Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 104-104)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والشَّكُّ معناه : وضَعْ أمرين في كِفَّتين متساويتين . وهنا يأمر الحق سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يعرض على الكافرين قضية الدين ، وأن يضعوها في كفة ، ويضعوا في الكفة المقابلة ما يؤمنون به . ويترك لهم الحكم في هذا الأمر . هم - إذن - في شك : هل هذا الدين صحيح أم فاسد ؟ وعَرْض الرسول صلى الله عليه وسلم لأمر الدين للحكم عليه ، يعني : أن أمر الدين ملحوظ أيضاً عند أيِّ كافر ، وهو ينتبه أحياناً إلى قيمة الدين . فإن كنتم في شكٍّ من الدين الذي أنزِلَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهل ينتصر الرسول صلى الله عليه وسلم ومَنْ معه عليهم ، أم تكون لهم الغلبة ؟ وحين يعرض الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الدين عليهم ، ويترك لهم الحكم ، فهذه ثقة منه صلى الله عليه وسلم بأن قضايا دينه إنْ نظر إليها الإنسان ليحكم فيها ، فلا بد أن يلتجىء الإنسان إلى الإيمان . ويحسم الحق سبحانه وتعالى أمر قضية الشرك به ، ويستمر أمره إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول : { فَلاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ ٱللَّهَ … } [ يونس : 104 ] . أي : أنه صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يعبد الشركاء وأن يعبد الله لأنه لن يعبد إلا الله { وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ ٱللَّهَ … } [ يونس : 104 ] . ثم جاء سبحانه بالدليل الذي لا مراء فيه ، الدليل القوي ، وهو أن الحق سبحانه وتعالى وحده هو المستحق للعبادة لأنه { ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ } ، ولا يوجد مَنْ يقدر أو يتأبى على قَدَر الله سبحانه حين يُميته . وهنا قضيتان : الأولى : قضية العبادة في قوله سبحانه : { فَلاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ ٱللَّهَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ … } [ يونس : 104 ] . وكان لا بُدَّ أن يأتي أمر المسألتين معاً : مسألة عدم عبادة الرسول لمن هم من دون الله ، ومسألة تخصيص الله تعالى وحده بالعبادة . والفصل واضح بما يُحدِّد قطع العلاقات بين معسكر الإيمان ومعسكر الشرك ، كما أورده الحق سبحانه في قوله : { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } [ الكافرون : 1 - 6 ] . والذين يقولون : إن في سورة الكافرون تكراراً لا يلتفتون إلى أن هذا الأمر تأكيد لقطع العلاقات ليستمر هذا القطع في كل الزمن ، فهو ليس قطعاً مؤقَّتاً للعلاقات . وهذا أول قَطْع للعلاقات في الإسلام ، بصورة حاسمة ليست فيها أية فرصة للتفاهم أو للمساومة ، ويظل كل معسكر على حاله . يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة النصر : { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً } [ النصر : 1 - 3 ] . هنا يتأكد الأمر ، فبعد أن قطع الرسول صلى الله عليه وسلم العلاقات مع معسكر الشرك ، جاء نصر الله سبحانه وتعالى وفَتْحه ، فَهُرِع الناس من معسكر الشرك إلى معسكر الإيمان . هم - إذن - الذين جاءوا إلى الإيمان … هذه هي القضية الأولى : { فَلاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ ٱللَّهَ … } [ يونس : 104 ] . وهم كانوا يعبدون الأصنام المصنوعة من الحجارة . وأنت إذا نظرتَ إلى الأجناس في الوجود ، فأكرمها هو الإنسان الذي سخَّر له الحق سبحانه بقية الأجناس لتكون في خدمته . والجنس الأقل من الإنسان هو الحيوان . ثم يأتي الجنس الأقل مرتبةً من الإنسان والحيوان ، وهو النبات . ثم يأتي الجماد كأدنى الأجناس مرتبةً ، وهم قد اتخذوا من أدنى الأجناس آلهة ، وهذه هي قمة الخيبة . وتأتي القضية الثانية في قول الحق سبحانه وتعالى : { … وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ يونس : 104 ] فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رفض العبادة لمن هُمْ دون الله سبحانه ، فمعنى ذلك أنه لن يعبد سوى الله تعالى . وليس هذا موقفاً سلبياً ، بل هو قمة الإيجاب لأن العبادة تقتضي استقبال منهج الله بأن يطيع أوامره ، ويجتنب نواهيه . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً … } .