)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وما دام الخطاب مُوجَّهاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو ككل خطاب مِنَ الحقِّ سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم ، إنما ينطوي على الأمر لكل مؤمن . وإذا ما عبد المؤمن الله سبحانه فهو يستقبل أحكامه ولذلك يأتي الأمر هنا بألا يلتفت وجه الإنسان المؤمن إلى غير الله تعالى ، فيقول الحق سبحانه : { وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً … } [ يونس : 105 ] . فلا يلتفت في العبادة يميناً أو يساراً ، فما دام المؤمن يعبد الله ولا يعبد غيره ، فليعلم المؤمن أن هناك - أيضاً - شِرْكاً خفياً ، كأن يعبد الإنسان مَنْ هم أقوى أو أغنى منه ، وغير ذلك من الأشخاص التي يُفتن بها الإنسان . ونحن عرفنا من قبل قول الحق سبحانه : { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً … } [ النساء : 125 ] . والحنف أصله ميل في الساق ، وتجد البعض من الناس حين يسيرون تظهر سيقانهم متباعدة ، وأقدامهم مُلْتفَّة ، هذا اعوجاج في التكوين . أما المقصود هنا بكلمة حنيفاً أي : معوج عن الطريق المعوج ، أي : أنه يسير باستقامة . ولكن : لماذا يأتي مثل هذا التعبير ؟ لأن الدين لا يجيء برسول جديد ومعجزة جديدة ، إلا إذا كان الفساد قد عَمَّ فيأتي الدين ليدعو الناس إلى الميل عن هذا الفساد . وفي هذا اعتدال لسلوك الأفراد والمجتمع . ويحذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن نقع في الشرك الخفي بعد الإيمان بالله تعالى . ويأتي الكلام عن هذا الشرك الثاني في قول الحق سبحانه : { … وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ يونس : 105 ] . وهذا الشرك الثاني هو أقل مرحلة من شرك العبادة ، ولكن أن تجعل لإنسان أو لأيِّ شيء مع الله عملاً . فإن رأيت - مثلاً - للطبيب أو للدواء عملاً ، فَقُل لنفسك : إن الطبيب هو مَنْ يصف الدواء كمعالج ، ولكن الله سبحانه وتعالى هو الذي يشفي ، بدليل أن الطبيب قد يخطىء مرة ، ويأمر بدواء تحدث منه مضاعفات ضارة للمريض . وعلى المؤمن ألا يُفتنَ في أيِّ سبب من الأسباب . ونذكر مثالاً آخر لذلك ، وهو أن بلداً من البلاد ذات الرقعة الزراعية المتسعة أعلنت في أحد الأعوام أنها زرعت مساحة كبيرة من الأراضي بالقمح بما يكفي كل سكان الكرة الأرضية ، ونبتت السنابل وأينعتْ ، ثم جاءتها ريح عاصف أفسدت محصول القمح ، فاضطرت تلك الدولة أن تستورد قمحها من دول أخرى . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ … } .